جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    «متحرش بفتاة وأصدقاؤه زقوا عربيتي في النيل».. اعترافات سائق «ميكروباص» معدية أبوغالب (خاص)    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    ملف يلا كورة.. إصابة حمدي بالصليبي.. اجتماع الخطيب وجمال علام.. وغياب مرموش    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    سيراميكا كليوباترا : ما نقدمه في الدوري لا يليق بالإمكانيات المتاحة لنا    اجتماع الخطيب مع جمال علام من أجل الاتفاق على تنظيم الأهلي لنهائي إفريقيا    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    إبداعات| «سقانى الغرام».... قصة ل «نور الهدى فؤاد»    تعرض الفنانة تيسير فهمي لحادث سير    زيادة يومية والحسابة بتحسب، أسعار اللحوم البتلو تقفز 17 جنيهًا قبل 25 يومًا من العيد    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    لعيش حياة صحية.. 10 طرق للتخلص من عادة تناول الوجبات السريعة    اليوم.. قافلة طبية مجانية بإحدى قرى قنا لمدة يومين    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    بلينكن: طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية يعقد اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحماس    عاجل - نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة الجيزة.. رابط نتيجة الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني Natiga.Giza    قناة السويس تتجمل ليلاً بمشاهد رائعة في بورسعيد.. فيديو    محافظ كفر الشيخ يتفقد أعمال تطوير شارع صلاح سالم وحديقة الخالدين    شارك صحافة من وإلى المواطن    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 22 مايو 2024    قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    محمد حجازي ل"الشاهد": إسرائيل كانت تترقب "7 أكتوبر" لتنفيذ رؤيتها المتطرفة    ضد الزوج ولا حماية للزوجة؟ جدل حول وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق ب"كلمة أخيرة"    كاميرات مطار القاهرة تكذب أجنبي ادعى استبدال أمواله    بعبوة صدمية.. «القسام» توقع قتلى من جنود الاحتلال في تل الزعتر    مواصفات سيارة BMW X1.. تجمع بين التقنية الحديثة والفخامة    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    أول فوج وصل وهذه الفئات محظورة من فريضة الحج 1445    عمر مرموش يجرى جراحة ناجحة فى يده اليسرى    حظك اليوم برج الجدي الأربعاء 22-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع صادرات مصر السلعية 10% لتسجل 12.9 مليار دولار    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغرب مطالب بإدراك أن المعرفة لم تعد حكراً عليه
نشر في الشعب يوم 16 - 03 - 2013

يأتى صدور هذا الكتاب كمذكرة تفسيرية مسهبة لكتاب آخر سبق أن أصدره المؤلف، وهو المؤرخ «نيال فيرجسون» الأستاذ بجامعة هارفارد بعنوان «الإمبراطورية». وكان ذلك عقب غزو أمريكا للعراق بدفع وتحريض من جماعة المحافظين الجدد، وهم صقور السياسة الأمريكية الذين كانوا مسيطرين على القرار السياسى خلال حقبة الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن التى بدأت مع استهلال القرن الحادى والعشرين.
وفى الكتاب المذكور، وصف «فيرجسون» أمريكا بأنها «إمبراطورية فى حالة إنكار» مشيرا إلى أن التاريخ يحذّر من غروب شمس هذه الكيانات الإمبراطورية، وهو ما استوفاه تفصيلا فى كتاب «الحضارة» الراهن الذى عمد فيه إلى تحذير أمريكا وأوروبا، والغرب عامة، إزاء صعود الصين ومن بعدها أقطار أخرى مثل الهند، بوصفهما المنافس المرتقب على قيادة مسيرة العالم.
ويصدُر عن المؤلف المؤلف فى هذا الكتاب نغمة مفادها -كما أشارت جريدة «فايننشال تايمز»- تقريع الغرب على ما يصدر فيه من الجهل بالحقائق بما تنطوى عليه من تحديات.
وأيا كان الاتفاق أو الاختلاف مع ما احتواه هذا الكتاب من أطروحات، إلا أن أسلوب المؤلف الذى يجمع بين موضوعية البحث التاريخى ورشاقة عرض المعلومات؛ أضفى على الكتاب رونقا خاصا من الجاذبية والتشويق، خاصة عندما يستدعى أحداثا من الحضارات القديمة لكى يستغلها فى استقاء العبرة لصالح الأنساق الحضارية القائمة فى الغرب والشرق على السواء.
عقب غزو أمريكا (بوش) العراق -وكان ذلك فى عام 2003- اهتم المثقفون والمحللون السياسيون بصدور كتاب ذاع صيته فى تلك الأيام؛ أولا لأنه جاء ضمن أعمال مؤرخ بريطانى مرموق المكانة فى الأوساط الأكاديمية، وثانيا لأن عنوان الكتاب ارتبط بحديث الساعة أيامها، وهو حديث دار -وما برح يدور- حول ما يصفه المراقبون السياسيون بأنه الأحلام الإمبراطورية للولايات المتحدة.
هكذا جاء اهتمام المفكرين والمحللين الدوليين بالكتاب المذكور الذى حمل أيامها عنوان «الإمبراطورية»؛ أولا لأن مؤلفه البروفيسور «نيال فيرجسون»، مؤرخ بنى مكانته العلمية فى جامعة أكسفورد البريطانية، وفى غيرها من المجامع الأكاديمية المرموقة فى العالم، وثانيا لأن صدور الكتاب المذكور تحت عنوان «الإمبراطورية» جاء وقتها تعبيرا عما كان يساور فئة المحافظين الجدد ممن سيطروا على حقبتى ولاية الرئيس الأسبق جورج بوش الابن (2000-2008)؛ حين كانت تراودهم، بل تتقمصهم، أحلام الإمبراطورية بمعنى أحلام سيطرة أمريكا على مقاليد عالم القرن الحادى والعشرين، وقدرتها من ثم على فرض ما اصطلح عليه المحللون من وصفه بعبارة «السلام الأمريكى» أو «باكس أميركانا» أسوة بما كانت عليه أحوال الإمبراطورية الرومانية التى عرفتها عصور ما قبل الميلاد؛ إذ كانت قد فرضت سلامها الرومانى أو «باكس رومانا» كما أصبح معروفا فى معاجم المصطلحات.
والمهم أن يلاحظ متابعو أطروحات مؤلف الدراسة المذكورة -وهو البروفيسور «نيال فيرجسون»- أن هذا المؤرخ البريطانى ما برح شغوفا بمتابعة تطورات ومآلات العلاقة التى تربط بين قومه فى الغرب -ومنهم أمريكا- بطبيعة الحال، وبين سائر الدول والأمم فى عالمنا المعاصر، وهو يرصد -بحكم مهنته وتخصصه العلمى- طبيعة هذه العلاقة من منظور أطروحات هذا الغرب واجتهاداته، وهو ما دعا صحيفة «إيكونومست» الإنجليزية أن تمتدح ما قدمه هذا الأستاذ الباحث بقولها إنه يقدم عرضا مبهرا للأفكار الغربية.
ولقد طرحت «إيكونومست» هذه العبارة بالذات فى توصيف أحدث الأعمال التى أصدرها «نيال فيرجسون» وهو الكتاب الذى نلقى عليه أضواء فى هذه السطور. وقد اختار المؤلف للكتاب عنوانا موجزا فى كلمة واحدة؛ هى «الحضارة»، وبديهى أن تحتاج هذه الكلمة إلى قدر من التفسير، وهو ما كفله العنوان الفرعى للكتاب فى عبارة أكثر تفصيلا؛ هى: الغرب والآخرون.
ومعناها فى تصورنا هو: الغرب مقابل -أو فى مواجهة- الآخرين. ولقد نلاحظ من جانبنا أن هذا العنوان الفرعى مستمد من أطروحات سبق إليها مع أوائل عقد التسعينيات من القرن الماضى المفكر الأمريكى الراحل «صمويل هنتنجتون» أستاذ العلوم السياسية بجامعة «هارفارد» فى كتابه الأشهر الذى أصدره بعنوان «صدام الحضارات». وفيه يرصد «هنتنجتون» ما يتصوره من ظواهر هذا الصدام بين حضارة الغرب الأوروبى- الأمريكى وبين سائر الحضارات والثقافات والكيانات الفاعلة فى العالم. ويخصّ منها الإسلام والمسلمين.
الحضارة.. من أين جاءت؟
ولأن مؤلف الكتاب الذى نعرض له فى هذه السطور يحترف البحث التاريخى؛ فهو يبدأ كتابه هذا عن «الحضارة» بمحاولة تقصى جذور هذا المصطلح، موضحا أن هذه اللفظة (حضارة) يرجع استخدامها لأول مرة، وبهذا المعنى الذى أصبحنا نتعارف عليه، إلى منتصف القرن الثامن؛ فقد استخدمها فى عام 1752 السياسى الفرنسى «ميرابو» خطيب الثورة الفرنسية الشهير. والمهم أن جاء هذا المعنى مرتبطا بالتطور المهم الذى شهدته الإنسانية من حياة الأرياف أو البوادى إلى حياة المدن أو الحواضر.
ولقد نضيف من منظورنا العربى أن هذا المعنى سبق إليه مفكرنا المسلم الكبير «عبد الرحمن بن خلدون» (1332-1406) فى مقدمته الشهيرة التى صاغ محورها الأساسى فى فكرة جوهرية تقول بإيجاز شديد: «الإنسان مدنى بالطبع».
على أن هذا التحول من القرية أو الحِّلة أو الرَبع -بفتح الراء- إلى المدينة أو الحاضرة لم يأت ببساطة، بل جاء من خلال منافسات وتفاعلات اجتماعية اقتصادية اتسم بعضها بالعنف والصراع عبر الأمصار والحدود والأقطار؛ ما جعل مؤلفنا يفتتح أطروحاته بالباب الأول من هذا الكتاب الذى اتخذ له العنوان التالى: «المنافسة».
سؤال من إثيوبيا
وفيما يبدأ هذا الكتاب بتصدير يحمل عنوان «سؤال راسيلاس» وينتهى بخاتمة يوجز فيها البروفيسور «فيرجسون» أهم نتائج البحث؛ فإن المؤلف يبسط مقولات واستنتاجات هذا البحث عبر أبواب ستة؛ إذ يعرض فى الباب الثانى تطور العلم نبراسا للحضارة، وبعدها قضية الممتلكات، خاصة ملكية الأرض بوصفها المهاد الأساسى للتطور الإنسانى، وبعد ذلك يأتى فى الباب الرابع دور الطب والعلاج بكل ما حفلا به من إنجازات بعضها جاء أقرب إلى الاختراقات أو الفتوحات، خاصة ما ارتبط بإمكانية القضاء علميا وطبيا على الأوبئة التى طالما اجتاحت الأوطان فى كل أنحاء المعمورة، وكان يمكن أن تقضى على شعوب بأكملها، ومن ثم تؤذن بنهاية الحياة فوق سطح الكرة الأرضية المعمور.
بعد ذلك يتعلق الباب الخامس بظاهرة الاستخدام والاستهلاك، التى تقترن بها ظاهرة العمل والإنتاج التى يتخذها مؤلف كتابنا عنوانا وموضوعا للباب السادس والأخير من هذا الكتاب.
فى كل حال، يتعين علينا أن نرصد إيجابية النهج المتبع فى تأليف كتابنا؛ إذ لا نكاد نلمح اهتماما يذكر بسير الملوك أو الزعماء أو الخلفاء بقدر ما نتابع رصدا تحليليا يجهد المؤلف (المؤرخ) فى تسجيله حركة التاريخ الإنسانى من واقع جهود الأفراد والجماعات الذين ساهموا، عبر العصور، فى دفع عجلة التقدم ومسيرة التمدين والتحديث إلى الأمام.
هنا يتابع القارئ جهود مشرّعى القانون المدنى والجنائى فى روما، بقدر ما يقرأ ويفهم عن مساهمة «التنظيمات» التى صدرت خلال عصور الدولة العثمانية فى تطوير التشريع، خاصة عبر ربوع تركيا والشرق الأوسط عامة.
وهنا أيضا يتابع القارئ نوعية النقلات التى شهدها التاريخ الإنسانى الحديث عبر كل من الثورة الفرنسية (1789) والثورة الأمريكية (1776) بقدر ما يتفهّم قدرة الإنسانية على التعامل الإيجابى والمبدع أيضا مع الأمراض المتوطنة والأوبئة الماحقة التى يطلق عليها مؤلفنا فى آخر فصول الباب الرابع الوصف التالى: العار الأسود.
كما نلاحظ فى سياق الكتاب كيف يهتم مؤلفنا بظاهرة التفاعل/التواصل بين أهم الأوضاع الحضارية التى عاشتها الإنسانية عبر تاريخها الطويل.
فيرجسون يحيل إلى أبرز مؤرخى الحضارات، ومنهم مَن رصد الحضارات التى اختفت من حياة كوكبنا، مثل حضارات بلاد بين الرافدين وكريت ومصر القديمة وحضارة بيزنطة حول البحر المتوسط إلى حضارة الأزتك والأنديز فى ربوع الأمريكتين.
عن حضارة الإسلام
ثم يحيل المؤلف إلى أهم مؤرخى الحضارات فى عصرنا، ومنهم مثلا «أدابوزمان»، فى أطروحة تؤكد أن البشرية لا تزال تعيش أساليب وثمار حضارات زاهرة كبرى؛ فى مقدمتها حضارات الغرب والهند والصين واليابان والإسلام.
أما سؤال «راسيلاس» الذى ألمحنا إليه فى صدر هذه السطور، فيرجع إلى ما طرحه الأديب الناقد الإنجليزى الدكتور «صمويل جونسون» (1709-1784) -وهو من عمالقة الفكر والثقافة فى إنجلترا القرن الثامن عشر- فى روايته بعنوان «راسيلاس» التى جعل مهادها فى بلاد الحبشة، وكان بطلها -كما قد نفسر- هو «الرأس إيلاس»، وهو مصطلح بلغة الأحباش الأمهرية يرادف القائد أو الملك إيلاس (إيلى أو إلياس).
وفى الرواية يطرح المؤلف، على لسان بطلها، سؤاله على الحكيم إِملاك (أو إملاق): «تُرى، لماذا تقدم أهل الغرب؟» ثم يأتى من ثنايا الإجابة قول الحكيم: «إنها المعرفة: الشغف بالعلم والتفكير يا سيدى».
تحذير للغرب
من هنا يبادر مؤلف كتابنا إلى تحذير الغرب بأن ظاهرة العِلم وجهود المعرفة لم تعد قصرا ولا احتكارا يستأثر به -كما فى مراحل مضت من عصرنا- أهل الغرب فى أوروبا وأمريكا: «لقد أصبحا ظاهرة عالمية - كوكبية- إنسانية سواء بفضل ثورات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، أو بفضل إرهاصات باتت أكثر من واعدة، وهى تبشر موضوعيا بنهوض مجتمعات صاعدة واقتصادات عقبة وأنساق معرفية مبشرة أخرى فى مواقع شتى من عالمنا الراهن، خاصة فى الصين والهند واليابان على سبيل المثال».
لهذا يعمد مؤلف الكتاب إلى القول بأن العالم بات فى تصوره يعيش عند نهاية 500 سنة تقريبا من الهيمنة الغربية.
ومن ثم فهذه الخاتمة أصبحت تشهد صعود ونهوض القوى الأخرى، خاصة من قارة أسيا التى ما برحت تواصل النهوض أو الصعود، وبحيث أصبحت القضية -فى تصور البروفيسور «نيال فيرجسون»- هى أن تبذل كل من أمريكا وأوروبا قصارى جهدها لكى تبقى على السطح، وبحيث تطفو على مصير الاستضعاف، وهو يشير فى هذا الخصوص بالذات إلى نموذج التفاقم الشديد والمطرد فى المديونية التى ترزح تحتها اقتصاديات أمريكا، ولصالح بلد لم يكن شيئا مذكورا منذ عقود قليلة فى مضمار المنعة الاقتصادية، واسمه الصين، كما لا يخفى على الجميع.
سكان الغرب يضمحلّون
كما نلاحظ من فصول كتابنا أن مؤلفه لا يقتصر فى هذا النذير على الجانب الاقتصادي، بل هو يتحول إلى الجانب الديموغرافى حين ينبه إلى أزمة السكان الجديرة -فى تصوره- بأن تواجه الغرب فى عقود قليلة مقبلة. ويقول «فيرجسون» فى هذا السياق: «إن سكان المجتمعات الغربية ظلوا لوقت طويل يشكلون أقلية بين سكان العالم».
لكن أصبح اليوم واضحا أن سكان الغرب فى حال من التناقص إلى حد التضاؤل، ومن ثم فالمقدر أن تتجاوزهم فى ذلك الصين فى غضون 10 سنوات أو 20 سنة، ومن بعدها كل من الهند والبرازيل.
وأيا كان اختلاف النقاد والمحللين مع الأطروحات الواردة فى هذا الباب أو ذلك الفصل من مقولات الكتاب، فثمة إجماع أو ما يشبه الإجماع -وهو ما قد نشارك فيه- على أن قراءة الكتاب -حتى مع الاختلاف مع آراء يحتويها- ما برحت تجربة مثيرة للتفكير أو للإمتاع على السواء.
ويرجع الفضل فى ذلك إلى أن المؤلف -وهو الأستاذ الأكاديمى الذى يلقى محاضراته فى كبرى الجامعات ما بين أكسفورد أو هارفارد- يكاد يركز اهتمامه فى سطور كتابنا على القارئ العادى، وهو القارئ الذى يستبد به دوما شغف المعرفة ويحتاج من ثم إلى كتابة تجمع بين فضول التعلم ومتعة الاطلاع.
ومن أمثلة ذلك، ما يورده مؤلفنا عن حكاية «سنجر» الماركة الشهيرة لماكينات الخياطة، وهى التى أحدثت أيضا ما يمكن وصفه بأنه ثورة الآلة فى عالم حياكة الملابس وإنتاجها بعد عصور طالت من الحرفة اليدوية التى كانت سائدة فى هذا الميدان.
هنا يأتى المؤلف فى كتابنا ليؤكد أن «ماكينة سنجر» هذه ساعدت على اختصار المسافات وإزالة الفواصل ومحو الحواجز على مستوى الكرة الأرضية، لماذا؟ لأنها شجعت على توحيد معايير (أو مقاييس وتصاميم) الملابس فى طول العالم وعرضه، وكان المستفيد من ذلك بالذات هو الصناعات الأمريكية التى ارتفعت إنتاجيتها وزادت أرباحها إلى حدود غير مسبوقة.
من هنا يستمد الكتاب جاذبيته التى تشد القارئ عبر الصفحات، وهو ما يتحقق بفضل المواهب السردية التى يتمتع بها المؤلف على نحو ما تقول ناقدة «نيويورك تايمز» «متشيكو كاكوتانى» فى عرض تحليلى منشور لهذا الكتاب، تؤكد فيه أن التحليل التاريخى جسر مهم لفهم أفضل للمستقبل.
من جانبنا، لا نملك سوى أن نضيف أن هذا التميز السردى للكتاب -وهو ما يضفى حيوية خاصة على العرض والتحليل التاريخى- إنما يرجع فى تصورنا إلى أن الكتاب يستمد كثيرا من محاوره وأصوله من المادة التاريخية التى سبق أن أعدها المؤلف لصالح سلسلة أعمال متلفزة عن تطور الحضارة الإنسانية أذاعها التلفزيون البريطاني. وتلك عبرة نرجو أن تكون مستفادة للإعلام العربى فى بلادنا. وقد اتخذت السلسلة عنوانا يقول بما يلى: «الحضارة.. هل أصبح الغرب تاريخا؟».
والمعنى بداهة هو تحليل أو تحذير من تدهور مكانة الغرب، ومن عوامل هذا التدهور وتاريخه المرتقب والمقدور، خاصة مع رصد ظواهر يراها البروفيسور «فيرجسون» إشارات أقرب إلى النذير، ويحاول فى هذا الكتاب أن يرصدها على نحو يتراوح بين ما يلى: زوال الاتحاد السوفييتى من روسيا، وأزمة الاقتصاد الخانقة فى أمريكا، وتصدعات فى كيان الاتحاد الأوروبى... إلخ
من هنا يحيل المؤلف أيضا إلى مصائر كيانات الهيمنة الباذخة فى الزمان القديم، وكانت فى مقدمتها الإمبراطورية الرومانية التى بدأت بمعاناة التصدع والاضمحلال، وانتهت إلى مصير التداعى والسقوط ومن ثم إلى الزوال، كما قال يوما المؤرخ البريطانى « إدوارد جيبون».
المؤلف فى سطور
يعد البروفيسور «نيال فيرجسون» فى طليعة المؤرخين المحدَثين على مستوى العالم. وقد عمل زميلا باحثا أقدم فى جامعة أكسفورد ببريطانيا وكبيرا للباحثين فى مؤسسة هوفر الأمريكية ثم أستاذا فى جامعة ستانفورد بجانب موقعه أستاذا للتاريخ فى جامعة أكسفورد البريطانية.
وذاعت شهرته أيضا باعتبار أنه يجمع بين تخصصه الأكاديمى باحثا وأستاذا جامعيا وبين قدراته ومواهبه الإعلامية، خاصة بفضل مشاركاته فى توفير المادة العلمية الموثقة لسلسلة من البرامج الوثائقية التى دأبت على عرضها كل من هيئة التليفزيون البريطانية وهيئة الإذاعة الأمريكية التى أذاعت المسلسل التليفزيونى الشهير بعنوان «صعود النقود» الذى فاز بجائزة «إيمى» الشهيرة عن الأعمال الممتازة.
كما يلاحظ أن كتبا أصدرها المؤلف صُنّفت فى قوائم أفضل الكتب مبيعا وأوسعها رواجا، ومنها كتب حملت عناوين جمعت بين التنوع الثقافى والارتباط باهتمامات الجماهير مثل كتابه عن «الورق والحديد» ودورهما فى دفع عجلة الحضارة والتقدم الإنسانى إلى الأمام، وكتابه بعنوان «الإمبراطورية» الذى حذر فيه من غروب شمس الهيمنة التى ظلت أمريكا تمارسها على مقاليد العالم، فضلا عن كتابه الذى تناول فيه تاريخ ظهور النقود وسيلة للتداول فى مجتمعات العالم وتطورها، ودورها فى العلاقات بين الأفراد فى المجتمع والدول على مستوى العالم بأسره، كما ظل البروفيسور «نيال فيرجسون» يكتب عمودا أسبوعيا فى مجلة «نيوزويك»، التى كفت عن صدورها مطبوعة مع نهاية العام الماضى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.