بعد أن فشلت مشاورات جنيف اليمنية في تحقيق أي هدف من أهدافها المعلنة، وأسدل الستار عليها دون بارقة أمل للشعب اليمني الذي تتواصل العمليات العسكرية على أرضه وفوق سماءه وعلى حدوده لقرابة ثلاثة أشهر متوالية بين قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والمقاومة الشعبية من جهة وبين جماعة الحوثي والقوات الموالية لها وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.ورغم بداية شهر رمضان الخميس وما يمثله من قيد أخلاقي على كافة الأطراف فشلت الأممالمتحدة وجميع المشاركين بالمفاوضات في التوصل لهدنة إنسانية لمدة 15 يوما وفشلت في فرض وقف لإطلاق النار. مما يطرح تساؤلات ملحة أهمها لماذا فشلت مشاورات جنيف رغم مجيئها بتوقيت بالغ الحساسية بحيث لم تكن تحتمل الهدنة أي تأخير أو عرقلة؟ وكان المبعوث الأممي إلى اليمن، "إسماعيل ولد الشيخ أحمد"، أعلن أمس الجمعة، انتهاء مشاورات جنيف، حول الأزمة اليمنية، دون التوصل لاتفاق"، مشيرًا إلى أنه سيبذل جهده من أجل الحصول على هدنة إنسانية خلال شهر رمضان. يعد دور الأممالمتحدة ومبعوثها على رأس الأسباب التي أدت لفشل المفاوضات، إلى جانب تعنت وتصلب موقف جماعة الحوثي وحلفاءها، والفشل في الضغط عليها أو ردعها سواء من قبل الأممالمتحدة أو الدول الكبرى أو المجتمع الدولي، والفشل في تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 ، واستمرار قدرة جماعة الحوثي على القيام بعمليات عسكرية ميدانية في مواجهة المقاومة وقوات التحالف، أما حكومة هادي فبدت عاجزة بلا أذرع أو أوراق سياسية واضحة. وتتصاعد آلام الشعب اليمني بينما تتواصل الاتهامات المتبادلة بين حكومة هادي ووفد الحوثيين منذ يوم الاثنين الماضي حيث بدأت مشاورات جنيف برعاية الأممالمتحدة في ظل وضع إنساني كارثي فقد أشار المتحدث باسم مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "ينس لايركي"، في مؤتمر صحفي إلى "أن 21 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، في الوقت الذي ذكرت فيه المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي" اليزابيث بايرز"، أن "ستة ملايين يمني يواجهون مخاطر الجوع". دور الأممالمتحدة يعد دور الأممالمتحدة ومبعوثها دورا مفتاحيا ورئيسيا يساهم بشكل كبير في فشل أي مشاورات أممية ويبدو بحسب مراقبين أنها تنتهج سياسة شبه موحدة تجاه أزمات الشرق الأوسط تقوم على تعامل رخو ودائرة مفرغة من اللقاءات بلا أجندة أو سقف زمني محدد أو ملزم لجميع الأطراف، بل تساهلت الأممالمتحدة بكل وضوح مع جماعة الحوثي وحلفاءها ورضخت لمطالبهم منذ اللحظة الأولى بما سمح للحوثيين بالتمدد وفرض الشروط وفرض مرجعية الحوار. وحتى الآن لا تملك الأممالمتحدة رؤية واضحة رغم ما تملكه من أوراق دولية وإقليمية، بل إن تدويل القضية بأروقة الأممالمتحدة منح الحوثيين شرعية ما لانقلابهم ومكنهم من التعامل كفصيل سياسي له حقوق وليس كفصيل محل اتهام ومحاسبة دولية طبقا لنص قرار مجلس الأمن الأممي رقم 2216 . وفي مؤشر على سياسة التسويف قال المتحدث باسم مكتب الأممالمتحدةبجنيف، "أحمد فوزي"، أمس الجمعة، "إن المشاورات اليمنية التي انطلقت في جنيف هي بمثابة بداية لمرحلة سياسية، وإن هذه المرحلة ستتواصل، مشيرا إلى إمكانية استمرار اللقاءات في نهاية الأسبوع الحالي". وحتى كتابة هذه السطور فشل المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ في جمع أطراف الأزمة اليمنية على طاولة واحدة للتفاوض. وقال الدبلوماسي الموريتاني "أنه سيزور بلا تأخير نيويورك لتقديم تقرير عن مشاوراته إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومجلس الأمن الدولي. فشل فرض القرار الأممي 2216 ورغم أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 كافيا بذاته لردع الحوثي وصالح إلا أنه لم تبادر الأممالمتحدة بمحاولة فرضه أو التلويح بعقوبات في حال التنصل منه وتعاملت معه على أنه محل تشاور وليس قرار ملزم كان يمكن تسليطه على رقبة الحوثي وصالح أثناء المفاوضات، كفيل بتضييق الخناق عليهم، ولكن حولته الأممالمتحدة لمجرد مناشدة ومطلب على لسان وفد الحكومة اليمنية بحسب مراقبين. فالقرار 2216 يحظر توريد الأسلحة للحوثيين، واعتمده مجلس الأمن تحت الفصل السابع، ويطالب الحوثيين بالقيام بعدد من الخطوات بصورة عاجلة دون قيد أو شرط، أهمها الكف عن اللجوء للعنف، سحب قواتهم من جميع المناطق التي سيطروا عليها في وقت سابق، بما في ذلك العاصمة صنعاء، الكف عن أعمال تعتبر من الصلاحيات الحصرية للحكومة اليمنية الشرعية، الامتناع عن أية استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة، بما في ذلك الاستيلاء على صواريخ أرض-أرض ومخازن أسلحة تقع في مناطق محاذية للحدود أو داخل أراضي دولة مجاورة. مراوغة وتصلب جماعة الحوثي مارست جماعة الحوثي درجة عالية من المراوغة والمماطلة قبل وأثناء انعقاد المشاورات فقد رفضت المشاركة في مؤتمر الرياض ورفضت وثيقته الصادرة في مايو الماضي، وقبلت المشاركة بحوار جنيف للحصول على غطاء أممي وثقل سياسي على الساحة الدولية، وفرضت جماعة الحوثي مفرداتها وأجندتها ومصطلحاتها حيث رفضت تسمية متمردين وسلطة، رفضت التعامل مع وفد هادي على أنه ممثل للشرعية،ورفضت الحوار معه، فيما صعدت من عملياتها العسكرية الميدانية أثناء التفاوض. ويتوقع خبراء استمرار جماعة الحوثي في التصعيد العسكري مع مد أمد المفاوضات لتحويله لنصر سياسي عند نقطة معينة. وحمل الوفد الحوثي، أعضاء وفد الحكومة اليمنية، مسؤولية فشل مشاورات جنيف، وعدم توصلها إلى نتائج إيجابية.وقال رئيس الوفد الحوثي، "حمزة الحوثي"، في مؤتمر صحفي عقب ختام اليوم الأخير من المشاورات، "أن الطرف المقابل أو ما يسمى بالطرف الحكومي، حاول فرض أجندات يجعل من خلالها الأطراف المتشاورة في المؤتمر طرفين فقط، الأمر الذي تم رفضه من قبل المكونات السياسية".مشيرا إلى "أن المشاورات كانت أولية حسب الأممالمتحدة، على أن تتبعها خطوات لاحقة سيتم الإعلان عن موعدها، لاحقا حسب ما أعلنه المبعوث الأممي الخاص لليمن". وبعث وفد الحوثيين المشارك في مشاورات جنيف حول الأزمة اليمنية، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، طلب مقابلته في أقرب وقتٍ ممكن. وتشير تلك التصريحات إلى محاولة كسب الوقت ومد أجل المفاوضات السياسية إلى أجل غير مسمى بحسب محللون. وأشارت مصادر سياسية ، إلى "أن المبعوث الأممي كان قد طرح الخميس مبادرة من سبع نقاط تكون أرضية لجولات قادمة من المشاورات، لكن الحوثيين تعنتوا فيها، و قالوا إنها تشرعن لاستمرار الضربات السعودية عليهم". وأفادت المصادر، أن "المبادرة نصت على أن وقف إطلاق النار مرتبط بانسحاب الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها تنفيذًا للقرار 2216، ووضع آلية للهدنة، ومنع حصول فراغ أمني، وتشكيل آلية دولية لمراقبة احترام الهدنة والانسحاب، إضافة إلى إرسال فريق فني متخصص لتنفيذ بنود الاتفاق". تخاذل المجتمع الدولي والدول الكبرى لم تمارس الدول الكبرى والمجتمع الدولي ومؤسساته الفاعلة دورا ملحوظا بحسب محللون في الضغط على جماعة الحوثي، بل يتم التعامل مع الطرفين بشكل متساو، ولم تتحرك الولاياتالمتحدة أو فرنسا للضغط على إيران أو الحوثي أو صالح ولم تلوح بتجميد أموالهم أو ملاحقتهم كمجرمي حرب، ولم تطرح أيا منها دور الضامن لأي اتفاق مرتقب مما يطرح تساؤلا هل هناك أطراف دولية تستفيد من تدهور الوضع باليمن واحتدام الصراع مع السعودية والقابل للتصعيد في حال فشل المفاوضات السياسية. وفي مؤشر على العجز السياسي قال وفد الحكومة اليمنية مساء أمس الجمعة بعد لقاء مع مبعوث الأممالمتحدة الخاص إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ في جنيف، إن الوسطاء الدوليين فشلوا في اقناع وفد الحوثيين وحلفائهم بالقبول بأي آلية لتنفيذ القرار الدولي الفين ومئتين وستة عشر. ضعف أداء حكومة هادي لم يكن دور وفد حكومة هادي وأداؤه دورا مرضيا أو مواكبا لتطلعات والشعب اليمني والخسائر المادية والبشرية ولم يحسن إدارة الأزمة مع الطرف الحوثي وحلفاؤه ولم يستثمر نجاح المقاومة الشعبية في صد الحوثيين وقوات صالح أو تقدم قوات التحالف، وطغى على خطابه لغة المناشدات، ولم يتوجه مباشرة للأمين العام والأممالمتحدة والوسطاء الدوليين لإجبار الحوثيين على قبول الهدنة والقرار 2216 بحسب مراقبين. وساد المفاوضات لغة الاتهامات المتبادلة فقد صرح مصدر في الحكومة اليمنية، "بأن الحوثيين هم من يتحملون فشل المفاوضات في جولتها الأولى، جاءوا إلى جنيف بقصد التشويش، ولم يتفقوا حتى على الوفد الذي سيفاوض"، وأكد المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، "أن الحوثيين يبحثون عن هدنة مؤقتة لاعادة تموضعهم والتوسع على الأرض، ولا يريدون تطبيق القرار الأممي 2216″.