الهيئة الوطنية للانتخابات تدعو المواطنين لسرعة تحميل تطبيق الانتخابات    الإصلاح والنهضة: النظام الانتخابي الحالي محبط جدًا    رئيس جامعة جنوب الوادى يناقش الحوكمة الإلكترونية لنظم الصيانة بالجامعة    رئيس جامعة دمياط يشهد فعاليات الدفعة الثالثة من برنامج "المرأة تقود"    «بحوث الصحراء» يكثف دراساته لحصر وتصنيف الأراضي بمنطقة الشيخ زويد بشمال سيناء    وزيرة التنمية المحلية تستعرض مقترحات تطوير عدد من الشوارع التجارية بمصر الجديدة    شعبة النقل الدولي: مصر تتمتع بمميزات كبيرة تؤهلها لتوطين صناعة السفن    رسوم ترامب الجمركية تتخطى 100 مليار دولار وتُحقق فائضًا مفاجئًا في الموازنة الأمريكية    محافظ الشرقية يوافق على 11 طلبا استثماريا خلال اجتماع مجلس إدارة المناطق الصناعية    إيران تتهم إسرائيل بمحاولة اغتيال رئيسها وتتعهد بالرد    85 شهيدًا منذ فجر اليوم في مدينة غزة وحدها نتيجة الغارات الإسرائيلية    الاستيطان في فلسطين.. كيف تحوّل حلم موشيه زار إلى كابوس ابتلع الأرض وحاصر السكان؟    مسئول إيراني: أمن الخليج يقتضي مشاركة فاعلة من دول المنطقة    "يديعوت أحرونوت": الجيش الإسرائيلي أجرى مناورة تحاكي تعاملا مع غزو واسع قادم من سوريا    صادم.. تقييم محمد صلاح اليوم في مباراة ليفربول وبريستون    منتخب مصر الأولمبي يفوز على كولومبيا في البطولة الدولية للسلة بالصين    بعد الاتفاق على البنود الشخصية.. سانشو على أعتاب الانتقال إلى يوفنتوس    الأعلى للإعلام يتلقى شكوى من "النهار" ضد رئيس نادي الزمالك    أصاب 4 منهم.. الأمن يفحص فيديو تعدي شاب على المارة بسلاح أبيض في الدقهلية    عاطف عوض: اختياري ضمن لجنة تحكيم المهرجان القومي للمسرح شرف كبير    مي فاروق تطرح أحدث أغنياتها "ضحكت فجأة"    الثور يتجاهل الاستفزازات.. 5 أبراج تفضل الصمت وتتجنب الجدال    بالهوت شورت.. نسرين طافش تستمتع بغروب الشمس    المدن الجريحة.. أي درس نستخلصه؟    انطلاق المرحلة الأولى بأسوان.. ماذا حقق "التأمين الشامل" في إقليم الصعيد؟    صحة المنيا: نتائج تحاليل شقيقتي الأطفال الأربعة المتوفين تصدر غدا.. وفحص الوضع البيئي بمنزل الأسرة    طريقة عمل المبكبكة الليبية فى خطوات بسيطة    هل يجوز المسح على الطاقية أو العمامة عند الوضوء؟.. عالم أزهري يوضح    أمينة الفتوى تحسم الجدل حول حكم الصلاة بالهارد جيل    ما حكم استخدام مزيلات العرق ذات الرائحة للنساء؟.. أمينة الفتوى تجيب    مصرع شقيقين أثناء الإستحمام بترعة في كفرالشيخ    حدث غريب في فرنسا.. سجين يهرب من محبسه داخل حقيبة زميله المفرج عنه    "شارابوفا مصر".. ريم مصطفى تخطف الأنظار بإطلالة جريئة من ملعب "التنس"    محافظ كفرالشيخ يبحث الاستعدادات النهائية لتدشين حملة «100 يوم صحة»    تنسيق الجامعات الأهلية 2025.. تفاصيل الدراسة في برنامج طب وجراحة حلوان    مايا مرسى تكرم «روزاليوسف» لجهودها فى تغطية ملفات الحماية الاجتماعية    إحالة أوراق صاحب محل وسائق للمفتى بالقليوبية    مصدر يكشف لمصراوي سبب تأخر بيراميدز في ملف التعاقدات الصيفية    الأكثر فاعلية، علاج القولون العصبي بالأنظمة الغذائية الصحية    نقيب الصحفيين: علينا العمل معًا لضمان إعلام حر ومسؤول    أخبار السعودية اليوم.. مطار الملك خالد يحقق يقتنص مؤتمر الأطعمة والضيافة في برشلونة    حجز إعادة محاكمة أبناء كمال الشاذلى بتهمة الكسب غير المشروع للحكم    وكيل الأزهر يدعو الشباب للأمل والحذر من الفكر الهدام    وزير الأوقاف: شراكة الإعلام والمؤسسات الدينية خطوة تاريخية لمواجهة تحديات العصر الرقمي    نجم مودرن سبورت.. صفقة جديدة على رادار الزمالك    خبراء: قرار تثبيت أسعار الفائدة جاء لتقييم الآثار المحتملة للتعديلات التشريعية لضريبة القيمة المضافة    وزراء العدل والتخطيط والتنمية المحلية يفتتحون فرع توثيق محكمة جنوب الجيزة الابتدائية | صور    ذكري رحيل السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق.. تعرف على أهم الكتب التي تناولت سيرتها    مساعدات أممية طارئة لدعم الاستجابة لحرائق الغابات في سوريا    بعد قبول الاستئناف.. أحكام بالمؤبد والمشدد ل 5 متهمين ب«خلية الإسماعيلية الإرهابية»    الأحوال المدنية تواصل خدماتها المتنقلة لتيسير استخراج المستندات للمواطنين    محافظ أسوان: دخول 24 مدرسة جديدة للعام الدراسي القادم    الوطني الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي بإقامة"المدينة الإنسانية" لا يمت بأي صلة للقيم الإنسانية    القديس يعقوب بن زبدي.. أول الشهداء بين الرسل    لاعب الأهلي السابق يكشف عن أمنيته الأخيرة قبل اعتزال الكرة    حالة الطقس في الإمارات اليوم.. صحو إلى غائم جزئياً    في شهادة البكالوريا .. اختيار الطالب للنظام من أولى ثانوى وممنوع التحويل    «دوروا على غيره».. نجم الزمالك السابق يوجّه رسائل نارية لمجلس لبيب بسبب حمدان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدل: ميزان السماء في مجتمع الإسلام.. أهميته وحقيقته
نشر في الشعب يوم 03 - 12 - 2014

يُعَدُّ العدل من القيم الإنسانية الأساسية التي جاء بها الإسلام، وجعلها من مُقَوِّمَاتِ الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية، حتى جعل القرآنُ إقامةَ القسط - أي العدل - بين الناس هو هدف الرسالات السماوية كلها، فقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، وليس ثمة تنويه بقيمة القسط أو العدل أعظم من أن يكون هو المقصود الأول من إرسال الله تعالى رُسُله، وإنزاله كتبه؛ فبالعدل أُنْزِلَتِ الكتب، وبُعِثَتِ الرسل، وبالعدل قامت السموات والأرض[1].
وفي تقرير واضح وصريح لإحقاق العدل وتطبيقه ولو كُنَّا مبغضين لمن نَحْكُم فيهم، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135]، ويقول أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]، قال ابن كثير[2]: "أي لا يحملنَّكم بُغْض قوم على ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدل في كُلِّ أَحَدٍ؛ صديقًا كان أو عدوًّا"[3].
فالعدل في الإسلام لا يتأثَّر بحُبٍّ أو بُغْضٍ، فلا يُفَرِّقُ بين حَسَب ونَسَب، ولا بين جاهٍ ومالٍ، كما لا يُفَرِّقُ بين مسلم وغير مسلم، بل يتمتَّعُ به جميعُ المقيمين على أرضه من المسلمين وغير المسلمين، مهما كان بين هؤلاء وأولئك من مودَّة أو شنآنٍ.
مواقف من العدل في الإسلام
ومن المواقف التي تدلل على ما سبق قصة أسامة بن زيد مع المرأة المخزومية، فلمَّا حاول أسامة بن زيد أن يتوسَّط لامرأة من قبيلة بني مخزوم ذات نسب؛ كي لا تُقطَعَ يَدُها في جريمة سرقة، ما كان من رسول الله إلاَّ أن غضب غضبًا شديدًا، ثم خطب خطبة بليغة أوضح فيها منهج الإسلام وعدله، وكيف أنه سوَّى بين كل أفراد المجتمع رؤساء ومرءوسين، فكان ممَّا قاله في هذه الخطبة: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ! لَوْ أَنَّ ‏فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"[4].
وقد روى الإمام أَحمد عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه قال: أفاء الله خيبر على رسول الله ، فأقرَّهم رسول الله كما كانوا، وجعلها بينه وبينهم؛ فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها[5] عليهم، ثم قال لهم: "يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخَلْقِ إليَّ، قتلتم أنبياء الله ، وَكَذَبْتُمْ على الله، وليس يحملني بغضي إيَّاكم على أن أحيف عليكم؛ قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر، فإن شئتم فلكم،وإن أبيتم فَلِي". فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض، قد أخذنا[6].
فرغم بُغض عبد الله بن رواحة لليهود إلاَّ أنه لم يظلمهم، بل أعلنها لهم صريحة أنه لا يحيف عليهم، وما شاءوا أَخْذَهُ من أي القسمين من التمر فليأخذوه.
حقيقة العدل في الإسلام
وحقيقة العدل في الإسلام، أنه ميزان الله على الأرض، به يُؤْخَذُ للضعيف حَقُّه، ويُنْصَفُ المظلومُ ممن ظلمه، ويُمَكَّن صاحب الحقِّ من الوصول إلى حَقِّه من أقرب الطرق وأيسرها، وهو واحد من القيم التي تنبثق من عقيدة الإسلام في مجتمعه؛ فلجميع الناس في مجتمع الإسلام حَقُّ العدالة وحقُّ الاطمئنان إليها.
وإذا كان الإسلام قد أَمَرَ بالعدل مع الناس -كُلِّ الناسِ كما رأينا في الآيات الأُوَلِ- العدل الذي لا يَعْرِفُ العاطفة؛ فلا يتأثَّرُ بحُبٍّ أو بُغْضٍ، فإنه قد أمر بالعدل ابتداءً من النفس، وذلك حين أمر المسلم بالموازنة بين حقِّ نفسه وحقِّ ربِّه وحقوق غيره، ويظهر ذلك حين صدَّق رسول الله سلمان الفارسي لمَّا قال لأخيه أبي الدرداء الذي جار على حقِّ زوجته بِتَرْكِها، ومداومة صيام النهار، وقيام الليل: "إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ"[7].
وأَمَرَ الإسلامُ كذلك بالعدل في القول، فقال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152]، كما أمر بالعدل في الحكم، فقال تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]. كما أمر بالعدل في الصُّلْح، فقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9].
تحريم الظلم في الإسلام
وبقدر ما أَمَرَ الإسلامُ بالعدل وحثَّ عليه، حَرَّمَ الظلم أشدَّ التحريم، وقاومه أشدَّ المقاومة، سواء ظُلْم النفس أم ظُلْم الآخرين، وبخاصة ظُلْم الأقوياء للضعفاء، وظُلْم الأغنياء للفقراء، وظُلْم الحُكَّام للمحكومين، وكلَّما اشتدَّ ضعف الإنسان كان ظلمه أشدَّ إثمًا[8]؛ ففي الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا"[9].
ويقول الرسول لمعاذ: "... وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ"[10]. وقال: "ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"[11].
وهكذا هو العدل.. ميزان السماء في مجتمع الإسلام.
د.راغب السرجاني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.