سطر ببصماته ملاحم إِيلام المقاومة للمحتلين ، وصاغ مرحلة في مواجهة الاحتلال من أقوى المراحل الجهادية حتى أصبح رمزاً للنضال في فلسطين، فهو عنوان الأسطورة الفلسطينية الحقيقية التي جددت الأمل وقتلت اليأس وأعادت الحياة إلى روح الجهاد والمقاومة في فلسطين. فحين يكتب تاريخ فلسطين بأيد منصفة وأمينة ستدرك الأجيال المتعاقبة أن يحيى عياش يحتل مكانًا بارزًا بعد أن سطر ملحمة تاريخية خالدة من أجل دينه ووطنه وقتل في سبيل الله ومن أجل فلسطين فوق أرضية صلبة من الفهم العميق بطبيعة القضية الفلسطينية. فقد أدرك "عياش" معادلة التعامل مع العدو منذ أن لمست يداه أول سيارة مفخخة أعدها لاستنهاض الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته ومختلف تياراته نحو مقاومة شاملة للاحتلال الذي لا يفهم إلا لغة المقاومة ومفردات القوة، ولذلك أعلن زعماؤه وقادته يأسهم واعترفوا قائلين: "ماذا نفعل لشاب يريد الموت". "المهندس".. هو عنوان الأسطورة الفلسطينية الحقيقية التي جددت الأمل وقتلت اليأس وأعادت الحياة إلى روح الجهاد والمقاومة في فلسطين ، بما كتبته من صفحات مشرقة في حكاية الصمود والجهاد البطولي في ظل أسوأ الظروف. وقصة المهندس معروفة ومحفوظة بمداد الحب والإكبار في قلوب معاصريه، واسمه تردد بشكل دائم في كل حارة وبيت وعلى كل شفة ولسان في أرجاء المعمورة وذكره مئات الملايين من العرب والمسلمين عندما أظلمت الدنيا واشتدت الأزمات وفاضت على وجوههم مظاهر الألم والقهر والإحباط. وتحيي المقاومة الفلسطينية وكل أحرار وشرفاء العالم اليوم الخميس ، الذكرى ال 21 لاستشهاد القائد يحيى عياش "المهندس رقم 1" في كتائب الشهيد عز الدين القسام ، الذي حفر اسمه في ذاكرة الفلسطينيين بما بذله من جهود جبارة وما أحدثه من نقلة نوعية في المقاومة الفلسطينية ، لذا ، رصدنا لكم هذا التقرير. نشأة المهندس هو يحيى عبد اللطيف عياش ، ولد فى اخر مارس عام 1966 ، لأسرة فلسطينية بسيطة ، زرعت في نفسه الإيمان والشجاعة ، حفظ القرآن الكريم في السادسة من عمره، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في قرية رافات، قرب مدينة سلفيت، شمالي الضفة الغربيةالمحتلة. التحق يحيى بجامعة بيرزيت في الضفة الغربية لدراسة الهندسة الكهربائية، وكان من أنشط الشباب في كلية الهندسة ضمن إطار الكتلة الإسلامية وشارك إخوانه في كافة المواقع ، وتخرج من الجامعة عام 1991م بتفوق، حاول بعد تخرجه السفر إلى الأردن لإتمام دراسته العليا، ورفض الاحتلال طلبه، وعلق على ذلك "يعكوف بيرس" رئيس المخابرات حينها قائلاً: "لو كنا نعلم أن المهندس سيفعل ما فعل لأعطيناه تصريحًا بالإضافة إلى مليون دولار". وتزوج من ابنة خالته في 9 سبتمبر عام ، 1992، ورزق منها طفله الأول "براء" في الأول من يناير عام 1993وكان حينها مطارد ، وقبل استشهاده بيومين فقط رزق بابنه الثاني "عبد اللطيف" تيمنا باسم والده. المجاهد البطل إنضم المهندس مبكرًا للحركة الإسلامية في فلسطين حتى أعلن تأسيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ، ترجع بدايات المهندس مع العمل العسكري إلى أيام الانتفاضة الأولى ، إذ توصل إلى مخرج لمشكلة شح الإمكانات المتوفرة وندرة المواد المتفجرة وذلك بتصنيع هذه المواد من المواد الكيماوية الأولية التي تتوفر بكثرة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية والمستحضرات الطبية فكانت العملية الأولى بتجهيز السيارة المفخخة في رامات إفعال وبدأت إثر ذلك المطاردة المتبادلة بين يحيى عياش والاحتلال الصهيوني وأجهزته الأمنية والعسكرية. وقد بدأ مشوار يحيى عياش الجهادي عندما اكتشفت السلطات الصهيونية سيارة مفخخة في منطقة رامات أفعال في تل الربيع المحتلة ، وقد أشارت أصابع الاتهام إلى المهندس كأحد مدبري العملية، ومنذ ذلك الوقت أصبح المهندس مطلوبًا للاحتلال. وبعد مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل عام 1994 ، عزم المهندس على التخطيط لتنفيذ عمليات استشهادية في قلب الكيان الصهيوني، وكان أولها عملية العفولة التي قام بها المجاهد رائد زكارنة وأودت بحياة ما لا يقل عن ثمانية صهاينة وجرح العشرات، ثم عملية الخضيرة التي نفذها عمار عمارنة، وقتل فيها سبعة صهاينة، وجرح العشرات. وتولى يحيى عياش قيادة الجناح العسكري في كتائب الشهيد عز الدين القسام للضفة وقطاع غزة، وقام بالتخطيط المباشر والمشاركة أحيانًا بعمليات عسكرية، أسر جنود صهاينة، سيارات ملغومة، عبوات ناسفة، عمليات استشهادية. وتركز نشاط القائد في مجال تركيب العبوات الناسفة من مواد أولية بسيطة ومواد متاحة ومتوفرة بكل سهولة في الأراضي الفلسطينية ، حيث يعتبر العياش أول من أدخل إلى ساحة الصراع الصهيوني الفلسطيني سلاح "الاستشهادي" ، ذلك السلاح الذي شكل أعقد المشاكل الأمنية التي واجهتها المؤسسة العسكرية والأمنية الصهيونية منذ قيام كيان الاحتلال على أرض فلسطين. وتنقل عياش بين الضفة وغزة، وحاول أن ينشئ جهازًا عسكريًا قويًا تتحقق فيه اللامركزية، بحيث لا يرتبط العمل العسكري بشخص واحد يتوقف باستشهاده أو اعتقاله، كما عمل على إنشاء خلايا عسكرية متفرقة وغير معروفة لبعضها البعض. المطلوب الأول اعتبر القائد مسؤولاً وقتها عن سلسلة "العمليات الاستشهادية"، مما جعله على رأس المطلوبين للصهاينة، الذين سخروا لاغتياله مئات من العملاء والمخبرين، ولكنه أفلح طوال سنوات المطاردة في الاختفاء عن أعينهم. فقد كان المهندس خلال سنوات المطاردة العلقم لبني صهيون ، حيث عرف الشهيد بخفة حركته وسرعة بديهته وخبرته العسكرية التي أذهلت القادة العسكريين الصهاينة، وجعلتهم يعدونه أخطر مطاردي الضفة الغربية والمطلوب رقم 1 لديهم. وقد وصفوه بكثير من الألقاب "الثعلب، العبقري، الرجل ذا الألف وجه، الأستاذ، المهندس، العقل المدبر، العبقري، الفذ، صقر الكتائب" وغيرها الكثير ، فقد كانوا معجبين إعجابًا شديدًا بعدوهم الأول كما كانوا يصفوه. وقد بلغ الهوس الصهيوني ذروته حين قال رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني الأسبق "اسحاق رابين" : "أخشى أن يكون جالسًا بيننا في الكنيست "، هذا الهوس لم يطل رابين فحسب بل غدا كابوسًا يتسلل إلى قلوب الصهاينة. فكانت الجرأة التي امتلكها يحيى عياش جعلت منه بطلاً يتغنى به الفلسطينيون ، في حين غدا اسمه مادة شبه دائمة في الإعلام الصهيوني ، ليتصدر الصفحات الأول تحت عنوان "اعرف عدوك رقم 1 .. يحيى عياش" و تحتها صور مختلفة ، وأصبح الشغل الشاغل لقادة الاحتلال من سياسيين وعسكريين. وترجل البطل أيقن الاحتلال أن بقاء العياش على قيد الحياة يشكل خطورة لهم ، ففي 5 يناير عام 1996، وبعد أشهر ممتلئة بالجهاد والمقاومة والإثخان بالقوات الصهيونِية، كان الموعد مع حور الجنة التي كانت تتحرق شوقًا لفارسها الجديد. اغتيل القائد في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وذلك باستخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال كان يستخدمه أحيانًا ، ليمضي المهندس يحيى عياش، بعدما أدى الأمانة، ليخرج في جنازته نحو نصف مليون فلسطيني في قطاع غزة وحده.