خلال الدعوات التي طالبت الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتراجع عن قراره بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في يناير المقبل، بدا أنصار أبو مازن وكأنهم يطعنونه من الخلف، عن عمد أو غير عمد، وبدلا من أن يسردوا حسنات الرجل أو انجازاته، انطلقوا من مناطق أخرى تُظهر عباس أنه كان متواطئا مع إسرائيل أو الفاسدين في حركة فتح. ومثالا على هذا ما قاله المتحدث باسم حركة فتح الدكتور فايز أبو عيطة، الذي ظهر مدافعا عن عباس وحمّل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مسؤولية انسحاب الرئيس الفلسطيني من أرض المعركة، لكنه قال في بيانه، المكتوب، إن على إسرائيل ان تعتبر مما حدث، أي من الانسحاب، ذلك انها لن تجد بعد الآن "فلسطينيا واحدا يقبل أن يكون غطاء لسياسة الاحتلال"، وهي جملة غريبة في سياق الدفاع عن عباس، إذ انها صورته على أنه كان غطاء للاحتلال الإسرائيلي، أو ان كان متواطئا معه طوال فترة رئاسته. لكن أبو عيطة قال بعد ذلك في بيانه إن "صمت المجتمع الدولي عن جرائم الاحتلال، هو الدافع الحقيقي وراء قرار الرئيس محمود عباس" بعدم الترشح للانتخابات، وهي جملة قد يفهم منها أن أبو عيطة لم يقصد دس السم في العسل، وانه قال ما قاله بحسن نية. وبعد ساعات من إعلان عباس قال مسؤول في حركة فتح عن الأسماء المحتمل ترشيحها لانتخابات الرئاسة، انه إذا ما أصر الرئيس الفلسطيني على موقفه، فمن الصعب أن "تجد شخصا نظيفا وغير متورط بالفساد ولم يسبق ان انخرط في علاقات أمنية مع إسرائيل وان يكون له حظوظ في الشارع الفلسطيني"، واستنثى من ذلك مروان البرغوثي وناصر القدوة، عضوا اللجنة المركزية لحركة فتح. ولأن المسؤول رفض الكشف عن اسمه، فقد تكلم بصراحة واضحة فجعل من غالبية قيادات فتح فاسدين وعملاء، ليزيد بذلك من الشكوك حول فتح وقدرة القيادات على تولي أمر القضية الفلسطينية ورسم مستقبل الشعب الفلسطيني من منطلقات وطنية خالصة، لا تنطوي على شبهات. أما كثرة الحديث عن ترشيح البرغوثي والقدوة فينطوي على مأزق آخر للحركة فالبرغوثي قابع في سجنه المؤبد، وإذا ما حدث وأفرج عنه، وفق صفقة تبادل الأسرى، فلن تسمح إسرائيل بوجوده على رأس السلطة الفلسطينية، بل أنها قد تبعده عن الأرض المحتلة، هذا إن افرجت عنه، اما القدوة فقد أصبح من ألد أعداء محمود عباس، بعد ان اتهم الأخير بأنه اشترك مع إسرائيل في مؤامرة اغتيال الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. ولا شك أن هذه المآزق دارت في خلد الرئيس الفلسطيني، فدرس الاحتمالات الناتجة عن قرار عدم ترشحه، والأسماء المطروحه أو ربما اختار من سيخلفه، وقد يكون اسم الخليفة هو ما قصده عباس حين قال في خطاب اعلان عدم الترشح انه سيقوم بمجموعة من الإجراءات سيعلن عنها في الوقت المناسب.