أكدت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، أن الحجاب لا يثير الجدل في الغرب فحسب، بل في مصر أيضاً. وقالت: تعليقات فاروق حسني وزير الثقافة علي الحجاب الذي وصفه بأنه علامة علي التأخر أطلقت عاصفة من الغضب، حيث دعا 130 نائباً برلمانياً ينتمون إلي جماعة الإخوان المسلمين المعارضة والحزب الوطني إلي استقالته. وأضافت الصحيفة: آراء حسني استفزت مشاعر الغضب في مجتمع يرتدي أكثر النساء فيه الحجاب، ويعتبرنه علامة علي الاحترام والالتزام الديني. وأشارت الصحيفة إلي أن الإخوان المسلمين رأوا في كلمات الوزير فرصة لجلد الحكومة، وهي واثقة أن الجماعة تحظي في هذه القضية بدعم شعبي كبير. ونقلت عن جمال عبدالجواد - المحلل السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - قوله: الحركة الإسلامية نجحت في استغلال كلمات فاروق حسني لفرض جدل عام، من شأنه أن يضع الحجاب في قلب السياسة، وهو الشيء الذي تمكنت الحكومة من تجنبه منذ سنوات، مفضلة التعامل معه كقضية اجتماعية. وأعرب عبدالجواد عن اعتقاده، بأن توازن القوة سوف يتم تعديله، وقد تضطر الحكومة إلي تقديم تنازلات للمحجبات، تعكس تقدماً للقوي المحافظةوقالت الصحيفة: إن الحكومة المصرية مازالت تنتهج حتي الآن سياسة غامضة بشأن الحجاب، فهي غير قادرة علي وقف شعبيته في المجتمع، مشيرة إلي أنها - أي الحكومة - أصرت علي تحجيم وجوده في المناصب العليا بالدولة، وإقصائه من التليفزيون الحكومي، حيث يتم نقل المذيعات اللاتي يتخيرن ارتداءه إلي وظائف بعيدة عن الشاشة. واستدركت الصحيفة بأن كلمات فاروق حسني، أثبتت أنها محرجة جداً للنظام الحاكم، مدللة علي ذلك بأن شخصيات رفيعة المستوي داخل الحزب، من بينهم الدكتور فتحي سرور رئيس البرلمان، سارعوا إلي نقده علناً. وتابعت الصحيفة: نادراً ما يواجه وزير يشغل المنصب هذا الهجوم الكثيف من حزبه، مستدركة بأن الحكومة المصرية دائماً ما كانت تحمي رجالها حتي في مواجهة مزاعم بارتكاب فساد، أو انعدام الأهلية أو الإهمال الذي يحاسب عليه القانون. وأشارت الصحيفة إلي أن فاروق حسني تجاوز حملة للإطاحة به العام الماضي، بعد حريق مسرح بني سويف الذي تديره الوزارة، وأدي إلي مقتل 46 شخصاً، وقدم استقالته ولكنها رفضت. وقالت: إن المدافعين عن الوزير هذه المرة، ينتمون إلي طبقة مفكرين من ذوي الفكر العلماني، الذين أغرقت موجة الاحتجاج التي أطلقها المحافظون أصواتهم. ونبهت إلي أن رأي الليبراليين بأن الحجاب ليس واجباً دينياً، بل اختيار شخصي لاقي رداً قوياً من الأزهر أعلي مؤسسة دينية في مذهب الإسلام السني، الذي أصدر بياناً أكد فيه أن الحجاب أحد ثوابت الإسلام ولا يخضع للمناقشة. وقالت فاينانشيال تايمز: إن تنامي شعبية الحجاب في مصر علي مدار العقدين الماضيين، أمر خارق للعادة، موضحة أن معيار المرأة العاملة المثقفة في فترة الستينيات، هو أن تكون حاسرة الرأس، غير أن الحجاب صار شائعاً في منتصف التسعينيات. وأضافت: علماء الاجتماع يقدمون تفسيرات كثيرة لانتشار الحجاب علي هذا النحو، من بينها صعود الإسلام السياسي والأعداد الضخمة من المصريين الذين عملوا في دول الخليج الثرية نفطياً. وتابعت الصحيفة: لكن المحللين ينبهون إلي أن الحجاب لا يدل بالضرورة علي توجه إسلامي سياسي بالنسبة لمعظم المصريات. ونقلت عن فرح غنام المتخصصة في العلوم الإنسانية، قولها: إن كثيراً من المحجبات يعتبرن الحجاب جزءاً من تدينهم، بينما تراه آخريات تمسكاً بالمعايير الاجتماعية المقبولة، أو ربما يكون له علاقة بالموضة، فالفتيات يجدن طرزاً مختلفة من أغطية الرأس، التي يعتقدن أنها جميلة. وقالت الصحيفة: إن الحجاب الملون الحديث الذي ترتديه المصريات يختلف علي نحو صارخ عن العباءات السوداء، التي تغطي المرأة كلها في السعودية أو إيران في الأيام الأولي من الثورة الإسلامية. واختتمت الصحيفة بأن الضجة التي تسببت فيها تعليقات الوزير، تدل علي أن الحجاب سيظل رمزاً سياسياً قوياً تستغله المعارضة الإسلامية، ومصدراً لمتاعب حكومة لاتزال غير متيقنة من رؤيتها بشأن العلاقة بين الدين والدولة.