أيام تفصلنا على الاحتفال بنصر السادس من أكتوبر عام 1973م، ولكن هذا الاحتفال لن يكون كاملاً لأن هناك أجزاء من تراب الوطن قد ضاعت مقابل حفنة من الأموال، والتي يأتي علي رأسها جزيرتي تيران وصنافير، ولم يكتفي، العسكر بالتفريط فى جزء غالي من تراب الوطن، ولكنه أطلق العنان للواء ممدوح شاهين، من أجل أن ينفذ انتقامه فى قضاة تيران وصنافير، مهما كان اتجاههم أو مواقفهم، والتي اتخذ فيها عدد من الاجراءات الباطلة دستوريًا، والتي شرعها البرلمان ووافق عليها قائدة. وظهر ذلك خلال الأسابيع التي تلت الحكم التاريخي بمصرية الجزيرتين، حيث عمل النظام على إدخال القضاة بيت الطاعة، والتنكيل بقضاة مصرية تيران وصنافير على وجه الخصوص، بعدة إجراءات في حقيقتها عصفت باستقلال القضاء وأهدرت قيم العدالة، مع التنوية أن عددًا من القضاة الذين حنثوا بمبدأ استقلال هيئتهم، دعموا ذلك، بعد الامتيازات الكبيرة التي خصصت لهم. ونرصد فى التقرير التالي، أبرز الأحداث والقوانين التي مررها النظام لشرعنة الانتقام من هؤلاء القضاء، وقام بهندسته اللواء ممدوح شاهين، الممثل القانوني للنظام. قانون السلطة القضائية وسادت ضجة كبري فى الشارع المصري، تم السيطرة عليها من قبل النظام بالحشد الإعلامي القوي، ومباركة القضاة التابعين له، عبر تمرير قانون "السلطة القضائية"، والذي تم العمل به بالفعل، وهو قانون يمنح قائد نظام العسكر، عبدالفتاح السيسي، سلطات واسعة، أبرزها، اختيار جميع رؤساء الهيئات القضائية "محكمة النقض ومجلس الدولة والنيابة الإدارية وقضايا الدولة"، من بين 3 مرشحين تختارهم المجالس العليا لكل جهة من بين أقدم 7 نواب للرئيس، مما يخّل بمبدأ "الأقدمية" المتعارف عليه والسائد فى السلك القضائى، وكان يقتصر دور رئيس الجمهورية فيها على التصديق على تعيين أقدم نائب لرئيس الهيئة القضائية رئيسا جديدا لها، بعد أن يوافق مجلس القضاء الأعلي. وأصدر النظام رسميًا قانون تنظيم تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية برقم 13 لسنة 2017، الخميس 27 أبريل 2017، وذلك بعد إقراره من قبل مجلس نواب العسكر، ونشرته الجريدة الرسمية في عدد خاص بذات اليوم. وعلي الرغم من الاعتراضات الكبيرة من جانب جموع القضاة ونادي قضاة مجلس الدولة وعدد كبير من السياسيين والمنظمات والأحزاب، إلا أن كل هذه الاعتراضات ذهبت أدراج الرياح أمام عناد العسكر، وإصرارهم على تركيع السلطة القضائية لتكون تابعا لرئاسة النظام وجنرالات العسكر، ويسجل اللواء شاهين أول انتصار لنظامه على القضاة. لا مكان ل"دكروري" هنا.. أخرجوهم فإنهم إناسًُ يتطهرون وأتبع الأجراء الأول، اجراء ثاني، وهو نتيجة كانت مرجوة بالأساس من القانون، حيث تم تجاوز تعيين المستشار يحيى الدكروري، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، رئيسا للمجلس رغم أحقيته وفقا لمبدأ الأقدمية. وأصدر قائد نظام العسكر، عبدالفتاح السيسي، يوم الأربعاء 19 يوليو الماضي، قرارًا حمل رقم (347) لسنة (2017)، بتعيين المستشار أحمد أبو العزم رئيسًا لمجلس الدولة اعتبارا من 20 يوليو 2017م، رغم أن المجلس لم يقدم ترشيحات سوى اسم المستشار الدكروري فقط، تأكيدا لرفض تعديلات قانون السلطة القضائية، وإجماعا على كفاءة "الدكروري" وحقه في رئاسة المجلس، إلا أن "السيسي" عصف بكل ذلك وعين "أبو العزم" رغم الاعتراضات الكثيرة على هذا القرار.
قضاة جدد لقضية تيران وصنافير هندسة "شاهين" للعملية برمتها، لم تتوقف عند الاجراء الثاني والثالث، فكل خطوة كانت من أجل الخطوة التي تليها، حيث قام النظام بإعادة تشكيل الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، والتي قضت بتأييد حكم مصرية تيران وصنافير برئاسة المستشار أحمد الشاذلي. ووافقت الجمعية العمومية لقضاة المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة برئاسة "أحمد أبو العزم" الذي عينه السيسي، على اعتماد الحركة القضائية الجديدة، الخاصة بتوزيع القضاة على دوائر المحكمة بأكملها، وتوزيع الاختصاصات على تلك الدوائر خلال العام القضائى الجديد. وفي التشكيل الجديد، يترأس الدائرة المستشار أحمد أبو العزم، رئيس مجلس الدولة المعين من جانب السيسي، وضمت الدائرة كلًا من المستشار سعيد قصير، رئيسا لدائرة فحص الطعون الأولى، ومحمود أبو الدهب، ومحمود عتمان، وأشرف خميس، ومحمد المنحي، رئيس المكتب الفني بالمحكمة الإدارية العليا، وممدوح وليم جيد، وحمدي أبو زيد، وشريف حشيش، ومحمود رشيد، رئيس الأمانة الفنية للمجلس الخاص، وعمرو المقاول، ومصطفى الحلفاوي.
منع أى دعم أو تضامن مع المستشار "الكروري" وعقب تثبيت الاجراءات الثلاثة السابقة، يأتي جزء آخر لا يقل أهمية، حيث عمد النظام إلى منع أي دعم شعبي للدكروري خلال جلسات نظر طعنه ضد قرار السيسي، بتجاوزه في رئاسة مجلس الدولة، وتعيين أبو العزم. ونظرت الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا، السبت الماضي 23 سبتمبر 2017م، أولى جلسات طعن المستشار الدكروري، على قرار رئيس الانقلاب بتعيين أبو العزم رئيسًا للمجلس، وتخطيه باعتباره أقدم الأعضاء، وأنه المرشح الوحيد الذي اختارته الجمعية العمومية لقضاة المجلس لتولي هذا المنصب. ومنعت المحكمة برئاسة المستشار محمد حسام الدين، دخول وسائل الإعلام وقررت فقط حضور أطراف الطعن، وعلى رأسهم "الدكروري"، الذي حضر الجلسة بصحبة محاميه عصام الإسلامبولي. يشار إلى أن الشوارع المحيطة بمجلس الدولة شهدت، صباح الجلسة، انتشارا مكثفا لقوات ومصفحات الأمن المركزي، وعناصر البحث الجنائي، حيث كان يتم استيقاف كافة المترددين على مجلس الدولة لسؤالهم عن أسباب حضورهم للمجلس في ذلك اليوم.