كثير من الاقتصاديين لا يثقون في مؤشر أسعار المستهلكين الذي يعلنه جهاز الإحصاء شهريا تعبيرا عن معدل ارتفاع الأسعار، لأسباب فنية وتحفظات على سلة السلع والخدمات التي يتضمنها المؤشر، ورغم ذلك فعندما تذكر بيانات المؤشر بلوغ نسبة التضخم السنوى – أى ارتفاع الأسعار – 20.2% خلال شهر نوفمبر الماضى، فالأمر يعنى كارثة لغالبية المصريين. عندما تذكر بيانات المؤشر بلوغ نسبة التضخم السنوى – أى ارتفاع الأسعار – 20.2% خلال شهر نوفمبر الماضى، فالأمر يعنى كارثة لغالبية المصريين.
ورغم أن المؤشر الخاص بالأسعار والذى يعده البنك المركزي المصري شهريا، يعتمد على بيانات مؤشر جهاز الإحصاء الخاص بالتغيرات بالأسعار، إلا أنه يستبعد من بياناته السلع والخدمات المسعرة إداريا من قبل الجهات الحكومية، مثل السجائر والمنتجات البترولية وغيرها، كما أنه يستبعد كذلك السلع سريعة التقلب وأبرزها الخضر والفاكهة رغم نصيبها الكبير بالاستهلاك، ومع ذلك بلغت نسبة التضخم السنوى حسب مؤشر البنك المركزي بالشهر الماضى 20.7%.
وإذا كانت البيانات السابقة تخص تغير الأسعار خلال عام، أى ما بين نوفمبر من العام الحالى ونفس الشهر من العام الماضى، والتى لا تجد تصديقا من غالبية المصريين، إلا أن زيادة الأسعار خلال شهر نوفمبر وحده قد بلغت نسبتها 5% حسب مؤشر جهاز الإحصاء، و5.3% حسب مؤشر البنك المركزي خلال شهر واحد، في حين أن الاتحاد الأوربى يضع سقفا لمعدلات التضخم السنوية لدوله تصل إلى 2%! .
وإذا كانت تلك هي البيانات الحكومية والتى تقل كثيرا عما يشعر به المواطنين من زيادات سعرية شاملة، فما هى الزيادات التي تمت في دخول المواطنين خلال عام حتى يواجهوا تلك الطفرات السعرية؟ وهنا نجد أن نسبة الزيادة السنوية لأجور العاملين بالحكومة قد تحددت بنسبة 7%، أى أقل كثيرا من النسب الرسمية لزيادات الأسعار، حتى يتم الحفاظ على شراء نفس سلة السلع والخدمات لكل أسرة.
ثبات معاشات التضامن منذ مارس 2014 لكن العاملين بالحكومة أفضل حالا من أصحاب معاشات الضمان الإجتماعى، وهي المعاشات التي بلغت حسب آخر زيادة لها في مارس 2014 نحو 323 جنيه شهريا للأسرة المكونة من فرد واحد، و360 جنيه شهريا للأسرة المكونة من فردين، و413 جنيه للأسرة المكونة من ثلاثة أشخاص، و450 جنيه للأسرة المكونة من أربعة أشخاص فأكثر، وهكذا مر على هؤلاء أكثر من عامين ونصف دون زيادات.
أما معاش تكافل فيبلغ 325 جنيه شهريا، ومعاش كرامة 350 جنيه شهريا، ولم يزد منذ بداية تطبيقه بالعام الماضى، وإذا انتقلنا إلى أصحاب المعاشات من العاملين السابقين بالحكومة أو بالقطاع الخاص، والذين تمت زيادة الحد الأدنى لمعاشاتهم إلى خمسائة جنيه منذ يوليو الماضى، فهناك 1 مليون و644 ألف حالة معاش منهم تحصل على خمسائة جنيه شهريا بعد الزيادة.
واستكمالا للبيانات الحكومية التي لا تجد قبولا أيضا، نذكر بيانات حد الفقر التي أعلنها جهاز الإحصاء مؤخرا، والتى تشير إلى أن مبلغ 16 جنيها يكفى الفرد يوميا للوفاء بإحتياجاته الأساسية، أى أن مبلغ 482 جنيه شهريا حسب الجهاز يكفى الفرد لتغطية احتياجاته من الغذاء والكساء والمواصلات والتعليم والعلاج والسكن. وبإفتراض كفاية المبلغ لتغطية الاحتياجات الأساسية بالعام الماضى، وهو العام الذي صدرت البيانات عنه، فمن الطبيعى أن الزيادات التي لحقت بالأسعار خلال العام الحالى تتطلب رفع هذا الحد الأدنى، ولو بنسبة معدلات التضخم الرسمية، وحتى تتساوى قيمة المعاشات بما يكفى تغطية الاحتياجات الأساسية.
ورغم أن هناك مطلب جماعى برفع قيمة الحد الأدنى لقيمة المعاشات السابقة بالحد الأدنى للأجور البالغ 1200 جنيه، إلا أنه لا يوجد برلمان أو إعلام أو مجتمع مدني داعم لهذا المطلب.
الدعم الغذائى الشهرى يوازي نصف كيلو عدس ورغم الإعلان عن طلب صندوق النقد الدولي تقديم سبل الجماية للطبقات الفقيرة عند استعراض شروطه للحصول على قرض منه، فما حدث أننا سرنا بخطوات متلاحقة في الاستجابة لشروط القرض، من تعويم للجنيه وفرض ضريبة القيمة المضافة ورفع لقيمة الكهرباء والمنتجات البترولية.
لكننا لم نشهد خطوات موازية على مسار مساندة الفقراء سوى الجنيهات الثلاثة، التي زاد بها نصيب الفرد بالبطاقات التموينية ليصل المبلغ الشهرى إلى 21 جنيها، وبما يكاد يكفى لشراء نصف كيلو من العدس.
والخطير وحسب بيانات جهاز الإحصاء نفسه حينما ذكر أن نسبة ما تحصل عليه الأسرة من دعم للسلع الغذائية بالبطاقات التموينية، إلى إجمالى استهلاك الأسرة من الغذاء تصل إلى 7% فقط، أى أن الأسر تشترى نسبة 93% من استهلاكها الغذائى من السوق بالأسعار الحرة التي شهدت زيادات متلاحقة، خاصة بالسلع الأساسية السكر والزيت والأرز، مع الأخذ في الاعتبار أن نسبة السبعة بالمائة الخاصة بالبطاقات التموينية قد لا تتحقق حاليا، في ظل نقص وتأخر وصول السلع الأساسية من سكر وزيت وأرز للبطاقات التموينية، فيضطر رب الأسرة وحتى لا يضيع عليه قيمة الدعم الذي لا يمكن ترحيله للشهر التالى، أن يشترى سلع كمالية مثل الصابون أو المنظفات.
وعندما تزيد معدلات الفقر تزيد معها معدلات الجريمة والانحراف والإدمان والدعارة، والتسرب التعليمى وسوء التغذية وكثرة الإنجاب وضعف الانتماء والهجرة غير الشرعية والتطرف. كل ما سبق يشير إلى وقوع مزيد المصريين في عداد الفقراء خلال العام الحالى، خاصة بمحافظات الجنوب والتى كانت معدلات الفقر الرسمية بها قد وصلت إلى 66% من سكان محافظتى أسيوط وسوهاج، و58% بقنا و57% بالمنيا و49% بأسوان و43% ببنى سويف، و41% بالأقصر بالعام الماضى قبل الزيادات السعرية وتوقف السياحة.
وعندما تزيد معدلات الفقر تزيد معها معدلات الجريمة والانحراف والإدمان والدعارة، والتسرب التعليمى وسوء التغذية وكثرة الإنجاب وضعف الانتماء والهجرة غير الشرعية والتطرف. * الخبير الإقتصادى ونقيب الصحفيين الأسبق