تعرف على سعر الدولار اليوم الخميس 2 مايو مقابل الجنيه    وزير الدفاع الأمريكي يبحث مع نظيره الإسرائيلي مفاوضات صفقة تبادل الأسرى واجتياح رفح    عقوبات أمريكية على روسيا وحلفاء لها بسبب برامج التصنيع العسكري    عاجل.. الزمالك يفاوض ساحر دريمز الغاني    رياح وشبورة.. تعرف على حالة الطقس اليوم الخميس 2 مايو    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم قلنديا شمال شرق القدس المحتلة    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    التحضيرات الأخيرة لحفل آمال ماهر في جدة (فيديو)    ما الفرق بين البيض الأبيض والأحمر؟    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    أول ظهور ل أحمد السقا وزوجته مها الصغير بعد شائعة انفصالهما    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    طريقة عمل الآيس كريم بالبسكويت والموز.. «خلي أولادك يفرحوا»    مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني يواصل تصدره التريند بعد عرض الحلقة ال 3 و4    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    حسن مصطفى: كولر يظلم بعض لاعبي الأهلي لحساب آخرين..والإسماعيلي يعاني من نقص الخبرات    سعر الموز والخوخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 2 مايو 2024    مُهلة جديدة لسيارات المصريين بالخارج.. ما هي الفئات المستحقة؟    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    احذر الغرامة.. آخر موعد لسداد فاتورة أبريل 2024 للتليفون الأرضي    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    بشروط ميسرة.. دون اعتماد جهة عملك ودون تحويل راتبك استلم تمويلك فورى    البنتاجون: إنجاز 50% من الرصيف البحري في غزة    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    صندوق مكافحة الإدمان: 14 % من دراما 2024 عرضت أضرار التعاطي وأثره على الفرد والمجتمع    ترابط بين اللغتين البلوشية والعربية.. ندوة حول «جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري»    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2 مايو في محافظات مصر    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    اشتري بسرعة .. مفاجأة في أسعار الحديد    النصر يطيح بالخليج من نصف نهائي كأس الملك بالسعودية    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    أول تعليق من الصحة على كارثة "أسترازينيكا"    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    لبنان.. الطيران الإسرائيلي يشن غارتين بالصواريخ على أطراف بلدة شبعا    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    القوات الأوكرانية تصد 89 هجومًا روسيًا خلال ال24 ساعة الماضية    حمالات تموينية للرقابة على الأسواق وضبط المخالفين بالإسكندرية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    الوطنية للتدريب في ضيافة القومي للطفولة والأمومة    وزير الأوقاف: تحية إعزاز وتقدير لعمال مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القيادة الأمريكية تتهاوى فلماذا لا ننهض لنحطم أغلالنا؟!
نشر في الشعب يوم 25 - 07 - 2018

الصراع بين جناحي النظام الأمريكي وصل إلى مرحلة تكسير العظام
نحن نريد شباباً كشباب غزة يجيد إطلاق الطائرات الورقية!
بقلم: زرقاء اليمامة
كنا قد أوضحنا في تحليل سابق أن ترامب ليس مجرد رجل أعمال وتاجر قفز إلى السلطة كما يمكن أن يحدث في جمهوريات الموز بالكاريبي، بل إن خطة إيصاله للحكم كانت خطة محكمة من قبل أحد أجنحة المؤسسة الحاكمة الأمريكية لتحقيق عدد من الأهداف، على رأسها وقف حالة التدهور الاقتصادي المتسارع للنظام التي يعلمها جيداً الحكام من أعلى هرم السلطة وهي أسوأ من كل التقارير المعلنة.
الحقيقة هذا هو الهدف الجوهري لمجموعة السلطة التي دفعت بترامب للرئاسة وهو يتحول إلى مجموعة من القرارات والسياسات التي أثارت ضجة في العالم. (1) وقف الهجرة أو تقليلها إلى الحد الأدنى حتى لا تأخذ فرص عمل من الأمريكيين بالإضافة للحفاظ على نسبة الأمريكيين البيض التي تتآكل من هجرة اللاتين والمسلمين وغيرهم. (2) الحماية الجمركية لمساعدة الصناعة الأمريكية المتدهورة كما نفعل نحن في عالم الجنوب. (3) مطالبة الحلفاء بدفع أموال أكثر في ميزانية الدفاع المشترك: أوروبا واليابان. (4) ابتزاز دول البترول العربية لدفع مزيد من الأموال لأمريكا تحت زعم أن هذا هو ثمن الدفاع عنهم وقد حصلت الولايات المتحدة على أكثر من تريليون دولار صفقات سلاح من السعودية والإمارات وقطر، ولكن ترامب سيواصل طلب وشفط المزيد لاصلاح الاقتصاد الأمريكي كما صرح بذلك حين طلب 5 تريليون دولار من ولي العهد السعودي.
ولكن مشروع ترامب له شقه السياسي العقائدي فهو يستهدف إعادة الروح والبريق إلى أمريكا الأصلية.. أمريكا البيضاء الأنجلو ساكسون البروتستانت المتحالفة استراتيجيا مع اليهود، ورغم ان الانحياز الأمريكي لإسرائيل بما في ذلك قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس الذي يتخذه الكونجرس والرؤساء السابقون ليس سياسة خاصة بترامب، ولكن الجديد هو التنفيذ والكف عن التمثيليات الدبلوماسية وهذا ما حدث بنقل السفارة. وستلاحظون أنه ليست هذه هي المشكلة المثارة ضد ترامب في الداخل. ولكن المشكلة تتعلق بالجانب الاقتصادي فإن كان توجه ترامب يفيد الشركات الأمريكية المتمركزة على أرض الولايات المتحدة فإنه يضر بالشركات الأمريكية التي تنتج خارج الولايات المتحدة لخفض التكاليف. كذلك فإن تسعير العداء ضد إيران من الأهداف الجوهرية بالتعاون مع اسرائيل.
عندما ينجح أحد أجنحة السلطة في إرسال من يمثل توجهه إلى البيت الأبيض فإن الساحة تهدأ قليلا، وتعود الصراعات الداخلية- الأمريكية إلى مستواها الطبيعي في ظل الديمقراطية (هي ديمقراطية الطبقة الحاكمة بالمناسبة) ولكن هذه المرة فإن الجناح المضاد للحكم وهو جمهوري- ديمقراطي يرى أن الخسائر على امريكا مروعة في ظل هذا التوجه الجديد.
وبالتالي فإن الصراع على أشده في أعلى مستويات السلطة وهناك إصرار من الجانب الآخر ألا يكمل ترامب حتى دورته الأولى. (معركة تحطيم عظام وصلت إلى اتهامه بالخيانة العظمى).
ما يهمنا في هذه القصة بالأساس مصالح أمتنا- لابد أن تدرك اولا أن هذه الصراعات ما كانت لتجري هكذا وعلى هذا المستوى إلا بسبب تراجع عناصر القوة الأمريكية: إقتصاديا- سياسيا- ثقافيا، كذلك فإن أوروبا التي تعاني من نفس أمراض النظام الأمريكي غير مؤهلة لتكون بديلا لقيادة الغرب ولا لتعمل وحدها كقوة عظمى بشكل ناجح وهذا ما يمكن أن نشرحه لاحقا.
إننا نشهد- ولكن نخبتنا لا تريد أن تفيق من سكرتها- إننا نشهد انهيار القيادة الأمريكية وانهيار القيادة الغربية للعالم. في المقابل نشهد صعوداً لافتا للتحالف الروسي- الصيني (محور شنغهاي) ومحور البريكس الذي يضم (الهند ويضم إيران بصفة مراقب، وأيضا باكستان التي تتقارب مع الصين وتبتعد عن أمريكا.
فمتى تفيق أمتنا العربية- الاسلامية المتخصصة في الفرص الضائعة. إن هذه فرصة تاريخية كي نتقدم للأمام وننتزع حقوقنا، وعلى رأسها حقنا في إقامة دولنا المستقلة المتحالفة في سوق عربي- إسلامي مشترك.
ونحن لا نتحدث للحكام فهؤلاء لا ينطقون، ولا نتحدث للنخبة المحتضرة التي ضيعت الثورات العربية جميعاً، وانتهى عمرها الافتراضي ((expired ولكن نخاطب النخبة الشابة التي لا يعرفها أحد، والتي إذا غاب أحدهم لم يلحظ ذلك أحد، وإذا حضرت أيضا لا يُعرفوا!
نريد- وجوها شابة- غير شباب ثورة 25 يناير- تؤسس حركة إسلامية جديدة وحركة وطنية جديدة بدماء نظيفة جديدة، تستهدف تحرير أوطان العرب والمسلمين- كل في وطنه- من الهيمنة الصهيونية- الأمريكية وركائزها وعملائها في الداخل، وتحرير إرادة الأمة لتبني صرح نهضة استقلالية حقيقية تواكب وتلاحق العالم الذي سبقنا شرقا وغرباً، وتضع أسس العدالة الاجتماعية وتمحو الظلم.
(نحن مجموعة نحو حركة إسلامية جديدة مجموعة صغيرة ويمكن أن نقوم بدور المستشارين والناصحين) ولكن التعويل الأساسي على مجموعات شابة وذكية تتوقف عن عبث الفيس بوك السطحي ثم تحول الفيس بوك إلى تفاعل جاد.
لا يمكن أن نترك عواجيز الاستراتيجية يتابعون ما يجري في الغرب من باب التحليل أو تشجيع اللعبة الحلوة!! إنهم مشغولون بتوقعات المستقبل في الصراعات الأوروبية الأمريكية ولكنهم غير مشغولين بأمتنا لأنهم في يقينهم أنها ماتت. كما ماتت أرواحهم هم من كثرة انشغالهم عبر عشرات السنين في تحليلات تصرفات أمريكا واسرائيل بدلا من التفكير في ماذا تفعل أمتنا كي تتقدم.
نحن نريد شباباً كشباب غزة الذي يضرب اسرائيل بالطائرات الورق فيصيب قوة عسكرية كبيرة كاسرائيل بالدوار والحيرة ويصدر وزير الدفاع الاسرائيلي تصريحات متعاقبة حول ضرورة مواجهة الطائرات الورق. هل تابعتم يا نخبة يا ورق؟!
***************
والآن لنبدأ القصة من أولها حتى نعمق الرؤية للحظة الراهنة من زاوية مصالح أمتنا.
المشهد الدولي الذي نراه منذ قرابة العامين مشهد غير طبيعي وغير مسبوق، والأحمق وحده هو الذي لا يستفيد منه ان كان من القوى المعادية للغرب.
العالم الذي تشكل عقب الحرب العالمية الثانية بناء على معطيات نتائج الحرب ظل ثابتاً لفترة طويلة ولم يعد قادراً على الاستمرا والواقع يفرض تغييره وإقامة عالم جديد، عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية!
كانت ملامح عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية كالتالي:
(1) تقسيم مناطق النفوذ في العالم بين الدول المنتصرة: أمريكا- الاتحاد السوفيتي- انجلترا- فرنسا.
(2) أن يكون مجلس إدارة العالم من هذه القوى في تشكيل مجلس الأمن للأمم المتحدة، وأن يكون لكل دولة عظمى فيتو لضمان التوازن وعدم تغول إحدى الدول العظمى على الآخرين.
(3) وضع العالم الثالث: العالم الجنوبي بما في ذلك الاسلامي تحت أقدام هذه الدول العظمى بل هم بالأساس مجال موضوع تقسيم النفوذ!
(4) وضع الدول المهزومة في آخر السلم الحضاري خاصة من الناحية العسكرية: ألمانيا- اليابان- إيطاليا.
التطورات اللاحقة:
كان هذا الالتزام- التوازن يعكس لحظة الانتصار واعلان سحق ألمانيا النازية واليابان، كانت الفرحة مفعمة، وعمت العالم روح تدعو للحرية والديمقراطية ورغد العيش ونبذ الحروب. ولكن سرعان ما ادى تغير موازين القوى- كحركات طبقات الأرض المتحركة بالزلازل والبراكين وأحيانا تكون خفيفة وفي أعماق الأرض- إلى تعديلات متوالية لهذه الصيغة.
(1) انتهى شهر العسل بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، حيث لم يجمعهما إلا الشديد القوي- المارد الهتلري المرعب الذي احتل أوروبا كلها وكان يستعد للقفز على الجزر البريطانية وبدأ ضربها بالصواريخ والطائرات- واعداد خطط العبور- فقد خرج الاتحاد السوفيتي قوياً وعفياً بعد الخسائر المروعة التي مني بها في بداية الحرب حين غدر به هتلر ولم يلتزم بتعهدات السلم والصداقة واندفع إلى حتفه- كما فعل سلفه نابليون بونابرت- وغاص في العمق الروسي- السوفيتي الذي لا نهاية له! وتقدر خسائر الاتحاد السوفيتي في الحرب بما لا يقل عن 20 مليون قتيل بالاضافة لتدمير عشرات ومئات القرى والمدن. ولكنن عندما تماسك الاتحاد السوفيتي في العمق، وأعاد بناء وتسليح جيشه، ووسع دائرة التجنيد والتعبئة وأشعل حرارة الوطنية الروسية بدلا من قصة "الشيوعية"! وأعاد شحن بطارية الايمان المسيحي الأرثوذكسي، ونهض الشعب الروسي الذي برهن دوماً في المحن على أصالته الوطنية، بدأ صد العدوان الألماني وتحول العد العكسي إلى الاتجاه المضاد وبدأ الجيش الألماني في التراجع في صورة كاربونية لما حدث لنابليون بونابرت ولكن الطغاة لا يتعلمون.
ومن الأسباب غير المعروفة للصمود السوفيتي وتحول موقفه من الدفاع إلى الهجوم وبدون تقليل من كل العوامل السابقة- المساندة العسكرية الأمريكية له عبر إيران.
وكان الجنرال رضا بهلوي (أبو آخر شاه لإيران محمد رضا بهلوي) قد استولى على السلطة عام 1925 واستمر حتى عام 1941، وغير اسم البلاد من فارس إلى إيران، وتحالف سراً مع الألمان ومنحهم امتيازات وقواعد للهجوم على الروس، لذلك ائتمر به الحلفاء وطردوه من السلطة وتم نفيه في جنوب أفريقيا حيث توفى عام 1944 ودفن في مصر (لأن مصر متخصصة في دفن ملوك إيران على ما يبدو!!) وابنه محمد رضا بهلوي هو الذي ظل يحكم حتى أطاحت به ثورة إيران 1979 وكان قد تزوج فوزية شقيقة ملك مصر فاروق. المهم بعد أن وصل عدد الخبراء الألمان في إيران إلى 20 ألف في عهد أبوه تحولت إيران إلى معقل أساسي لدعم الاتحد السوفيتي لأن الحدود المشتركة بينهما 1400 ميل. وأصبحت إيران طريق الامدادات الأساسي من أمريكا إلى روسيا، وقد تطلب ذلك إقامة شبكة طرق وسكة حديد ومخازن عبر العراق أيضا وتطوير موانئ ايران حتى تتمكن من استقبال (19 مليون طن) من المعدات الحربية، واصبح الأمريكيون الخبراء في إيران 30 ألف. كما اسُتخدمت دول و امارات الخليج في شبكة الامداد هذه. وتم انشاء مراكز لتجميع الطائرات، ومراكز لتركيب السيارات في البصرة، واستخدمت قواعد جوية في البحرين (الذين يتسائلون متى بدأ الوجود العسكري الأمريكي؟ فليقرأوا) والعراق (الحبانية) وكذلك في الشارقة قبل تكوين الامارات الحالية، وسلطنة عُمان وتجميع سفن في الكويت. أي كانت مؤسسة رهيبة خليجية- عراقية- ايرانية (مؤسسة أمريكية طبعا) لدعم الاتحاد السوفيتي وانجلترا (ومعهما أمريكا بالأساس) في ايران.
فاحتل السوفيت 3/1 البلاد الشمالي وبه أكثر السكان والأغنى زراعياً، بينما سيطر الانجليز على 3/2 ايران الجنوبي وهو الأهم لأن به البترول!
المهم كانت ايران نقطة احتكاك شديد بين روسيا وأمريكا وانتهت بتهديد أمريكي وخضوع سوفيتي وانسحاب من ايران وتسليمها تماما للتحالف الانجليزي الأمريكي. في تلك اللحظة أدرك الرئيس الأمريكي ترومان خطورة الشرق الأوسط فقال: (ليس هناك منطقة في العالم أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية من هذه المنطقة). كانت هذه من أهم علامات انتهاء شهر العسل بين أمريكا والاتحاد السوفيتي فقد أصبح واضحاً لكل طرف أن الصراع العالمي الأكبر قد بدأ بين المعسكرين: الشيوعي والرأسمالي وهو صراع ليس فيه أي حلول وسط: إما قاتل أو مقتول.
بؤرة الصراع لم تكن في إيران ولكن في قلب أوروبا. فكلما كانت القوة العسكرية الألمانية تتداعى كانت الجيوش تطبق عليها من الجانبين من الشرق كان الجيش السوفيتي يتقدم في بلاد شرق أوروبا وفي اتجاه ألمانيا، وكانت جيوش الحلفاء من الجنوب والغرب تتقدم إلى ألمانيا وتؤمن في نفس الوقت السيطرة على إيطاليا واليونان في الجبهة الجنوبية. كان الطرفان في صراع مع الزمن خلال أسابيع وشهور قليلة فالجيش الذي يصل إلى مكان أو بلد يصبح تحت إمرته، وحصل الجيش السوفيتي على معظم ما يريده: 1- بولنده 2- المجر 3- تشيكوسلوفاكيا 4- بلغاريا 5- رومانيا وبلدان شمالية وشرقية أخرى. وكانت المعركة الكبرى في ألمانيا وان كان قد تم تدميرها فإنها لا تفقد أهميتها الاستراتيجية ولا إمكانيات شعبها. وقام حائط برلين حيث تواجه الجيشان وأصبحت 6- ألمانيا الشرقية تابعة للاتحاد السوفيتي وألمانيا الغربية تابعة للولايات المتحدة. طبعا كل طرف يقول بغير ذلك، فالاتحاد السوفيتي يعتمد على الأحزاب الشيوعية في هذه البلدان وحركات المقاومة التي قامت ضد النازية. وامريكا أيضا تسعى لبناء بنى تحتية سياسية ذات توجه رأسمالي وقد كان، أقصد ألمانيا بالذات.
وقد أدى تواجه الجيشين فيما بعد إلى تأسيس حلف الناتو الغربي العسكري الذي يضم أمريكا وأوروبا الغربية. وحلف وارسو الشيوعي العسكري الذي يضم الاتحاد السوفيتي والدول الست المشار إليها. وأصبحت الحدود بين أوروبا الشرقية والغربية حدود الحرب الباردة وإن لم تشهد أي خروقات أو انتهاكات تُذكر.
ولكن كيف أمرت أمريكا ستالين فاستجاب لها في موضوع كبير وخطير ويقع على حدود الاتحاد السوفيتي، وهو التخلي عن إيران التي أقيم في شمالها بالفعل جمهورية شيوعية كردية، جمهورية مهر آباد؟ الحقيقة لقد كانت أمريكا هي سيدة العالم وإذا أصرت على موقف فلابد أن يستجاب لها، وإذا هي بدأت هنا فستواصل هناك، ولكن لماذا أمريكا هي سيدة العالم؟ لأنها الدولة النووية الوحيدة في العالم آنذاك. وهذه كانت أهمية إلقاء القنبلة النووية على هيروشيما في اليابان وإلقاء قنبلة ثانية للتوضيح والتأكيد على نجازاكي في اليابان أيضا، ومقتل ربع مليون ياباني كدفعة أولى. كانت اليابان قد استسلمت بالفعل ولم يكن لديها أي إمكانية عسكرية حقيقية للمقاومة ولا لمجرد الحفاظ على استقلال الجزر اليابانية، ولم تكن القنبلة النووية ضرورية لانهاء الحرب مع اليابان أو انهاء الحرب العالمية ككل لأنها كانت تضع أوزارها بالفعل وتتأكد نتائجها أمام كل العيون. كانت القنبلة النووية الأمريكية (كارت إرهاب) إذا استخدمنا التعبير الدارج لأنه دقيق في هذه الحالة. كن لابد من ارهاب العالم أجمع ولتضع كل دولة نفسها في مكانها الذي تستحق. وليعرف الجميع انها مثل الملك نمرود خيبه الله (يحي ويميت) والعياذ بالله والاستغفار له. وان لا قبل لأحد ولا طاقة له بأمريكا بعد اليوم. وهكذا يتجبر الانسان. كان الحديث عن القنبلة النووية بدون استخدامها في حرب حقيقية ( وليس في تجارب تحت الأرض أو الماء أو الصحراء) غير مخيف ولا يردع أحدا، فلابد أن يرى العالم النموذج على الطبيعة وبالعين المجردة حتى يعلموا أن القنبلة النووية تبيد المدن في ثانية واحدة بمن عليها من الأحياء.
وعلى كل ما يمكن أن يقال من انتقادات وعيوب وسلبيات لحكم ستالين، فلابد أن يذكر له ولأجهزة الأمن القومي في عهده حرصهم على الأمن القومي لبلادهم، ومواصلة الليل بالنهار للتوصل إلى انتاج القنبلة النووية. وتمكن الانتحاد السوفيتي عام 1949 أي بعد 4 سنوات من هيروشيما من تفجير اول قنبلة نووية في تفجير علني للاختبار.
في هذه اللحظة بدأ التوازن الحقيقي بين القوتين الأعظم، الاتحاد السوفيتي- الولايات المتحدة. ولكن في اثناء بين 1945- 1949 لم يكن الاتحاد السوفيتي يكتفي بالاسراع بالتجارب والبحوث ولكنه أقام توازنا مؤقتا حفظ سلامة المعسكر السوفيتي، إذ قام بحشد قوات مدرعة وبرية بصورة كبيرة على الحدود بين الأوروبيتين، أي على حدود كل البلادد الشيوعية الشرعية الأوروبية فمثل ذلك نوعا من التوازن المؤقت، فإذا ضربت أمريكا الاتحاد السوفيتي بقنبلة نووية فإن بإمكان هذه القوات التقليدية البرية أن تجتاح أوروبا الغربية وتحتلها سريعا لأن أمريكا كانت قد سحبت معظم قواتها البرية من أوروبا بعد انتهاء الحرب.
كان هذا هو التطور الأول بعد الحرب العالمية الثانية ولكن تمت معالجة ما فيه من جديد في إطار النظام العالمي للأمم المتحدة: مجلس الأمن والتوازن بين الدول العظمى، فبدأ الأمر ليس جديداً لأن الصراع بين الشيوعية الروسية والرأسمالية الغربية لم يتوقف منذ نجاح ثورة أكتوبر الشيوعية في روسيا 1917 واستمر بلا انقطاع حتى جاءت مسألة صعود النازية وانفجار الحرب العالمية الثانية. إذاً فكأن الصراع عاد لمجراه الطبيعي ولكن أصبح فيه بعد نووي ولكن التوازن يوقف مخاطره على الطرفين وعلى العالم مؤقتا على الأقل.
(2) أمريكا تلتهم المكانة الاستراتيجية للحلفاء وتتجه إلى الانفراد بقيادة الغرب:
طبعا أمريكا هي التي حملت الغرب على أكتافها حقاً في هذه الحرب، ففرنسا سقطت تحت سنابك العسكر النازي خل أيام ضئيلة في فضيحة سياسية مدوية وباقي بلاد أوروبا أصبحت تحت السيطرة والاحتلال وبقيت الجزر البريطانية كالمحاصر المسكين يستجدي بحر الشمال وبحر المانش الحماية من الغزو النازي المنتظر. ولا ننكر صمود الشعب الانجليزي وكيف عاش المواطن على بيضة واحدة في اليوم وأن تشرشل قد أصبح زعيما لأنه قال:
(لا أعدكم إلا بالعرق والدموع والدماء) ورغم كراهيتي لهذا الرمز الاستعماري ولكن من زاوية وطنيته الانجليزية فإني أقدر مواقفه في تلك الحرب وأرى أننا سننتصر هنا- في بلادنا الاسلامية- عندما نجد القائد الشجاع الذي يستطيع أن يقول للشعب وهو يحشده للمقاومة لا أعدكم إلا بالعرق والدموع والدم) ولا يقول (أعدكم بالسمن والعسل القادمين من العدو الأمريكي)!!
عسكرياً فان امريكا هي التي قامت بالمجهود الحربي الأساسي في أوروبا والعالم رغم أنها دخلت الحرب متأخرة- كما فعلت في الحرب الأولى- وهي نظرية صحيحة أي ان تترك الخصوم ينهكون بعضهم البعض، ثم تدخل بكل قوة وهي في كامل نشاطها وعدتها وعددها الكبير لتحسم الأمر، وبعد الحرب كان مشروع ماررشال لانعاش أوروبا الغربية وكان حجمه مليار دولار و700 مليون دولار منه 900 مليون دولار في صورة نفط من الخليج (أي من حساب العرب والمسلمين). مشروع مارشال وغيره استهدف انعاش أوروبا الغربية بما في ذلك ألمانيا الغربية، ولكن في إطار ضبط علاقات الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على أوروبا وهذا اتضح مع الأيام، واتضح أن أمريكا وضعت بذور التبعية في أوروبا والتي لا تزال تعاني منها حتى الآن. فمثلا يمكن أن تنشأ صناعة ما في أوروبا ولكن تكون مفاتيح التحكم التكنولوجي بها في أمريكا وهكذا.
ولم يكن هذا هو المجال الوحيد بل ربما كان الميدان الأبرز في مجال قيام الولايات المتحدة بوراثة المستعمرات الانجليزية والفرنسية والأوروبية في الشرق الأوسط وفي مختلف أنحاء العالم وقد تحقق ذلك بشكل كبير خلال عقد واحد أو عقدين من الزمان. وبقى للانجليز بعض التجمعات في الكومنولث وبقى للفرنسيين بعض النفوذ في البلاد الفرانكفونية خاصة في أفريقيا. ولكن حتى في هذين الإطارين لم تفتأ أمريكا تواصل عمليات القضم والهضم.
كان الجنرال شارل ديجول الرئيس والزعيم الفرنسي العتيد وزعيم المقاومة الشعبية الذي رفع رأس فرنسا عالياً والذي حاول استجماع قوى الجيش الفرنسي في المستعمرات خلال الحرب العالمية الثانية هو الزعيم الأوروبي الحقيقي الذي لم تنجب فرنسا ولا غيرها على مدار أكثر من نصف قرن وحتى الآن، زعيما مثله. وهو الذي ناضل وحده لاستقلال أوروبا وأدخل فرنسا في المجال النووي والصاروخي، واستقل عن حلف الناتو، ولم يكن الاتحاد الأوروبي قد نشأ بعد، ولكن ديجول رحل دون أن يتمكن من إدارة الدفة بشكل مستقر نحو استقلال فرنسا واستقلال أوروبا ومن بعده فإن كل رؤساء فرنسا والحزب الديجولي (الجمهوري) ظلوا يتقاربون مع الحليف الأكبر الأمريكي.
المهم أن كل هذه التطورات أدت إلى تمركز الصراع الدولي إلى صراع ثنائي سوفيتي- أمريكي بالغ الخطر لأنه نووي. وقد أصبح لدى كل طرف ترسانة كافية لتدمير الطرف الآخر عدة مرات وأجزاء واسعة من العالم!
(3) دخول الصين في المعادلة الدولية:
كان لدى النظام العالمي للأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية مشكلة كبيرة تحولت إلى مسخرة حين اتسع الخرق على الواقع.
عند تحديد القوى العظمى في العالم، لم يكن هناك مشكلة في تحديد أمريكا- الاتحاد السوفيتي- انجلترا- فرنسا ولكن المشكلة كانت في المقعد الخامس الدائم الذي له حق الفيتو وقرر الغرب إعطاء هذا المقعد للصين الوطنية وهي دولة حليفة للغرب مضمونة دائما في التصويت، وكانت الصين من الحلفاء وحاربت الاحتلال الياباني الذي تمدد في الصين لذلك كان لها مشروعية لتكون من قادة العالم بالاضافة لأن الصين بلد كبير الحجم والسكان والوزن كما أن دخولها مجلس الأمن يعطي طابع التنوع بهذا التمثيل الآسيوي.
وكل هذا لم يكن هناك بأس به وفقاً للحسابات الدولية ولا كان للسوفيت أي اعتراضات جادة على ذلك.
ولكن المشكلة أتت بعد ذلك، فالاحتلال الياباني لأجزاء من الصين أخفى حقيقة اندلاع حرب أهلية أصلاً من قبل الحرب العالمية الثانية بين الثوار الشيوعيين بقيادة ماوتسي تونج، وحكام الصين الرسميين وكان يحكمها حزب الكومنتانج وهو حزب رأسمالي ليبرالي متحالف مع الغرب يقوده تشاي كاي تشيك. وبمجرد انسحاب اليابانيين مدحورين، وكان ماوتسي تونج ينتظر- بخبث- المعارك بين الكومنتانج واليابانيين التي تجري في شرق الصين، بينما كانت قواته متركزة في غرب الصين، تواصلت الحرب الأهلية الصينية. باختصار خلال الفترة من 1945 حتى 1949 انتصر الشيوعيون واندحرت قوات الكومنتانج في كل البر الصيني العظيم ولم تجد مفراً إلا في جزيرة قرموزا (تايوان الحالية) وهناك أعلن تشاي كاي تشيك استمرار الصين الوطنية كحكومة شرعية، وهي عضو دائم في مجلس الأمن.
مع مرور السنين بعد عام 1949 ثبت أن النظام الشيوعي قد ثبت على الأرض في بر الصين، وأن الصين الوطنية مجرد جزيرة صغيرة وأصبح موقف مجلس الأمن مضحكاً إذ أن هذه الجزيرة الصغيرة تملك حق الفيتو كدولة عظمى مفترضة، وبعد قليل توفى زعيم الصين الوطنية تشاي كاي تشيك.
فماذا حدث بعد ذلك؟
ملاحظة: نحن لن نطيل في العرض التاريخي ربما نحتاج لحلقة واحدة أخرى حتى نركز على الوضع الراهن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.