"كل خمس ثوان يموت جائع "كما قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في اجتماعات روما الباحثة عن حل للجوع. لم يطأطئ أحد رأسه خجلا من تلك الارقام التي قدمها مون، لم نر دمعة في محجر عين، كل ما ساد في اجتماعات التحسر اللفظي، ينتهي لحظة خروج الحاضرين من قاعاتهم، فيما تستمر على الجانب الآخر سلسلة الوفيات التي تتجاوز الستة ملايين جائع سنويا. لم أجرب الجوع ولا رأيت جائعا حقيقيا كي أعرف حجم المعاناة .. شاهدتهم عبر التلفاز، كانوا جوعى يتمددون بصمت، جلهم من الأطفال، فيما امهاتهم نشفت عروقهم وبانت. فضيحة أخلاقية في عصر يقال ان كم الطعام الذي يرمى في الزبالة أكبر بكثير من حجمه على الموائد. وأما الاموال التي تذهب لشراء السلاح فجزء بسيط منها يكفي لتخليص البشرية من تلك الآفة اللعينة. تصوروا مثلا ان معرض الطائرات الذي أقيم في دبي بيع منها بمئات المليارات من الدولارات وخاصة العرب الذين يكدسون سلاحا لأسباب نجهلها. بمثل ما بدأه مؤتمر روما الأخير للبحث بقضية الجوع خرج منه على قاعدة التنظير والدعوات الملحة كما جاء في خطاب الأمين العام للأمم المتحدة الذي استدر العواطف، ثم انتهى تأثيره بعد دقائق. وحتى جميع الكلمات التي قيلت في هذه المناسبة، فقد جذبت عواطف الحضور لكنها لن تغير شيئا لا الآن ولا في المستقبل .. ورغم تكرار الحاجة لأن يكون العام 2025 نهاية الجوع، فإن عداد الجوعى يتزايد اضعافا عما كان عليه أثناء طرح هذا الرقم لأول مرة. هذا الجنوب المسكين سيظل مسرحا لهذا النوع من الموت البطيء الذي يتجاوز وفيات كل الحروب. بعض الحيرة تظلل سبب انعقاد مؤتمر كهذا في وقت تكاثر الكتابات أو الاستنتاجات حول ضرورة تقليل الأعداد البشرية التي تتزايد، واعتبار الجوع والأمراض والحروب مطلبا من أهل الشمال لتخفيض عدد السكان. من هنا لا يستطيع المرء تصديق الكلمات الصادرة عن المؤتمر سوى أنها مجرد مزايدات لغوية لكي يثبت القادرون مدى حرصهم على محاربة الجوع، ولكن من خلال الكلمات فقط. سيظل ما قيل نيات حسنة في موسم حصاد موتى الجوع، وجميع من ضمهم مؤتمر روما يعرفون سبب المشكلة كما يحفظون غيبا الحل الذي يمكن الجوعى من تجاوز حالة الفقر والبؤس، ويجعل جنوب الأرض من جديد مساحة للزراعة الناجحة حيث تنتشر الأرض الزراعية القادرة على اعادة تنظيم الغذاء لهم. لكن الشركات المتعددة الجنسيات تأبى الا الربح، وهي لذلك تحاصر الجنوب وغلاله وتضع يدها على كل ما فيه فتكون النتيجة تلك المسحة الحزينة لأطفال يئنون دون ان يسمعها منتفخي الجيوب. لن يرث الفقراء الارض لأنهم لا يملكون .. وهم لن يرثوا أيضا ما يكفي عيشهم، ولن يبقى لهم سوى رحمة الله بعدما تجاوز عدد الجوعى المليار نسمة أي خمس عدد أهل الأرض تقريبا. فيا جوعى الأرض اتحدوا قبل ان تموتوا جميعا.