قبل يومين، كانت قناة السويس على موعد مع تهديد جديد سيؤثر بشكل كبير على إيرادات القناة التي تعد أهم مصدر للعملة الصعبة في مصر، ما يعني حرمان مصر من هذا المصدر الحيوي، وبالتالي مزيد من انهيار الاقتصاد المصري والعملة المصرية المنهارة من الأساس. الحدث المهم الذي كشف النقاب عن هذا التهديد هو الإعلان عن قيام سفينة دنماركية بالإبحار من مدينة فلادفوستوك الروسية القريبة من الحدود مع الصين هذا الأسبوع لتكون أول سفينة شحن تعبر القطب المتجمد الشمالي عبر الممر البحري الروسي التجريبي. ومن المتوقع أن تصل السفينة التي تحمل اسم "فينتا مارسك"، التابعة لشركة النقل البحري مارسك وتحمل 3600 حاوية، إلى سانت بطرسبيرغ مع حلول نهاية شهر سبتمبر. ويتوقع القائمون على الرحلة أن تستغرق فترة زمنية تقل بحوالي 14 يوماً عبر الخط الجنوبي المار بقناة السويس. وستجمع شركة مارسك بيانات حول الطريق البحري الشمالي لمعرفة ما اذا كان ذوبان الجليد في البحر المتجمد الشمالي سيساهم في توفير خط نقل بحري منخفض التكلفة. ماذا نعرف عن ميرسك؟ شركة "مارسك" أو "ميرسك" لاين العالمية، هى أكبر الشركات العالمية فى النقل التجاري والبحري والملاحي ولها فروع فى كل أنحاء العالم، وتمتلك 55% من أسهم شركة قناة السويس لتداول الحاويات وتمتلك أسهما فى عدد كبير من المشاريع البحرية في مصر وتعد من أكبر الشركات التي تعبر سفنها قناة السويس بشكل يومي. ربما لا يعرف كثيرون أن ميرسك (الدنماركية) مستأجرة للمدخل الشمالي لقناة السويس (ميناء شرق التفريعة) لمدة 50 سنة منذ 2010، بتوكيل قطري (عبر هشام طلعت مصطفى وأحد وزراء نظام السيسي). وخلال حكم الرئيس محمد مرسي، كانت شركة ميرسك صاحبة المدخل الشمالي (بوكيل قطري) تحاول تطفيش موانئ دبي من المدخل الجنوبي، وقامت الشرطة المصرية بمداهمات كثيرة لادارة ميناء السخنة، لمناصرة "الشرفاء" في نقابة عمال الميناء. قبل عام تقريبا، أعلنت الشركة عن نجاح تجربتها في نقل حاوياتها من موانئ دمياط وبورسعيد إلى ميناء العين السخنة عبر خطوط السكك الحديدية، وقالت الشركة أن ذلك سيوفر لها ملايين الدولارات التي كانت تدفعها كرسوم عبور قناة السويس حيث إن رسوم النقل بالقطار لا تمثل سوى 2% من رسوم النقل عبر القناة فضلا عن أن الشركة سوف تدفع هذه القيمة المتدنية بالجنيه المصري وليس بالدولار كما هو الحال مع رسوم عبور القناة. تفاصيل الرحلة الجديدة ستحمل "فينتا مارسك"، المصممة لتكون سفينة شحن كاسحة للجليد، الأسماك المجمدة وغيرها من الأطعمة المُبرّدة، إضافة إلى حمولات أخرى. ويمتد الخط التجريبي من مضيق بيرنغ الواقع بين روسيا وآلاسكا في الشرق إلى النرويج في الغرب. لكن مارسك تضيف قائلة: "لا نعتبر الخط البحري الشمالي بديلاً تجارياً لشبكتنا الحالية التي نقررها اعتماداً على طلب الزبائن والنمط التجاري الشائع ومراكز الكثافة السكانية". ويتطلب إبحار أي سفينة عبر هذا الطريق حالياً مرافقة كاسحة جليد نووية باهظة الثمن لها. لكن الاحتباس الحراري الذي تسبب بارتفاع الحرارة في منطقة مسار الرحلة خلال فصل الصيف إلى 30 درجة مئوية سيسهم في تحسين فرص استخدام هذا الخط. وأفاد تقرير صدر عام 2016 عن مدرسة كوبنهاغن للأعمال أن الشحن عبر خط البحر الشمالي سيصبح أقل كلفة حوالي عام 2040 إذا استمر الغطاء الجليدي بالتلاشي بنفس النسبة الحالية. وأصبحت سفينة "ذا كريستوفر دو مارجيري"، وهي ناقلة للغاز الطبيعي المُسال بطول 984 قدماً والتي بنيت خصيصاً لأجل قطع هذه الرحلة، أول ناقلة تبحر عبر هذا الطريق دون مرافقة. لكن شركة الغاز الروسية نوفاتيك استخدمت قبل ذلك ناقلات خاصة لقطع الطريق هذا العام. كما أن الصين تستخدم طريق القطب الشمالي كجزء من مبادراتها التي أطلقتها تحت اسم "حزام واحد، طريق واحد" لبناء طرق تجارية تربط آسيا بأوروبا. وقد أرسلت شركة كوسكو الصينية الحكومية للشحن سفينة نقل متعددة الاستخدامات "ليان هوا سونغ" إلى الموانئ الروسية الخريف الماضي لأول مرة عبر هذا الطريق لإيصال معدات لأجل بناء نفق ومعمل اسمدة. طريق الشمال.. تهديد قديم تهديد طريق الشمال لقناة السويس ليس وليد اللحظة، ففي عام 2016، بكين شركات الملاحة على استخدام الممر الشمالي الغربي بهدف توفير الوقت والمال، متفادية بذلك عبور قناة السويس. وأفادت صحيفة الصين اليومية الرسمية، في أبريل 2016، أن الحكومة الصينية ستحث شركات الملاحة على استخدام الممر الشمالي الغربي المار عبر القطب الشمالي، الذي فتح بفضل التغير المناخي، لتقليل الزمن الذي تستغرقه الرحلات البحرية بين المحيطين الأطلسي والهادئ. وبفضل هذا الممر ستتمكن شركات النقل البحري الصينية من توفير الوقت والمال، فعلى سبيل المثال تكون الرحلة البحرية من شنغهاي إلى ميناء هامبورغ الألماني عبر الممر الشمالي الغربي أقصر ب 2800 ميل بحري عن الطريق المار عبر قناة السويس. ويذكر أن للصين وجودا متزايدا في المنطقة القطبية الشمالية، إذ تعتبر من أكبر المستثمرين في قطاع التعدين في غرينلاند كما أبرمت اتفاقا للتجارة الحرة مع أيسلندا. وذكرت الصحيفة الصينية أن إدارة سلامة الملاحة الصينية أصدرت في وقت سابق من الشهر الجاري دليلا يحتوي على تعليمات مفصلة للإبحار من الساحل الشمالي لأمريكا الشمالية إلى المحيط الهادئ الشمالي. ونقلت الصحيفة عن ليو بينغفي، الناطق باسم وزارة الملاحة البحرية الصينية قوله: "عندما تعتاد السفن على استخدام هذا الطريق، سيغير ذلك وجه الملاحة التجارية العالمية مما سيكون له أثر كبير على التجارة العالمية والاقتصاد العالمي وتدفق رؤوس الأموال واستغلال الموارد الطبيعية". وأضاف الناطق أن السفن التجارية الصينية ستستخدم الممر الشمالي الغربي في المستقبل دون أن يتطرق إلى جدول زمني محدد. ونقلت الصحيفة عن مسؤول آخر قوله إن الطريق ستكون له منافع استراتيجية للصين، وأضاف: "لقد استوعبت العديد من الدول القيمة المالية والاستراتيجية للممر القطبي، كما فعلت الصين"، مشيرا في الوقت نفسه إلى المخاطر المحيطة باستخدام هذا الطريق، مثل غياب البنى التحتية والأضرار التي قد يحدثها الجليد للسفن والطقس المتقلب. واخيرا، يبقى التساؤل الملح والخطير: هل بات تفاقم التهديد نذيرا بانتهاء دور قناة السويس كمورد ملاحي حيوي على مستوى العالم؟ وهل ستفقد مصر هذا المورد المهم للعملة الصعبة؟ وما الفائدة التي عادت على مصر من مشروع توسعة قناة السويس، بتكلفة بلغت 8.5 مليار دولار لتوسعة مجرى قناة السويس بهدف زيادة القدرة الاستيعابية للقناة وخفض مدة الانتظار الناجمة عن اكتظاظ الممر الملاحي للقناة. وهو ما كان سببا في أزمة الدولار في مصر؟ وهو المشروع الذي اعترف السيسي نفسه أنه كان لرفع الروح المعنوية فقط، ولا توجد اية جدوى اقتصادية ترجى منه، وهو ماكشفته أرقام إيرادات قناة السويس المتراجعة، والتي يلجأ النظام إلى الإعلان عنها بالجنيه المصري لا بالدولار كما كان معتادا من قبل؟