موجة ثورية جديدة انطلقت من الشارع المصرى، نتيجة حالات التعذيب التي تنتهي بوفاة الضحية, فنرى حالات في الأقصر وشبين القناطر والدقهلية والإسماعيلية وأكتوبر، وغيرهم كل يوم. لا يمر يوم واحد دون أن تطالعك الصحف أن البيانات الحقوقية عن حالة تعذيب أو وفاة بسبب التعذيب. يبدو أن جهاز الشرطة نسي أن من أسباب قيام ثورة يناير هي قضية خالد سعيد, وتصميم الداخلية على الاستمرار في نفس الممارسات ليس له تفسير غير أنهم يرتكبون نفس الخطأ ثانية بمباركة وحماية النظام الحاكم الذي لا يدرك أن نهايته ستكون بسبب تشجيعه لمثل تلك الممارسات وحماية مرتكبيها. دعونا نتحدث عن جريمة التعذيب, والتي أضحت نمطا أساسيا ووسيلة سريعة يعتمد عليها داخل أقسام الشرطة ومقار مباحث أمن الدولة والسجون المصرية، إما للحصول على اعترافات من أشخاص متهمين أو من تدور حولهم شبهات بارتكاب جرائم، وذلك لدفعهم على الاعتراف بمعلومات وإدلائهم بشهادات ضد أفراد آخرين؛ وهو ما يمثل انتهاكا واضحا لحق الإنسان الأساسي، والذي كفله له الدستور من خلال مجموعة من المواد، وما ورد في قانون العقوبات رقم 158 لسنة 1937 في المادة 126 على أن “كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب المتهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث إلى عشر سنوات، وإذا مات المجني عليه يحاكم بالعقوبة المقررة للقتل العمد”. وما ورد في “المادة 127″ من قانون العقوبات حيث جرمت التعسف في استخدام العقوبة ونصت على “أنه يعاقب بالسجن كل موظف عام وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة اعتمادا على وظيفته، بحيث يخل بشرف شخص أو يحدث أمرا ببدنه يعاقب عليه بالسجن لمدة لا تزيد على سنة أو غرامة لا تزيد عن مائتي جنيه”. و”المادة 282 “من قانون العقوبات تنص على أنه “يحكم في جميع الأحوال بالأشغال الشاقة المؤقتة على من قبض على شخص بدون وجه حق وهدده بالقتل أو عذبه بالتعذيبات البدنية”. كذلك فإن هذه الجريمة قد جرمت بموجب الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، وأصبحت بموجب الدستور جزء لا يتجزأ من التشريع الداخلي مثل المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة القاسية واللاإنسانية والحاطة بالكرامة”. ويمكن القول إن المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان قد أولت هذه الظاهرة أهمية خاصة وعمدت إلى وضع اتفاقية دولية لمناهضة هذه الظاهرة، وهي اتفاقية مناهضة التعذيب لسنة 1984، ورغم الحماية التي تحيط بهذه الظاهرة، نجد أنها تستشري في البنيان المصري بشكل كبير، خصوصا في ظل وجود حالات وفيات ناجمة عن ممارسة التعذيب داخل أقسام الشرطة والسجون، وحدوث محاكمات وإن كانت لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع طبيعة الجرم المقترف. في الإسماعيلية، اقتحم ضابط بقسم شرطة أول الإسماعيلية، يُدعى محمد إبراهيم، صيدلية، واعتدى على عفيفي حسني، طبيب بيطري، واصطحبه إلى ديوان القسم، واعتدى عليه مجددا، ما أدى إلى وفاته. في الأقصر توفي طلعت شبيب بعد تعرضه للتعذيب في قسم شرطة الأقصر بعد أن ألقت الشرطة القبض عليه أثناء تواجده في مقهى بمنطقة العوامية، واقتياده إلى قسم الشرطة، حتى فوجئت عائلته بتلقيها نبأ نقله إلى مستشفى الأقصر الدولي جثة هامدة، وفق تقرير صادر من المستشفى. وشهدت الأقصر، بعد صلاة الجمعة، انطلاق مظاهرات احتجاجية ضمت الآلاف من أهالي الأقصر، ورددوا هتافات مناهضة لوزارة الداخلية، من بينها “الداخلية بلطجية” وظهر جرافيتي يحمل شعار “مفيش حاتم بيتحاكم” وصورة شخصية الشرطي في فيلم “هي فوضى” ليوسف شاهين. يبدو أن النظام لا يدرك خطورة الموقف ويتعامل باستهتار، كما تعامل نظام مبارك من قبل وانتهى نهاية سوداء. لكن استمرار ممارسات التعذيب ستنتهي بموجة ثانية من الغضب الشعبي، والتي ربما تطيح بالنظام الحالي كما أطاحت بمن قبله، لو أستمر حاتم بدون ما يتحاكم، ولو استمر النظام في تجاهل التحذير، فالنهاية معروفة….. ثورة.