في يوم الخامس عشر من شهر مايو في كل عام يحيى الفلسطينيون وغيرهم في الداخل والشتات والمتضامنون معهم ذكرى نكبة عام 1948 حين هجرتهم العصابات الصهيونية من ديارهم وأقامت على أراضيهم ما بات يعرف بدولة إسرائيل المزعومة. يلملم الشعب الفلسطيني جراحه وحيدا رغم مرور 67 عاما على نكبته وما تزال رائحة البيارات ومفتاح العودة وتفاصيل الحياة البسيطة تهيمن على حكايات الأجداد أينما حلوا يتمتع بها الصغار وتغلى حماستهم بها شوقا إلى أرضهم التي اغتصبها اليهود بمساعدة حكام عروبتهم. ولا ننسى جميعا عندما تأكد زعماء اليهود من نية انسحاب بريطانيا وإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1948 قرروا تشكيل برلمان وطني كممثل للشعب اليهودي والحركة الصهيونية العالمية. وأعلن هذا البرلمان قيام دولة يهودية في فلسطين تسمى دولة إسرائيل وتقرر فتح باب الهجرة لكل يهود العالم للكيان الجديد واعترفت بها الولاياتالمتحدة في اليوم التالي وتوالى بعدها اعتراف معظم دول العالم ودخلت هيئة الأممالمتحدة عام 1949. وفي اليوم التالي من إعلان قيام دولة الاحتلال أو ما يسمى عدوانا بإسرائيل قامت جيوش من مصر، والأردن، وسوريا، ولبنان، والعراق، مع مقاتلين عرب آخرين في صورة فدائيين من جماعة الإخوان المسلمين، وحركة مصر الفتاة التي تزعمها الزعيم الوطني المصري أحمد حسين، و68 ألف مجاهد من أبناء فلسطين قاموا ببدء حرب شاملة ضد الكيان الصهيوني التي تكون من عصابات ضمت نحو 90 ألف مغتصب صهيوني جاءوا من شتى بقاع الأرض في ادعاء هو أبعد ما يكون عن الحقيقة أنها أرضهم أدت إلى هزيمة شنيعة وخسارة الأرض وانتهاك العرض بفضل خيانة زعماء العرب التبع الخائنين. وقد أدى عدم التنسيق وتضارب الأوامر، وبعض الاتفاقيات السرية الخائنة بين أمراء العرب وحكومة العدوان البريطانية، وضعف الجيوش وقلة حيلتها وضعف إيمانها إلى هزيمة الجيوش العربية وهنا تكمل القصة كاملة. في الحقيقة لقد لعبت الخيانة العربية التي تمت إبان الحرب دورًا في تراجع أوضاعنا إلى ما نحن فيه وكان لها الأثر الأكبر في ضياع فلسطين وما زلنا نقول إنها مجرد دروس يجب أن نتعلّم منها دون أن نتعلم شيئا ودون أن يعترف أحد بخطأه بل لا يزالون في كبرهم ولايزالون يساومون عن الأرض والعرض حتى ما تبقى لنا منها سوى نسبة ضئيلة وتركوا أحفاد أهل خبير يرتعون في أرضنا ويدنسون مقدساتنا وينعمون في خيرنا. فمنذ مائة عام استطاع الصهاينة استخدام الخونة والمتعاملين معهم لهدم واستعمار الدول العربية من الداخل باستخدام أدوات الإعلام والمال وبث الفتن وزرع الأحقاد بين الشعوب حتى باتت الحدود مواقيت ونزاعات وكراسي الحكم نواميس الحكام. لقد زرعت إسرائيل مفهوم الخيانة عقلًا وقلبًا وضميرًا في كل مكان منذ نشأتها التي تصادف ذكراها السابعة والستين هذه الأيام وشواهد ذلك كثيرة في سوريا ولبنان وفلسطين ومصر والعراق وتونس وغيرها وخلال عهود من هوان العرب وخيانتهم استطاعت أن تتحكم في الكثير من القرارات والإجراءات المتخذة في دول عربية كثيرة. فقبل سبعة وستون عاما ضاعت فلسطين ووقعت في أيدي الصهاينة بفضل الحكام العرب فكل منهم خان وطنه وباع بلاده مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه. آن الأوان لأن تنتهي حالة اليأس والإحباط والمساوة ويبدأ السعي الحثيث إلى العمل لذلك فإنه يجدر باللاجئين الفلسطينيين المبادرة إلى المحافظة على حقوقهم وتوثيقها وتنظيم صفوفهم للمطالبة بهذه الحقوق جنبا إلى جنب مع إخوانهم المرابطين المقاومين في الداخل المحتل ندافع عن أرضنا وعن أحلامنا وعن مسرى النبي صلى الله عليه وسلم فكما ذُكر في الصحيحين من حديث أَبِي أمامة رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" فنحن من يقصدنا الحديث ونحن أولى بها من غيرنا. في الختام أقول لكم إن فلسطين أكبر منا جميعا ولا يتوقف العمل الوطني بوفاة مناضل أو اكتشاف خائن فكلنا مولدون هنا لنبقى على هذه الأرض الطاهرة وهذا البقاء بتطلب صموده دفع الثمن سواء أكان هذا الثمن استشهادا أو اعتقالا أو إهانة من قبل العدو فهذا كله لا يهم ما دامت اليد نظيفة والقلب طاهر فموتنا استشهاد واعتقالنا خلوة وإهانتنا صدقة عن عقولنا وسنبقى في هذه الأرض حتى دحر الاحتلال. محبوبتي فلسطين تجول بفكري روعتك ونقاء هوائك وطيبة أهلك رغم قساوة الحياة فقد عشنا عليك أجمل ذكريات الآباء والأجداد نحن لك عائدون لنبني مجدا يشرفنا بين الأمم ولن ننساك ما دامت أنفاسنا ولن تغيبي عن فكرنا طرفة عين. فرجالك يشتاقون للوقوف على جبالك لتعلو الأصوات نحن فداك أنينك يا فلسطين يهز وجداننا ومازالت العيون تنظر إلى قدسك الشريف. فالطفل يكتب اسمك على شاطئ البحر وهو ينشد روحه فداك. والعجوز تمتلك آلام الفراق وترى بابنها عودة حائط البراق. والسير إليك يا فلسطين وسط الأشواك يثلج صدورنا التي تتذوق لذة الصبر. فما دمنا يا فلسطين نرى الطير يعود من أرضك فإن يوم عودتنا قد اقترب. *عضو أمانة التنظيم العامة بحزب الاستقلال