أعتقد أن ما يحدث الآن بشأن الانتخابات الرئاسية لهو أشبه بالمراوغة السياسية ولا أجد تعبيراً يصف المشهد السياسي هذا إلا بالمرواغة ، بالرغم من وصف المحللين السياسيين لانتخابات مجلس الشعب الأخيرة بأنها نزيهة لكنها ليست عادلة بسبب بدعة القوائم والفردي التي ستسقط هذا المجلس بحكم قضائي لا محالة اللهم إلا إذا صدر مرسوم يفيد شرعية المجلس وبطلان القانون . لكن انتخابات الرئاسة المقبلة لا أعتقد أنها ستكون نزيهة ولا عادلة في ظل الظروف الانفلاتية التي تعانيها مصر في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير . والأحداث التي مرت بمصر وتمر بها الآن جد سريعة لدرجة أنني أزعم أن الكتاب والمحللين السياسيين سيترحمون على أيام الفتنة السياسية التي نعيشها والحراك السياسي الذي تشهده البلاد بعد استقرارها وعودة الأمن والطمأنينة إلى ربوع الوطن . حتى مقدمي البرامج الحوارية الذين ينعمون بهوس الحوارات السياسية مع كل من هب ودب بدعوى مناقشة وتحليل المشهد السياسي سيفرغون إن شاء الله بعد استقرار الأوضاع إلى ارتشاف القهوة على المقاهي اللهم أيضاً إذا لم يتجهوا إلى تحليل مباريات الدوري الإنجليزي. وعود لانتخابات الرئاسة ، فالمرسوم الدستوري الخاص بشأن الترشح لرئاسة الجمهورية ينص على شرعية كل مواطن مصري الترشح ما لم يكن ذا شبهة جنائية أو رهن جرائم تتعلق بالمال العام أو أن يكون قد صدر في حقه حكماً قضائياً يعلن أنه حرامي كبير قوي . انتفاء هذه الشروط سيجعل المئات من أبناء الشعب المصري يهرعون إلى إعلان الترشح لمنصب رئيس جمهورية مصر العربية ، وهذا حق دستوري كفله الدستور الذي لم يعد أساساً ويكفله القانون بعد عودة الاستقرار إلى المحاكم وعودة العمل نتيجة الاضرابات التي يقيمها الموظفون بالمحاكم . وكل ما تم ذكره من إشارات تفيد وجود حالات من الانفلات لا تنبئ بانتخابات مستقرة ، وهذا طبعاً بخلاف البحث عن الطرف الثالث الذي يقبع في الظل الآن ولكنه ربما سيظهر عما قريب ليزيد من أوضاع البلاد اضطراباً ، بل إن قانون انتخابات الرئاسة به عيوب من شأنها أن تطعن في الانتخابات بعدم الدستورية وهذا متوقع أيضاً . وصدور قانون انتخابات الرئاسة الذي وضع قبل الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب وبدء عمله التشريعي والرقابي يضع المجلس نفسه في ورطة كبيرة حيث إنه لا يجوز للمجلس مناقشة مرسوم الانتخابات في هذا الوقت بعد إعلانه ، كما أن المجلس نفسه قد أصابته عين الحسود ، فلم يعد ذا بريق أو لمعان كما كان له قبل انعقاده أو في جلسته الإجرائية ، بعد أن احترف بعض النواب الشو الإعلامي ، وتعالت الصيحات بضرورة جعل الجلسات سرية مثلها مثل محاكمة مبارك ورموز النظام . لكن الذي يعنينا هو أنه لا يجوز لأي شخص الترشح لرئاسة الجمهورية ، فبدون اللغط حول شخصيات بعينها أرى أن هناك أسماء ظهرت على المشهد الرئاسي لا يعرفها الشارع المصري من الأساس ، بل إن السيرة الذاتية لهم لا تشير من قريب أو من أبعد جهة جغرافية أي عملهم بالحقل السياسي . سوى أن بعضهم يدعي أنه يأمل ويطمح وربما يحاول ومن المحتمل أن يسعى ، وكل هذه العبارات تشير إلى أنه يدخل حلبة المنافسة وهو لا يمتلك أية أدوات تفيد قدرته على العقد والحل . وحقاً أنا أخشى على انتخابات الرئاسة من أن تتحولى إلى سيرك أو مولد شعبي لما تتضمنه من وجوه غير سياسية تصلح للحياة الاجتماعية اليومية ، لكنها ربما لا ترتقي للعمل السياسي الرفيع أعني منصب الرئيس . وربما سينكشف أمرهم السياسي حينما لم يقدروا على استقطاب ثلاثين نائباً برلمانياً لتأييد ترشحهم . وكان لابد من وضع شرائط وضوابط حاسمة لمن ينتوي الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية ، لأن دولة كبيرة بحجم مصر تشترط وجود رئيس قوي له باع طويل وكبير من النشاط والنضال والعمل السياسي ، لا جعله مرتعاً خصباً لهواة الشهرة . ولقد سمعت مؤخراً نميمة سياسية مفادها أن تعدد الوجوه غير المألوفة هو أمر مقصود ، بسبب تفتيت الأصوات وكأننا بصدد انتخابات اتحاد طلاب معهد الخدمة الاجتماعية ، أو بسبب أن تعدد الوجوه سيسمح بظهور أصحاب الحظوة السياسية لدى الناخبين . وصاحب النميمة زاد في فتنته السياسية بقوله أن وجود مرشحين محتملين للرئاسة غير معروفيهم حتى في محافظاتهم الإقليمية لهو خدعة سياسية لاستكمال الديكور الانتخابي . وسواء صدق الظن وصدقت النميمة أو كذبا ، فمصر بحق تحتاج إلى رئيس ذي طبيعة خاصة ، لا سوبر مان أو الرجل الوطواط ، أو حتى رجل المستحيل أدهم صبري ، بل الخصوصية تأتي من طبيعة المرحلة لا من سمات المرشح ذاته ، فمصر بانفلاتها الأمني ثم الأخلاقي ثم القيمي والسياسي أيضاً تحتاج إلى من يشبه ناظر المدرسة الذي كان على أيامنا منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً لا مثل هذه الأيام الغريبة والعجيبة .والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .