ارتفعت حدة التصريحات الإعلامية بين النظام المصرى وإدارة أوباما، حيث كان الهجوم على واشنطن و"تقاريرها" هو السمة السائدة فى الصحف الحكومية المصرية الصادرة أمس، والتى ركزت على تصريحات لصفوت الشريف، أمين عام الحزب "الوطنى"، وصف فيها الرقابة الدولية على الانتخابات بأنها "تطفل سياسى"، وقال إن "من يتدخلون فى شئوننا الداخلية عليهم مراجعة إهدارهم حقوق الإنسان فى دول الغزو والاحتلال"، فى إشارة لممارسات أمريكا فى العراق وأفغانستان، كما نشرت الصحف الحكومية عدة مقالات تهاجم الولاياتالمتحدة. على الجانب الآخر، واصلت الصحف الأمريكية هجومها على مصر، وقالت إن الانتخابات البرلمانية ستكون "بروفة" لانتخابات رئاسة الجمهورية، مشيرة إلى أن ما يجرى فى القاهرة حاليا يوحى بأن "مصر تعود للوراء"، وطالبت أوباما بمزيد من التدخل للدفاع عن "الديمقراطية وحقوق الإنسان" فى مصر، متوقعة ألا تكون الانتخابات المقبلة حرة ونزيهة كما وعد مبارك. انتقادات لا مطالب وقال الدكتور وحيد عبدالمجيد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية "إن الانتقادات الأمريكية فى انتخابات 2005 كانت أكثر حدة، وكانت إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش، تقدم انتقادات مستمرة وليس مجرد مطالب، وتتدخل فى الشأن الداخلى المصرى بصورة أكبر، فى الوقت الذى كانت فيه مصر تحاول الالتفاف حول الموقف الأمريكى، ولم تواجهه أبدا، ولم نسمع ردا مصريا قويا، حتى عندما جاءت وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس وألقت محاضرة فى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة عن الديمقراطية، لم يقل أحد إن ذلك (تطفل سياسى)".
وأضاف "موقف الإدارة الأمريكية هذه المرة حذر وسطحى جدا، ويقتصر على مطالب فارغة، لكن رد الفعل المصرى أكثر غضبا.. والنظام المصرى يعلم جيدا أن التصريحات الأمريكية للاستهلاك المحلى، لأن الإعلام والكونجرس يحاسبان الحكومة وينتقدان التخاذل فى الدفاع عن الديمقراطية".
وقال السفير محمد شاكر، رئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية "إن الشد والجذب أحد ملامح العلاقات المصرية الأمريكية، وهذه ليست المرة الأولى التى نسمع فيها انتقادات متبادلة بين الجانبين"، ووصف الردود المصرية على النقد الأمريكى ب "ظاهرة صحية".
وتوقع الدكتور عبدالمنعم المشاط، أستاذ العلوم السياسية، أن تشهد الفترة المقبلة تدهورا فى العلاقات المصرية الأمريكية، وتصاعد الانتقادات والرفض المتبادل بين الجانبين.
نرفض الوصاية ومن جانبها، أكدت وزارة الخارجية المصرية رفض القاهرة التقرير السنوى الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية حول وضع الحريات الدينية فى العالم، معتبرة أنه "يصدر عن جهة لا حق لها فى إجراء تقييم لهذا الموضوع"، منوهة بأن "مصر ترفض قيام أى دولة بتنصيب نفسها وصياً على أداء دول مستقلة ذات سيادة".
وقال السفير حسام زكى، المتحدث الرسمى باسم الوزارة، فى تصريحات صحفية أمس، إن مصر معنية فقط بما يصدر عن الجهات والأجهزة التابعة للأمم المتحدة فى هذا المجال، مشيرا إلى أن هذه الجهات هى التى تراجع تنفيذ أى دولة التزاماتها فى مجال القانون الدولى لحقوق الإنسان، موضحا أن المثال الأفضل على ذلك "يكرسه انفتاح مصر وتفاعلها الإيجابى مع آلية المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان، والتى تضمنت عدداً كبيراً من التوصيات بشأن الحريات الدينية فى مصر"، مشيرا إلى أن الحكومة "ناقشت هذه التوصيات مع المجتمع الدولى بصدر رحب، بل قبلت عدداً من التوصيات المقدمة لها بهذا الصدد".
وأضاف المتحدث "من هذا المنطلق، فإن مصر تؤكد رفضها قيام أى دولة بتنصيب نفسها وصياً على أداء دول مستقلة ذات سيادة دون مرجعية أو سند"، مشدداً على أن كل دولة هى أقدر على تفهم مشكلاتها وتحدياتها والتعامل معها بفاعلية.
وأعرب زكى عن الأسف، لأن هذه التقارير تقدم من حيث المضمون صورة غير متوازنة عن أوضاع الحريات الدينية فى مصر، اتساقاً مع ميلها للاعتماد على مصادر مستقاة "إما من تقارير إعلامية منحازة، أو من مصادر غير حكومية تعوزها المصداقية، دون أن تسعى لإفساح مساحة كافية لإبراز وجهة النظر الأخرى".
لن نغير موقفنا وفى المقابل، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، فيليب كراولى، تعليقاً على رد فعل القاهرة إزاء مطالبات واشنطن بوجود مراقبين دوليين فى الانتخابات "سمعنا الرد المصرى، لكن موقفنا لن يتغير".
وأضاف فى تصريحات صحفية، أن واشنطن أوضحت موقفها حول ما يجب أن يحدث داخل مصر، بالنسبة لنا لإعطاء مصداقية، وثقة فى نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة".
وتابع "طالبنا بوجود مراقبة محلية قوية للانتخابات". مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية عملت خلال السنوات الماضية على بناء قدرة المجتمع المدنى على مراقبة الانتخابات، مستطرداً "نعتقد أن مصر ستضع نفسها فى موقف أقوى من خلال قبولها المعايير الدولية، بما فى ذلك ضمان وجود مراقبة دولية للانتخابات".
أوباما والالتزام بدعم الديمقراطية وفى سياق ذى صلة، قالت محطة "صوت أمريكا" إن بعض الخبراء يرون أن الانتخابات البرلمانية فى مصر "ستكون اختبارا لمدى التزام إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما بدعم الديمقراطية"، مشيرة إلى أنها ستكون "بروفة" للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وأضافت فى تقرير، أمس، إن الرئيس مبارك وعد بأن تكون الانتخابات المقبلة حرة ونزيهة، لكن الباحثة فى "معهد كارنيجى للسلام"، ميشيل دن، قالت "الانتخابات المصرية تواجه تحديات كبيرة، والمؤشرات على أنها ستكون حرة ونزيهة غير إيجابية، حيث قامت الحكومة بالعديد من الخطوات مؤخرا لقطع أوصال المعارضة، وتقليل عدد مرشحيها، وتقييد حريتهم فى تنظيم حملات انتخابية، والسيطرة على وسائل الإعلام".
مشيرة إلى أن "هذا هو السبب وراء قيام الإدارة الأمريكية بتوضيح شروط الانتخابات الحرة عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيليب كراولى".
وأضافت دن، أن الانتخابات ستكون اختبارا لمدى التزام إدارة أوباما بدعم الديمقراطية، مشيرة إلى أن "واشنطن تواجه اختيارا صعبا، بين أن تدعم الديمقراطية تحقيقاً لآمال وطموحات الشعب، وبين الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع الحكومة المصرية".
ونقلت المحطة عن سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون قوله "إن مصر أكبر دولة عربية فى الشرق الأوسط، وهى مركز العالم العربى، ثقافيا وسياسيا، وإذا استطاعت إجراء انتخابات حرة ونزيهة، سيكون بإمكانها قيادة المنطقة نحو التحول الديمقراطى، وبذلك يبدأ العالم العربى موجة ثالثة من الديمقراطية التى غابت منذ عام 1974".
وأضاف أن بإمكان الإدارة الأمريكية عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات إذا ظهر أنها غير حرة وغير نزيهة، مشيرا فى هذه الحالة إلى أنه "يجب على الولاياتالمتحدة أن تقول بوضوح لمصر إنها ستقف بجوار الشعب المصرى فى بحثه عن الديمقراطية".
وقال سفير الولاياتالمتحدة السابق فى مصر إدوارد ووكر "يبدو أن الانتخابات المصرية ستكون خطوة للوراء، لذلك من الملائم للإدارة الأمريكية مراجعة ما يحدث".
وقال رئيس المكتب الإعلامى بالسفارة المصرية بواشنطن، كريم حجاج، إن "الانتخابات المصرية يتم الإشراف عليها من خلال لجنة مستقلة هى اللجنة العليا للانتخابات، ويراقبها 3 آلاف من أفراد المجتمع المدنى"، مؤكدا أن "الحكومة والشعب المصرى يرفضان فكرة الرقابة الدولية". وفى سياق متصل وضعت صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل" الأمريكية، مصر ضمن قائمة الدول التى يحذر المسئولون الأمريكيون من السفر إليها فى الوقت الحالى، والتى تضم كلاً من المكسيك وسريلانكا وبريطانيا.
ترهيب واعتقال واحتجاز تعسفى كما طالبت منظمة العفو الدولية، الحكومة المصرية، بإجراءات تضمن عدم تعرض المرشحين والناخبين المشاركين فى الانتخابات التشريعية ل"الاعتقال والاحتجاز التعسفى والمضايقات والترهيب من قبل قوات الأمن".
وأضافت المنظمة فى بيان، نشرته وكالة الأنباء الفرنسية أول أمس، أن الناخبين داخل مراكز الاقتراع "يجب أن يحظوا بحماية الشرطة لا أن يتعرضوا للمضايقات والترهيب من قبل هذه القوات".
وقالت المنظمة الدولية فى بيانها إن "المصريين الذين ينتقدون السلطات أو الذين تعتبر السلطات أنهم يمثلون تهديداً للأمن العام واجهوا الاعتقال التعسفى والاحتجاز ووجهت إليهم تهم جنائية كما أنهم كانوا مهددين بالاعتقال الإدارى". وأكدت المنظمة أنه مع اقتراب الانتخابات التشريعية اتخذت السلطات المصرية إجراءات للحد من حرية حصول الرأى العام على المعلومات.
واعتبرت المنظمة أن "مستوى انتهاكات حقوق الإنسان خلال الانتخابات التشريعية يعد مؤشراً على ما يمكن أن يحدث العام المقبل عند إجراء الانتخابات الرئاسية".
وقال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى منظمة العفو الدولية مالكوم سمارت "العيون ستكون مفتوحة على سلوك السلطات المصرية خلال هذه الانتخابات وهى فرصة لها لتظهر أن مصر يمكن أن تكون مكاناً يتم فيه احترام حقوق الإنسان".
نرحب برقابة الأممالمتحدة قال الدكتور محمد مرسي، عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين والمتحدث الإعلامي باسمها، أن الإخوان يرفضون الرقابة الدولية على الانتخابات من قِبل أمريكا والدول الغربية،
مشيرًا إلى أن الجماعة تقبل رقابة مؤسسات المجتمع المدني الدولية، عبر الأممالمتحدة التي راقبت منظماتها الانتخابات في عديد من الدول، منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.و أضاف مرسي في مداخلة علي قناة الجزيرة أن رقابة الدول على الانتخابات تعدُّ تدخلاً في شئون مصر الداخلية، موضحًا أن موقف الجماعة من رفض الرقابة الدولية نابعٌ من حرصها على مصالح مصر العليا،
وليس من أجل عيون النظام الحاكم.وأوضح مرسي أن أفضل رقابة على الانتخابات هي الرقابة الشعبية، وذهاب الناس إلى صناديق الانتخاب، وإعطاء أصواتهم لمن يرونه مناسبًا، مشيرًا إلى أن الرقابة القوية بعد ذلك تأتي من قِبل مؤسسات المجتمع المدني الوطنية.
ومن جانب آخر واصلت وزارة الداخلية حملاتها الأمنية بشكل تخطي حدود القانون وقال عبد المنعم عبد المقصود محامي الإخوان المسلمين أن حملة الاعتقالات ضد مرشحي ومؤيدي الجماعة زادت خلال الأيام القليلة الماضية بشكل غير مسبوق، إذ وصل عدد المقبوض عليهم ل 1206 تم عرضهم على النيابة العامة التي أمرت بحبس 702 وإخلاء سبيل الباقي، وقد شملت الاعتقالات 22 محافظة ، على رأسها محافظة الشرقية 241 فرد، تليها الإسكندرية 203 فرد. وأضاف أن الأجهزة الأمنية لا تزال مستمرة في اعتقال السيدات والمرشحين، حيث تم القبض على 8 مرشحين و7 سيدات، وذلك في أكثر من محافظة.
وأضاف عبدالمقصود أن التضييق وصل لدرجة ممارسة العنف والبلطجة ضد الإخوان من أجل منعهم ومؤيديهم من مواصلة الطريق، ودفعهم لترك الساحة خالية أمام الحزب "الوطني"، وهذا ما يعني أن هناك نية مبيتة لإقصاء مرشحي الإخوان والحيلولة بينهم وبين الوصول للبرلمان القادم، خاصةً هؤلاء الذين كان لهم دور كبير في فضح فساد الحكومة والحزب "الوطني" في البرلمان السابق.