يوم الإثنين 12 يناير الجاري، ألمح جيمس موران، سفير الاتحاد الأوروبي في مصر، خلال مؤتمر صحفي، إلى مشاركة الاتحاد في مراقبة انتخابات مصر البرلمانية التي ستجرى مارس المقبل، وعلى الفور بدأت حملة دعاية مرحبة بهذا التطور في الإعلام المصري، وكان مما قيل: "إن متابعة الاتحاد الأوروبي للانتخابات الرئاسية أمر هام ويصب في مصلحة الانتخابات؛ لأن جزءًا من الحملة المضادة لحزب الحرية والعدالة وتحالف دعم الإخوان بأن الانتخابات ستكون مزورة موجهة للغرب وأوروبا". ولم تمر سوى 48 ساعة على الترحيب المصري، حتى قالت الممثلة العليا لشؤون السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي "فيديريكا موجيريني"، إن الاتحاد لن يرسل بعثة كاملة لمراقبة الانتخابات البرلمانية المصرية، منتقدة سجل البلاد في مجال حقوق الإنسان، وقالت لمشرعين من الاتحاد الأوروبي في مدينة ستراسبورج الفرنسية: "قررت عدم إرسال بعثة مراقبة كاملة هذه المرة، ولكن سننشر بعثة خبراء أصغر لتقديم تقرير بشأن البيئة السياسية للانتخابات والحملة الانتخابية". ثم صدر قرار صادم من البرلمان الأوروبي، أكد وألمح إلى أن: 1- انتخابات برلمان 2012 صحيحة، وطالب بالإفراج عن كل المعتقلين بما فيهم 167 نائبًا معتقلًا. 2- شكك في انتخابات الرئاسة التي فاز فيها السيسي في مايو الماضي 2014، وقال إنها: "لم تستكمل المعايير الدولية"، ما يعد تلميحًا ضمنيًّا بأن فوز السيسي باطل. 3- رفض الاتحاد الأوروبي الإشراف على الانتخابات البرلمانية القادمة 2015، وقال إنه: "ليس من المناسب إرسال بعثة مراقبين أوروبية"، وشكك في "مصداقيتها". 4- اتهم البيان الحكومة الحالية وأجهزة أمنها بأنها تمارس العنف ضد كل المصريين، وحدد منهم: "المعارضين السياسيين والمتظاهرين والصحفيين ومدوني الإنترنت والطلبة وناشطي حقوق النساء وممثلي المجتمع المدني والأقليات". 5- أكد أن الصحفيين في مصر يعانون من عدم القدرة على الكتابة بحرية، ودعا إلى: "تمكين كل الصحفيين من الكتابة عن الوضع في مصر، دون خوف من المطاردة والاعتقال والتخويف أو تقييد حرية تعبيرهم". وسبق أن أصدر الاتحاد الأوربي بيانًا نقديًّا للأوضاع الداخلية في مصر أمام الدورة ال 27 لمجلس حقوق الإنسان في الأممالمتحدة بجنيف في سبتمبر 2014؛ ما أدى إلى استياء الحكومة المصرية. حيث أعرب الاتحاد الأوربي في هذا البيان عن شعوره بالقلق إزاء تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر، بما في ذلك "الاعتقال العشوائي للمعارضة السياسية والنشطاء"، مطالبًا السلطات المصرية "بصيانة حرية التعبير والتجمع والاحتجاج السلمي"، ومراجعة حرية التعبير وتجريم التظاهرات والتجمعات والاحتجاجات السلمية في مصر. وندد الاتحاد الأوربي بتدهور مناخ الصحافة، وقال إن الصحفيين يعملون في بيئة عمل غير آمنة، وطالب بضمان أمن جميع الصحفيين ووضع حد للاعتقالات المُسيّسة، ووقف عمليات الترهيب والتحريض ضد الصحفيين المحليين والأجانب. كما أعرب البيان عن استيائه لغياب العملية السياسية الشاملة، بالإضافة لنقص محاولات التغلب على الاستقطاب داخل المجتمع وإغلاق المساحة السياسية للآراء المعارضة قبل وأثناء الاستفتاء، وطالب بإنفاذ الخطوات المتبقية من خارطة الطريق، وخاصة إنهاء تشكيل الدوائر الانتخابية وميثاق الشرف الإعلامي وتمكين الشباب من المشاركة في العملية السياسية وإنشاء لجنة عليا للمصالحة الوطنية. وجاءت دعوة البرلمان الأوروبي لمصر ب"الإفراج" فورًا وبدون شروط عن كل معتقلي الرأي "بمن فيهم عناصر جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس السابق محمد مرسي، ودعوته كذلك ل"وقف كافة أعمال العنف التي ترتكبها السلطات الحكومية وقوات وأجهزة الأمن ضد المعارضين السياسيين والمتظاهرين والصحفيين والمدونين والطلبة ونشطاء حقوق الإنسان وممثلي المجتمع المدني والأقليات"، وكذا تشكيكه في صحة انتخاب السيسي؛ ليجن جنون الحكومة المصرية. حيث شكك البرلمان الأوروبي في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو الماضي، واصفة إياها بأنها لم تستكمل المعايير الدولية المطلوبة؛ وبالتالي قال: "ليس من المناسب إرسال بعثة مراقبين في الانتخابات البرلمانية؛ لأن ذلك قد يسيء بشكل خطير إلى مصداقيتها (أي مصداقية أوروبا)"، كما قدر عدد المعتقلين بأكثر من 40 ألف شخص منذ يوليو 2013، بخلاف "قتل 1400 متظاهر جراء الإفراط في استعمال القوة التعسفية من قوات الأمن". وكان مركز كارتر الأمريكي المعني بدعم الديمقراطية والحريات قد أعلن أكتوبر الماضي أنه أغلق مكتبه في مصر، ولن يراقب الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في 21 مارس المقبل؛ "بسبب المناخ السياسي الذي يشهد قيودًا متزايدة"، وأعرب عن "قلقه من السياق السياسي والقانوني المصري المحيط بالانتخابات الرئاسية"، واصفًا إياه ب"المقيد"، ولفت إلى عدم وجود بيئة حقيقية للتنافس بشأن الحملات الانتخابية، مؤكدًا أن "الاستقطاب السياسي الحاد يهدد المرحلة الانتقالية". وقال الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، في بيان أصدره المركز، حينئذ: "إنني أشعر بقلق بالغ من أن يكون الانتقال الديمقراطي في مصر قد تعثر"، ودعا لضرورة "وضع حد لحملة الحكومة على قوى المعارضة السلمية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها، بالإضافة إلى نشطاء المعارضة والحركات السياسية مثل حركة 6 أبريل"، على حد قوله. رد مصري قوي لهذا، جاء الرد المصري، ولكنه لم يتطرق للاتهامات الأساسية المتعلقة بالاعتقالات وقتل المتظاهرين أو وأد حرية التعبير لكل المصريين ومن بينهم الصحفيون؛ حيث ردت الخارجية المصرية بعريضة مطولة أهملت فيها الرد على كل الاتهامات السابقة، وركزت فقط على جزئية صغيرة في التقرير الأوروبي تتهم مصر بانتهاك حقوق الشواذ وأنها تسهم في تجارة البشر عبر سيناء، معتبره أنها "إملاءات وقيم بعيدة كل البعد عن طبيعة المجتمع المصري". حيث أعربت وزارة الخارجية المصرية (لحكومة الانقلاب) عن "دهشتها واستهجانها إزاء القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي"، 15 يناير، بشأن الأوضاع الداخلية في مصر، وقالت: "تضمن القرار مجموعة من الادعاءات والمغالطات والاستنتاجات الخاطئة التي تعكس عدم إدراك أو دراية بطبيعة وحقيقة الأوضاع في مصر، وعدم الارتكان إلى إرادة الشعب المصري باعتباره المصدر الوحيد للسلطة والقاضي بما يُتخذ من إجراءات تحقيقًا لمصلحته، ويعكس القرار إصرارًا على تبني منهج أحادي لا يخدم مصلحة دعم العلاقات الثنائية بين مصر والاتحاد الأوروبي، فضلًا عما يمثله مضمون القرار من انتهاك لأبسط مبادئ الديمقراطية والمتمثلة في مبدأ الفصل بين السلطات وتناول الأمور في إطار غير موضوعي". وقال بيان الخارجية إن: "فقرات القرار تتناول قضايا لا تراعي الخصوصية الثقافية والدينية والاجتماعية للمجتمع المصري، إنما تثير حفيظة وغضب الرأي العام المصري؛ بسبب الإصرار على فرض إملاءات وقيم بعيدة كل البعد عن طبيعة المجتمع المصري، بما في ذلك تناول أمور تتعلق بحقوق "المثليين" والمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام والسماح بالإساءة للأديان تحت دعاوى حرية التعبير". معربة عن دهشتها مما تضمنه القرار من ادعاءات تجافي الواقع، كالحديث عن انتشار ظاهرة الاتجار في البشر بسيناء، رغم أن شمال سيناء تعتبر منطقة أمنية تشهد عمليات واسعة لقوات الجيش والشرطة لمحاربة التنظيمات الإرهابية والإجرامية هناك، والادعاء افتراضًا أن مشروع قانون المنظمات غير الحكومية الجديد سيفرض قيودًا شديدة على عمل هذه المنظمات رغم أن مجلس النواب الذي سيتم انتخابه هو المنوط به وضع وإقرار هذا القانون في إطار الولاية التي يحظى بها من قبل تمثيله للناخب المصري". وأضافت وزارة الخارجية أنه وفى ضوء ما تضمنه القرار من أرقام وإحصاءات غير دقيقة، فإنها "تدعو البرلمان الأوروبي وأعضاءه بتوخي الدقة واستقاء المعلومات من مصادر موثقة وليس من مصادر إعلامية مجهولة". سر الانقلاب تعد علاقات الاتحاد الأوربي مع مصر إحدى أهم دوائر السياسة الخارجية الأوروبية؛ لأسباب سياسية واقتصادية ولوجستية، تتعلق بمصالح بلدانها التي تتأثر بالوضع في مصر التي تقع على الشاطئ المقابل من البحر المتوسط. فالاتحاد الأوربي يعتبر مصر مهمة له من زاوية الاستقرار السياسي الذي ينعكس على الهدوء على ضفتي "المتوسط"، ويتخوف من انتشار أعمال العنف وانتعاش التطرف الديني (داعش- القاعدة)؛ حسب وصف التقرير، بسبب غياب المعتدلين وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، وهناك دراسات أوروبية تنصح بدعم المصالحة في مصر وإعادة الاخوان للحلبة السياسية باعتبار أن "الاعتدال هو الحل للتطرف"، خصوصًا بعد هجمات فرنسا وتصاعد موجة العنف في الدول الأوروبية. أيضًا، أوروبا هي الشريك التجاري الثاني لمصر، ومصدر مهم للاستثمار الأجنبي في المجالات المختلفة، وتعول القاهرة كثيرًا عليها في مؤتمر المانحين المقبل في مارس، وصدور هذه التقييمات الصادمة الآن من الاتحاد للأوضاع السياسية والحقوقية في مصر يبدو بمثابة "رسالة" ضغط اقتصادية، في وقت تعاني فيه مصر بالفعل من تدهور اقتصادي وتقلص في المعونات الخليجية؛ بفعل انخفاض عوائد النفط، وعدم الاستقرار الأمني والسياسي. أما سر التراجع الأوروبي الأكبر عن متابعة الانتخابات البرلمانية المصرية في مارس المقبل، فهو ما كشف عنه "محضر اجتماع" عقد في بروكسيل في التاسع عشر من مايو 2014، وهو اليوم الذي أعلن فيه "ماريو ديفيد" رئيس بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي، أن البعثة ستمضي قدمًا وتتوجه إلى مصر لمراقبة انتخابات الرئاسة. ففي هذا المحضر ظهرت خلافات الدول الأوروبية والانتقادات لمصر ولقرار إرسال بعثة لمراقبة انتخابات الرئاسة، والذي يعتقد أنه دفع مسؤولي الاتحاد للتراجع هذه المرة عن مراقبة انتخابات البرلمان وإصدار تقارير تنتقد ملف حقوق الإنسان. ففي هذا الاجتماع - بحسب تقرير نشره الصحفي البريطاني "ديفيد هيرست" يونيو الماضي، على موقعه "ميديل إيست آي"-: "قالت هولندا إن الاتحاد الأوروبي أصبح دمية في أيدي النظام العسكري، وقالت أيرلندا إن آشتون استسلمت للنظام المصري، وقالت بريطانيا إنه من السذاجة الاعتقاد أن وزارة الخارجية ستتخذ مواقف مختلفة عن مواقف العسكر في البلاد، واعترضت الدنمارك وفرنسا وإسبانيا ولوكسمبرغ على خضوع الأوروبيين". تقرير "ميديل إيست آي"- الذي اطلع على محضر الاجتماع الأوروبي- ذكر "أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أدانت القرار (السابق بمراقبة انتخابات الرئاسة) واعتبرته تلاعبًا، حسبما ورد في المحضر الرسمي للاجتماع الذي وصف بأنه شهد جدالًا صعبًا وشديدًا مع ممثلي دائرة العمل الخارجي الأوروبي التابعة لكاثرين آشتون". وأضاف هيرست أن "الدول الأعضاء وقفت الواحدة تلو الأخرى تدين القرار؛ حيث قالت 14 دولة إنه نتيجة للإعلان في القاهرة فإن مصداقية الاتحاد الأوروبي قد تآكلت وتداعى النظام المعمول به للرقابة على الانتخابات". وأضاف ديفيد هيرست: "يقول نقاد آشتون داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي بأن المفوضة السامية لا هي حافظت على معاييرها الديمقراطية ولا هي أفلحت في ممارسة أي نفوذ على النظام في مصر، والذي يزداد عدائية وتشتد كراهيته للآخرين يومًا بعد يوم". ويبدو أن مشاكل الاتحاد الأوروبي المتفاقمة مع النظام الجديد في مصر ذات صلة بالاتحاد الإفريقي، وكان الاتحاد الإفريقي قد طرد مصر من عضويته بعد وقوع الانقلاب العسكري مباشرة؛ إلا أنه تعرض لضغوط مستمرة من الاتحاد الأوروبي حتى يتراجع عن قراره. وتأكيدًا لذلك، فقد قال مصدر داخل الاتحاد الإفريقي ل "عين الشرق الأوسط": "يمارس الاتحاد الأوروبي علينا ضغوطًا هائلة، وخاصة أن بروكسيل تمنحنا نصف ميزانيتنا". وخلال السنوات العشر الماضية، دفع الاتحاد الأوروبي للاتحاد الأفريقي ما يقرب من مليار يورو، مع العلم أن الميزانية السنوية للاتحاد الأفريقي هي 260 مليون دولار تقريبًا. وكانت مفوضية حقوق الإنسان وحقوق الشعوب التابعة للاتحاد الأفريقي قد منحت مصر مهلة أسبوعين لإبطال أحكام الإعدام التي أصدرتها محكمة في المنيا في البداية على 529 متهمًا -خففت الأحكام الصادرة على 492 منهم إلى السجن المؤبد- ثم بعد ذلك في قضية منفصلة حكمت على 683 آخرين بالإعدام بمن فيهم مرشد الإخوان المسلمين محمد بديع، ومر الأسبوعان ومرت شهور ولكن لم يصدر عن المفوضية شيء بعد منذ انقضائهما، ولعل في ذلك ما يشير إلى أن الاتحاد الأفريقي يخضع فعلًا لضغوط لحمله على التراجع عن موقفه. ويبدو أن الانتقادات للاتحاد الأوروبي أنه ضغط على الاتحاد الأفريقي ليعدل موقفه من مصر، أثارت غضب نواب البرلمان الأوروبي، ولعبت دورًا كبيرًا هذه المرة في حسم مسألة عدم مراقبة انتخابات 2015 في مصر ونقد الأوضاع غير الديمقراطية والحقوقية. (التقرير)