أمران يرتقيان إلى درجة العيب، حدثا على هامش تشييع رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريز في القدسالمحتلة. الأول: مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في هذه الزيارة على رأس وفد كبير، ومعاملته معاملة سيئة يستحقها، عندما لم يوضع في صف الرؤوساء العالميين الذين حضروا من مختلف أنحاء العالم. الثاني: قول الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن بيريس "يذّكره بعمالقة القرن العشرين مثل الزعيم الجنوب افريقي نيلسون مانديلا الذين تشرفت بلقائهم". لا أعرف لماذا قبل الرئيس عباس على نفسه هذا الوضع المهين على الصعيد الشخصي والوطني معا، اللهم إلا إذا كان يريد "استفزاز" الشعب الفلسطيني الذي يدرك جيدًا أنه ضد هذه المشاركة، في جنازة رجل يوصف بأنه آخر رجال الحركة الصهيونية التاريخيين الذي اقام دولة إسرائيل على حساب تشريد الشعب الفلسطيني. فاذا كان نواب الكنيست العرب رفضوا احتراما لقاعدتهم الوطنية المشاركة في هذا التشييع، فكيف يقبل الرئيس عباس هذه المشاركة، وهو الذي يعتبر آخر "الأبوات" في حركة "فتح" التي أطلقت الرصاصة الأولى، وقادت مسيرة المقاومة للاحتلال؟ *** الرئيس عباس رش المزيد من الملح على جرح الشعب الفلسطيني، وكل الشرفاء في العالمين العربي والإسلامي، عندما عبر عن حزنه وألمه لوفاة بيريز، الذي وصفه بأنه "كان شريكا في صنع سلام الشجعان". فأين هو سلام الشجعان هذا الذي يتحدث عنه؟ وأين ثماره؟ هل هي التنسيق الامني لمصلحة بقاء الاحتلال ومستوطناته وجرائمه؟ أم هي تكسير عظام شباب الانتفاضة؟ أم الاعدامات الميدانية الهمجية لشباب "هبة السكاكين"؟. لنترك الرئيس عباس جانبا، فلا فائدة من الحديث عنه، ومشاركته المهينة، وننتقل إلى "سقطة" الرئيس أوباما، التي تمثلت بمقارنته بيريز بالعملاق العظيم نيلسون مانديلا، ونسأل أين أوجه الشبه؟ فهل اغتصب مانديلا أرض الآخرين؟ وهل مارس سياسات التمييز العنصري ضد أصحاب الأرض، وهل طور برنامجا نوويا لإرهاب كل الجيران وما بعدهم؟ وهل ارتكب مجازر مثل مجزرة قانا في عرين مركز للأمم المتحدة، لجأ اليه الهاربون من القنابل العنقودية للطائرات الإسرائيلية؟. مانديلا العظيم فكك البرنامج النووي الجنوب أفريقي، وقدم مثلا في التسامح والتعايش والترفع عن الثأرات والاحقاد، وحمى العنصريين البيض من مجازر أبناء جلدته الإنتقامية، وترفع عن كل معاناته تحت التعذيب من قبل جلاديه في زنزانة انفرادية لأكثر من 28 عاما. *** أوباما مارس أبشع أنواع النفاق والتملق، وزاود على الرئيس عباس في هذا المضمار، وما كان له أن يقدم على هذه "السقطة" وهو الذي ينتمي إلى عائلة سوداء عانت من التمييز العنصري الأمريكي البشع في الستينات. أوباما وهو الذي بات بينه وبين مغادرة البيت الأبيض إلا اسابيع معدودة، ليس مضطرا للتملق للإسرائيليين بهذه الطريقة المقززة، وهو من المفترض أن يكون زعيم الدولة الأعظم والأقوى في العصر الحديث. بيريز يذهب إلى القبر وأياديه ملطخة بالدماء، ويترك إرثا حافلًا بالمجازر والكذب والخداع، والمشاركة في جنازته صك براءة له ولكيانه الدموي العنصري.