"المتهم بريء حتى تثبت إدانته".. تعتبر هذه المقولة مبدأ قانونيًا تسير به التحقيقات مع المتهمين، إلا أن مراقبين أكدوا أن السلطات الحالية تقوم بانتهاك هذا المبدأ من خلال عدة ممارسات، أبرزها تصوير اعترافات المتهمين قسرًا أو تصويرهم أمام الأحراز والأسلحة. كانت وزارة الداخلية قد نشرت صورة للطالب عبادة أحمد جمعة "15 سنة"، الأحد الماضي، وعليه آثار تعذيب، أمام العديد من الأحراز والأسلحة، حيث وجهت له تهمة تصنيع الأسلحة النارية والاتجار فيها داخل مسكنه بمدينة نصر. وأكدت أسرة عبادة أن الشرطة قامت باختطافه قسريا من أمام ملعب كرة أثناء لعبه مع أصدقائه أول أيام العيد، متهمة الداخلية بتلفيق التهم لنجلهم الصغير، الذي يعد طفلا في عرف القانون المصري. وسبق هذا الحادث، نشر وزارة الدفاع مقطع فيديو، تحت عنوان "القبض على أكبر خلية إرهابية تهدد الأمن القومي"، عرضت فيه اعترافات للعديد من الشباب، الذين تظهر عليهم آثار التعذيب، يمكن أن تصل بهم إلى حبل المشنقة. وكان أهالي الشباب قد اتهموا السلطات باختطاف أبنائهم قبل نشر اعترافاتهم باكثر من شهر، ومن بينهم صهيب سعد وعمر محمد علي، الذين تم اختطافهما من أمام كورنيش النيل بصحبة إسراء الطويل، أثناء تنزههم، بحسب رواية أسرهم. وقالت الآء الطويل شقيقة إسراء الطويل: "بعد ماعدا 40 يوم منهم 15 يوم خطف بين المخابرات والنيابة العسكرية والتعذيب والضرب والتعليق والكهربا لدرجة صهيب بيقول انه مكانش بيقدر يقول آه مطلعين الفيديو ده !! صهيب اللي كان مخلي سبيله علي ذمة القضية المعروفة باسم خلية الماريوت ، وكان تحت المراقبة وبيروح كل يوم بنفسه للقسم يمضي ، وبعد ماقضي سنة واربع شهور سجن ظلم كان طالع عايز يعوض الحياة الي اتحرم منها وكل انشطته كانت فسح وأكل ولعب مع اسراء وعمر !!". وأضافت: "اتخطفوا وهما خارجين من قدام تشيليز من يوم 1 يونيو وفجأة بئا صهيب مقبوض عليه في اكبر خلية ارهابية تهدد الأمن القومي !!! المحترف اللي بيعمل ايديتنج للفيديو مخدش باله وهوا بيبض جبهة صهيب و خده ان كدا اثار التعذيب مختفتش ، وصورة عمر اللي واضح فيها جدا التعذيب". وتابعت: "عمر اللي لحد انهارده بيقدرش يحرك دراعه من اثار التعليق والتعذيب ورفض ادارة السجن اجراء كشف طبي ليهم لاثبات الحالة او حتي دخول ادوية ! ... هوا الارهاب بقا بيتحارب اني اخطف سلميين من الشارع اخفيهم واعذبهم ايام عشان اجبرهم يحفظوا اعترافات ويسمعوها قدام الكاميرا؟ والله مافيه حاجة تتقال !". وفي بداية الشهر الماضي، عرضت القنوات الرسمية والخاصة، تقريرا مصورا يحمل توقيع "الأجهزة الأمنية" دون توضيح طبيعة هذه الأجهزة ومسمياتها الحقيقية، يكشف تفاصيل قضية جديدة عرفت إعلاميا بإسم "خلية الشاطر" أغلب المتهمين فيها مختطفون قسريا منذ عدة أشهر فى واقعة تماما واقعة "عرب شركس" التى تم إعدام 6 شباب على إثرها. وكشف التقرير عما أسماه بتفاضيل مخطط خلية وصفها التقرير بالإرهابية، مؤكدا أنها كانت تستهدف أجهزة الدولة إليكترونيا للتجسس عليها، وتتبع مؤسسات الدولة وكل تحركاتها والقيام بعمليات تخريبية بحسب زعم البيان". تضمن الفيديو إعترافات المواطنين " إبراهيم سعيد الشعراوي، وأحمد صابر لبيب، وإسلام جمعة الدسوقي، ومحمود عبد العزيز المرشدي" على اعتبار أنهم متهمين فى القضية، ووجه لهم تهم استهداف أجهزة الدولة إليكترونيا للتجسس عليها، وتتبع مؤسسات الدولة ومراقبة الحركات الثورية إبان حكم الرئيس محمد مرسي. ومن بين من ظهروا فى مقطع فيديو "الأجهزة الأمنية"، المواطن محمود عبد الرحيم محمد عبد العزيز المرشدي، المختطف منذ حوالى 40 يوما من أمام مقر عمله بالمهندسين على يد أجهزة أمنية مجهولة، وتم إخفاءه قسريا طوال تلك الفترة، ولم يستطع أهله تلك الفترة العثور على مكانه رغم العديد من الشكاوى للنائب العام ولوازرة الداخلية. وظهر "المرشدي" خلال الفيديو وهو يدلى باعترافات لمشاركته فى تلك القضية، إلا أن نشطاء أكدوا أن علامات التعذيب بدت واضحة من خلال وجوه وأصوات المواطنين الذين ظهروا فى الفيديو وهو مايؤكد أن تلك الاعترافات جاءت تحت وطأة التعذيب. كما ظهر المصور الصحفى "إسلام جمعة عبدالهادى الدسوقى – 28 عامًا" فى مقطع الفيديو وهو يدلى كذلك بإعترافات شكك فى صحتها نشطاء ومراقبون وأكدوا أنه أدلى بها تحت وطأة التعذيب. وبحسب منظمات حقوقية فإن إسلام الدسوقى والذى ظهر اليوم فى بيان الأجهزة الأمنية هو شاب يعمل مصور صحفى اختطفته قوات الأمن من منزله بمنطقة فيصل بالجيزة فى 23 من أبريل من العام الجارى أمام طفليه وزوجته، كما تم التعدى عليه بالضرب المبرح إبان اعتقاله، وذلك دون قرارٍ رسمى صادرٍ من أى جهة قضائية بالاعتقال. وأوضحت المصادر الحقوقية أن زوجته أو محاميه بم يتوصلوا إلى مكان احتجازه منذ ذلك اليوم، وقاموا بتقديم عدة شكاوى للنائب العام والمحامى العام المصري، دونما يتم إجلاء مصيره حتى الآن، وسط قلق شديد على سلامته حيث أنه مريض بالكلى والضغط العالي، كما أنه أجرى عملية بالقلب من فترة ما يتطلب ظروف صحية مناسبة. جريمة قانونية وحقوقية وأكد الحقوقي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن تصوير المتهمين بالأحراز غير قانوني ومجرم دوليا، متسائلا:" كيف تصور متهم لم يحاكم بعد ، وتطلق عليه لفظ مجرم بجانب ما يفترض ان تكون هي الادلة؟ وهل تتم الصور بمواقة النيابة ، وكيف للنيابة ان تسمح بذلك ؟ أم قبل عرضهم على النيابة؟" وأضاف عيد، في تدوينة له عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك":" منذ اخبرني صديقي الصحفي اليساري أنهم حين اعتقلوه في نهاية 2013 ، اقتادوه لمعسكر الامن المركزي ، ضربوه وحاولوا اجباره على التصوير بجانب بعض الاسلحة وزجاجات المولوتوف ،، وانا لا اصدق اغلب الصور التي تنشرها الداخلية لمحتجزين بجانب اسلحة مرصوصة وغيرها". وتابع:" سذاجتي فقط هي التي تدعوني للحديث عن القانون وجهاز العدالة ،، في دولة كان العدل فيها مريض ، ثم مات من سنتين". ومن جانبه، اعتبر حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن تصوير المتهمين يتناقض مع قرينة البرءاة، مؤكدًا أن الجهة الوحيدة صاحبة الحق في إجراء تحقيق مع المتهم هي النيابة العامة. وقال أبو سعدة، في تصريحات صحفية:" نحن نعتبر استجواب الضابط مع المتهم هو "الاستجواب المحظور"، وهذه قرينة للبراءة وتتناقض مع ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، وهي مخالفة للقانون، وهي تبطل الإجراءات الخاصة". واتفق سامح عاشور، نقيب المحاميين، مع أبو سعدة، ووصف قيام وزارة الداخلية بتصوير أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بعد اعتقالهم، ومحاولة توثيق اعترافاتهم ونشرها في وسائل الإعلان ب "الكارثة القانونية"، مشددا على ضرورة مواجهتها. وأكد عاشور أن تصوير المتهمين بعيدًا عن النيابة العامة والقضاء غير قانوني، وما يحدث هو مخالفة كارثية يؤثر في الدعوة الخاصة بالمتهم، وخطورة في سلامة العدالة، مشيرا إلى أنه ليس من حق وزارة الداخلية استجواب المتهم دون إذن من جهة التحقيق. ولفت نقيب المحامين إلى أن تصوير المعتقلين هو دليل براءتهم، مضيفا:" أن هذا الأمر خطأ شائع، وليس من الممكن أن يجبر المتهم بالحديث أمام جهة سوى النيابة".