أصدر حزب العمل المصرى برئاسة المستشار محفوظ عزام بيانا تعليقا على خطاب باراك أوباما وقد صدر البيان عن المكتبين السياسى والتنفيذى... وجاء نص البيان: شهدت لغة الخطاب الذي وجهه الرئيس الامريكى أوباما بالقاهرة قدرا من التغيير عن تلك التى حرص سلفه – مجرم الحرب - على استخدامها، حيث وردت بها العديد من تعبيرات التقدير للإسلام ديناً وحضارة كما اتسمت تلك اللغة بقدر من الهدوء يعضده ما يتمتع به صاحبها من ملكات فى العرض والتعبير, وهو الأمر الذى قد يكون له دوره المؤثر فى دغدغة عواطف البعض من المسلمين تجاه مواقف الإدارة الامريكية ومصداقية رئيسها الجديد مقارنة بالمواقف الإجرامية لإدارتي بوش الأب والابن. إلا أن تلك اللغة لم تعكس تغيراً عمليا ولم تأت بجديد فيما يتعلق بالمواقف الامريكية تجاه القضايا الستة التي تناولها الخطاب متمثلة في ( العنف وما يحدث في كل من أفغانستان والعراق-والصراع العربي الإسرائيلي- وإيران والموقف من السلاح النووي- والديمقراطية- والمرأة، والحريات الدينية والأقليات - والتعاون الاقتصادي المشترك.) ولعل أخطر ما ورد في هذا الخطاب تبنيه للادعاءات الإسرائيلية ودعوة الحكومات العربية لتقديم المزيد من خطى التطبيع العربي والإسلامي مع الكيان الصهيوني، والدعوة لنبذ العنف من الطرف العربي ومطالبة حماس بإعلان الاعتراف بإسرائيل والالتزام بما يسمى باتفاقات السلام السابقة، واعتبار العراق في وضع أفضل مما كان عليه ابان حكم الرئيس صدام حسين ،إضافة إلى تلك الاشارات إلى حقوق كل من الموارنة والأقباط وإلى قضية دارفور. وما سبق يجعلنا نستنج أن أقصى ما يمكن أن تطالب به الإدارة الأمريكية الكيان الصهيوني هو إيقاف الامتداد الاستيطانى دون إزالة ما هو قائم منه والحديث عن الدولة الفلسطينية دون الخوض فى تفاصيل تلك الدولة المفككة والتى يفترض أن تكون منزوعة السلاح وفاقدة لكل مقومات السيادة حيث يصبح الدور المنوط بها أقرب لدور البلديات ومقتصراً على مهام النظافة وتوفير الخدمات علاوة على الدور الأهم المتمثل في المهام الأمنية لصالح الكيان الصهيوني، بينما تبتلع المساحة الأغلب من الضفة الغربية ويظل للكيان الصهيوني الحق في السيادة وللجانب الفلسطيني حق الإدارة الذاتية في تلك الدويلة المزعومة . إن المطالبة بالمزيد من التطبيع الرسمي وإيقاف العنف يعنى في حقيقته وقف المقاومة وإلقاء سلاحها والاعتراف بإسرائيل وهو بمثابة التسليم الكامل بحق الكيان الصهيونى فى استمرار الاحتلال وعدم مشروعية المقاومة وإنهاء حق العودة ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية من جذورها لصالح العدو ومخططاته . كما أن إشارة الخطاب إلى أفضلية الوضع في العراق مقارنة بالوضع إبان حكم الرئيس صدام هو تجاهل وامتناع عن الاعتراف بالجريمة الامريكية وتزييف للحقائق المرتكبة فى حق الشعب العراقى وما سالت منه من دماء ولحقه من دمار. إن خلو كلمات الرئيس أوباما من أى إشارة إلى جرائم التعذيب فى سجن أبو غريب وفى جوانتنامو، ومذابح الإبادة الجماعية للأطفال والنساء والعزل من أهل غزة، إضافة إلى استمرار الحصار وإغلاق المعابر، وما يمارس داخل الولاياتالمتحدة ذاتها من سجن للثابت براءتهم من المسلمين وما يتم حالياً من قتل جماعى فى باكستان والتغافل عن الممارسات القمعية غير الديمقراطية للانظمة والحكومات، بينما كل ذلك فى حقيقته يمثل جرائم تتعلق بحقوق الانسان ، لدليل دامغ على غياب التوازن الذى زعمه البعض فى ذلك الخطاب .بل يؤكد بالدليل القاطع مواصلة انتهاج الرئيس أوباما لسياسة الإدارة الأمريكية في ازدواج المعايير والكيل بمكيالين على نحو يصب فى مصلحة الطرف الصهيونى دون غيره. إن البعض أخذ على خطاب الرئيس أوباما أنه عرض للكلمات دون الأفعال ونحن نرى أنه حتى الكلمات مازالت بعيدة عن معايير التوازن والحقوق حتى يمكن أن نطالب بتفعيلها فى إطار أفعال وسياسات. وهنا ينبغى التأكيد على ما يلى: أولا: أن الأمة لن تتمكن من التقدم على طريق استعادة حقوقها إلا بجهد المخلصين من ابنائها فى إطار استقلال إرادتها وثقتها فى نفسها ومشروعية حقوقها وإصرارها على تقديم الغالى والنفيس لتحقيق مآربها متوكلة فى ذلك على خالقها متيقنة من نصره إذا أخذت بأسباب ذلك النصر. وأن استعادة الحقوق لم ولن تكون من خلال منحة يأتى بها الخصوم أو هبة ينعمون بها علينا فى لحظة من لحظات المن. ثانيا: أن التمسك بالمقاومة واستمرارها والحفاظ على ثوابت الأمة وحقوقها وأولها حق العودة للاجئين وإنهاء الاحتلال لكافة الاراضى المحتلة دون انتقاص هو الضمانة الوحيدة والفاعلة للحد من أي محاولات للالتفاف على مصالح الأمة واستمرار مخططات إخضاعها والنيل من مقدراتها. ولعلنا ندرك أنه لولا تصدى المقاومة لمشروعات بوش والإدارة الامريكية وإفشالها، لما كان لحلفاء بوش أن يسقطوا ولأوباما أن يتبوء مقعده كرئيس للولايات المتحدةالامريكية ولا للإدارة الامريكية أن تعيد تلوين وجهها على النحو الذى تقبل به علينا. ثالثا: أن السعي لوحدة الصف الرسمى العربى والاسلامى ينبغى أن يكون على أساس الدفاع عن الحقوق وعدم التفريط فيها وأن أي تحرك أو محاولة لتحقيق إجماع يتجاوز تلك الحقوق أو يفرط فيها هو الخضوع الكامل لمصالح الاعداء ولا يمكن لشعوبنا أن تسمح بمروره دون فضحه وتعريته. رابعا: أن السعى الدؤوب لوئد الفتنة بين عناصر الأمة شيعة وسنة وأقباطا ومسلمين وعربا وكردا وبربر، ودعم السودان فيما يتعرض له سواء كان ذلك في الجنوب أو في دارفور، هو ضرورة ملحة لمواجهة محاولات التجزئة والتفتيت، وأن التلويح بورقة المذاهب أو الأقليات أو العرقيات ينبغي أن يعتبر خطا أحمرا لا يجوز تجاوزه بأى حال من الأحوال وأن تمسكنا بعقيدتنا وبقيمنا الإجتماعية الصحيحة هو الضمانة لحقوق المرأه ولحقوق الأقليات من ابناء جلدتنا ، حيث لا حاجة لنا للعظة فى هذا الشأن والتى قد تكون مدخلا للتدخل فى شئوننا وتقطيع أواصرنا. خامسأ: أن الديمقراطية وتداول السلطة واحترام إرادة الشعوب فى إختيار ممثليها هى ضمانة استقلال إلارادة والباعث على فرض احترام الآخر لنا ولقرارنا وأن إطلاق الحريات والإفراج عن المسجونين السياسيين وإنهاء مثول المدنيين أمام المحاكم العسكرية، هو أحد ركائز القوة في توحيد الصفوف نحو إجماع صادق يحفظ لنا عزتنا ويصون كرامتنا. سادساً: أن الاهتمام بالعلم والإسراع بإنقاذ التعليم مما آل إليه حاليأ والإهتمام ببناء إقتصاد يعتمد بداية على الذات وضمن أنماط إنتاجية حقيقية وليست استهلاكية ، وفى إطار منظومة تنموية جادة تتعاون مع الاصدقاء وتتجنب أن نكون سوقا لاستهلاك منتجات الخصوم والأعداء، تغلق فيها أبواب الفساد وتعظم معايير الإجتهاد والبناء، هو بمثابة حجر الاساس وأولى تدابير تجاوز الأزمة الاقتصادية. وهنا ينبغى التأكيد على أنه لا يمكن أن يكون هناك تقدم على صعيد الإقتصاد والتنمية دون توفر الحريات والضمانات السياسية الكفيلة بتحقيق ذلك. سابعا: علينا أن ندعو لتجبيه الجهود فى الداخل والخارج لإيقاظ الوعي والتصدى لمحاولات الإلتفاف على الحقوق والثوابت باستخدام السياسة الناعمة بعد أن عجزت الآلة العسكرية عن تحقيقها في ظل غطاء نفعي (براجماتي) ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب.
واخيرا فإننا مع كل دعوة للتقارب بين الحضارات - وهذا واجب شرعي - على ألا تكون على حساب التفريط في الحقوق أو الاندفاع وراء سراب، والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل. إنه نعم المولى ونعم النصير.