تحولت المنطقة الصناعية بالمنيا الجديدة إلى دائرة فساد مالي وإداري وبؤرة إهمال كبيرة، نتيجة للبيروقراطية الإدارية وسوء التخطيط وتعثر المستثمرين وانهيار المرافق والخدمات، وحسب موقع "البديل" توقفت عشرات المصانع، ولم تعد حلم آلاف الشباب بتوفير فرص العمل وخلق سوق تجارية وصناعية، وتحقيق النماء الاقتصادي كما وعد المسؤولون، بل كانت سببًا لتدهور الاقتصاد المحلي للمحافظة. رغم إنشاء المنطقة على مساحة 6.3 مليون متر، وإنفاق المليارات، وبعدما اتسعت لقرابة 300 مصنع متنوع، بينهم قرابة 40 مصنعًا تحت الإنشاء، بدأت المشكلات تلاحق المستثمرين والعمال، وكذا الإدارة المحلية للمنيا، حتى انتهى الأمر بإغلاق قرابة مائة مصنع فأكثر، وتم تسريح العمالة، وصدأ المعدات والآلات والماكينات. وقال المهندس أحمد سعد، مسؤول إدارة جمعية المستثمرين بالمنيا: ما يقرب من مائة مصنع بالمنطقة توقفوا عن العمل بعدما كلفوا الدولة الملايين الطائلة، وتعرضت آلاتها ومعداتها للصدأ بعدما كلفت الدولة 50 مليون جنيه، مضيفًا: في مجال التغذية فقط توقف 12 مصنعًا، أبرزها شمال الصعيد لحليج الأقطان، تجفيف الخضروات، مطحن آدم. وبحسب مسؤولين ومستثمرين، فإن أسباب غلق المصانع تركزت في تراكم مديونيات ملاكها، وعدم توفير البنية التحتية اللازمة لاستمرار العمل، ونتيجة للبيروقراطية الإدارية وكثرة القيود الإجرائية، إضافة لعدم جدية بعض المستثمرين وهرب بعضهم بعد اقتراضهم ملايين الجنيهات بضمان الأرض موقع المنشأة الاستثمارية وهي مملوكة للدولة في الأصل، كما لعبت عوامل سوء الإدارة المحلية دورًا مهمًّا. وأوضح المكتب الفني بالمنطقة الصناعية بالمنيا، أن المحافظة سبق وخصصت مساحات شاسعة لكثير من المشروعات، اقترض أصحابها الملايين على أساس الأرض، ثم هربوا وقت السداد، مما اضطر البنك للحجز على تلك المساحات، وهي في الأساس ملك للدولة. وردًّا على المكتب الفني، قال وائل قطب، رئيس شعبة الاستثمار بالغرفة التجارية بالمنيا ل”البديل”: عملية تخصيص أراضٍ لإقامة مشروعات، يسبقها إجبار المستثمر على دفع قيمة خطاب الضمان بحسب طبيعة المشروع، وهو شرط لتخصيص الأراضي وضمان لجدية المستثمر، وأضاف أن أحد المستثمرين اقترض 7 ملايين جنيه من البنك لدفع قيمة خطاب الضمان، وعندما توقف مشروعه، تعذر في السداد، وتم الحجز على مساحة الأرض المخصصة للمشروع. مصانع وهمية وانتقد بعض المستثمرين وجود مصانع وهمية بالمنطقة الصناعية، ولم يتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد أصحابها، في حين أغلقت مصانع أخرى، أنشئت بعدها بنحو 3 سنوات، ولم تكلف إدارة المنطقة الصناعية نفسها بالإشراف ومتابعة أحوال تلك المصانع، لتبعيتها لكبار رجال الأعمال. مصنع حليج الأقطان كان نموذجًا للإهمال والفساد المالي والإداري، حيث كشفت مستندات حصلت عليها “البديل” أن المصنع يحتاج إلى أعمال صيانة لبعض المعدات، وقد صدَّر من إنتاجه لدول أوروبية، غير أن مالكه الأول أحمد حافظ هارب حاليًا، وتوقف المصنع في 2008 لأسباب يتحملها مالكه، فلم يتم صرف سيولة مالية لشراء المادة الخام “القطن”، وتفاقمت أزماته بمديونيات عليه للبنك، نقلت ملكيته على إثرها للبنك في عام 2010، ومنذ ذلك الوقت لم يتم إعادة تشغيله، ليصل الأمر إلى سحب الأرض المقام عليها، عقب فشل عملية تحويله لمصنع لإنتاج الزيوت، وبالتالي صدر قرار من البنك بتصفيته العمالة وتسريحها وبيع المعدات كخردة، رغم صلاحيتها للعمل. وانهالت شكاوى العمال لمكتب العمل؛ لعدم حصولهم على رواتبهم، وفي 2015 عقد البنك اجتماعًا للجمعية العمومية للمصنع، وتم توثيق قرار التصفية بهيئة الاستثمار وتبليغ مكتب العمل الذي أبلغ العاملين بالقرار. بلطجة وإتاوات ووضع يد ويعاني كثير من المستثمرين باستصلاح الأرضي، خاصة بالظهير الصحراوي، من أعمال البلطجة، لعدم توفير الحماية الأمنية، كما يواجهون تعنتًا من هيئة الاستثمار في امتلاك الأراضي، مما يجعلهم عرضة لوضع اليد. وكشف رئيس شعبة الاستثمار أن بعضهم يدفع إتاوات للقبائل؛ تجنبًا لأعمال السرقة ووضع اليد، وبسؤاله أجاب بأن الغرفة تنسق مع هيئة الاستثمار لوضع مقترح بافتتاح مجموعة خدمات بمبنى الغرفة بمدينة المنيا الجديدة، لحل مشكلات احتياجات المستثمر ومتطلباته، كما تحاول استخراج مستندات بملكية الأراضي المستصلحة للمستثمرين، مخاطبًا الوزارات المركزية بوضع قوانين تذلل العقبات أمام المستثمر الجاد، من خلال اختصاص المحافظة وحدها بالفصل في تخصيص الأراضي، وتوفير الخدمات والبت في صلاحية إقامة المشروع من عدمه، وإنشاء إدارات فرعية بها تسهل مهمة استخراج الأوراق، والتراخيص الخاصة للمستثمر، كما أطالبه بتوفير خدمات الطرق ووسائل المواصلات وكذا المياه والكهرباء للمناطق الصناعية، وتكثيف التواجد الأمني بها. وطالب شمس الدين نور الدين، عضو جمعية رجال أعمال أسيوط وأحد المستثمرين، باللامركزية عن طريق ولاية المحافظ على الأراضي لاستخدامها في التنمية والاستثمار، وأن تكون لديه السلطة في توقيع العقود مباشرة مع المستثمرين مراعاة للظروف الاستثنائية، وتجنبًا للبيروقراطية الإدارية. كما أوصى بوضع جداول للمشروعات وإعداد قاعدة بيانات دقيقة وشاملة للمناطق الصناعية بالمحافظة، تشمل الموارد والإمكانيات والمشكلات والحلول لتلك المعوقات، لوضع المخططات التنموية الشاملة، مع تفعيل نظام الشباك الواحد لإنهاء الإجراءات المطلوبة كافة. تسهيلات للمستثمرين وأضاف أحمد فؤاد، مشرف المنطقة الصناعية المهندس: المحافظة تقدم التسهيلات كافة للمستثمرين الجادين، ويرجع إغلاق بعض المصانع للمخالفات وعدم جدية المستثمرين ومرور سنوات دون إنشاء المصانع المخصصة لها أراض، مما يضطر إدارة المنطقة إلى سحب تلك الأراضي لإعادة تخصيصها للجادين. وقال اللواء صلاح زيادة، محافظ المنيا: المحافظة تراجع الأراضي المخصصة وغير المستغلة لإقامة المصانع، حتى لا تكون أراضي مجمدة، وهو إجراء قانوني، يفتح الفرص أمام الجادين، ويغلق الأبواب أمام غيرهم، لكن المحافظة تولي اهتمامًا كبيرًا بمجال الاستثمار لكونه أحد أولويات المرحلة. وخصص مجلس إدارة المنطقة الصناعية بالمنيا مؤخرًا 17 ألفًا و500 متر مربع لإنشاء 6 مصانع متنوعة، ما بين إنتاج وتصنيع لوازم ووصلات مواسير P.V.Cومصنع للكرتون المضلع وعلب الكرتون ومصنع للمنتجات الخشبية ومصنع موبيليات خشبية متنوعة وأبواب وشبابيك ومصنع ملابس جاهزة وتريكو ومفروشات متنوعة. ووافق المجلس على 19 طلبًا للمستثمرين لإقامة مشروعات صناعية على مساحة 99 ألفًا و500 متر، بينها مصنع لإنتاج الأعلاف، ومصنع إنتاج أثاث مدرسية، وآخر للغزل والنسيج، ومصانع للملابس الجاهزة، ومصنع إنتاج أدوية بيطرية.