الانتخابات النيابية التي تجري اليوم بالعراق ليست عادية بكل المقاييس, ولا نبالغ في القول انها تحدد ملامح المستقبل لهذه الدولة العربية الشقيقة التي تعاني, ومنذ وقت طويل ويلات الحروب المتتالية والتي تصل إلي حد الابادة الجماعية علي خلفية الفتن الطائفية والعرقية. والمأساة الكبري التي يعيشها الشعب العراقي ليست في الخسائر الفادحة والجروح الملتهبة إلي الآن من حرب السنوات الطويلة مع ايران, ثم المغامرة المجنونة الطائشة لصدام حسين بغزو الكويت مما استوجب التدخل الدولي لاعادة الامور إلي نصابها الصحيح, وبعده الغزو الاجنبي للعراق ذاته حيث تم تدمير البنية الاساسية لتعود البلاد إلي العصور الوسطي بالاضافة إلي الخسائر البشرية الفادحة, ويدخل العراق بها النفق المظلم التي تنفجر علي جنباته كل أشكال المخططات التي دفعت بالملايين من أبناء العراق إلي الهجرة من اماكن اقامتهم لمناطق اخري في الداخل أو الخارج. كل هذا يظل الاقل في الخطورة من المحاولات الايرانية الرامية إلي بسط الهيمنة والنفوذ علي بلاد ارض الرافدين, وقد وجدت طهران فرصتها النادرة بعد سقوط نظام صدام والحسابات الامريكية الخاطئة التي ارادت ان تجعل من العراق نموذجا يحتذي للحرية والديمقراطية فاذا به يتحول إلي ساحة للفوضي والصراع. وقد أكدت وثائق رسمية قيام ايران بدفع الملايين من اجل شراء الاصوات في الانتخابات, وللتأثير عليها. ومن هنا تكون النتائج النهائية لصناديق الاقتراع نقطة فاصلة في التاريخ السياسي للعراق, فإما ان يعود إلي وعيه وهويته العربية وينخرط في برنامج يصحح الاوضاع ويعالج الاخطاء والخطايا التي ارتكبت في حقه, أو ان تؤكد طهران سيطرتها, ونفوذها وترسل من خلال هذه الانتخابات رسالة واضحة إلي واشنطن بانها هي التي تمسك بزمام الامور, ويصبح العراق ورقة مساومة في عمليات الشد والجذب التي تجري الآن, وقد تنتهي بصفقة تجعل من ايران قوي اقليمية لها نفوذها في الخليج أو تنتهي بمواجهة وحرب تعرض الاف الجنود الامريكيين الموجودين بالعراق إلي اخطار تصل إلي الكارثة. انتخابات اليوم هي صوت العراق لتقرير مصيره والعودة لهويته وثقافته ما لم يتم تزويرها والتأثير عليها بالاموال الايرانية. [email protected]