على مدى عقود من الزمن سعت الخرطوم بكل الوسائل للحيلولة دون حصول إقليمجنوب السودان على استقلاله الذاتي وصولا إلى الانفصال وإعلان الاستقلال التام عن الوطن الأم جمهورية السودان. وكانت النتيجة أن اتسمت علاقات شمال وجنوب السودان خلال العقود الأخيرة بالكثير من مظاهر التوتر كان أبرز محطاتها الحرب الأهلية الدموية التي اشتعلت عام 1983 واستمرت لغاية عام 2005. ورغم ذلك ، وفي خطوة ذات دلالة عميقة في سياق محاولات بناء الثقة بين الشمال والجنوب، لم ينتظر الرئيس السوداني عمر حسن البشير الحفل الرسمي، الذي نُظِّم يوم 9 يوليو بمدينة جوبا لإعلان استقلال جمهورية جنوب السودان رسميا، حيث أعلن يوم الجمعة 8 يوليو (أي قبل موعد الإعلان الرسمي للاستقلال ب24 ساعة فقط) اعتراف جمهورية السودان بالجارة الجديدة، والبلد الثالث والتسعين بعد المائة، لتكون بذلك السودان أول بلد في العالم يعترف رسميا بالدولة الجديدة المسماة: جمهورية جنوب السودان. وكانت الخرطوم قد أعلنت في السابق قبولها المسبق لأي نتيجة سيسفر عنها استفتاء تقرير المصير لإقليمجنوب السودان، الذي نُظِّم في شهر يناير عام 2011، وهو الاستفتاء الذي صوت فيه سكان جنوب السودان (الذي تقطنه أغلبية مسيحية - وثنية ) بأغلبية ساحقة لصالح الانفصال وتقسيم البلاد - التي كانت تعد إلى عهد قريب أكبر بلدان القارة الإفريقية من حيث المساحة- إلى دولتين منفصلتين. والواقع أن شمال السودان ذي الأغلبية العربية المسلمة لم يكن من الوارد بالنسبة له معارضة قرار الانفصال دبلوماسيا أو عسكريا؛ نظرا لمستوى التعبئة الدولية لصالح هذا التوجه. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن السودان الذي فقد ثلث مساحته والجانب الأهم من احتياطاته النفطية، سيكون شريكا سهلا في المستقبل للقادم الجديد على الخارطة الدولية: جمهورية جنوب السودان. فالرئيس السوداني عمر البشير الذي يحكم البلاد منذ عام 1989 يواجه ضغوطا قوية من داخل تياره السياسي، حيث لا يخفي الجناح الراديكالي داخل هذا التيار معارضته القوية لانفصال جنوب السودان. ولعله ليس من قبيل الصدفة أنه منذ إجراء استفتاء تقرير المصير مطلع هذا العام كثفت القوات السودانية من تحركاتها ومعاركها المسلحة على أكثر من جبهة، ما أثر على ملف جنوب السودان بشكل أو بآخر، كما هو الحال في دارفور حيث تستفيد بعض الفصائل المتمردة هناك من دعم حكومة جنوب السودان، وكذلك في إقليم كردفان الجنوبي حيث قاتلت بعض المليشيات إلى جانب قوات الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان خلال سنوات الحرب الأهلية. وأخيرا جاءت التطورات المتلاحقة على جبهة إقليم آبيي المتنازع عليه بين الشمال والجنوب وسيطرة الجيش السوداني على هذا الإقليم لتطرح علامات استفهام جديدة حول مستقبل علاقات التعاون بين الخرطوموجوبا. وعلى الصعيد السياسي مازالت المفاوضات بين شمال وجنوب السودان حول الملفات المتعلقة بتقسيم البلاد إلى دولتين تراوح مكانها، حيث لم يتمكن الجانبان حتى الآن من التوصل لاتفاق حول تقاسم عائدات النفط. وهو الملف الحيوي بالنسبة للطرفين، حيث يتحكم الجنوبيون في مناطق استخراج النفط، بينما تتواجد جميع منشآت التصدير والتكرير في شمال البلاد. يضاف إلى ذلك مشكل تقاسم المديونية المستحقة على الدولة السودانية، وقضية ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، وما قد تثيره كل تلك الملفات من تحديات جديدة قد لا تساعد في التعجيل باستعادة الثقة وصفاء الأجواء بين الخرطوموجوبا. ترجمة/ سعد بن أحمد (الاسلام اليوم)