فتح التوتر على الحدود بين مصر والكيان الصهيونى إثر استشهاد ضابط مصري وأربعة مجندين بنيران قوات الاحتلال الصهيونى الباب على مصراعيه لبحث ملف العلاقات بين الجانبين أمام الحكم الجديد في مصر والذي ظل مؤجلاً بعد إزاحة نظام حسني مبارك نظراً الى كثافة الملفات المطروحة على جدول أعمال المجلس العسكري الحاكم حالياً في مصر. وفي حين سعت الحكومة الصهيونيه إلى لملمة ذيول الحادث وقدمت الاعتذار الذي طلب منها، بدأت تتعالى في مصر الأصوات المطالبة بإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد التي تكبل مصر وتحجمها ليس سياسياً فقط، بل عسكرياً أيضاً حيث تمنع هذه الاتفاقية الجيش المصري من التواجد في سيناء وخاصة قرب المنطقة الحدودية، ويقتصر هذا الوجود على عناصر شرطة غير مزودة بسلاح ثقيل، بما في ذلك المدرعات والمروحيات والزوارق، خلافاً للجانب الصهيونى ، وهو ما يفسر وقوع ضحايا في الجانب المصري خلال الاشتباك الأخير، وعدم وقوع إصابات في الجانب الصهيونى . ويحاول الكيان الصهيونى في الآونة الأخيرة أن يظهر للعالم أن أمنه في خطر، وأن مجموعات متطرفة تسيطر على سيناء وتتخذها قاعدة لشن هجمات على الكيان، وهو ما يعكس خططاً صهيونية قديمة تسعى من خلالها الى إعادة احتلال سيناء أو أجزاء منها، أو على الأقل فرض وصاية دولية عليها. وفي هذا الإطار، كشف وزير الحرب الصهيونى إيهود باراك عن الأهمية التي كان يشكلها نظام مبارك لحماية أمن "إسرائيل"، معتبراً أن مصدر الهجمات التي أوقعت عدة قتلى إسرائيليين قرب قطاع غزة مصدرها القطاع وإن تصاعد نشاط المسلحين في سيناء سببه سقوط حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك حسب قوله. من جهته يعتبر الباحث الصهيونى إيلي كارمون، أن الهجمات في إيلات لم تكن أمراً مفاجئاً ورأى أن الهجمات المتكررة مؤخراً على خطوط نقل الغاز من مصر إلى الكيان الصهيونى تعد تحذيراً كافياً لخطورة تلك المنطقة. ويعتقد كارمون أن مصر دخلت في فراغ سياسي بعد سقوط نظام مبارك، ما يشكل مشكلة استراتيجية حسب قوله. واعتبر أن الحدود الجنوبية مع مصر تعد أكثر خطورة على الكيان من الحدود الشمالية مع لبنان، بل وأكثر خطورة من إيران نفسها. وتعليقاً على التصريحات الصهيوينه حول فقدان مصر السيطرة على حدودها، يقول الخبراء إن مثل هذه التصريحات أصبحت أمراً متكرراً اعتاد عليه المصريون بعد ثورة 25 يناير، وإن هناك سيناريوهات موزعة بين الصهاينه، فهناك من يقف بجوار مصر في تصريحاته، وهناك من يلومها. وأضافوا «لو افترضنا صحة هذا الكلام، فأرى أن الحل هو زيادة عدد القوات المصرية في سيناء». أي ضرورة إعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد وتحديداً في عدد ونوع القوات والتسليح الموجودة في المنطقة(ج)، أو منطقة «الكونتيلا» كما يسميها الإسرائيليون. وتقضي الاتفاقية بعدم السماح لأكثر من 750 جندياً مصرياً فقط بالانتشار على طوال الخط الحدودي والذي يبلغ طوله حوالي 220 كيلو متراً. وأما مجدى حسين، المرشح المحتمل للرئاسة و رئيس حزب العمل فقد صرح بأن الدم المصري هو أثمن ما نملك، وأن الاتفاقيات والمعاهدات كلها لا تساوي الحبر الذي كتبت به إذا سفكت دماء مواطنينا، أو انتهكت حرمة حدودنا وسماواتنا وان لا توجد معاهده مقدسه. وأثارت هذه التطورات قلقاً متزايداً في العواصمالغربية، حيث اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن هذه الأحداث تمثل تهديداً من شأنه أن يقوض حالة السلم التي دامت لعدة عقود بين مصر والكيان الصهيونى. وقالت الصحيفة: إنه في الوقت الذي يحاول فيه الكيان الصهيونى عدم إثارة التوترات مع جارته الإستراتيجية، إلا أن الهجوم على الجنود المصريين أدى إلى إثارة غضب القاهرة حيث أصبح قادتها أكثر استجابة لمطالب المواطنين بعد الثورة. ومن جانبها ذكرت صحيفة «الغادريان» البريطانية أن توقيت الهجمات قد يكون متعلقاً بالمحادثات التي تجري في القاهرة حول إطلاق سراح الجندي المختطف جلعاد شاليط مقابل إطلاق سراح مئات المعتقلين الفلسطينيين والمحاولة الفلسطينية في الأممالمتحدة بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة خلال اجتماع الجمعية العامة الشهر المقبل مشيرة الى أن من وراء تلك الهجمات ربما يسعى الى تعطيل عملية أو كلا العمليتين. ويرى مراقبون من جهة أخرى، أن حكومة الكيان الصهيونى ربما تسعى الى الإفادة من عملية إيلات ومن التوتر مع مصر اللتين جاءتا بالتزامن مع تصاعد حدة الاحتجاجات داخل الكيان ضدها بهدف صرف اهتمام الرأي العام وتهدئة الأجواء في الداخل، وهو ما نجحت فيه بالفعل عندما قرر بعض قادة الحركة الطلابية إلغاء بعض المظاهرات التي كان من المقرر خروجها بسبب هذه التطورات. كما أن استهداف الجنود المصريين كان هدفه من جانب الصهيونى جس نبض الحكم الجديد في مصر وقياس ردة الفعل التي تصدر عن المستوى السياسي والدبلوماسي والشعبي أيضاً. ولعل الكيان الصهيونى لم تتوقع هذا الرد الرسمي الذي تبلور في سحب السفير المصري في تل أبيب، واستدعاء السفير الصهيونى في القاهرة للتعبير عن الاحتجاج. وتكمن أهمية هذه القرارات التي اتخذها المجلس العسكري والتي ترافقت مع حشود يومية أمام السفارة الصهيونيه في القاهرة تطالب بطرد السفير وإلغاء معاهدة كامب ديفيد، في المغزى المراد من وراء اتخاذها وهو توصيل رسالة الى حكام الكيان الصهيونى أن مصر بدأت تنهج نهجاً جديداً نحو تغيير شكل العلاقة ومضمونها مع الكيان التي بدأت تتخذ منحى آخر يقوم على التوازن والندية، بدلاً من علاقة التبعية الكاملة التي أرساها الحكم السابق.