برغم حرص معدي حفل إستقلال دولة جنوب السودان التي ظهرت للوجود يوم 9 يوليه الجاري علي بدء الحفل بترانيم ومواعظ كنسية ، وكذا تلاوة أحد المسلمين الجنوبيين ايات من القران في إشارة لتسامح هذه الدولة الجنوبيةالجديدة مع مسلمي جنوب السودان الذين لا يعرف تعدادهم بدقة وإن كانت الخرطوم تقدر نسبتهم بحوالي ثلث السكان مقابل ثلث للمسيحيين وثلث أو للوثنيين أو أصحاب الديانات الأفريقية في الجنوب ، فلا يعني هذا أن مسلمي الجنوب سوف يعيشون في حرية ولا يتعرضون لأي أذي أو إضطهاد ، لأن أوضاعهم قبل الأنفصال كانت تشهد غلق لمعاهد اسلامية ومنع للحجاب في بعض المناطق بخلاف التهميش السياسي الذي لا يزالون يعانون منه ، حيث لا يتولي اي منهم أي مناصب سياسية كبيرة . فوفقا لمصادر دبلوماسية سودانية، هناك "عمليات تضييق كانت تجري على المسلمين في الجنوب قبل الانفصال ورغم عملية السلام في البلاد، تتمثل في منع الأذان في عدد من ولايات الجنوب العشر، وتحويل بعض الخلاوي ( أماكن تعليم القرآن) إلى خمارات، وغلق للجامعات والكليات والمصارف الإسلامية، وسعي لاستبدال المنهج السوداني العربي بالمناهج الكينية والأوغندية". وسبق أن كشفت وثيقة صادرة عن رئاسة الجمهورية السودانية مؤرخة بتاريخ سبتمبر 2007 عن بعض هذه "الخروقات" التي قامت بها "الحركة الشعبية" – الشريك الجنوبي– فيما يخص اتفاقية سلام "نيفاشا" الموقعة في يناير 2005 ضد المسلمين في الجنوب تضمن تضييق علي مسلمي الجنوب .
كما ذكرت مصادر بوزارة الإرشاد والأوقاف السودانية لموقع "سودان سفاري" أن الحكومة المركزية في الخرطوم اضطرت – قبل الانفصال - للتدخل لوقف هذه الانتهاكات ضد المسلمين في الجنوب والتي تزايدت مع اقتراب موعد التعداد السكاني الذي سبق استفتاء تقرير مصير الجنوب فيما بدا أنه محاولة لإجبار المسلمين على الرحيل من الجنوب قبل التعداد.ومن الانتهاكات التي رصدتها وزارة الأوقاف حيئنذ : منع ارتداء الحجاب بالنسبة للفتيات الطالبات، بخلاف قرار لحكومة الجنوب بمنع وجود بنوك إسلامية بالإقليم تعمل وفقا للصيغ الإسلامية، والتضييق على وجود مكاتب ديوان الزكاة ومماطلتها في السماح لها بالعمل، والحملات عليها التي يقال إن "عصابات مسلحة تقودها ضد الوجود الشمالي وضد وجود المسلمين في الجنوب في ظل صمت حكومة الجنوب".
وبالرغم من هذا الحصار العام حول مسلمي جنوب السودان منذ الثمانينات مع ظهور الحركة الشعبية الجنوبية ودخول الشمال والجنوب في حرب أخذت الطابع الديني في بعض مراحلها ، فقد نشأت بينهم قيادات ورجال صالحون يعلمون القرآن وينشرون الدعوة، وقد زادتهم الصحوة الإسلامية التي عمت كل أنحاء العالم قوة ، فبدءوا ينشطون أكثر نحو الدعوة الإسلامية ويوحدون جهودهم حتى أنشئوا الجمعيات والهيئات العديدة مثل الهيئة الإسلامية العليا لجنوب السودان عام 1983 وتعاونوا مع منظمة الدعوة الإسلامية التي افتتحت فروع لها هناك وتزايدت نشاطها بقوة خلال عام 1992، 1993 ، حيث يوجد نحو 40 فرعًا للهيئة العليا لمسلمي الجنوب في الولاياتالجنوبية .
ورغم سعي الحركة الجنوبية الحاكمة في الجنوب لتأكيد أن الحكم في الجنوب علماني لا ديني وان الجنوب مستثنى من القوانين الدينية ، فقد أدي سعي الجنوبيين دوما لرفع راية المسيحية هناك وتغلغل الكنيسة في الحياة السياسية والعامة لصبغ البلاد بصبغة دينية مسيحية، ما يزيد التعصب الديني ويدفع لاضطهاد المسلمين ، وجاء التحدي الأكبر لهم بعد إنفصال الجنوب ولهذا سعي بعضهم لتشكيل مجلس موحد لمسلمي الجنوب ، طلبوا اعتراف حكومة الجنوب به ليضمن وجود ممثل ومتحدث رسمي باسم المسلمين يدافع عنهم وعن حقوقهم .
وبرغم أن الجنوب به خصوصية عجيبة هي إن البيت الجنوبي الواحد توجد فيه عدة ديانات، ويمكن أن يكون أحدهم مسلم والأخر مسيحي والثالث وثني لا يعبد سوي الديانات الأفريقية القديمة، ولهذا كانت فلسفة جماعات الدعوة الاسلامية ومنع "أنصار السنة" من الجنوبيين هي استعمال ثقافة التسامح في التعامل مع ذلك، إلى جانب أمور فقهية مثل عدم اللجوء لتغيير الأسماء بعد الدخول في الإسلام، وعدم الانقطاع عن الأسرة والعشيرة بعد الدخول في المنهج السلفي.
إلا أن هذه المجموعات الاسلامية التي تتولي تعليم الجنوبيين الاسلام واللغة العربية تعاني من مشكلات قلة الدعاة المؤهلين علميا والمتميزين بمخاطبة المواطن الجنوبي بلغاته المحلية، وقوة نشاط الكنيسة في مقابل الإسلام، وبعد انفصال الجنوب قد تعاني من الدعم الذي كان يأتيها من الخرطوم وبالتالي سوف تعمل كافة الجمعيات الاسلامية معتمدة علي "قوتها الذاتية"، ومحاولة توحيد العمل الاسلامي بالجنوب، فضلا عن السعي لقطع صلاتها بالجماعات الأم في شمال السودان والمطالبة بتسجيلها في دولة ، مثلما فعلت "جماعة أنصار السنة المحمدية" و"المجلس الإسلامي لجنوب السودان" .
مع ملاحظة أن الحركة الشعبية (الحزب الحاكم) في الجنوب أتجهت منذ زعيمها الأول جون جارانج للتقارب مع الجماعات الصوفية الاسلامية في الجنوب واحتضانها بهدف مواجهة تيارات الاسلام السياسي ولهذا ضمت الحركة الشعبية إليها كثيرا من الطرق الصوفية، وتحالفت مع الختمية واعترفت بالإسلام دينا له أتباع، وأنشأت للمسلمين إدارة وانخرط المسلمون في أجهزتها، بهدف أن يحاول هؤلاء الصوفية إثبات إخلاصهم للجنوب كدولة ويقبلون قواعد اللعبة.
إذ ينقسم مسلمو جنوب السودان إلى حركات (صوفية وسلفية وأخرى حركية ذات صلة بإسلاميي السودان عموماً)، وقد تدرجت مواقف المسلمين في جنوب السودان تجاه الانفصال: من رفضه في ظل المخاطر المحتملة، إلى الحياد والوقوف موقف المتفرج، والانكفاء إلى الداخل ولملمة الصف المسلم؛ لتحقيق مصالح الحفاظ على حريتهم الدينية، والإشراف على الأوقاف والهيئات الإسلامية بالجنوب كل ذلك نتيجة التجاهل الذي تعرضوا له خلال معالجة قضية الجنوب، وتحييدهم عن التفاوض .
وفقا للكتاب السنوي للتبشير والذي يصدره مجلس الكنائس العالمي ، أورد إحصاءات عن عام 1981 حول الأديان في الجنوب قال فيها: "إن 65% من أهالي الجنوب (وثنيون لا يؤمنون بأي دين)، والبقية 18% مسلمون و17% مسيحيون، وإن الإسلام قوي في المدن بينما في الأرياف يزداد نشاط المسيحية والمنصرين" ، ولكن إحصاءا اخرا لمجلس الكنائس العالمي أجري عام 1986 أكد أن قرابة 48% من الجنوبيين مسيحيين ونحو 31% من الجنوبيين يعتنقون الدين الإسلامي، والبقية (24%) تتوزع بين اللادينيين، وأصحاب الديانات الأفريقية الأخرى . وفيما يخص المعتقدات والأديان لسكان الجنوب فإنه لم يجر إحصاء علمي في الجنوب سوى عامي 1956 و1983، وقد خلا إحصاء 1983 من السؤال عن الدين، ولذا لا يوجد غير إحصاء 1956، وإحصاء مجلس الكنائس عام 1981 ،وكانت الخطة التي أعتمدها الاستعمار البريطاني في سياق خطة ما سمي (المناطق المقفولة) عام (1922م) تستهدف عزل الجنوب عن الشمال وإطلاق يد المنظمات والكنائس التبشيرية الغربية في الجنوب والاشراف علي التعليم بهدف إقامة سد (دولة جنوبية) تمنع تمدد الاسلام باتجاه الجنوب الأفريقي عموما ، وبرغم هذا لم يفلح الاستعمار في تحويل الجنوب للمسيحية.
وظلت الإحصاءات القديمة التي تقول إن المسيحية تشكل 5% من مجمل سكان السودان، و17% من سكان الجنوب (في مقابل 75% مسلمون لكامل القطر و18% مسلمون في الجنوب) هي المعلنة خصوصاً أن الاستفتاء السوداني الأخير رفض إدراج خانة الدين.
وهناك تقديرات أخري حكومية سودانية ترجح أن ثلث الجنوب مسيحيين والثلث مسلمين والثلث الباقي لا دينيين ، ويقدر الأمين العام لمجلس الكنائس في السودان (حزقل كوتجوفو) عدد الجنوبيين المسيحيين بحوالي 3-4 ملايين أغلبهم من الكاثوليك؛ علما بأن الجنوب يسكنه حوالي 25 مليون نسمة.
وهناك بعض المواقع التنصيرية التي تورد نسبا متفاوتة للمسيحيين في الجنوب (برغم الشكوك حول حياديتها بسبب رغبتها في الشهرة والدعاية للحصول علي الاموال) .. فبعض المواقع التبشيرية الغربية مثل موقع (مشروع جوشوا) الذي ينشر بعض الإحصائيات المتعلقة باعتناق المسيحية وسط بعض القبائل الجنوبية يشير لأن هناك تفاوت بين القبائل حتي داخل قبائل الدينكا نفسها إذ تصل النسب المقدرة إلى 80% مسيحيين لدى المجموعة الشمالية الشرقية، تقل الي 19% لدي دينكا الوسط، وتصل نسبة النوير المسيحيين بحسب جوشوا إلى 40%، والشلك 70% ، والأنواك 12.5%، والأشولي 89% واللو 38% ، والباقي مسلمون أو وثنيون يعبدون ديانات أفريقية .
خطوات ذاتية للحفاظ علي الهوية الإسلامية.
ومن اجل الحفاظ علي هويتهم ، عقدت مبكرا في الفترة من 1-3 مارس 2010 فعاليات المؤتمر العام التأسيسي لمسلمي جنوب السودان بحضور ولايات الجنوب العشرة ، ووسط مشاركة من علماء ومسئولين في الدول العربية والإسلامية ومنظمات المجتمع الدولي والإسلامي،وذلك قبل تصويت الجنوبيين علي استفتاء تقرير المصير في يناير 2011 ، وموافقتهم علي انفصال الجنوب عن الشمال .
ونبعت أهمية هذا المؤتمر التأسيسي لمسلمي الجنوب – الذي سبق عقده في شمال وجنوب السودان عدة مرات – من عقده هذه المرة علي أرض الجنوب والإعلان فيه عن قيام (المجلس الإسلامي لجنوب السودان) رسميا ليكون هو الممثل الرسمي الوحيد المعترف به لدي حكومة الجنوب ليتحدث باسم المسلمين وأوقافهم وشئونهم ، والمفترض أنه سوف يرعي رسميا شئون كل مسلمي الجنوب بعد الانفصال .
وكان الهدف من هذا المؤتمرفي المقام الأول هو توحيد المسلمين الجنوبيين الذين يشعرون – منذ توقيع اتفاقية سلام نيفاشا عام 2005 - بالتهميش من قبل حكومة الخرطوم في الشمال و"الحركة الشعبية" الحاكمة في الجنوب، حيث أغفلتالحكومة السودانية حقوقهم في اتفاقية السلام ، ما أدي لاضطهادهم وإقصاؤهم من الحياة السياسية في الجنوب وعدم المشاركة في حكومة الجنوب .
وقد أكدنائب رئيس اللجنة العليا المنظمة للمؤتمر العام التأسيسي لجنوب السودان المهندس "الشيخ بيش"، أن المؤتمر يهدف إلي "إنشاء جسم يدير شئون المسلمين في الإقليم وتدريب قياداته " ، موضحا أن المؤسسات الدينية في الجنوب كانت تتبع في إدارتها للدولة السودانية ، إلا أن اتفاقية السلام (نيفاشا 2005) نصت علي ترك أمر المؤسسات الدينية للمجتمع المدني .
كانت أغلب التوصيات الختامية للمؤتمرات التي عقدها مسلمو الجنوب تؤكد تطلعهم الي الحريات والحقوق المقررة في دستور جنوب السودان الذي نصت عليه اتفاقية نيفاشا ، ورغبتهم في المشاركة في فعاليات الأجهزة الجنوبية المختلفة المهشمين فيها ، ومطالبتهم بإعادة حكومة الجنوب لمؤسساتهم الإسلامية ، وتعيين الكوادر الجنوبية المسلمة كمناديب للجنوب في العديد من المشاريع ومنها منسقية الحج بجدة والمدينة .
ولكن المشكلة أنه حتي الان لا تزال الامور معطلة وليس هناك تحرك جدي من حكومة الجنوب لطمأنة المسلمين في الجنوب علي مستقبلهم وتلبية مطالبهم ، والمستقبل الوحيد المضمون هو قدرتهم علي التغلغل داخل المجتمع الجنوبي وإنتزاع حقوقهم بانفسهم وفتح الطريق أمامهم للعمل بحرية ودون عوائق بعدما كانت مؤسساتهم تتعرض للنهب والاعتداء عليها من قبل متطرفي الحركة الشعبية أو جماعات جنوبية أخري مسيحية متطرفة.
فقد عاني مسلمو الجنوب كثيرًا لأكثر من سبب خصوصا في ظل انقطاع أي عون إسلامي حقيقي لهم سواء من الحكومة السودانية لعدم سيطرتها علي الأرض ، أو المنظمات الإسلامية التي لا تنشط كثيرا هناك ،وبالمقابل يواجهون حملات تبشير وتنصير شرسة ودورات من الاضطهاد الديني والسياسي لهم، ولكنهم استطاعوا – رغم ذلك - الحفاظ على كيانهم وشخصيتهم المسلمة.
وجزء كبير من معاناة هؤلاء المسلمين يرجع للحرب المخططة والمنظمة من بعض الجهات الكنسية الغربية ضدهم فضلا عن تكاسل مسلمي الشمال والمنظمات الإسلامية عن مشاكلهم.
والأن بعد استقلال الجنوب وخلق أمر واقع جديد ، فمن الطبيعي أن يكون هناك نشاط أكبر ومحاولات اعمق لتوحيد صفوف المسلمين وانخراطهم أكثر في الحياة السياسية ، والسعي للاعتماد علي الذات قبل أن يكونوا ضحايا انفصال الجنوب .
------------------------------------------------------------------------ التعليقات عبدالرحمن الثلاثاء, 23 أغسطس 2011 - 12:00 pm الحل على إخواننا في جنوب السودان الجد والاجتهاد في الارتباط بالإسلام، والدعوة إليه في صفوف أبنائها،ثم العمل على الاتصال بالعالم الإسلامي ثقافياً وروحياً...وعلى مسلمي العالم المساعدة والتأييد والبذل والعطاء...والله المعين.