عكست أجواء التوتر فى العلاقات بين القاهرةوواشنطن قوة رد الفعل المصرى غير المتوقع على الجانب الأمريكى، ومطالبته بعدم التدخل فى الشؤون الداخلية المصرية. قوة رد الفعل المصرى تمثلت فى الهجوم العكسى الذى قاده الأمين العام للحزب الوطنى الديمقراطى ورئيس مجلس الشورى، صفوت الشريف، على واشنطن، وهو ما اعتبره البعض مؤشرًا على توتر يشوب العلاقات بين القاهرةوواشنطن، خاصة بعد البيانات والتقارير المتكررة التى صدرت من واشنطن واستهدفت مصر، وكان آخرها الهجوم الإعلامى الأمريكى الذى قادته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية منتقدة ما أسمته بحملة النظام المصرى لمضايقة المرشحين فى الانتخابات، بعد أن ألقى القبض على مئات من أعضاء المعارضة وفرقت مسيراتهم. فللمرة الأولى يتصدى سياسيون بارزون فى الحزب الوطنى الحاكم للهجوم الأمريكى على مصر، ومطالبتها المتكررة بإخضاع انتخابات مجلس الشعب للرقابة الدولية. الرد لم يقتصر كالعادة على وزارة الخارجية، وإنما قاده الشريف الذى وصف الرقابة الدولية على الانتخابات بأنها تطفل سياسى، وقال إن «من يتدخلوا فى شؤوننا الداخلية عليهم مراجعة إهدارهم لحقوق الإنسان فى دول الغزو والاحتلال» فى إشارة واضحة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. الهجوم والهجوم المضاد، تلك كانت الحالة التى رسمت العلاقة بين وزارتى خارجية البلدين خلال الأسبوع الماضى، فالخارجية المصرية شنت هجوما مضادا على الولاياتالمتحدةالأمريكية بعدما استقبل مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى عددا من الأمريكيين الذين يطلقون على أنفسهم اسم «مجموعة عمل مصر»، وناقشوا معهم أموراً تتعلق بالشؤون الداخلية المصرية، والتى أتبعها بيان صادر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيليب كراولى قال فيه إن «الولاياتالمتحدة لا تزال متمسكة بانتخابات حرة ونزيهة فى مصر»، وهو ما واجهه مصدر رسمى من وزارة الخارجية المصرية بقوله إن «هذا الإجراء يعبر عن مواقف أمريكية غير مقبولة إزاء التحفظات المصرية القوية والمبررة تجاه تعامل الإدارة الأمريكية مع الشأن الداخلى المصرى عموماً». الرد المصرى تبعه صدور تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية، الذى اتهم الحكومة المصرية بأنها تمارس مضايقات ضد الأقليات الدينية، وهو التقرير الذى اعتبره السفير حسام زكى، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، أنه صادر عن جهة لا حق لها فى إجراء تقييم لهذا الموضوع، وقال إنه «مرفوض من حيث المبدأ»، وقال إن مصر تؤكد رفضها قيام أى دولة بتنصيب نفسها وصياً على أداء دول مستقلة ذات سيادة دون مرجعية أو سند، مشدداً على أن كل دولة هى أقدر على تفهم مشكلاتها وتحدياتها والتعامل معها بفاعلية، معربا عن الأسف لأن هذه التقارير تقدم - من حيث المضمون - صورة غير متوازنة عن أوضاع الحريات الدينية فى مصر اتساقاً مع ميلها للاعتماد على مصادر مستقاة إما من تقارير إعلامية منحازة، أو من مصادر غير حكومية تعوزها المصداقية، دون أن تسعى لإفساح مساحة كافية لإبراز وجهة النظر الأخرى. الخبراء من جانبهم أكدوا عدم مصداقية الدراسات الصادرة عن بعض مراكز الأبحاث الأمريكية، ويرى الدكتور عبدالمنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة الأهرام، أن عملية تشويه الحقائق عن مصر تبثها صحف مثل الواشنطن بوست, ومؤسسات بحثية مثل كارنيجى, وأخرى انتقلت إليها جماعات المحافظين الجدد بعد أن ازداد تطرفهم بامتزاجهم مع جماعة «حفلة الشاى» التى تجد أن النَيل من مصر هو نيل من الرئيس باراك أوباما الذى يعرف تماما أن مصر هى جوهر الاستقرار فى المنطقة. ويشير سعيد إلى أن تلك الدراسات تبدأ بمجموعة من الادعاءات غير الدقيقة أو الكاذبة كلية، وتصدر عن الجماعات الهامشية المصرية التى لا وزن لها ولا رجاء ولا عمل فى الحقيقة إلا اصطياد مراسلى الصحف الأجنبية والباحثين عن دراسات مصرية، وهؤلاء يأخذون هذه المعلومات, ويخلطونها فى الخلاط الأكاديمى والديمقراطى، ثم يصدرونها فى وشاح من الموضوعية والبحث عن الحرية والتقدم. ويتفق معه السفير محمود فرج، مساعد وزير الخارجية السابق، مشيرا إلى أن سيطرة الجمهوريين على الكونجرس مؤخرا أعادت شبح حقبة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش.