منذ وقت طويل ساد خطاب في العراق مضمونه رسالة واضحة للعرب، شعوبا وحكومات وجماعات: إتركونا وشأننا! هذافي الوقت الذي ينتشر فيه إخوتنا من أهل العراق بالملايين في العواصم العربية من كل الفئات العادية والسياسية والاستثمارية ومن مختلف المشارب المذهبية والانتماءات الجغرافية!
لكن مع ديمومة التصرفات الغير لائقة لا بالانتماء للعروبة ولا للدين ولا للثقافة المشتركة ولا حتى بالانسانية، أضف إليها الصمت وعدم التطرق للتدخل الاجنبي من شتى أنحاء العالم (بدءا بالمرتزقة الذين جاء بهم الاحتلال وإنتهاءا بتغلغل واضح للعنصر الاستخباراتي الصهيوني المكشوف تحت مسميات إستشارية وغيرها) فإن الكثير من علامات الاستفهام ووقفات الاستعجاب تفرض نفسها على من يراقب هذا الجانب من الحالة المأزومة لعلاقة "سلطة الاحتلال العراقية" وميليشياتها وفرق الاعدام التطهيرية مع كل شيء عربي!
نقل لنا بعض الاصدقاء من الجنوب العراقي، الذين عادوا مدهوشين مما إكتشفوه، بأن مدنهم ليست بالمدن التي تركوها قبل مغادرتها... تغير الحال واللسان والمنظر... هؤلاء الاصدقاء تجدهم يشعرون بغضب وخجل لما آلت إليه أوضاع مدنهم وبالتالي كل وطنهم.. ويعتبون كثيرا على أحزاب عربية عراقية الانتماء الصامتة عما يجري..
مع الاسف الشديد يتجنب الاعلام العربي حقائق مفزعة في العراق العربي، ربما بحكم التداخل بين ما هو حقيقي وبين تحالفات سياسية وبالتالي إلتزامات تغيب الحقائق، نعم بالنسبة للبعض فإن إيران (على الاقل سياسيا) هي حليف تكتيكي أو إستراتيجي... لكن من جهة أخرى ليس من المنطق بشيء أن يُترك أمر العراق العربي حكرا على أحزاب بعينها وبالتالي تنفيذ أجندة غير عربية أدت إلى شرخ عميق في العلاقات الداخلية في النسيج الوطني العراقي. بعض الاحزاب تتحدث علنا عن "التدخل العربي" ولا تتردد في الحديث التحريضي ضد سوريا واتهامها باتهامات تصب في الخط الامريكي ، وقد يبدو الامر ملتبسا على البعض: - تحالف مع "الشيطان الاكبر" الذي يسعى لتدمير العراق عن طريق بث الفتن بين الطوائف. - إنقلاب واضح على العروبة لمصلحة المذهبية والطائفية حيث تناسى هؤلاء بأن العرب في سوريا إحتضونهم أيام كان الخطاب السياسي لا يلبس هذه اللبوس الطائفية والقومية التي إنقلبت وأنكرت ما كانت تقدمه دمشق لهؤلاء جميعا .
في هذا المجال الذي أشرنا إليه سريعا، فإن أمرا عجيبا متناقضا يحدث في العراق العربي:
- قتل وتهديد علني من قبل أحزاب باتت تسمى في اللغة المتألمة من أفعال بعينها ضد كل من هو عربي مقيم في العراق. - رفع شعارات وخطابات حزبية علنية تنادي بطرد كل من هو عربي وكأن العراق بات بلدا أجنبيا لا يختلف فيه هؤلاء الساسة عن جان ماري لوبان ولا كل اليمين المتطرف في امريكا واوربة ولاحتى عن الاحزاب الصهيونية. - المفارقة العجيبة التي يكتشفها المراقب للخطاب السياسي والديني لتلك الاحزاب وقياداتها أنها تقدم نفسها وبشكل لا يصدق كمعارضة للمشروع الصهيوني وأنها تقف مع المقاومة في لبنان وفلسطين بينما ممارساتها وتحالفها مع الامريكي وصمتها عن التغلغل الصهيوني تعارض كل الاقاويل المجانية.
إننا نتحدث هنا عن متناقضات خطيرة تجر العراق بعيدا عن الكلام المجاني حول عروبة العراق وإنتماءاته، فقتل الفلسطينيين قصدا وإختطاف بعضهم وقصف أماكم سكناهم وتوزيع نشرات تهديد يومية لهم يمكن للبعض أن يسميه ممارسة شاذة أو حالات فردية... لكن هذا لا يتفق والطريقة الممنهجة التي تتم ... ولو سلمنا جدلا بأن الامر كما يبرره المدافعون عن تلك الظواهر التي تعم مناطق بعينها في العراق، فلنا أن نسأل هنا وبكل صراحة: ما هو دور الاحزاب الشيعية التي توجه خطابا معاديا لاسرائيل وامريكا... وبالتالي ماهو دورها في إيقاف هذا العبث اليومي الذي تقوم به مجموعات قتل معروفة علنا في العراق...؟
تلك الاسئلة التي نطرحها قد لا تروق للبعض، وهذا ليس بأهمية كبيرة بالنسبة لنا طالما ان الامر بات أوضح من التعمية عليه، وإن كانت كذلك فلنسأل سؤالا آخرا: طالعتنا وسائل الاعلام العربية، وأحيلكم إلى أخبار الاول من يناير حيث تحدث المرصد السوري لحقوق الانسان عن إتساع عملية إستهداف السوريين حيث تم فقط في شهر ديسمبر قتل ثمانية سوريين من الجالية السورية في العراق ( راجع "شام برس" 1 يناير 2007) وتهجير 50 عائلة باتجاه تركيا...
في سجون أمريكا ودولة الميليشيات هناك المئات من السوريين وغير السوريين من العرب لا لسبب إلا لأنهم عرب... هذا يتم في ظل تعتيم إعلامي وسياسي له حساباته ربما... إنما الصمت عليه عراقيا وعربيا يجعلنا نتسائل عن الوجهة التي يريدها هؤلاء المرتبطون بعلاقات أمريكية لهذا العراق الذي بات عنوانا للاستئصال الاثني والمذهبي وسياسة التصفية السياسية والحزبية عبر تهييج الاتباع والجماهير المأخوذة بكم كبير من الكذب وتحوير الواقع؟
ليس معقولا أن يسري في العراق كل هذا ( والذي ذكرناه غيض من فيض) لأبناء العراق العرب وشيوع المذهبية والطائفية وللعرب المقيمين في ارض الرافدين منذ عشرات السنين وسط صمت حزبي وحكومي عربيين... وإذا كانت الندية في التحالف الايراني مع الاطراف العربية هي المطلوبة فلا شيء يضير لو فتحت الجهات الفلسطينية والسورية والعربية الاخرى هذا الملف الذي لا يمكن أن يخدم مواجهة المشروع الامريكي في المنطقة... بل إن إستمرار مثل هذه الهمجية في التعامل القائم على المذهبية والطائفية قد يساعد الامريكي في بحثه عن الخروج من مأزقه ليوجه بالتالي بنادقه باتجاه العواصم العربية التي يعتبرها عثرة في طريقه.
الملاحظة قبل الأخيرة في هذا النقاش السريع: إن التوجه الى الاحزاب والميليشيات التابعة للحكيم والصدر وغيرهما لا تفيد أبدا... بل المطلوب هو التوجه لمعرفة مرجعهم الاساسي...
الملاحظة الاخيرة: لنفترض جدلا أن صبر "العرب الغرباء" في العراق العربي قد نفذ عند أهليهم وأحزابهم و دولهم وشعوبهم فأية كارثة يمكن أن تحل بالمنطقة؟ هذا السؤال يبدو الاخطر في المسألة ، وهو على ما يبدو أن أمريكا تريده أن يحصل ... وتعرف الحكومات العربية والحكومة الايرانية والجماعات الدموية في العراق بأن مثل هذا السيناريو إن وقع فالخسارة ستكون فادحة.. وبالتالي الامريكي سيكون سعيدا بتأجيج المشروع الاقتتالي القائم على المذهبية والطائفية وربما توسيعه نحو الاثنية...
أقول رأي شخصي من منطلق الانتماء الى عروبة أرى أنها تترنح تحت ضربات شعبوية متخوفا أن يكون الرد عليها يُخطط له هنا وهناك ليأكل الاخضر واليابس... هذا إذا لم يستيقظ العرب من حالة السبات التي هم فيها... وإن إستمروا في القراءة لمجرد القراءة لما يخطط لهم دون أن يجيبوا إجابة واضحة وصريحة على تحد يرونه ثانويا وهو بات الرئيس من بين كل التحديات !