يحيى عبد اللطيف عياش ويلقب بالمهندس فلسطيني، ومن أبرز قادة كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) حتى اغتياله، من مواليد بلدة رافات في محافظة سلفيت بالضفة الغربية في يوم الأحد الموافق 6 (مارس) من عام 1966، وحاصل على شهادة البكالوريس في الهندسة الكهربائية من جامعة بير زيت عام 1993، اتهمته إسرائيل بأنه خلف مقتل العشرات؛ حيث كانت أول بصماته في منطقة "رامات أفعال" بتل أبيب بعد العثور على سيارة مفخخة، فيما استمرت إسرائيل بمطاردته في الفترة ما بين أبريل 1993 حتى اغتياله في بيت لاهيا شمال قطاع غزة بتاريخ 5 يناير 1995 باستخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال كان يستخدمه أحياناً، وقد تركز نشاطه في مجال تركيب العبوات الناسفة من مواد أولية متوفرة في الأراضي الفلسطينية، وطور لاحقًا أسلوب الهجمات الانتحارية (الاستشهادية) عقب مذبحة المسجد الإبراهيمي بالخليل في فبراير 1994، وقد شيع جثمانه 100 ألف فلسطيني في قطاع غزة. بدأت علاقة "يحيى" مع الكتلة الإسلامية -الإطار الطلابي لحماس- في جامعة بيرزيت في (أكتوبر) 1984. إذ جرت العادة عند الكتلة الإسلامية أن تقيم حفل استقبال يضم الطلبة من أبناء الكتلة وجميع الطلبة الجدد الذين يلبون الدعوة، ويظهرون موافقة مبدئية على الانضمام إلى صفوف الكتلة، وتم خلال هذا اللقاء الذي عقد في مسجد بيرزيت القريب من الحرم الجامعي القديم، التعارف بين الطلاب القدامى والجدد، وعرّف "الشهيد" وقتها بنفسه قائلًا: "أخوكم في الله يحيى عياش من رافات - سنة أولى هندسة". وفي بداية العام الدراسي الثاني، أصبح عضوًا بإحدى (مجموعات) الإخوان المسلمين في مدينة رام الله. ووظف المهندس السيارة التي اشتراها والده في خدمة الحركة الإسلامية، حين دأب على السفر إلى رافات، ونظرًا للدور الريادي الذي قام به فقد اعتبرته الفصائل الفلسطينية (شيخ الإخوان في رافات)، رجعت إليه في كافة الأمور التي تتعلق بالفعاليات أو الإشكالات خلال الأعوام (1988 – 1992). مع كتائب القسام وكانت بدايات المهندس مع العمل العسكري ترجع إلى أيام الانتفاضة الأولى، وعلى وجه التحديد عامي 1990 و 1991؛ حيث توصل إلى مخرج لمشكلة شح الإمكانات المتوفرة، وندرة المواد المتفجرة، وذلك بتصنيع هذه المواد من المواد الكيماوية الأولية التي تتوفر بكثرة في الصيدليات، ومحلات بيع الأدوية ولمستحضرات الطبية، فكانت العملية الأولى بتجهيز السيارة المفخخة في رامات أفعال بتل أبيب، وبدأت أثر ذلك المطاردة المتبادلة بين يحيى عياش ودولة الاحتلال وأجهزتها الأمنية والعسكرية، وبعد تحقيق شديد وقاسٍ مع أعضاء في حركة حماس الذين اعتقلوا إثر العثور على السيارة المفخخة، طبع الشاباك اسم يحيى عبد اللطيف عياش في قائمة المطلوبين لديها للمرة الأولى، ولذلك داهمت قوات كبيرة من الجيش وحرس الحدود يرافقها ضباط ومحققين من الشاباك بلدات سلفيت و قراوة بني حسان بحثًا عن زاهر جبارين، وعلي عاصي، اعتقادًا بأن أحدهما قد نجح في التوصل إلى المعادلات الكيميائية وفي الربيع الأخير من عام 1992 استكمل الفريق الرباعي المكون من المهندس يحيى عياش بالإضافة إلى زاهر جبارين، وعلي عثمان عاصي، وعدنان مرعي مستلزمات الانتقال بالجهاد نحو مرحلة الدفع بقوة باتجاه تنفيذ العمليات العسكرية وتحديد الأهداف، وذلك بعد أن وصل "المهندس" إلى مبتغاه الذي كان يبحث عنه في المعادلة الكيميائية، وهو تحويل المواد الكيماوية والأولية إلى متفجرات. يعتبر يوم الأحد الموافق 25 (إبريل) من عام 1993، بداية المطاردة الرسمية له. ففي ذلك التاريخ، غادر المهندس منزله، ملتحقًا برفاقه الذين كانوا يتخذون من كهوف ومغارات فلسطين قواعد انطلاق لهم ضد جنود ودوريات الاحتلال، وفي مساء ذلك اليوم، داهمت قوات كبيرة من الجيش والمخابرات المنزل وقامت بتفتيشه والعبث بالأثاث، وتحطيم بعض الممتلكات الشخصية للمهندس، وبعد أن أخذ ضباط الشاباك صورة الشهيد جواد أبو سلمية التي كان "المهندس" يحتفظ بها، توجه أحدهم لوالده مهددًا: "يجب على يحيى أن يسلم نفسه، وإلا فإنه سوف يموت، وسوف نهدم المنزل على رؤوسكم". وقد كانت بداية "المهندس" مع تفجير الحافلات بتركيب العبوات التي قدّر وزنها بأربعين كيلو جرامًا من المواد المتفجرة ربطت بجهاز التفجير وأربع اسطوانات غاز لزيادة قوة التأثير، وحسب الخطة، وضع المهندس بمساعدة أبو إسلام، العبوات في حافلة صغيرة من طراز (فان- فولكسفاغن) تحمل لوحات معدنية صفراء-اللوحات الإسرائيلية- استولى عليها أحد أعضاء حركة حماس من مدينة تل أبيب مساء يوم الجمعة الموافق 20 (نوفمبر) 1992، وعليه يعد هذا التاريخ بداية (قصة الحب التي يعيشها المهندس مع الحافلات الإسرائيلية)، كما يقول ألكس فيشمان في مقاله الطويل الذي نشره في صحيفة معاريف تحت عنوان (أعرف عدوك: المهندس هو المطلوب الأول) في (أكتوبر) من عام 1994 م. اغتيل في يوم الجمعة الخامس من (يناير) 1995 م، وذلك بعد أربع سنوات من وضع إسحق رابين ملف تصفية القائد القسامي على رأس أولويات حكومته السياسية والأمنية فقد وضع له جهاز الشاباك مادة متفجرة وصلت إلي 50 جم في تليفون محمول أخذه من صديقه أسامة، و"أسامة" أخذ التليفون من خاله، وهو الوحيد الذي كان يعلم بأمر اختباء "عياش" في بيت "أسامة"، وكان يأخذ التليفون من "أسامة" ويعيده إليه وشك "عياش" يومًا في احتمال وضع اليهود لجهاز تصنت في التليفون ففكه ولم يجد شيئا، وكان "عياش" ينتظر مكالمة من والده صباح يوم الجمعة 5/1/1996 م، وكان الخط المنزلي مقطوعًا فاتصل والده بالتليفون المحمول، وعن بعد تم تفجير التليفون عن طريق طائرة كانت تحلق في نفس الوقت، فتناثرت أشلاء "عياش" بعدما قطعت رقبته وتمزق نصف وجهه الأيمن حيث كان الهاتف. وقد وضع الجنرال غيون ومساعدوه خطة تفصيلية لاغتيال "المهندس"، بعد أن انتقل إلى موقع متقدم في مستوطنة نيسانيت القريبة من بيت لاهيا للإشراف بشكل مباشر على عملية التنفيذ؛ حيث أقيمت غرفة قيادة أمنية ذات تجهيزات فنية عالية. وفي ذلك الموقع، استعان رئيس جهاز الشاباك بخبراء وفنيين قاموا بتركيب بطارية خاصة صنعها القسم الفني بالموساد في جهاز التليفون الخلوي الذي استعاده كمال حماد من ابن أخته في أواخر (ديسمبر) 1995. والبطارية الجديدة كانت في الحقيقة بنصف حجمها العادي؛ حيث وضعت المتفجرات التي يتراوح وزنها بين 40 و 50 جرامًا في النصف الآخر، وكان كمال حماد قد دأب على التوجه إلى المستوطنة، وبعد أن انتقل المهندس إلى منزل أسامة حماد في نحو الساعة (30:4) من فجر يوم الجمعة الموافق 5/1/،1996، وقام بتأدية صلاة الفجر ثم ذهب للنوم، وحسب القصة التي يرويها أسامة حماد بعد ذلك، فإنه كان من المفترض أن يتصل والد "المهندس" على تليفون المنزل في نحو الساعة الثامنة غير أن اتصالًا غريبًا جرى في ذلك الوقت حين اتصل كمال حماد في الساعة الثامنة طالبًا من ابن أخته فتح جهاز التليفون الخلوي؛ لأن شخصًا يريد الاتصال به ثم قطع الخط الهاتفي، ولم يكن في خط الهاتف البيتي حرارة بعد هذا الاتصال، وفي نحو الساعة التاسعة، اتصل والد المهندس مستخدمًا الهاتف الخلوي حيث رفعت زوجة أسامة السماعة، وسلمتها لزوجها الذي كان نائمًا مع "يحيى" في نفس الغرفة، فأيقظ أسامة "المهندس" ثم أعطاه السماعة وبعد (15) ثانية تقريبًا، وفيما كان "أسامة" يهم بالخروج من باب الغرفة تاركًا "المهندس" ليحدث والده، سمع دوي انفجار، فالتفت على الفور فرأي يد الشهيد القائد تهوي إلى أسفل، وغطى الغرفة دخان كثيف، ليتبين بعد ذلك أن "المهندس" قد استشهد. تشيع يحيى عياش في غزة وقد كانت طائرة مروحية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي حامت فوق المنزل في ذلك الوقت، يعتقد أنها كانت تقل ضابط الشاباك المسؤول عن تفجير الشحنة الناسفة التي زرعت داخل جهاز الهاتف النقال، فما أن تأكد الضابط من تشخيص صوت المهندس عبر أجهزة الرصد حين قال لوالده: :كيف حالك يا أبي، دير بالك على صحتك ولا تظل تتصل على الهاتف "، حتى ضغط على زر جهاز الإرسال لإرسال ذبذبة معينة لانفجار العبوة الناسفة لاسلكيًّا، فوقع الانفجار. وقد نقلت الجثة إلى مستشفى الشفاء، وتوافد عدد من قادة حركة حماس لمعاينة الجثة، ومنهم الصحفي فايد أبو شمالة الذي يعرف "المهندس" منذ أيام الدراسة الجامعية، وقال "فايد" بأن الجهة اليمنى من وجه المهندس (من أذنه وحتى منتصف وجهه) كان مهشمًا تمامًا، وكذلك يده اليمنى، بينما لم يتأثر بقية جسمه إطلاقًا بالانفجار. هذا وقد خرج في تشييع جثمانه 100 ألف فلسطيني في غزة وحدها.