الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    البنك المركزي المصري يبحث تعزيز سبل التعاون مع نظيره العراقي    شريف فتحي: حملة "إحنا مصر" تركز على السلوكيات الإيجابية وأهمية السياحة للاقتصاد والمواطن    فتح باب التسجيل في هاكاثون NeuroNexus للذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء    رئيسة المفوضية الأوروبية تشارك في اجتماع ترامب وزيلينسكي بالبيت الأبيض غدا    الدوري الإنجليزي.. التشكيل المتوقع لمانشستر يونايتد ضد أرسنال    غدَا الجلسة الأولى.. إحالة 4 متهمين للجنايات في واقعة مطاردة فتيات بطريق الواحات    مساعد وزير الصحة يتفقد المنشآت الطبية بالإسكندرية    وزير الصناعة والنقل يتفقد معهد التبين للدراسات المعدنية التابع لوزارة الصناعة    سلامة الغذاء: فحص 504 طلبات تظلم وارد من مختلف الموانئ المصرية في أسبوع    وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع الإمارات ويتابع تنفيذ فرع جامعة الإسكندرية بأبوظبي    شبكة بريطانية : محمد صلاح لاعب استثنائي وتألقه مع ليفربول فاق كل التوقعات    موعد بدء تنسيق المرحلة الثالثة 2025 للثانوية العامة والكليات المتاحة    ليفربول يحتفل بإنجاز محمد صلاح غير المسبوق    قبل انطلاق الدوري.. الزمالك يدعم صفوفه في الكرة النسائية بعدة صفقات جديدة    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    مدير تعليم القليوبية يكرم أوائل الدبلومات الفنية على مستوى الجمهورية    مصرع 3 عناصر إجرامية في تبادل إطلاق نار مع الشرطة بأسيوط    انهيار والدة وزوجة مدير التصوير تيمور تيمور فى جنازة الراحل    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    وفاة ابن شقيق أروى جودة بعد أيام من إصابته في حادث دراجة نارية    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    «صحة الحيوان» ينظم برنامجا تدريبيا لطلاب «الطب البيطري» في جامعة الملك سلمان    930 ألف خدمة طبية بمبادرة 100 يوم صحة في بني سويف    الصحة: 30 مليون خدمة طبية للمواطنين خلال النصف الأول من 2025    مركز تميز إكلينيكي لجراحات القلب.. "السبكي" يطلق مبادرة لاستعادة "العقول المهاجرة"    السر في اللائحة الداخلية، طريقة انتخاب مكاتب اللجان في مجلس الشيوخ    اليورو يتراجع فى منتصف تعاملات اليوم الأحد 17 أغسطس 2025 بالبنوك المصرية    بمشاركة شقيقه.. أحمد سعد يتألق بأغنية «أخويا» في حفله ب «ليالي مراسي»    بوليفيا تجري انتخابات عامة والتضخم يتصدر المشهد السياسي    مرصد الأزهر: تعليم المرأة في الإسلام فريضة شرعية والجماعات المتطرفة تحرمه بقراءات مغلوطة    صحفي فلسطيني: أم أنس الشريف تمر بحالة صحية عصيبة منذ استشهاد ابنها    حظر بيع وتداول وتركيب عدادات المياه غير المدموغة من مصلحة المصوغات والموازين    طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحان مادة اللغة الثانية دور ثان.. فيديو    «أمن المنافذ»: ضبط قضيتي تهريب بضائع وتنفيذ 250 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    مصر تحصد ذهبية تتابع المختلط في بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 سنة    "لا يصلح".. نجم الأهلي السابق يكشف خطأ الزمالك في استخدام ناصر ماهر    دعوى قضائية أمريكية تتهم منصة روبلوكس ب"تسهيل استغلال الأطفال"    الخارجية الروسية: نأمل أن يكون المرشح المصري المدير العام الجديد لليونسكو    يسري جبر: الثبات في طريق الله يكون بالحب والمواظبة والاستعانة بالله    فتنة إسرائيلية    إصلاح الإعلام    صفقات الأهلى الجديدة قنبلة موقوتة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    "يغنيان".. 5 صور لإمام عاشور ومروان عطية في السيارة    رويترز: سماع دوي انفجارات قرب محطة للكهرباء في العاصمة اليمنية صنعاء    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 17 أغسطس 2025    "زيزر صنع فارق وتريزيجيه لم يقدم المنتظر"..نجم الزمالك السابق يعلق على أداء الأهلي ضد فاركو    نتنياهو: لا اتفاق مع حماس دون إطلاق الأسرى دفعة واحدة ووقف الحرب بشروطنا    هيئة الأركان الإيرانية تحذر الولايات المتحدة وإسرائيل: أي مغامرة جديدة ستقابل برد أعنف وأشد    وكيل صحة سوهاج يصرف مكافأة تميز لطبيب وممرضة بوحدة طب الأسرة بروافع القصير    رابط نتيجة تقليل الاغتراب.. موعد بدء تنسيق المرحلة الثالثة 2025 والكليات والمعاهد المتاحة فور اعتمادها    البيت الأبيض يرد على تقارير العثور على وثائق تخص قمة ألاسكا.. ماذا قال؟    الداخلية تكشف حقيقة مشاجرة أمام قرية سياحية بمطروح    عمرو حسن: وسائل منع الحمل متوفرة فى الوحدات الصحية مجانا وآمنة وفعالة    يسري جبر يوضح ضوابط أكل الصيد في ضوء حديث النبي صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالم ما بعد نهاية أمريكا "2"
د.فتحي نعينع
نشر في الشعب يوم 14 - 12 - 2014

أصبح معتادًا أن تطلع علينا موخرًا كتب بعناوين تتحدث عن (عالم بلا أحادية قطبية) و(العالم مسطح) كناية عن تراجع الهيمنة، وتعثر القوة الأمريكية الصلبة، ويظهر تراجع قوة أمريكا الناعمة، ومن أبرزها كتاب (عالم ما بعد أمريكا) الذي نشر مؤخرًا لمؤلفه فريد زكريا، رئيس تحرير نيوزويك إنترناشيونال (عدد الصفحات 292، الناشر: نورتون وشركاه-نيويورك- مايو 2008 )، ويوجه كتاب زكريا انتقاداته إلى سلوك أمريكا وتوجهاتها، وينبه إلى أن الأفق العالمي واعد بصعود قوى جديدة تتخذ لنفسها مكانًا ومكانة في ساحة العالم - لكنه لا يتنبأ - كما فعل البروفيسور كينيدي - بسقوط المكانة الأمريكية، وحسبه أن يدلك في هذا الكتاب على أن الساحة العالمية ما زالت تتسع لأكثر من منافس، ويبرهن على ذلك من خلال نهج أقرب إلى الموضوعية بالنسبة إلى دور أمريكا في عالم اليوم بعيدًا عن التهويل أو الانبهار، وبالتالي بعيدًا عن الدعاية الإعلامية الفجة من جهة أو التعصب المستند إلى غرور القوة على نحو ما يتبناه «المحافظون الجدد» من جهة أخرى
يستهل فريد زكريا كتابه قائلاً إنه يكتب عما يصفه بأنه. (التحول العظيم الذي يحدث في طول عالمنا وعرضه. وهو تحوّل يحتاج منا أن ندرك أبعاده لأنه يتجاوز حتى أبعاد عالمنا الراهن. وبالتحديد لأن التحول بدأ مبكراً وئيداً، ولكنه كان جذرياً بقدر ما جاء بتغييرات يمكن وصفها بأنها «ثورية» أطلّت على حياة الناس منذ القرن 15 وتسارعت خطاها مع القرن 18) وتلخصت بصورة درامية كما يقول المؤلف في معنى جوهري واحد هو: الحداثة التي تجسدت بدورها في متغير هام يلخصه المؤلف بمعادلة ( العلم والتكنولوجيا + التجارة والرأسمالية + الثورتان الزراعية والصناعية) وقد أفضى هذا كله إلى الهيمنة السياسية الطويلة زمنياً لدول الغرب. بعد هذه التحولات التي يراها المؤلف أقرب إلى تغيرات الأزمنة الجيولوجية، جاءت السنوات الختامية من القرن 19 لتشهد ظاهرة ما برحت مؤثرة حتى اللحظة الراهنة وهذه الظاهرة السياسية هي صعود الولايات المتحدة الأميركية.
وفي معرض التفسير يقول فريد زكريا (بعد أن أنجزت أميركا تحولاتها الصناعية، سرعان ما أصبحت أقوى دولة في العالم منذ إمبراطورية روما. ولهذا ظلت أميركا، على مدار معظم سنوات القرن العشرين تمارس دور الهيمنة بصورة أو بأخرى على مجالات الاقتصاد والسياسة والعلوم والثقافة بلا منافس أو منازع. وكانت تلك ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ الحديث ).
يشير المؤلف إلى أن التاريخ حلقات متكاملة، فما زالت عجلة هذا التطور ممعنة في دورانها كي تصل في الفترة الراهنة إلى تحولات مستجدة يتغير معها وضع الصعود والهيمنة الأميركية إلى حيث يمكن القول مع المؤلف بصعود قوي جديد ودخولها إلى حلبة المنافسة والتأثير على مقاليد عالمنا ومقدراته. يقول فريد زكريا في هذا السياق ( في الفترات الأخيرة ما برحت أقطار شتى في العالم تحقق معدلات من النمو الاقتصادي لم تكن لتخطر على بال أحد، صحيح أن الأمر شهد طفرات وعثرات، إلا أن الاتجاه العام ظل في حال من الصعود. ورغم أن النمو جاء أبرز ما يكون في ربوع آسيا إلا أنه ليس مقصوراً عليها. ولهذا لم تذكر سطورنا هذه ما يوصف مثلاً بأنه «صعود آسيا» وحدها. فخلال سنة 2006 وسنة 2007 شهدت 142 قطراً في العالم وقد حققت نمواً بمعدل بلغ 4 في المئة أو أكثر ومنها 30 بلداً في إفريقيا أي ثلثي بلدان تلك القارة السمراء وفي هذا الإطار استقبلت الدوائر المختصة مصطلحاً جديداً هو " الاقتصادات الواعدة " التي تمتد من البرازيل والأرجنتين في أقصى غرب العالم إلى جنوب إفريقيا إلى كوريا الجنوبية والهند ثم الصين في أقصى الشرق المطل على الباسيفيك. وليس للقارئ أن يستهين بالظاهرات المستجدة على خارطة عالم اللحظة الراهنة ).
وفي معرض القراءة التحليلية لهذا الكتاب لا نملك سوى ملاحظة ذلك التفاؤل الذي تصدر عنه مقولات كتاب (عالم ما بعد أمريكا) ونكاد نصغي بين سطوره إلى أصداء مقولات سبق إليها محللون ومفكرون حاولوا أن يبشروا أو يحذروا إزاء ما يستجد على عالمنا من متغيرات، وفي هذا الصدد قد نستعيد كتابات الصحافي الأميركي «توماس فريدمان» في كتابه بعنوان «الأرض مسطحة» بمعنى أن ظاهرة العولمة أصبحت أقرب إلى شبكة الترابط الوثيق بين سكان الكرة الأرضية - وقد نعيد التأمل أيضاً فيما سبق وحذر منه البروفيسور زبغينو بريجنسكي - مستشار الأمن السابق في عهد الرئيس كارتر من أن أميركا مهددة بسور من العزلة وسط رقعة الشطرنج الدولية الكبرى. نفس المنطق وربما حذر منه، البروفيسور جوزيف ناي الأستاذ بجامعة هارفارد حين أصدر كتابه بعنوان «تناقض الإمبراطورية»، وأكد فيه أن أميركا لن تستطيع بمفردها أن تضطلع بمسؤوليات القطب العالمي الأكبر أو الأوحد أو فلنقل مسؤوليات الزعامة أو حتى المسؤوليات الإمبراطورية.
المهم وبحسب فريد زكريا فإن ثمة نجوماً عديدة بدأت (أنوارها تتسلل - حتى لا نقول انها تلمع أو تسطع - في سموات الأفق العالمي). ومن قبيل التناقضات أن صعود هذه النجوم في آسيا أو إفريقيا أو روسيا أو أميركا اللاتينية جاء في رأي الكاتب بفضل استيعابها مبادئ الحرية والحوافز الفردية ومهارات المشروع الرأسمالي ودينامية الفرد والمجتمع، وكلها أفكار ومبادئ ودعوات سبقت إليها أميركا بل وظلت تدعو إليها وتعمل على ترويجها عبر أكثر من 60 عاماً من عمر القرن العشرين. ويزيد التناقض وضوحاً أن هذه المبادئ ذاتها هي التي تستخدمها الدول الصاعدة لمنافسة أميركا ومزاحمتها على موقعها القيادي الفريد من خارطة العالم. يشير الكاتب إلى أن ( لأول مرة في التاريخ. بتنا نشهد نمواً عالمياً حقيقياً وهو يؤدي بدوره إلى خلق نظام دولي تكف فيه أجزاء العالم عن أداء دور «المتفرج» السلبي بل تشرع في أداء دور «اللاعب» المشارك الإيجابي كل بطريقته: باختصار نحن نشهد مولد نظام عالمي بكل معنى الكلمة ).
هنا يجب طرح السؤال الجوهري وماذا عن دور أميركا في إطار هذا النظام؟ يجيب الكاتب بالقول (على المستوى السياسي - العسكري فما زلنا قوة عظمى وحيدة. ولكن على صعيد كل من الأبعاد - المجالات الأخرى فنحن نشهد تحولات في توزيع القوة والنفوذ يستوي في ذلك المجالات الصناعية، والمالية، والتعليمية، والاجتماعية والثقافية على السواء. كلها تتحول بعيداً عن وضع الهيمنة الأميركية. ليس معنى هذا - يستدرك مؤلف الكتاب - إننا بذلك ندخل في عالم معاد لأميركا ولكننا نلج عتبات عالم ما بعد أميركا. ومرة أخرى يتبقى طرح السؤال المنطقي: ماذا يعني إذن العيش في ظل هذه التحولات. في كنف مجتمع أو مرحلة أو عالم ما بعد أميركا؟ )
يستعرض المؤلف فريد زكريا مستقبل العالم خلال الفترة المقبلة حيث يرى أن المؤشرات تشير إلى احتمال بروز قوى أخرى إذا كان من الصحيح أن الولايات المتحدة معها ستحافظ على تميزها إلا أن الفرادة لن تكون لها بالكامل. وعلى ذلك فإن الفكرة الأساسية التي يحرص المؤلف على التأكيد عليها لكي لا يساء فهمه هو أن قوة أميركا ليست إلى زوال وإنما تنتظر من يزاحمها.
يعمد المؤلف في الفصل السادس من الكتاب إلى تذكير أمريكا بمصير الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغرب الشمس عن ممتلكاتها وسط البحار وفيما وراء البحار، ويحاول جاهدا التنبيه إلى ما آل إليه مصيرها، ويعقد مقارنات توازي بين مصير القوتين العظميين. ويخلص إلى نتيجة فحواها أن القوة العسكرية ليست سبب المكانة الوحيدة لأميركا بل هي نتيجة لهذه المكانة التي تستمد وقودها من القاعدة الاقتصادية والتكنولوجية التي تنفرد بها. ويقول : ( صحيح أن أمريكا قد تفقد حصة لا يستهان بها مما تتمتع به على الساحة الدولية لحساب أو لصالح القوى الصاعدة والمتوثبة الأخرى وفي مقدمتها الصين والهند - وقد نضيف روسيا وربما اليابان أو حتى البرازيل وجنوب افريقيا- ولكن ستظل أمريكا تنعم باقتصاد بالغ الحيوية شديد الفعالية وقادر على أن يظل متصدرا مسيرة العلم والتكنولوجيا والتطور الصناعي ولكن بشرط واحد وأساسي هو: أن تنجح أمريكا في التكيف والتواؤم مع التحديات التي تنتظرها عند منحنيات الطريق ).
ورغم ذلك يبادر المؤلف لينبه أيضا إلى أن الولايات المتحدة لم تعد الآن في وضع تحسد عليه: (صحيح أنها ما زالت القوة العظمى عالميا إلا أنها قوة عظمى متهالكة القوى نجد أن مشاكلها الاقتصادية واضحة،سمعتها وصورتها أصبحت سلبية في نظر قطاعات عديدة من عالمها وعصرها ومشاعر العداء لأميركا في كل مكان ما بين بريطانيا نفسها (!) في أوروبا إلى ماليزيا في جنوب الشرق الآسيوي). كل هذه الاتجاهات يراها المؤلف بمثابة فرص لكي تبقى أميركا - بفضل جاذبية ثقافتها - في موقع اللاعب الرئيسي على حلبة عالم أكثر دينامية وأشد إثارة.
في هذا السياق يرى الكتاب ضرورة أن تفسح أميركا المجال لكي يتنافس على مهاد هذه الحلبة العالمية أكثر من طرف بحيث تتخلى واشنطن عن سياسة بوش في انفراد القطب الواحد الذي أضفى نزعة من الاستعلاء مستندة إلى غرور القوة على سلوك المسئولين الأمريكيين الأمر الذي أفقدهم حتى تعاطف حلفائهم الأوروبيين أنفسهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.