عرف العالم تعبير القرن الأمريكي، عندما نشر الكاتب هنري لوس في عام ،2014 مقالا عنوانه "القرن الأمريكي" . قال فيه إننا لا ننظر إلى القرن العشرين، باعتباره القرن الذي تصادف أننا نعيش فيه، بل لأنه القرن الذي تجد أمريكا نفسها فيه، ولأول مرة، قوة مهيمنة في العالم. قبل ذلك وعبر حقب التاريخ، كانت هناك قرون تفوّق فيها آخرون . مثلما كان ذلك للدولة المصرية القديمة، وإمبراطورية الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد، والإمبراطورية الرومانية في القرن الأول، وإمبراطورية الصين والمغول في القرن الثالث عشر، والإمبراطورية البريطانية في القرن التاسع عشر . وكل هذه الإمبراطوريات تراجعت من الصعود إلى الهبوط، ليعقب كل منها قرن مختلف . كثيرون من المؤرخين، كتبوا عن بزوغ شمس كل إمبراطورية ليكون لها قرنها الذي تسود وتهيمن فيه، وأيضاً غروب شمسها لتفسح مكانها لقرن جديد . ومن أبرزهم في العصر الحديث المؤرخ الأمريكي بول كيندي، في كتابه الصادر عام 1986 بعنوان "صعود وهبوط القوى الكبرى" الذي آثار جدلاً لم يتوقف في الولاياتالمتحدة، بين مؤيد لفكرته، ومعارضين كثيرين رافضين فكرة زوال القرن الأمريكي . وقد تعززت فكرة القرن الأمريكي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 -1945)، باستحواذ أمريكا اقتصادياً على أكثر من 35% من الناتج الصناعي العالمي، وثرائها بالموارد الطبيعية وتمتعها بنظام تعليمي متفوق، ومهارات تكنولوجية متطورة، وصعود إنتاج الاقتصاد الأمريكي إلى ما يساوي نصف إنتاج دول العالم مجتمعة . إضافة إلى جيوش متقدمة، وبحرية ضخمة، وقدرات نووية هائلة، وتسليح متقدم . هذه المكانة أخذت تتراجع على طول السنوات الأخيرة . فالإنتاج الصناعي الأمريكي هبط إلى ما يساوي نصف مثيله الأوروبي، وارتفع العجز في الميزان التجاري من 100 مليار دولار عام ،1990 إلى ما يتجاوز 450 ملياراً من الدولارات عام 2000 . وهبطت مشاركة الولاياتالمتحدة في الإنتاج العالمي بنسبة 30%، ثم توالى الهبوط في التسعينات إلى نسبة 20% . ثم جاءت الأزمة المالية في سبتمبر/أيلول ،2008 لتظهر وجود خلل في القطاع المالى الأمريكي، وبداية الشك في كون الولاياتالمتحدة لا تزال تحتل وضع القوة العظمى منفردة، إضافة إلى ما اتفق عليها الخبراء والمفكرون الأمريكيون من أن حرب العراق، أظهرت تراجعها نسبياً في القوة العسكرية الأمريكية . وأن الولاياتالمتحدة على أبواب الانتقال إلى قرن آخر مختلف . وبدأت تظهر مؤلفات لكثير من المفكرين السياسيين عن عالم ما بعد القرن الأمريكي . فقد كانت هناك تحولات تجري في مناطق أخرى من العالم، تعزز هذه الفكرة، وصفها الأمريكيون بصعود الباقين . وكان المقصود بذلك، النمو الاقتصادي الذي فاق التوقعات في آسيا ثم في أمريكا اللاتينية، وقدرة الصين على تحقيق تقدم اقتصادي وعلمي هائل . ما جعل كثير من المؤسسات الاستراتيجية في الغرب، تتوقع انتقال العالم إلى ما أسمته القرن الآسيوي . بل إن هنرى كيسنجر كتب مقالاً قال فيه إن مركز الثقل العالمي، الذي كان مركزه الغرب لقرون مضت، سوف ينتقل إلى آسيا . وكانت هذه النقطة بالذات تصدرت قائمة أولويات القادة والزعماء السياسيين، خاصة في الغرب، وأصبحت بنداً رئيسياً في عمل مراكز الفكر السياسي، والبحوث السياسية والاستراتيجية، وتشعب اهتمامهم من تحليل ظاهرة صعود دولة كالصين إلى مرتبة القوة الكبرى المنافسة للقوة العظمى المهيمنة في العالم، إلى التعميق في الإلمام بمنظومة التحولات التي تحيط بصعود الصين . وجعلتهم يميلون إلى الاقتناع بأن العالم يوشك أن ينتقل إلى القرن الآسيوي، بالطريقة نفسها التي جعلت المفكرين السياسيين يصفون القرن العشرين بالقرن الأمريكي . ويرون أن من أهم النتائج المتوقعة لانتقال مركز الجاذبية العالمية من الغرب، إتاحة الفرص لدول نامية، للصعود كدول محورية مؤثرة في مناطقها الإقليمية، في حالة استيعابها محتوى تجارب صعود الآخرين، كالهند، والبرازيل، وغيرهما . إن ظاهرة التراجع النسبي للقوة الأمريكية بدأت تظهر بوضوح في عهد جورج بوش، ومحاولة فريق المحافظين الجدد الذي يدير سياسته الخارجية، والعسكرية، الوقوف في وجه التيار التاريخي الذي يتحرك مؤذناً بأن العالم مقبل على عصر تعدد الأقطاب . فكان مآلهم إلى السقوط، وسقوط مشروعهم . ثم تأكدت صورة هذا التراجع في عهد أوباما، لمحاولته الإبقاء على الهيمنة الأمريكية بكل الوسائل الممكنة . وكانت نتيجة ذلك تضارب قراراته السياسية، وفقدانه القدرة على إدارة مشكلات العالم وأزماته، وكذلك تناقص مصداقية القوة الأمريكية . وهي تطورات كانت تقود العالم نحو الانتقال إلى ما بعد القرن الأمريكي . نقلا عن صحيفة الخليج