يتباهى بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال الصهيونى، والمتحدثون بإسمه وحكومته بأن دولة الاحتلال الاسرائيلي واحة أمان واستقرار في منطقة الشرق الأوسط، الذي تواجه معظم دوله أعمال قتل وإرهاب وحروب أهلية، وها هي عملية اليوم الفدائية التي استهدفت محطة قطار في مدينة القدسالمحتلة، تؤكد أن هذه المباهاة ليست في محلها، وأن القادم ربما يكون أكثر خطورة. فإذا كان الغرور بلغ بنتنياهو درجة إذلال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي جاءه معزيا، ودون دعوة رسمية، في جنازة شمعون بيريس، واجلسه في الصفوف الخلفية إلى جانب وزراء ووكلاء وزارة الخارجية، فعليه أن يتوقع أن الشعب الفلسطيني لا يقبل الاذلال والمهانات، وعارض بغضب مشاركة من يقول أنه رئيسه في جنازة النفاق هذه. عملية القدس هذه ليست جديدة ولا مفاجئة، وتأتي ردا طبيعيا على الاعدامات الميدانية الاسرائيلية لشباب وشابات انتفاضة السكاكين، فاذا كان الجنود يطلقون النار على كل من يعتقدون أنه يحمل سكينا، وبهدف القتل، فإن هذا يدفعهم إلى البحث عن الأسلحة النارية والقنابل، طالما أن الشهادة قادمة حتما. أبناء القدسالمحتلة يقدمون على أعمال المقاومة هذه، سواء بالأسلحة النارية أو بالسكاكين، لأنهم ليسوا في مناطق تسيطر عليها قوات الأمن "الفلسطينية" (اسما والاسرائيلية حقيقة)، التي باتت أدوات لخدمة الاحتلال ومستوطنيه ومستوطناته. الرئيس عباس يفاخر بأنه منع الانتفاضة، وتعهد بعدم عودتها، سلمية كانت أو مسلحة، ويتمسك بالتنسيق الأمني باعتباره مصلحة فلسطينية. الشهيد الذي نفذ هذه العملية الهجومية ليس مراهقا، مثل منفذي انتفاضة السكاكين، أي تحت العشرين من عمره، وإنما يقف على أبواب الأربعين، وهذا له معاني خاصة، تؤكد أن الجيل الجديد من المنتفضين من كل الأعمار، وأن الرغبة في الانتقام، وزعزعة استقرار دولة الاحتلال باتت متأصلة في أوساط كل الشباب الفلسطيني، ومن مختلف الفئات العمرية. الفصائل الفلسطينية باركت هذه العملية التي أسفرت عن مقتل اسرائيليين اثنين، واصابة خمسة اشخاص، وأكدت على الحق المشروع في المقاومة، ابتداء من حركة "الجهاد"، ومرورا "بحماس″، وانتهاء بالجبهة الشعبية، وهذا يؤشر على أن الخيار العسكري بات يحظى بالأولوية المطلقة، سواء لدى الشارع الفلسطيني، أو حركات المقاومة. هذه العملية، وبغض النظر عن الهوية السياسية، أو العقائدية لمنفذها، رسالة إلى دولة الاحتلال تقول مفرداتها، أن الكيل قد طفح، وأن الفلسطينيين عائدون إلى المقاومة، وعبر بوابتها إلى أرض فلسطين، كل فلسطين، فلم يعد أمامهم اي خيار آخر بعد قتل كل أمل في السلام والتعايش.