مر أكثر من شهر على بدء ضربات جوية لا هوادة فيها من قبل تحالف بقيادة المملكة العربية السعودية تسببت بضرر بالغ للمتمردين الشيعة فى اليمن، لكنهم فى الوقت ذاته لم يظهروا أى علامات على الانهيار. ولا يزال المتمردون - الذين يعرفون باسم الحوثيين - يحكمون قبضته على العاصمة صنعاء وجزء كبير من شمال البلاد. الحوثيون وحلفاؤهم - وحدات عسكرية قوية موالية للرئيس السابق «على عبد الله صالح» - لا يزالون قادرين على المحاربة بإصرار على جبهات متعددة، ولا سيما فى الجنوب. وخلال أسابيع من حرب المدن الصعبة والمرهقة، كان الحوثيون والقوات الموالية لصالح يأخذون حى بعد حى من مدينة عدنالجنوبية - المعقل الرئيسى للرئيس الحالى «عبد ربه منصور هادي» الذى فر من البلاد إلى المملكة العربية السعودية - وإن كان ذلك ببطء. من يقاتل الحوثيين هم خليط فضفاض من (اللجان الشعبية)، وبعض من داعمى «هادي»، والبعض الآخر يقاتلون من أجل المصالح المحلية الخاصة بهم. وهذا من شأنه أن يترك السعودية وحلفائها مع عدد قليل من الخيارات. أحدها هو فتح المجال لتدخل قوات على الأرض لدعم القوى المناهضة للحوثيين. والثانى هو استمرار إنزال العقاب من الجو على أمل أن يكون ذلك فى نهاية المطاف سبب لتراجع المتمردين وقوات «صالح» وإجبارهم على تقديم تنازلات والدخول فى مفاوضات. الهدف السعودى فى هذه الحملة فى نهاية المطاف هو إعادة «هادي»، ولكن يبدو أن المملكة لا تعول على انتصار عسكرى صريح للقيام بذلك. وبدلا من ذلك، تريد الرياض دفع الحوثيين والموالين لصالح الموالين إلى الانسحاب من عدة مدن استولوا عليها فى الأشهر الأخيرة، والجلوس على طاولة المفاوضات. وتخشى المملكة العربية السعودية أيضا من أن الحوثيين المدعومين من إيران سوف يكونون وكلاء لطهران إذا ما نجحوا فى الاستيلاء على السلطة فى اليمن. واجتاح الحوثيون صنعاء وغيرها أواخر العام الماضى قادمين من شمال البلاد، وبعد ذلك تحركوا لبسط سيطرتهم على عدن. وقد أعلنت المملكة العربية السعودية عن انطلاق الغارات الجوية فى 26 مارس الماضي. ويظهر جليا أن الحملة الجوية لم تلحق أضرارا جسيمة بالمتمردين الحوثيين. ومن المحتمل أنه بسبب الضربات الجوية فقد صمدت عدن هذا الوقت الطويل. وقد قادت (اللجان الشعبية) فى مدن الجنوب من تعز والضالع والمنطقة الشمالية من مأرب مقاومة شرسة للحوثيين، على الرغم من أن المتمردين والموالين لصالح يفوقونهم عدة وعتادا. وعن الحوثيين قال «أحمد حرمل» - أحد قيادات الحراك فى جنوب اليمن، ومؤيد قوى للانفصال فى المنطقة - «لقد منعتهم الضربات الجوية من تحقيق طموحاتهم السياسية، ولكن لم تجبرهم على تقديم تنازلات». لقد تسببت الحملة الجوية تماما فى نسف سلاح الجو اليمني؛ والذى كان مواليا للرئيس «صالح». وقد تم إخراج جميع المطارات اليمنية تقريبا عن العمل، وأى محاولات لإصلاح المدارج تجد القصف أسرع إليها. وأصابت الضربات أيضا مجموعة من المنشآت العسكرية ومستودعات الأسلحة التى تطوق صنعاء، وكذلك قواعد وترسانات فى صعدة؛ المعقل الرئيسى للحوثيين فى شمال العاصمة. وقللت الهجمات - لكنها لم تنه - مخازن الحوثيين والموالين لصالح من الأسلحة الثقيلة مثل الدبابات والصواريخ. وقد وضعت الحملة أيضا قيودا ثقيلة على المتمردين والمجموعات الموالية لصالح. وتعرضت القوافل الصغيرة للضربات، ربما خلال لحظات من تحركها على الطريق. وإذا لم تنجح جولة من الضربات الجوية، فكانت الطائرات تعود فى بعض الأحيان فى غضون 15 دقيقة محاولة تحقيق الهدف مرة أخرى. وهذا يكشف عن قوة ما يمتلكه السعوديون؛ شبكة معقدة من المخبرين داخل اليمن للمساعدة فى الحملة الجوية التى يقومون بها. لقد كان للمخبرين دور فعال فى الغارات الجوية؛ تمثل فى تحديد الأهداف، وتوفير معلومات استخبارية تتعلق بمستودعات الأسلحة المخبأة، ومعسكرات تدريب سرية ومخابئ قادة المتمردين. وردا على ذلك؛ فقد تبنى الحوثيون والموالون لصالح تكتيكات جديدة لتقليل فرصة رصدهم أثناء التنقل. فقد كانوا يسافرون ليلا مع إطفاء أضواء سياراتهم أو السفر سيرا على الأقدام خلال الليل أيضا. وتدفع الحملة - جنبا إلى جنب مع القتال الضارى على الرض بين الحوثيين والمليشيات - باليمن إلى أزمة إنسانية تزيد من آلام فقره وعوزه. وخلال الحملة قتل المئات من المدنيين، وفر أكثر من 300 ألف من منازلهم؛ وفقا لتقديرات الأممالمتحدة. لقد توقفت عملية توزيع المواد الغذائية والوقود والدواء بشكل شبه تام. لقد اضطر الحوثيون نتيجة الضربات المتوالية عليهم إلى جعل معاناة المدنيين فى العاصمة صنعاء أكثر سوءا، عن طريق تحويل إمدادات الوقود وغيرها من السلع إلى مقاتليهم. وقاموا بتخفيض رواتب موظفى الحكومة - بما فى ذلك البعض فى الجيش - أو لم تدفع يدفعوها على الإطلاق. وفى علامة على تضاؤل الحماس بين المؤيدين لهم كانت الحشود المؤيدة للحوثيين فى شوارع صنعاء أقل بكثير من تلك التى كانت تخرج فى الماضي. ويقول معارضون للحوثيين إنه هناك الكثير من الرافضين لهم ولتواجدهم فى صنعاء، لكنهم غير قادرين على الخروج بسبب الخوف. وعلى الرغم من الضربات الجوية، فإن المقاتلين الحوثيين يقومون بدوريات فى الشوارع ويصنعون نقاط التفتيش، كما شنوا حملات ضارية ضد أى احتجاجات خرجت عليهم فى الماضي. وتم القبض على عدد من الصحفيين وغيرهم من المنتقدين للمتمردين. «دعنا نكون صادقين، الناس خائفون من الحوثيين». بحسب «منصور هايل» الكاتب البارز والمحلل فى صنعاء. وأضاف «سائقو السيارات يصطفون فى محطات الوقود لمدة تصل إلى ثلاثة أسابيع، ولا يمكنهم الاحتجاج أو إبداء تذمر». كما ظهرت معارضة محدودة داخل الزيدية الشيعة فى اليمن؛ وهى الطائفة الأقلية التى ينتمى لها الحوثيون، والذين يشكلون حوالى ثلث السكان فى البلاد. وقد يكون ذلك أيضا فى جزء منه بسبب الخوف. «هناك المرجعيات الدينية الزيدية التقليدية الذين يعارضون خيارات السياسة الحوثيين»؛ بحسب «راضية المتوكل» - ناشطة من صنعاء - والتى أضافت «لا يسمع صوتهم، ولكن يمكنك العثور عليها إذا أمنعت النظر». القوات التى تقاتل الحوثيين والموالين لصالح مجزأة. بعضهم من أنصار «هادي». آخرون يقاتلون من أجل استقلال الجنوب. والبعض الآخر من المقاتلين القبليين الذين لا يفكرون إلا فى إبقاء أى دخلاء خارج مناطقهم المحلية. «نحن صامدون مثل جبال أرضنا»؛ على حد قول «صالح الأنجف» - المتحدث باسم تحالف القبائل لمكافحة الحوثى فى محافظة مأرب الشمالية. وأضاف أن الحوثيين كانوا على بعد 30 كيلومترا (20 ميلا) إلى خارج مأرب، ولكن المقاومة الشرسة من قبل رجال القبائل منعتهم من التقدم. هناك مؤشرات على أن قوات التحالف التى تقودها السعودية تتجه نحو عملية برية لدعم تلك القوات. ويوم الأحد الماضي جاءت مجموعة صغيرة تضم 20 من قوات التحالف على الشاطئ فى عدن فى مهمة للاستطلاع وتدريب وتنظيم القوات الموالية لهادي. وقال مسؤولون عسكريون فى اليمن ومصر أنه من المحتمل أن ينضم إليهم مزيد من القوات، فى الوقت الذى يحاول فيه التحالف مسح وتحصين منطقة فى عدن لتكون مناسبة لقاعدة مستقبلية لهادى وحكومته.