جاء العيد على آلاف الزوجات المصريات، دون أن يجدن فرحة العيد لتشتت شمل أسرهن، وغياب السند والمعين باعتقال أزواجهن، فضلاً عن كثيرات لا يعرفن شيئاً عن أزواجهن، منذ شهور، بسبب منع الزيارات، التي لم يشفع العيد عند السلطات الأمنية لتتيحها. الفرحة المحبوسة السيدة سمر، زوجة أحمد شريف المعتقل، منذ 14 يناير الماضي، على ذمة القضية 250 المعروفة باسم "خلية الجيزة"، تخرج الكلمات منها بصعوبة، لتقول، إن كل ما تستطيع قوله، إنها في حالة غياب عن الوعي، وتضيف "منذ غيابه ناقصنا كل حاجة.. ناقصنا الحياة نفسها". وتتمالك نفسها لتواصل حديثها: "يكفي أن أحمد، هو الذي كان يهتم بتفاصيل حياتي وحياة الأولاد، دون أن أبذل أي مجهود ولو حتى في التفكير.. كان يشاركنا في الاستعداد للعيد ونتوجه لصلاة العيد ومعنا الأولاد. وكان يهتم جداً بإدخال السرور على إخوته وأولادهم وجيراننا، حتى الذين لا علاقة لنا بهم سوى السلام، وكان حريصاً على أن يتأكد أن كل فرد منهم وصلته هدية منه، ولو كانت هدية رمزية وبسيطة جداً.. وكان يحفز أولادنا، ويقول لهم إن أكثرهم التزاما في رمضان، يكون أول واحد يقف بجانبه في صلاة العيد". وتواصل "سمر" فضفضتها لتقول: "دلوقتي هما محرومين حتى من إحساسهم بفرحة العيد، لأن والدهم اللي هو كل شيء في حياتهم مش معاهم ومش هيلاقوا اللي ياخدهم من أيديهم لصلاة العيد.. مش عارفة أقول إيه! لكن الأحاسيس صعب جداً أن تترجم لكلمات". وعن زيارته في محبسه، تقول سمر: "لم أره منذ القبض عليه إلا ثلاث مرات، وكانت آخر زيارة لمدة ثلاث دقائق فقط، إلى جانب ما نلاقيه من مهانة أثناء التفتيش قبل الدخول للزيارة". وتحاول زوجة المعتقل الشريف، أن تصف إحساس الأولاد بغياب والدهم، فتقول: قد تتعجبين إذا قلت لكِ إن شريف (14 عاماً) وعلي الدين (12 عاماً)، وكذلك سارة (8 سنوات) يقولون لي عندما يشعرون بأي لحظة ضعف أمر بها: "يا ماما خلاص إحنا احتسبنا بابا.. وربنا بيصطفي الناس اللي بيحبهم.. يبقي ليه تعيطي وليه نزعل؟.. كلنا في الآخر ربنا هيصطفينا، أما محمد (4 سنوات) فهو لا يزال ينتظر والده ليوقظه من النوم كل يوم، وعندما يستيقظ يقول لي: ماما هنصحى في يوم نلاقي السيسي طلع على ظهره وبابا جه يصحيني من النوم وياخدني في حضنه"... وبتلقائية تختتم "سمر" كلامها ل"العربي الجديد" بقولها: "بجد أحمد وحشني جداً". اقرأ أيضاً: "عيدنا من غيرهم ما يكملش".. عيد مصر "المعتقلين" محرومون من كل شيء ومن سارة إلى أم خالد، زوجة أحمد أحمد عبد الوهاب دله المغيب منذ 6 أبريل 2014 وحكم عليه بالسجن 27 عاماً في قضية الهروب من سجن وادي النطرون، ويقضي فترة سجنه في سجن العقرب. تقول أم خالد: "العيد أصبح يوم يمر مثل أي يوم، ويمكن أثقل، وأكيد بتفرق مع الأولاد كتير، وخصوصاً الصغار منهم.. زوجي بحكم شغله كان يسافر في منتصف رمضان ويقضي العيد في السعودية لعمله في السياحة الدينية، لكن كنا مطمئنين عليه، وكان يتصل قبل العيد، وكان يوم العيد يتصل بي وبالأولاد. وتضيف: "لكن العيد السنة دي أصعب عيد في حياتي مش حاسة به لا أنا ولا الأولاد.. زوجي محروم من الطعام والشراب والزيارات والتريض هو وإخوانه في زنازين انفرادية". وتتذكر بعض السنوات التي كان فيها يقضي العيد معهم وتقول: "كان يصطحبنا إلى صلاة العيد وبعدها يرجع ليفطر مع الأولاد.. وآخر اليوم زيارات للأهل والأقارب". وتنهمر من عينيها الدموع وهي تقول: "لا أشعر بأي مناسبة حلوة لأنهم حرموني من كل مناسبة حلوة في حياتي.. اعتقلوا زوجي في 2005 مدة أربعة شهور، وكنت أبني بيتاً جديداً وبدل أن أبني بيتي بفرحة بنيته بدموعي، واعتقلوه في 2011 ليلة جمعة الغضب، وكانت ليلة عقد قران ابنتي البكرية، واعتقلوه هذه المرة قبل فرح ابني بأسبوع وهو بيفرش له الشقة، وتزوجت ابنتي الثالثة من سنة وأبوها معتقل، وأنجبت زوجة ابني من 3 شهور ولم يرَ زوجي حفيدته حتى الآن.. وأصبحنا أسرة مشتتة بسبب المطاردات الأمنية.. فأي فرحة وأي عيد ممكن تشعر أسرة مثلنا به؟.. الشيء الوحيد الذي يهون علينا أننا نحتسب كل هذا عند ربنا الذي لا يجمع على عبده شقاء الدنيا والآخرة". مشاعر مؤلمة سمية حسني زوجة سمير عبد اللطيف محمد سليمان، المغيب منذ 2 مايو 2014 ووالد سهيلة وعمر وأسامة، تقول سمية: "التهمة ملفقة وكلام مرسل، إرهاب، إتلاف مال الشعب وتعدٍّ على أموال الشعب واستعراض قوة واستخدام زجاجات اسبراي، واستعمال الهاتف للتواصل مع خلية إرهابية والانتماء إلى جماعة محظورة. وتضيف: "في مثل هذه الأيام كنا نصلي العيد ونرجع نفطر مع الأهل والأولاد ونزور أخواته ونعيد على أعمامه وأخواله، وبعدها يخرج مع أولاده، أما بعد حبسه فقد ساءت الأحوال، لا خروج ولا أي شيء، نفسي يعيد مع أولاده ويصلي معنا العيد ويفرحنا بوجوده. وعن حالة أولادها، تقول سمية: "أسامة الصغير، يعتقد أن والده في الشغل ودائماً ينتظره لكي يدخل عليه بلعبة جديدة، أما سهيلة فهي تنتظره ليذاكر لها دروسها كما تعودت، وكذلك عمر، ودائماً يسألونني بابا هيرجع امتي علشان يفسحنا ويجيب لنا هدايا في العيد؟". وعند هذا الحد توقفت سمية عن الكلام واكتفت بالقول: "أنا منهارة وتائهة بدونه ولا يوجد أي كلام يفسر ما بداخلي من مشاعر مؤلمة". أين العيد؟ آية علاء حسني، زوجة الصحافي، حسن القباني، المتهم في قضية التخابر مع النرويج، والمغيب وراء أسوار السجون منذ ستة أشهر ولديه بنتان أكبرهما 4 سنوات فقط. تقول آية: "أنا بصراحة مخنوقة جداً.. كان حسن من النوع الذي يجمع كل العائلة حوله.. وفي ظل غيابه لا يوجد أي تفكير للتجمع ولا في أي شيء". وتتذكر آية: "كان من عادة حسن أن يمسك التليفون بعد الصلاة ويعيد على عيلته كلها واحداً واحداً، لكنه للأسف لن يستطيع أن يفعل ذلك في هذا العيد، وكان يوزع علينا العيدية ويكون حريصاً على أن يجعلنا نفرح.. لكنني أشعر بحزن دفين.. وأيضاً أشعر بأنني تائهة متبلدة وكان نفسي يكون معنا.. ونفسي كل السجناء يصبحون طلقاء". وعن ابنتيها، تقول آية: "كانتا تسألان عنه كثيراً في بداية حبسه، أما حالياً فأشعر أنهما فقدتا الأمل، ولا أعرف كيف سيكون شعورهما لو خرجنا ووجدتا باقي الأطفال صحبة آبائهم؟". لكن آية تصبّر نفسها بقولها: "أعتقد أنهم مش حاسين بالعيد أصلاً، حاولت أشتري الهدوم وأحسسهما، بس ما فرقتش معاهم كتير.. النهاردة حد جابلي كحك العيد وقلت لابنتي هناكله في العيد فقالت لي هو فين العيد؟.. باختصار إحنا نفتقد أجواء العيد أصلاً".