كشف وزير الاستثمار الدكتور محمود محيي الدين بشكل رسمي عن خطته الجديدة للتعامل مع شركات قطاع الأعمال، أخيرا تحولت التكهنات حول مصير ثروة مصر إلي واقع شبه ملموس، في لقائه مع أعضاء اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب أعلن محيي الدين صراحة (مفيش صكوك)، ولم يكن الإعلان مثيرا للدهشة فمشروع صكوك أو كوبونات الخصخصة مات منذ زمن، وتم دفنه، وما قاله محمود عنه في اللجنة الاقتصادية كان مجرد نشر نعي للفقيد، ولكن الأهم والأخطر في الاجتماع هو ما تبقي من مشروع إدارة الأصول، فقد استعرض محيي الدين الخطوط العريضة لمشروع قانون إدارة الأصول المملوكة للدولة، ويحتوي المشروع علي 15 مادة وحجر الزاوية في مشروع القانون هو انشاء جهاز مستقل لإدارة الأصول المملوكة للدولة سواء شركات قطاع الأعمال أو حصص المال العام في نحو 600 شركة مساهمة. وقال وزير الاستثمار في عرضه المبدئي للأفكار الرئيسية لمشروع القانون إن الجهاز سيتبع رئيس الحكومة، ويتولي الجهاز الإشراف والتعامل مع الأصول المختلفة والشركات القابضة، وأن وزير الاستثمار لم يرأس الجمعيات العمومية للشركات القابضة، وأضاف الوزير ان الجهاز سيتمتع بإدارة محترفة، وشرح الوزير بعض المسئوليات الملقاة علي عاتق الجهاز المزعم انشاؤه. وكسياسي محترف أكد محيي الدين انه لا يعرض مشروع قانون علي اللجنة، ولكنه يطرح الأفكار الرئيسية، واضاف أن طريق تمرير القانون يمر بمجلس الوزراء.
وطوال الاجتماع الذي استمر لأكثر من ساعتين كان محمود محيي الدين حريصا علي تكرار فكرة محورية بأساليب مختلفة، وهي انه لم يغير جلده، ولا أفكاره حول إدارة الأصول. ومفيش تغيير في أفكار الخصخصة.، لم ينقص محيي الدين سوي أن يردد الاغنية الشهيرة (انا زي ما انا وانت بتتغير).، وحتي عندما كان محيي الدين يستعرض إنجازات الخصخصة كان يكرر من حين لآخر (دي سياستنا من الاول).ولم يقتنع رئيس اللجنة الاقتصادية الدكتور مصطفي السعيد بكلام محيي الدين، وببراعة سياسية عبر السعيد في نهاية الاجتماع عن عدم اقتناعه فقال لتلميذه محيي الدين (فاكر كتاب الدكتور زكي نجيب محمود لما اتكلم عن تغير الاتجاه) ففهم محمود الرسالة.
أغلب المتابعين لقطار الخصخصة يدرك أن ثمة تغييراً مهماً قد طرأ في مفاهيم محمود ومواقفه حول الخصخصة، هناك احساس بهذا التغيير من اقصي اليمين إلي اقصي اليسار، وقلة من المتابعين، وانا منهم، تشعر أن محمود محيي الدين يتهرب من ملف الخصخصة. وقد تنبأت بهذا الهروب قبل عام، فبعد الحملة الهجومية الكبري عليه وعلي حكومته في بيع عمر أفندي بدأ الوزير الشاب يفكر في طريقة للتخلص من هذا الملف الذي يثقل كاهله، ويمثل برميل بارود علي ظهره، قابل للانفجار في أي لحظة خلال صعوده السياسي.
وربما يكون مشروع كوبونات الخصخصة جزءا من خطة التخلص من المأزق، ولكن المؤكد أن جهاز إدارة الأصول هو حلم (تفصيل) لتخارج محمود محيي الدين من ملف الخصخصة ومشاكلها، والاتهامات المصاحبة لها، وهي اتهامات مزعجة بالفعل (ببيع مصر، ويفرط في ثروة مصر، وبيسلم مصر للشركات متعددة الجنسية) فضلا عن الاتهامات المكررة حول الفساد في ملف الخصخصة.
ولذلك حل الجهاز علي مقاس محمود محيي، فقد تحولت المسئولية السياسية والاستجوابات والبهدلة إلي رئيس الحكومة، ولم يعد وزير الاستثمار له علاقة بالشركات القابضة ولا التابعة، اخيرا سيرتاح محمود من الاتهامات والملاحقات البرلمانية والاعلامية، ولكن هل فكرة الجهاز تلائم المقاس المصري؟ هذا هو السؤال الأخطر لأن إجابته تتعلق ببساطة بحماية مليارات الجنيهات، وحماية أصول مصر. واعتقد أن الإجابة ليست في صالح حكاية الجهاز.
فتجربة تبعية بعض الأجهزة لرئيس الحكومة لم تكن موفقة لأن رئيس الحكومة مشغول بعشرات الملفات، ورقابته علي إدارة أصول مصر ما بين شركات كاملة وحصص في 600 شركة لن تكون صارمة. وقد كانت رئاسة الوزير للجمعيات العمومية كانت ولاتزال المفتاح الرئيسي لمتابعة نمو أصول الدولة وحمايتها. ومن باب الموضوعية القول بأن كثيرا من انجازات إدارة الأصول التي تحققت ترجع إلي متابعة دقيقة ومكوكية من محمود محيي الدين للقطاع يوماً بيوم، وساعة بساعة، ولذلك اندهش من أن يراهن محمود بهذا المجهود، وان يدخل قطاعاً ساهم في تنميته واحيائه في مهب الريح، ورهن مجهول. مرة ثانية او ربما عاشرة الحل بسيط، وهو عودة وزارة قطاع الأعمال بوزير جديد، فلست ضد أن يعيش محمود محيي الدين بدون منغصات بشرط ألا يكون الثمن أن يموت قطاع الأعمال.