إن "عملية بناء الثقة مع سوريا مستمرة على قدم وساق ولن يعطلها شيء، لا كلمة من هنا ولا كلمة من هناك, وإن المصلحة الوطنية والمصلحة العربية هي عندي فوق كل اعتبار". رئيس الوزراء اللبناني - سعد الحريري 25 / 2 /2010م. تمر العلاقات السورية اللبنانية هذه الأيام بمفترق طرق هو الأهم منذ انسحاب القوات السورية من لبنان, واغتيال المغفور له بإذن الله الرئيس رفيق الحريري "رحمه الله " في العام 2005م, هذا المفترق الذي حاول العديد من أعداء العروبة والساعين لنشر الخلافات والانقسامات بين الأشقاء العرب إلى توسيعه بشتى الطرق, تحت شعارات وعبارات لا هم لها سوى الفرقة وزيادة الانشقاق العربي العربي, والتي وللأسف الشديد وجدت من يروج لها ويسوق بكل يسر وسهولة في داخل البلدين العربيين الشقيقين, وخارجهما من الاستغلاليين ودعاة الفتنة والتفتيت والتجزئة من السياسيين الطائفيين والإعلام العميل للعدو الصهيوني. فدعاة الحرب وإشاعة الفوضى في المنطقة كما يقول الوزير والأديب السوري د.رياض نعسان آغا: (لا يدعون إلى ذلك جزافًا ، فالفوضى والدمار هما البيئة المناسبة لنمو المشروع الصهيوني الذي يواجه انكفاء وتراجعًا وعزلة خلف الجدار العازل، والصهاينة المتطرفون الذين يحملون أحقادًا تاريخية من عصر بابل ثم من عصر خيبر يخشون أن يبدد السلام أوهامهم، لأن استقرار المنطقة لن يسمح لإسرائيل بأن تحقق أحلامًا تاريخية ودينية على حساب العرب والمسلمين، بل إن السلام سيفرض على إسرائيل الاندماج في المنطقة وهذا ما يخشاه المتطرفون لأنه يهدد الهوية الدينية والعنصرية لإسرائيل التي ستكون نشازًا في بيئة تعددية إنسانية مسالمة). ولكن وكما وجد أولئك الدعاة الساعون للفرقة والانقسام العربي العربي , وجد من الرجال الأخيار من كان الوطنين العربيين اللبناني والسوري والمصلحة العربية لديهم فوق كل اعتبار, وعلى رأس تلك الشريحة كان رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الذي كانت تلك المصلحة لديه فوق كل الظروف والعوامل السياسية والتاريخية المعروفة, فكان همه الأول منذ توليه منصب رئيس مجلس الوزراء هو إعادة بناء الثقة والعلاقة الأخوية الطيبة بين لبنان وسوريا, والتي توجت بزيارة تاريخية يوم 19 / 12 / 2009 م أغضبت الكثيرين لأنها حطمت ذلك الجدار النفسي العازل من الجفاء والانقسام الذي بناه البعض بين الأشقاء والأخوة في كلا البلدين على مدى سنوات. صحيح وبحسب وجهة نظر البعض أن تلك الخطوة قد تكون صغيرة وغير كافية, ولكن ذلك لا يعني تقزيمها والاستهانة بما تركته من بصمات واضحة وخطوات طيبة, بل من الواجب القومي والوطني أن تجد التعاون والدعم من كل الأطراف المعنية بالوحدة في لبنان وسوريا, ومن بقية الأقطار العربية التي يجب أن تسعى بكل طاقاتها وإمكاناتها وقوتها السياسية لمؤازرة ودعم تلك المساعي الأخوية التي تصب في صالح الوحدة العربية العربية بشكل عام, وصالح الأشقاء في البلدين السوري واللبناني على وجه الخصوص. وبالطبع فإننا وكلما ذكرنا من له مصلحة في الانقسام السوري اللبناني , كانت المستعمرة الإسرائيلية الكبرى على رأسهم , وهو ما أكده الرئيس سعد الحريري بنفسه في زيارته التاريخية لسوريا حيث قال: (إن العلاقات الطيبة والمتميزة بين سوريا ولبنان تعزز موقف البلدين وقوتهما وتسهم في حماية لبنان والعروبة ووحدة الصف العربي في مواجهة السياسات الإسرائيلية المستمرة بانتهاكها للحقوق العربية) , وقد أغضبت تلك الزيارة العديد من القيادات الصهيونية في إسرائيل والولايات المتحدة الاميركية وغيرها من دول العالم, لأنها وبكل ما تعنيه الكلمة من معنى كانت ضربة قاصمة لهم في الصميم وغير متوقعة بهذه السرعة. نعم ,,, إن سوريا ولبنان معا هما بلدان عربيان لا يمكن الاستهانة بدورهما التاريخي في تعزيز وتقوية وتنمية المشروع الحضاري العربي , وفي كونهما واجهة من واجهات الحفاظ على الأمن القومي للوطن العربي الكبير أمام مد المشروع الصهيوني الخطير, وان تعزيز الثقة وزيادة اللحمة والترابط الأخوي بينهما هما واجب ديني أولا, ومن ثم هدف قومي عربي لا بد أن تسعى لتحقيقه جميع الأطراف العربية وبلا استثناء, وان يبذل بلا حدود لأجل مساندته ودعمه, فهناك من المتربصين وأصحاب المصالح والمشاريع الانقسامية والطائفية والتفتيتية في الداخل والخارج من كان همه الدائم منذ القديم زيادة الفرقة والانقسام بين هذين الشقيقين العربيين, وبكل تأكيد تفتيت الوطن العربي والمشروع الوحدوي الكبير من خلال تفريقهما وتباعدهما عن بعضهما البعض.
كاتب وباحث عماني رئيس تحرير صحيفة السياسي التابعة للمعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية