د. فوزى فهمى مهما كانت الا عيب تزييف الواقع ومواراته فإنه لا يصبح لغزا هارباً من الفهم، ومهما كانت دهاليز تداخل الوهم بالواقع، فإن حصافة الوعي الكلي والمعرفة لقارئه تفكك هذا التداخل، فتشخص الواقع منفردا، وتفصله، وتعاين وهمه وتفضحه، بوصفه تضليلاً يخفي أزمة، فيطرح وهما علي أنه حقيقة وذاك دليل علي العجز. اعتصم بتلك الحصافة، العالم الفرنسي »إيمانويل تود« بمنهج رصده للأفعال والأحداث والتحولات، وتحليلها، كشفاً عن دلالاتها، كما تبدت في ظاهرة مغادرة الولاياتالمتحدة لبنية نظامها الجمهوري قفزاً الي الإمبراطورية، لتصادر علي مصالح العالم استجابة لمغريات الهيمنة عليه وفقا لما جاء في كتابه »ما بعد الامبراطورية - دراسة عن تفكك النظام الامريكي« الصادر عام 2002 طرح العالم الفرنسي نبوءته بأن الامبراطورية الامريكية منذورة للسقوط الوشيك وإن حاولت - تضليلاً - بسطوة الوهم ممارسة الهجوم العسكري علي الدول الصغري، لتصدير استعراضاتها الي العالم، ضماناً لبقائها في قلب الأحداث العالمية، وهو تطلع يتبدي خارج التاريخ بوصفه تردياً سياسياً لا ينفع، واستراتيجية كارثية تتحول الي نقيضها، حين تخسر الولاياتالمتحدة معركتها الأخيرة في الهيمنة علي العالم ويؤكد العالم الفرنسي ان أمريكا ليست تلك القوة العظمي ولا يمكنها خلال المرحلة الراهنة ان ترهب سوي الدول الضعيفة وانه في حالة نشوب صراعات شاملة ستكون الولاياتالمتحدة تحت رحمة تحالف يضم دول أوروبا، واليابان، وروسيا، التي تملك مجتمعة القوة الكافية نظرياً لخنقها، إذ تمثل هذه الدول مرتين ونصف المرة، القوة الأمريكية. ان القراءة الواعية للمستجدات العالمية، تتصدي لسحر استعادة الهيمنة، إذ لا يحل أي زمن بدلا من زمان واللاعب الاستراتيجي لا يختار هدفاً أكبر من قياسه لذا يؤسس العالم الفرنسي منظوره الي وضع الولاياتالمتحدة، مستنداً الي تحليل اقتصادي لراهن الأوضاع الدولية كاشفاً عن تجليات تحولات الصراع الاقتصادي والمالي والنقدي وحركة الاستثمارات العالمية وما تمثله من خطورة علي الولاياتالمتحدة، راصدا ضغوط حاجتها الي رءوس أموال خارجية نتيجة التحولات الاقتصادية الكبري التي عرفتها في السنوات الأخيرة كما انها لا تستطيع العيش علي نشاطها الاقتصادي إذ يلزمها مساعدات من أجل الحفاظ علي مستوي استهلاكها حيث قدر العجز التجاري الامريكي عام 0002بمبلغ 054 مليار دولار، وتحتاج يومياً الي ما قيمته 2.1 مليار دولار لذا نصح العالم الفرنسي أمريكا بالحذر وضرورة استشعارها الخطر وخشيته إذا ازدادت تصرفاتها المقلقة، طارحاً أمثلة لمنظومة القرائن الاستدلالية، التي منها فرضها التبعية الشاملة الذي يثير ردود أفعال سلبية مذهلة، إذ النشاط الغريب للولايات المتحدة في العالم الاسلامي دون انقطاع، والقلق، والهيجان اللذان يغذيهما الامريكيون في الخليج، ورغبتهم الواضحة في السيطرة علي موارد الطاقة لأوروبا، واليابان، سوف تؤدي بهما الي النظر بإيجابية أكثر الي روسيا، بوصفها شريكا ضرورياً، خاصة ان روسيا أصبحت ثاني منتج للنفط في العالم وما زالت المنتج الأول للغاز لم يتغافل العالم الفرنسي عن موضوعيته تجاه من يناقضه حيث أعلن أن ما طرحه لا يعني التخلص من أمريكا، أو الحط من قدرها فما يحتاج العالم اليه ليس اختفاء أمريكا بل أن تعود الي ذاتها ديمقراطية منتجة، وعلي أوروبا، واليابان التفاوض مع روسيا وإيران والعالم العربي، حول ضمان إمدادهما بالنفط وليس لديهما أي سبب يدفعهما الي التورط في تدخل عسكري استعراضي مثلما تفعل أمريكا، لنترك أمريكا الحالية - إذا رغبت في ذلك - كي تستنفد ما بقي لها من طاقة في محاربة الإرهاب، تلك الحرب التي تسعي من ورائها الي الاحتفاظ بهيمنتها التي لم تعد موجودة وإذا أصرت علي ان تثبت قوتها الهائلة، فإنها لن تفلح أكثر من ان تكشف للعالم عجزها. بعد صدور ذلك الكتاب بعامين إذ بالكاتب الأمريكي الجنسية، الهندي الأصل »فريد زكريا« يطرح عام 4002 رأيا رافضاً لما طرحه العالم الفرنسي حيث أعلن ان أمريكا تمثل القطب الوحيد الغالب، الشامل الذي لا مثيل له في التاريخ الإنساني منذ الإمبراطورية الرومانية لا شك أنها أطروحة ليست مجانية إذ ثمة قصد تتوخاه، سواء أكان استنهاضاً، أم ترويجاً، أم غيرهما، لكن معيار الحكم عليها يستند أساساً الي صلاحية المنهج الذي أنتجها، فالأمر يختلف إذا ما صدرت عن مجرد حس، أم عن حضور كلي لوعي معاش، محكوم بمفهوم المسئولية وذلك ما تبدي بعد أربع سنوات أخري من إطلاق »فريد زكريا« لأطروحته السابقة، حيث أصدر عام 8002 كتابه المهم »عالم ما بعد أمريكا« مستنداً فيه الي الوعي الكلي المعاش، والمعرفة، وإمعان التفكير، في ضوء تقديرات استشرافية لأوضاع العالم، فتوصل الي ما ناقض أطروحته السابقة حيث أعلن ان العالم الذي يبدو اليوم عالماً أحادي القطبية، لن يستمر طويلاً إذ إن ثمة صعوداً لآخرين كالصين، والهند، والبرازيل، وروسيا، وغيرهم وذلك ما سوف يعيد تشكيل العالم، وأن هذا التحول سيكون في صالح العالم، وأيضاً في صالح أمريكا، طارحاً مجموعة من الخطوط العريضة، ينصح الادارة الامريكية باتباعها يري هل استجابت أمريكا لمراجعة الخلل المستدعي الإصلاح في سياستها، ووفقاً لتعبير »فريد زكريا« - اتفاقاً مع ما طرحه العالم الفرنسي »لو أنها أرادت أن تحسن التعامل مع هذا العالم الجديد« أم استجابت لما نشره »ايان بريمر« في مايو 2102 ب »واشنطن بوست« حيث بقراءة مضللة للواقع، زعم أن تراجع أمريكا مجرد »أسطورة خيالية«؟