البابا تواضروس مهنأ بذكرى دخول المسيح مصر: تنفرد به الكنيسة الأرثوذكسية    منظمة الصحة العالمية ل«الوطن»: الأطقم الطبية في غزة تستحق التكريم كل يوم    «عالماشي» يتذيل قائمة إيرادات شباك التذاكر ب12 ألف جنيه في 24 ساعة    وزير الكهرباء ينيب رئيس هيئة الطاقة الذرية لحضور المؤتمر العام للهيئة العربية بتونس    «التموين» تصرف الخبز المدعم بالسعر الجديد.. 20 قرشا للرغيف    بدء تلقي طلبات المشاركة بمشروعات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 1 يونيه 2024    «الإسكان»: تنفيذ 40 ألف وحدة سكنية ب«المنيا الجديدة» خلال 10 سنوات    نائب: الحوار الوطني يجتمع لتقديم مقترحات تدعم موقف الدولة في مواجهة التحديات    هل توافق حماس على خطة بايدن لوقف إطلاق النار في غزة؟    الأردن يؤكد دعمه جهود مصر وقطر للتوصل إلى صفقة تبادل في أقرب وقت ممكن    استشهاد طفل فلسطيني بدير البلح بسبب التجويع والحصار الإسرائيلي على غزة    الجيش الإسرائيلي: مقتل 3 عناصر بارزة في حماس خلال عمليات الأسبوع الماضي    بث مباشر مباراة ريال مدريد وبوروسيا دورتموند بنهائي دوري أبطال أوروبا    «استمتعتوا».. تصريح مثير من ميدو بشأن بكاء رونالدو بعد خسارة نهائي كأس الملك    ميدو: استمتعوا بمشهد بكاء رونالدو    محافظ القليوبية يتفقد أولى أيام امتحانات الشهادة الثانوية الازهرية بمدينه بنها    ابتعدوا عن أشعة الشمس.. «الأرصاد» تحذر من موجة حارة تضرب البلاد    «التعليم» تحدد سن المتقدم للصف الأول الابتدائي    تعذر حضور المتهم بقتل «جانيت» طفلة مدينة نصر من مستشفى العباسية لمحاكمته    خبير: شات "جي بي تي" أصبح المساعد الذكي أكثر من أي تطبيق آخر    الزناتي: احتفالية لشرح مناسك الحج وتسليم التأشيرات لبعثة الصحفيين اليوم    توقعات تنسيق الثانوية العامة 2024 بعد الإعدادية بجميع المحافظات    «الآثار وآفاق التعاون الدولي» ضمن فعاليات المؤتمر العلمي ال12 لجامعة عين شمس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024    طب القاهرة تستضيف 800 طبيب في مؤتمر أساسيات جراحات الأنف والأذن    مشروبات تساعد على علاج ضربات الشمس    إنبي يخشى مفاجآت كأس مصر أمام النجوم    متحدث "الأونروا": إسرائيل تسعى للقضاء علينا وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين    اليوم| «التموين» تبدأ صرف مقررات يونيو.. تعرف على الأسعار    اليوم.. بدء التسجيل في رياض الأطفال بالمدارس الرسمية لغات والمتميزة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 1 يونيو 2024    فتوح يكشف حقيقة دور إمام عاشور وكهربا للانتقال إلى الأهلي    مسيرة إسرائيلية تستهدف دراجة نارية في بلدة مجدل سلم جنوب لبنان    رئيسا هيئة الرعاية الصحية وبعثة المنظمة الدولية للهجرة يبحثان سبل التعاون    هل لمس الكعبة يمحي الذنوب وما حكم الالتصاق بها.. الإفتاء تجيب    بث مباشر من قداس عيد دخول العائلة المقدسة مصر بكنيسة العذراء بالمعادى    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم السبت 1 يونيو 2024    مفاجأة بشأن عيد الأضحى.. مركز الفلك الدولي يعلن صعوبة رؤية الهلال    شهر بأجر كامل.. تعرف على شروط حصول موظف القطاع الخاص على إجازة لأداء الحج    «إنت وزنك 9 كيلو».. حسام عبد المجيد يكشف سر لقطته الشهيرة مع رونالدو    سيول: كوريا الشمالية تشن هجوم تشويش على نظام تحديد المواقع    تقديم إسعاد يونس للجوائز ورومانسية محمد سامي ومي عمر.. أبرز لقطات حفل إنرجي للدراما    لسنا دعاة حرب ولكن    تطورات الحالة الصحية ل تيام مصطفى قمر بعد إصابته بنزلة شعبية حادة    دعاء التوتر قبل الامتحان.. عالم أزهري ينصح الطلاب بترديد قول النبي يونس    «دبحتلها دبيحة».. عبدالله بالخير يكشف حقيقة زواجه من هيفاء وهبي (فيديو)    لمواليد برج الجوزاء والميزان والدلو.. 5 حقائق عن أصحاب الأبراج الهوائية (التفاصيل)    ماهي ما سنن الطواف وآدابه؟.. الإفتاء تُجيب    «القضية» زاد الرواية الفلسطينية ومدادها| فوز خندقجي ب«البوكر العربية» صفعة على وجه السجان الإسرائيلي    مدرس بمدرسة دولية ويحمل جنسيتين.. تفاصيل مرعبة في قضية «سفاح التجمع» (فيديو)    عاجل.. طبيب الزمالك يكشف موعد سفر أحمد حمدي لألمانيا لإجراء جراحة الرباط الصليبي    "أزهر دمياط" يعلن مشاركة 23 طالبا بمسابقة "الأزهرى الصغير"    طبيب الزمالك: اقتربنا من إنهاء تأشيرة أحمد حمدي للسفر إلى ألمانيا    وزارة المالية: إنتاج 96 مليار رغيف خبز مدعم في 2025/2024    أ مين صندوق «الأطباء»: فائض تاريخي في ميزانية النقابة 2023 (تفاصيل)    أعراض ومضاعفات إصابة الرباط الصليبي الأمامي    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضايا مصرية (7) مصر فى العام 2007 رئاسة جديدة بوجوه قديمة
نشر في الشعب يوم 23 - 12 - 2006


بقلم: هشام الناصر
تمثيل منظومات الكيانات السياسية "بدوائر" هندسية يحدد العلاقات الإرتباطية فيما بينها والتى يمكن تلخيصها فى أنواع أربع هم: الانفصال التام والتماس والتقاطع والاحتواء. قراءة واستبصار ملامح العام الميلادى والهجرى الجديدين (2007 / 1428) يمكن أن يتم بإسقاط تلك الدوائر على رقعة الصراع العالمى بالعموم (وهو من تعريفات السياسة) ومنطقة الشرق ألأوسط ومنها مصر بالخصوص استرشادا بخصائص تلك الدوائر وبالدروس التاريخية وبقوانين الطبيعة المادية.
بداية الدوائر الفاعلة (فى العالم والمنطقة) هى الدائرة الأمريكية التى تتقاطع مع غيرها بدرجات متفاوتة (مثل الإتحاد الأوربى وتركيا وباكستان) وتحتوى أو تبتلع أخرى من دول أو من تجمعات سياسية أشبه بالدويلات (مثل إسرائيل ومصر والأردن وأجزاء كبيرة من دول الخليج ومجموعة 14 آذار فى لبنان والسلطة الفلسطينية وحكومة كرزاى أفغانستان وبعض المنتفعين فى العراق). وهناك الدائرتان الشرقيتان الروسية والصينية اللتان تتقاطعان فيما بينهما فيما يسمى "بمعاهدة شنغهاى" وتسعيان لمزيد من التقاطعات مع دول منطقة القلب العربى وأفريقيا. وهناك دائرة بدأ نضوجها فى أمريكا اللاتينية تحت راية عقيدة "اليسار الديموقراطى" (وهو الطريق الثالث بين اليسار التقليدى والليبرالية).
وهناك الدائرة الإيرانية (المثيرة للجدل والخوف والإعجاب فى آن واحد) والتى تتماس وتتقاطع وتتباعد مع كافة دوائر العالم السياسية الفاعلة ولكن لا يحتويها أحد وإن كانت هى تسعى لاحتواء نظم أخرى كأمر طبيعى لطموحات مشروعها النهضوى الذى يختلط فيه القومى (الفارسى) مع الدينى المذهبى (الشيعى) اختلاطا يعجز المحللون عن الفصل أو التمييز بينهما أو الإدعاء بالتوصيف الصحيح له. هذا المشروع الإيرانى يمكن تصنيفه (إلى حد ما) كنموذج تكرار القالب التاريخى لتجربة "القومية الناصرية"، ويمتاز عليه بأن "قومية" المشروع الإيرانى مدعومة "بعقيدة دينية" تضفى عليه زخما وسندا بعكس التجربة الناصرية.
من الملاحظات الهامة (جدا) أن النخبة الإيرانية لم تدخل فى صراعات فكرية أو دينية حول الخلافات الوهمية بين "القومية" المحدودة و"الأممية الإسلامية" الممدودة كما يحدث فى عالمنا العربى الذى تتأجج فيه صراعات وهمية واهية بين "الإسلامية الأممية" وبيم "القومية العربية" إلى درجة الاتهامات العنيفة المتبادلة بالتكفير من جانب وبالظلامية من جانب أخر وكأن القومية لا تتلاقى مع الأممية.
حالات احتواء منظومة دولية لأخرى (أو أخريات) تكشفها قوانين الطبيعة المادية وحقائق الأشياء التى تؤكد حتمية غير قابلة للشك وهى أن الدوائر (أو النظم) الحاوية المهيمنة حينما تنهار ينهار معها ما تحتويه بالتبعية، أو على اقل تقدير تقوم بلفظ ما فى جوفها لتخفف من حملها تاركه إياه لمصيره تبعا لقدراته الذاتية. فلا صداقة دائمة فى عالم الصراعات "البرجماتى" ولكن هناك منافع ومصالح دائمة. وقد تصل الأمور بأن تحاكى الدول المهيمنة بعض أنواع الزواحف (البرص كمثال) فى ترك مؤخرة ذيلها لتلهى به أعدائها وتنجو هى بروحها.
والسياسة فى عصر العولمة والنيوليبرالية قد أصبحت مثل بورصة الأوراق المالية، صعود وهبوط وافتتاح وإغلاق، وأسهم تتصاعد بثبات وعناد وأخر تتخلف وتتراجع وثالثة تهوى فى حضيض الإفلاس. الفارق بين السياسة والبورصة هو أن صغار المستثمرين فى عالم السياسة يمكن أن يجدعوا أنف كبار الحيتان ويستحقون الزعامة ويحتلون المكانة شريطة ثلاث: الأولى عقيدة واضحة (دينية أو فكرية)، والثانية توفر أركان التخطيط العلمى (الرؤية والغاية – الإستراتيجيات – السياسات – المهام والأعمال – الموارد – الأدوار – التوقيتات – المراجعات)، أما الثالثة فهى الإرادة والإصرار والنفس الطويل.
* * * * * * * * * * * * * * *
أولا: المشهد العام – سقوط المشروع الإمبراطورى فى الشرق الأوسط :
يمثل المشهد السياسى العام الآن (أو بورصة السياسة العالمية) مقدمات لنتائج تبدو حتمية الحدوث فى العام الجديد، والتى يمكن تلخيصها (كمقدمات حالية ونتائج متوقعة) فى النقاط الآتية:
1 – هناك مؤشرات انتكاسة حادة لمؤسسة الأعمال الأمريكية (وهو التوصيف الصحيح للولايات المتحدة) تهدد بإفلاسها المحتمل وبالفشل المؤكد لمشروعها الإمبراطورى، وهو الأمر الذى ظهر فكريا فى توصيات تقرير "جيمس بيكر" وتصريحات "ريتشارد هيس" كإقرار من داخل المؤسسة ذاتها. وفى تصريحات "كوفى أنان" بعدما تحرر من قيود الوظيفة الرسمية كأمين عام الأمم المتحدة الأمريكية (!!). وظهر ملموسا ماديا فى الهزائم العسكرية المتكررة والفشل فى تحقيق الأهداف والمشاكل المالية والاقتصادية والقصور الواضح فى إدارات الأزمات الداخلية (إعصار كاترينا كمثال).
2 – بدأ المشروع الإمبراطوري الأمريكى فى القرن التاسع عشر بالقارة الأمريكية والجوار اللاتينى والمستعمرات البرتغالية والأسبانية ثم أتجه نحو الشواطئ الأسيوية عبر الهادي ثم إلى أوربا بعد الحربين العالميتين، ثم إلى منطقة الشرق الأوسط كاستثمار لنجاحاته فى الحرب العالمية الثانية مبتدأ ببترول الجزيرة العربية ثم إزاحة بريطانيا من إيران ثم التبنى الكامل لوكيلها المعتمد "إسرائيل" بعد حرب يونيو 1967، ثم التجذر التام بالمنطقة العربية بعد معاهدة السلام "الساداتية" 1977 ، ثم الاحتواء المزدوج لإيران الإسلامية والعراق (كأكبر قوة عربية فى ذلك الوقت) فى حرب الثمان سنوات (من سبتمبر 1980 إلى أغسطس 1988 والتى تعتبر أطول حروب القرن العشرين وأدت إلى مقتل أكثر من مليون شخص وتحقيق خسائر مالية تتجاوز 1200 مليار دولار أمريكى (ترليون ومائتى مليار) للطرف الإيرانى وللطرف العراقى وحلفائه)، ثم استقطاب وتعبئة شعوب العالم والمنطقة العربية فى تحالف تدمير الكيان العراقى فى العام 1991 (حرب تحرير الكويت)، ثم الاحتلال التام لأفغانستان والعراق وإسقاط منظومة الدولتين وتنصيب وكلاء أعمال محليين (2001 – 2003).
المثير فى هذا التاريخ الدامى أن المشروع الإمبراطورى المتأثر بفلسفة الإمبراطورية الرومانية، المستندة على القوة والخيلاء والتى أخذ منها فلسفة "الصدمة والترويع" والغير مسبوق فى التاريخ قد سقط على أيدي جماعات عقائدية محدودة العتاد والإفراد وليس بواسطة دول نظامية (!!)، هى التى صدمته وهى التى روعته، والأهم أنها (أى الإسلامية) مرشحة بقوة لتبوء مكانة عالمية مميزة فى العصر الجديد (!).
3 – ومن الجدير بالذكر أن تلك الهزيمة (أو الانتكاسة) لأكبر وأضخم مشروع إمبراطورى فى التاريخ قد تم توقعها منذ بدايات الإعلان عن أطروحة "صدام الحاصرات" التى صنفت "الإسلامية" ضمن الحضارات المتصارعة فى عصر ما بعد انهيار الإتحاد السوفيتى بالرغم من أنها (الإسلامية) لا تملك تمثيلا ماديا كالآخرين: فالحضارة لغربية تمثلها أمريكا وأوربا وأستراليا ونيوزلندا، والسلافية تمثلها روسيا وصربيا، واليابانية تمثلها اليابان، والكونفوشية تمثلها الصين وأمثالها، والهندية تمثلها الهند، واللاتينية تمثلها دول أمريكا اللاتينية (وهو تقسيم ديموجرافى بدأ يقوى تحت راية اليسار الديموقراطى) – فمن ذا الذى يمثل "الإسلامية" !!؟؟.
كانت تلك الأطروحة بيانا وتأكيدا على أن "الإسلامية" بذاتها ووحدها تمثل "كيانا ثقافيا" مستقلا يمتاز بالإيمانيات الوجدانية ولا يحتاج لدعم مادى خارجى. هذا الأمر أيضا ظهر فى تحول "القاعدة" من "كيان مادى" كجماعة منسوبه للإسلامية إلى "فكر وثقافة" انتشرت فى العالم أجمع عبر الهواء والأثير ولم يتأثر بالصواريخ الذكية أو القنابل الانشطارية.
الأمر الثانى الجدير بالذكر هو أن "الولايات المتحدة" كانت تعرف تلك الحقيقة جيدا منذ الخمسينات (قول مستشار الرئيس الأمريكى "إيزنهاور" إن الإسلامية هى طاقة نووية، وأعمالهم المستندة على تلك الحقيقة ). وقد قامت الولايات المتحدة عمليا وفعليا بحسن استخدام واستغلال الإسلامية لمصالحه فى المنطقة الشرق أوسطية. ظهر هذا بوضوح فى اللعب على ورقة الصراع بين آيات الله والشيوعيين فى مؤامرة الإطاحة بالنفوذ البريطانى فى إيران (الشاه). وظهر أيضا فى محاولات القضاء على الفكر القومى الناصرى (قبل وبعد ممات "ناصر")، وفى القضاء على النفوذ السوفيتى والفكر اليسارى فى العالم العربى والإسلامي، وفى إجهاد الآلة العسكرية الروسية فى جبال ووديان أفغانستان بالاستعانة بالجهاديين العرب والإسلاميين (مثلث مصر والسعودية وباكستان)، وفى إحداث الفتن بين المذهبين (السنى والشيعى) كما يحدث الآن. ولكن الغرور الإمبراطورى أو غباء الإمبراطور الذى نعته أهله بأنه "عميد أغبياء العالم" - (كتاب الأمريكي "مايكل مور") – قد أنساهم تلك الحقيقة التى أفشلت مشروعهم.
المثير فى الأمر أن السياسة الأمريكية لا تهتم بالمذهبية ولا يشكل هذا أهمية لها (!!)، فكل المذاهب أدوات لها (!!). فى العراق تتحالف مع الشيعة وفى لبنان ضدها (!!)، فى فلسطين ضد "السنة" التى تمثلها "حماس" وتستخدم ضدها العلمانيين و"القوس" السنى المعتدل (حسب تعبير "تونى بلير") التى تمثله "الترويكا العربية". وفوق هذا كلّه فالولايات المتحدة تسعى (إستراتيجيا) لإقامة "الفاتيكان الإسلامى" فى الجزيرة العربية.
4 – السؤال الذي يمكن أن يثار هو: ماذا بعد بوادر تفكك المشروع الإمبراطورى الأمريكى وتأثيره على المنطقة ؟؟؟. بالنسبة لأمريكا، هناك أمور يجب عدم الخلط بينهم وهم المبادئ العامة (العقيدة) والغايات والإستراتيجيات والتكتيك. العقيدة الأمريكية النيوليبرالية سواء فى شكل عقائدى صهيومسيحى جمهورى أو علمانى ديمقراطى لن تتغير بسهولة وسيستمر الصراع العالمى. بالنسبة للغايات الأمريكية فى الشرق الأوسط فهى معروفة وهى: الهيمنة على الكنز البترولى وإنشاء خط دفاع متقدم (إستباقى) ضد الأصولية الإسلامية لحماية المصالح والأراضى الأمريكية وأخيرا أمن إسرائيل. ومن الحقائق التى اتضحت أخيرا هو انهيار أكذوبة أن إسرائيل تحوى وتسيطر على الولايات المتحدة فقد أظهرت حرب الثلاثة وثلاثين يوما اللبنانية عكس ذلك تماما. الإستراتيجيات (النوايا) الأمريكية ستتغير بالتحالف النفعى مع الأعداء التقليديين (إيران على رأسهم) والوصول إلى حلول وسطية، وبالتبعية ستتغير الوسائل والأدوات والتكتيكات. الخلاصة أن المنطقة ستشهد كرنفالا هزليا متناقضا من تحالفات وإتفاقات وتفاهمات بين الولايات المتحدة وبين دول وجماعات علمانية وأخرى محسوبة على المذهبين لقتال المذهبين (السنى والشيعى).
5 – انسحاب أمريكا وتمركزها فى الجوار بات خيارا حتميا فى محاكاة للأسلوب الإمبراطورى البريطانى القديم، وستستمر الولايات المتحدة فى إتباع سياسة "الفوضى الخلاقة" جنبا إلى جانب الاتصالات العلنية والسرية مع المحور (الإيرانى – السورى – اللبنانى – الفلسطينى الحماسى) – وهو الأمر الذى تجرى أحداثه الآن على الساحة اللبنانية (دعم قوى 14 آذار فى تعنتها ضد رغبة الإصلاح الشعبى) وعلى الساحة الفلسطينية (تنامى دور "محمد دحلان" التأمرى وإثارة أزمة معبر رفح وإطلاق النار على رئيس الوزراء "إسماعيل هنية" وما تلاها من أحداث فوضى أمنية، واحتمال كبير لإعلان الرئيس "عباس" لانتخابات مبكرة وهو الأمر الذى سيؤدى إلى مزيد من الفوضى)، وعلى الساحة العراقية (التصفيات الجسدية وأعمال التهجير القصرى الممنهج للإعداد للتقسيم الفيدرالى أو الكوتفيدرالى العراقى).
6 – بالنسبة "لمصر" – فقد أنتهى دورها "السياسى" تقريبا فى الأجندة الأمريكية وأقتصر على أنشطة أمنية (مخابراتية) وأعمال دعم ومساندة غير مباشرة إضافة إلى أعمال "الوساطة" كوكيل محدود الصلاحية للإدارة الأمريكية وباتت أقرب لكونها عبئا على الإدارة الأمريكية التى تتصرف بمنطق التكلفة والعائد، والتكلفة ليست دائما مادية (!)
* * * * * * * * * * * * * * *
ثانيا : المشهد المصرى – رحيل مبارك ورئاسة جديدة بوجوه قديمة (!!) :
أسرفت السلطة المصرية فى الفساد المالى والإدارى والسياسى الذى بدأ خافتا فى الثمانينات وأستفحل فى التسعينات وتوحش منذ بدايات القرن الواحد والعشرين. هناك ظلال من الشك حول علاقة السلطة الرئاسية الحالية وبين مؤامرة قتل "السادات" فى أكتوبر 1981 على النحو الذى أظهره الكاتب الأمريكى "جوزيف جى. ترينتو" فى كتابه الخطير "مقدمة للإرهاب" الذى جاء فيه تفصيلات كان من المفترض إثارتها فى البرلمان المصرى (لو كانت هناك مؤسسية قانونية دستورية).
المجموعة السياسية والقيادات الأمنية المصرية التى تحالفت مع شبكات الفساد المخابراتية الأمريكية فى نهب أموال المعونة الأمريكية منذ أواخر السبعينات وحتى اكتشافها فى العام 1981 ولجوئها إلى التخلص من "السادات" بالتغاضى عن مؤامرة الجهاد الإسلامية التى كانت مخترقة أمنيا كلية بل وتسهيل أعمالها (حسب ما جاء فى الكتاب وتؤكده شواهد وريب خول الحدث). تلك المجموعة استمرت فى السلطة المصرية حتى تم التخلص منها تدريجيا بأسلوب "توفيقى" (!!) وتم إحلالها بمنظومة أخرى جديدة للرئيس الجديد الذى لم تبارح مخيلته أحداث "مقتل السادات" – وهو الأمر الذى يظهره أمران أساسيان هما عدم تعيين "نائب" للرئيس حتى الآن كوسيلة ضغط على الجهات العالمية النافذة والتلويح بالفوضى واحتمال استيلاء المعادين للولايات المتحدة على نظام الحكم (الإسلاميين – الاشتراكيين) وتحول مصر إلى "إيران" أو "فنزويلا" جديدة (!!) – والأمر الثانى هو إنشاء منظومة أمنية شخصية للعائلة الرئاسية باهظة التكاليف وصلت إلى استخدام الطائرات فى التنقلات وإنشاء مستويات هيكلية مستقلة للأجهزة الأمنية وتعددها وتنوعها وتشييد دويلة مجاورة "بشرم الشيخ" (لها كل مقومات وتجهيزات العاصمة السياسية)، وتسخير كافة المنظومات الأمنية لخدمة رأس السلطة كأولوية أولى على ما عداها.
هدف السلطة الحالية ليس التوريث (!)، بل هو "دفن نفاياتها السياسية والمالية" التى أحدثت شروخا وتصدعات فى الأمن القومى المصرى على كافة المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية. لم يكن التوريث سوى إستراتيجية (نوايا) تم طرحها كخيار لتحقيق الهدف الأساسى ولكن الرفض الشعبى المتنامى وردة الفعل العنيفة (إقليميا وعالميا) أجهضت الخيار فى مهده.
الإستراتيجية البديلة للسلطة المصرية الحالية هى الحل التوفيقى مع مؤسسات الدولة صاحبة القوة عن طريق دفع أحد رموزها لتقلد السلطة فى مصر. السمات الواجب توافرها فى تلك الشخصية هى: ألا ينتمى إلى مؤسسة الداخلية (الجهاز الشرطى) أو يتعاطف معها أو يخضع لها بسبب موروثات التاريخ القريب الذى تمثل إحداها فى انفجار أحداث 1986 (الأمن المركزى) !!!!. التمتع بانتماء وبخلفية عسكرية (أمنية – سياسية) وله علاقات مباشرة بمجلس الأمن القومى المصرى الذى لا يعرف أحد الكثير عنه (لا من الشعب ولا من أجهزة الدولة السياسية !!). أن يكون معروفا ومعلوما لجماعات مركز صناعة القرار الأمريكى وسبق التعامل معه. ليس له عداء ضد الدولة العبرية ويعترف ويقر بكافة الاتفاقيات والمعاهدات والالتزامات (المعلنة والخفية) المبرمة معها. له دراية بكافة (معظم) الأعمال المخابراتية المصرية فى القلب العربى بما يتوائم والدور المناسب للكيان المصرى بعد انحسار دورها السياسى وفاعليته. شديد الصلة بالرئيس "مبارك" ويدين له بالولاء التام، ويتمتع تقريبا بمعظم سمات وصفات الرئيس القديمة قبيل احتوائه التام (عائليا !!) – وهو أمر ليس خافيا على معظم العاملين والمتعاملين مع الجهاز الرئاسى. شخصية برجماتية بيروقراطية غير معروف عنه تشدد (أو حتى تعاطف) دينى إسلامى، وله دراية بدهاليز "الدولاب الحكومى". ليس له انتماء حزبى حاليا وهو الأمر الذى ستتم مراعاته فى التعديلات الدستورية القادمة أو الدفع به كأحد المستقلين لتولى منصب الرئاسة.
أخطأت جمهورية "مبارك" كثيرا حينما أسلمت الأمور الداخلية إلى أفراد العائلة الرئاسية فى مطلع القرن الواحد والعشرين وإسباغ التبرير القانونى والأخلاقى على تلك التفويضات الغير دستورية (إدعاء مبارك أن ابنة شيراك تساعده فى الحكم فلماذا ينتقدون مشاركة أبنه !!؟؟) وهى مقولة إن كان يعرف معناها ويدلس على رعيته فهى "مصيبة" وإن لم يكن يعرف (تم تلقينه بها) فالمصيبة أعظم !!.
من أهم أسباب تدمير وإفشال السياسات الداخلية المصرية، وتصديرها إلى السياسات الخارجية بالتبعية، هو التحالف الإرتباطى بين "الفساد" و"عدم التأهيل". كمّ الأموال التى تم نهبها (فسادا) وإهدارها (لانعدام التأهيل) تحتاج إلى عقود طويلة لعلاجها. لا يمكن لأحد التكهن بحجم الخسائر المصرية حتى الآن لا بالعلم الصريح ولا بالتسريبات والاستقراءات – فما هو معلوم أو مقروء أشبه بجزء من جبل ثلجى قد تتضح معالمه بعد سنوات قليله من قدوم رئيس الجمهورية الرابعة (!).
خطة تأمين البلاد وعملية التنصيب الرئاسية سبق وضع إطارها العام منذ سنوات (بدايات القرن الواحد والعشرين). ظهرت معالم تلك الخطة (ولا نعرف إن كانت عفوية أو متعمدة) منذ سنوات قلائل حينما أغشى على الرئيس "مبارك" فى "مجلس الشعب المصرى". حركة الطيران الحربى وتحرك القوات المسلحة كانت لافتة ... ومبالغة أيضا (!!). يضاف إلى ذلك رصد أفراد "عسكريين" غير "أمنيين" كانوا يقومون بمتابعة المظاهرات الشعبية الضخمة التى حدثت فى أعقاب الإعلان عن التعديلات الدستورية للمادة العوار "76" الخاصة بانتخاب الرئيس.
استمرارية الرئيس "مبارك" من عدمه لم يعد فى يده (!!)، أو بالأحرى لم يعد هو متخذ القرار الوحيد فى هذا الشأن، ولا حتى أسرته أو الموالين لها. الأحداث التى سيشهدها العام 2007 أكبر من مقدرة "مبارك" ونظامه الحالى على معالجتها وإدارتها وهو الأمر الذى لا ترضى عنه "جهة القوة الخارجية" (الأمريكية أساسا – والمتأثرة بالإسرائيلية) ولا "جهة القوة الداخلية" التى تعاظم تأثيرها بزيادة مطردة تتناسب عكسيا مع تدهور حالة الرئاسة.
القوى الشعبية والسياسية المصرية لا تملك الخيار فى الاختيار الحالى (!!)، بما فيهم قوى "الإسلاميين" الممثلة فى جماعة الإخوان المسلمين، فهى "محفزة" ومنشطة لعملية التغيير أكثر منها صانعة له. ورغم هذا الدور المحدود (حاليا) إلا أنه يعتبر انتصارا للمعارضة الوطنية ستجنى ثماره فى الجمهورية الرابعة. قياس التأثير فى الحالة المصرية لا يمكن أن يتم بالقياس الكمى المطلق – ولكن بالقياس النسبى على سابق الحالة المصرية.
ما يحدث الآن من ترصد أمنى واعتقالات بالجملة فى صفوف كوادرهم (ومعظمهم من الطلية حاليا) وقيادات الصفوف الأولى لا علاقة له بمخطط التولية الرئاسية التى ستتم (باحتمال كبير) فى العام القادم 2007. ما يحدث الآن (من اعتقالات) هو استمرار طبيعى للعقلية الأمنية مفرطة القوة التى يمتع بها النظام الحالى، ونتاج التفويض السابق إعطائه إلى الجهاز الأمنى للتصرف طبقا لمقتضيات معينة (خطط سابقة الإعداد). كافة رجالات ما يسمى بالحرس الجديد ورموز الحرس القديم لا يملكون أى قدرة للتاثير على المخطط المزمع تنفيذه، فالجماعة الأولى مجرد "نبت شيطانى" طفيلى لا جذور له، والثانى تكنوقراطى تنفيذى يدين بالولاء للكرسى قبل السلطان.
الشعب المصرى يدخل العام الجديد وهو مريض منكوب، فأكثر من 20% من أفراده يعانون من مرض "إلتهاب الكبد الوبائى" الذى ينهش أكبادهم ويجعل ربعهم (أى حوالى 5 ملايين) أقرب للموت. باقى قائمة الأمراض (البلهارسيا والسكر والقلب والفشل الكلوى والسرطان) تنشب مخالبها فى معظم أفراد الشعب (البلهارسيا وحدها تصيب 60%)، بينما تتولى الأمراض النفسية والعصبية الباقى من الباقية.
رغم المرض والمعاناة فى ضروريات الحياة المعيشية فإن "المقاومة" المصرية ضد "الاحتلال الداخلى" تتعاقب وتتفاوت فى نوعها وشدتها. من المقاومة بالإعلام والكلام إلى مظاهرات حركة "كفاية" منذ العامين (2004)، إلى المظاهرات الشعبية الغير مسبوقة التى واكبت عملية الأستفتاء على تعديل الدستور (2005)، إلى النجاح "الدامى" لأصحاب الخيار الإسلامى (88 مقعدا فى البرلمان لجماعة الإخوان)، إلى انتفاضة قضاة مصر والعديد من التجمعات الفئوية (المهندسين – أساتذة الجامعة – الأطباء - ..الخ)، وأخيرا وليس أخيرا انتفاضات "عمال مصر" وطلبة الجامعات احتجاجا على حقوقهم المسلوبة وأبسطها حق انتخاب نقابتهم وإتحادهم (2006). تطور الأحداث وتعاظمها يظهر صحوة سياسية مصرية ستجنى ثماره فى الجمهورية الرابعة التى لن تشارك فى صنع رئاستها – ولكنها على الأقل حفزتها ونشطتها ومنعت من لا تريده أن يسطو على سيادتها.
الخيار البديل لعدم النقل السلمى للرئاسة مفزع ومخيف (!!). يكفى بضع مئات (أو حتى عشرات) من الشباب والرجال المضطهدين الغير منتميين لأى فصيل إسلامى رسمى ومعروف أن يحدثوا مغامرة (أقرب للكارثة) سيكون الكل خاسرا فيها بمن فيهم أصحاب المصالح الأمريكية والجار الإسرائيلي. مقولة بضع عشرات ليست من قبيل المبالغة أو الاستهانة اللفظية، فغباء الأجهزة الأمنية ستتولى مضاعفة العدد وتضخيمه (!!). هذا ما حدث تماما فى أحداث نهاية الثمانينات وأوائل التسعينات من جهاز شرطة يفتقر للأسلوب العلمى وللمرجعية الأخلاقية ولوجود جهة محاسبة. أسلوب الجهاز الأمنى فى الاعتقال الكمى المكثف للمشتبه فيهم (مهما قلت درجة الاشتباه) وخضوع ذلك للأهواء الشخصية، والقيام بالتعذيب السادى للأفراد وذوييهم (رجال ونساء) سيؤدى إلى مضاعفة هؤلاء العشرات المضطهدين الثائرين وتصميمهم على ثأر الشرف وثأر الدم. الاحتقان الشعبى يجعل البيئة المصرية الآن غير حالها منذ عقد من الزمان – بسبب الممارسات الأمريكية الإسرائيلية فى الجوار العربى والعالم الإسلامى، وبسبب المعاناة الشعبية الطاحنة داخل الدولة المصرية (أو التى كانت دولة).
الشعب المصرى لا يملك ترف الخيار من عدة بدائل بل هو أمام ثنائية بفرضها عليه أولياء الأمر. موقف الشعب المصرى من شخصية صاحب الرئاسة سيكون نفس الموقف الذى كان عليه عقب أحداث خريف أكتوبر 1981 (مقتل السادات) – فأى بديل أخر هو خير من الحالى.
ربيع الديموقراطية الذى صنعته أمريكا وأوربا فى شرق أوربا لم يكن له حظا فى القدوم إلى أرض المشرق العربى. ربيع الديموقراطية فى العالم العربى سيكون صناعة عربية لا أمريكية أوربية. الكل ينتظر إشراقه الشمس فى مصر لأنها وحدها الكفيلة بإنارة ظلمات جحور ودهاليز المنطقة ككل. عظيم تأثير ولادة الحرية فى "مصر" على المنطقة ينعكس على عسر ولادتها. لا أحد يمكنه الوقوف أمام مد "الطبيعة". الحرية فى مصر قادمة قادمة ... إما طبيعية أو قيصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.