خلال الأزمة المالية التى عصفت بالاقتصاد الرأسمالى الغربى منذ أواخر عام 2008, والتى ما تزال ذيولها مستمرة حتى منتصف عام 2010، طرح بعض مفكرى الاقتصاد الغربى أهمية التعلم والاستفادة من الاقتصاد الإسلامى، وبالطبع كتب بعض المفكرين الإسلاميين حول ذلك، بينما أصاب هذا الحديث بعض العلمانيين فى بلادنا بلدغة عقرب، فقالوا لا يوجد شىء اسمه اقتصاد إسلامى، يوجد اقتصاد فحسب. وهذه الدراسة ليست رد فعل لهذا الحوار, ولا للأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، ولكن من أجل استجلاء رؤية حزب العمل لمسألة الاقتصاد الإسلامى، حيث لم يصدر عن الحزب كتاب متخصص فى هذا الموضوع، رغم أهميته, والحقيقة فإن لحزب العمل رؤية يمكن استشفافها من العديد من الكتابات والمقالات, خاصة لمفكر الحزب الراحل الأستاذ/ عادل حسين، ومن خلال مواقف الحزب العديدة تجاه التطورات والأحداث الاقتصادية فى بلادنا، ولكن كان لابد من هذه الدراسة لعرض رؤية الحزب النظرية، وسأسعى بإذن الله كى تكون دراسة مكثفة، على أمل إصدار دراسة أكثر اتساعا وتفصيلا فى المستقبل. ونحن لا نفكر ابتداء وجود علم للاقتصاد، كما يوجد علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم القانون, وغيرها من العلوم الاجتماعية، بمعنى أنه توجد مجموعة من القواعد والقوانين والأصول قد يتفق عليها العلماء فى كل علم من هذه العلوم، وهناك أرضية مشتركة بينهم جميعا، نابعة من دراستهم لذات المجال والتخصص. ولكن لأن هذه العلوم تتصل بالإنسان وما ينطوى عليه من أفكار ومعتقدات وتطلعات وعادات وتقاليد موروثة وتفاعله مع بيئات اجتماعية وجغرافية مختلفة، لكل ذلك فإن هذه العلوم تتصل وتندمج بما نطلق عليه (الأيديولوجية), وبالتالى فإن هذه العلوم يصعب أن تكون حيادية مجردة عن ظروف الزمان والمكان، أو عن معتقدات ورؤى البشر. وبالتالى فإذا سلمنا بأن الاقتصاد علم يبحث فى تنمية الموارد وإشباع حاجات الإنسان، فإن هذا العلم ينقسم إلى مدارس ينبع اختلافها فى طريقة معالجتها لذات القضية. وبالتالى فإننا عندما نتحدث عن الاقتصاد الإسلامى لا ننكر وجود مشتركات بينه وبين علم الاقتصاد الرأسمالى أو الاشتراكى، ولكننا نؤكد استقلاليته وتمايزه فى تناول ذات المجال (الاقتصاد) عن المدارس الأخرى. فمثلا عندما يطرح علم الاقتصاد الغربى قانون العرض والطلب باعتباره المنظم الأساسى للسوق ولتوزيع الموارد، فإن الاقتصاد الإسلامى لا يرفض هذا القانون من حيث المبدأ، ولكن لا يعطيه نفس الوزن فى العملية الاقتصادية، بل ويتعامل معه بصورة مغايرة. وهذا مجرد مثال توضيحى. وفى العقود الأخيرة نما فرع خاص فى علم الاقتصاد فى الغرب والشرق يتعلق بالتنمية الاقتصادية، والاقتصاد الإسلامى ينفتح ويتفاعل مع هذا الفرع الجديد لعلم الاقتصاد، من زاوية أن مشكلة العالم الإسلامى الأساسية الآن هى مشكلة تنمية اقتصادية. لسد الفجوة ثم لملاحقة العالم المتقدم ماديا. ولكن سيظل للاقتصاد الإسلامى رؤية متميزة فى مفهوم التنمية وأولويتها، ومفهوم الاستقلال الاقتصادى، ويربط ما هو اقتصادى مع ما هو غير اقتصادى فى هذه العملية المركبة, لذلك ذكر الكتاب والمفكرون الإسلاميون مرارا، أن هناك أوجه تشابه وتماثل بين الاقتصاد الرأسمالى والاقتصاد الإسلامى، وهناك أوجه تشابه وتماثل بين الاقتصاد الاشتراكى والاقتصاد الإسلامى، ولكن يظل الاقتصاد الإسلامى متميزا ذا شخصية مستقلة، وحتى فى أوجه التماثل, فهى لا تصل إلى حد التطابق, بل هى أقرب إلى التشابه، لأن كل هذه الجزيئات مندمجة فى منظومة كلية مختلفة، وهو ما يعود لينعكس على تمايز حتى داخل الجزيئات المتشابهة, أو التى تبدو كذلك. إذن الاقتصاد الإسلامى ليس عملية ترقيع, أو قص ولصق لأجزاء من الاقتصاد الرأسمالى جنبا إلى جنب مع أجزاء من الاقتصاد الاشتراكى، كما يقع فى هذا الخطأ بعض الكتاب الإسلاميين فى هذا الموضوع. إن معالم الاقتصاد الإسلامى نشأت قبل تبلور الاقتصادات الحديثة، وهذا من علامات إعجاز القرآن الكريم ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فرغم تعقد الاقتصادات الحديثة فى القرنين العشرين والحادى والعشرين, ظلت الضوابط والمبادئ التى وضعها القرآن الكريم هى الحل الشافى لأزمات الاقتصاد الحديث، ومعالجة الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية، بل وتحقيق الوفرة النسبية. وهذا ما سنحاول توضيحه فى هذه الدراسة. والأزمة الاقتصادية الطاحنة فى مصر الآن سنجد حلها أيضا من خلال رؤية ومبادئ الاقتصاد الإسلامى.