لحظات قاسية لم يتوقع الإنسان أن يعيشها، يسطرها القدر فى سجل حياتنا ويسجلها التاريخ حتى بعد موتنا، لحظات غرق جماعى أو مجزرة أو ما إلى ذلك من موت جماعى، وأنفاس أخيرة يشاركها بعض مع الأصدقاء أو حتى أناس غرباء عنهم. لم تكن تتخيل "أم محمد" أن تنجو بنفسِها وأطفالها الثلاثة الذين لا زالت تحمل أحدهم فى أحشائها، من موتٍ محققٍ بعد أن غرقت السفينةُ التى كانت تقلهم من شواطئ بحر الإسكندرية إلى مقصدهم إلى الشواطئ الأوروبية، "أم محمد" (ونتحفظ على اسمها الحقيقى بناءً على طلبها؛ لحساسية الظرف الذى تعيشه الآن)؛ حيث روت من مكان وجودها فى داخل أحد المستشفيات بمصر، تتلقى العلاج بعد إصابتها فى حادثة غرق السفينة قبالة الإسكندرية، تفاصيل رحلة الهجرة القاسية من غزة إلى الإسكندرية ومنها إلى أعالى البحار، حيث كانت الكارثة؛ حيث غرق 15 فلسطينيًّا فيما تم إنقاذ 72 آخرين. تقول أم محمد التى كانت فى حالة انهيار عصبى: "إن أكثر من 180 شخصا كانوا على ظهر السفينة الغارقة وأن الغالبية العظمى، هم من فلسطينىِّ قطاع غزة وخاصةً فئة الشبان، إضافة إلى بعض السوريين وعدد قليل من السودانيين، مشيرةً إلى غالبية من كانوا على متن السفينة، هم من المهاجرين غير الشرعيين وخاصةً شبان قطاع غزة". وعن ظروف الحادثة، تقول: خرجت من غزة بشكلٍ طبيعىٍّ عبر معبر رفح البرى برفقة زوجى واثنين من أطفالى، ومن هناك طلب أحد أصدقاء زوجى منه أن لا يعود لغزة وأن نغادر جميعنا بسهولة عبر البحر إلى إيطاليا ومنها إلى السويد؛ للحصول على الجنسية، والعيش هناك فى ظروف أفضل من الحياة فى غزة. وتضيف: "خرجنا بالرحلة عصر الخميس الماضى، وبقينا فى البحر حتى الساعة الخامسة من مساء يوم الجمعة، حين توقفت السفينة عن العمل، وتبين أن محركها أصابه عطلٌ قبل أن بدأت المياه بالتسلل إلى السفينة، وبدأنا جميعنا نصرخ ولا نعرف ماذا نفعل؟! والرجال يحاولون أن يهدئوا من روعنا؛ حيث كان عددٌ لا بأسَ به من النساء والأطفال على متنِ السفينة، وبدأت كميات المياه تتسرب بشكلٍ كبيرٍ حتى غرقت بنا بعد وقت قصير من إبحارها؛ بسبب الحمولة الزائدة، حيث حاول الكثير من الشبان إنقاذ أنفسهم. وتتابع: "من حسن حظنا أن خفر السواحل المصرية لم يتأخر كثيرا وكان فى طريقه لنا قبيل الحادثة، وقام بإنقاذِ عددٍ كبيرٍ جدا منا، وقاموا بتحويل من أصيب منا إلى المستشفيات فيما تحفظوا على الآخرين فى أقسام أحد المراكز، ومن كانت تتحسن حالته الصحية يتم نقله للقسم الأمنى". مشيرةً إلى أنها لا تعرف أعدادَ القتلى تمامًا، ولكنها سمعت عن وجود عدد قليل وتم إنقاذ الآخرين وإن كان بعضهم يعانى من ظروفٍ صحيةٍ خطيرة. وتشير أم محمد إلى أنه تم تحويل جميع من تم إنقاذهم، ظهر أمس الأحد، إلى نيابة المنشية فى مصر لتقرير مصيرهم، متوقعةً أن يتخذ قرار، اليوم الإثنين، أو غدا بإعادة ترحيلهم إلى غزة، واعتقال أصحاب المركب الذين تم توقيفهم. ولم تكن حادثة الإسكندرية هى الوحيدة؛ حيث كشفت الساعات الأخيرة عن حادثة أخرى وقعت، مساء يوم الأربعاء الماضى، قبالة سواحل اليونان- إيطاليا. وقال "زكريا العسولى"، أحد الفلسطينيين الموجودين فى السويد ل القدس دوت كوم: "إنه كان ينتظر من عمه "شكرى العسولى" من سكان خانيونس جنوب قطاع غزة، اتصالا يبلغه بوصوله إلى إيطاليا أو اليونان". وبين "العسولى"، الذى روى لنا ما جرى مع عمه، بالقول: "إحدى السفن التى تقل 400 شخص غالبيتهم من الفلسطينيين، خرجت من شواطئ الإسكندرية وقبل وصولها إلى الشواطئ الإقليمية اليونانية- الإيطالية، فى ساعات مساء يوم الأربعاء، جنحت فى عرض البحر. وقال "العسولى"، الذى نقل لنا الرواية عن عمه "شكرى" الذى تمكن من النجاة بنفسه، ووصل إلى شواطئ اليونان بعد أن فقد عائلته المكونة من زوجته وطفليه: "إن السبب فى حادثة الغرق قيام 6 أشخاص مجهولى الهوية كانوا على متن مركب قريب من المركب الرئيسى الذى يقل المهاجرين، وهاجموا المركب بضربه حتى أُغرق تماما"، مضيفا "منذ يوم الأربعاء حتى الآن هناك مئات المفقودين الذين لا زالوا فى المياه دون أن يعرف مصيرهم أو تحاول أىُّ جهةٍ العملَ على إنقاذهم أو انتشال جثثهم. وأشار إلى أن غالبية من كانوا على متن السفينة، هم من سكان قطاع غزة، ومن ضمنهم عناصر من حركة فتح من المقيمين فى العريش وبعض مناطق مصر بعد أحداث الانقسام عام 2007، ولم يعرف مصيرهم. وأشار "العسولى" لوجود عائلات بأكملها، منها عائلة عمه "شكرى"، الذى لا يعرف حتى اللحظة مصير زوجته "هيام العقاد" (العسولى) ونجليهما الطفلة "يامن شكرى العسولى" (8 شهور)، و "رتاج شكرى العسولى" (4 أعوام). وتقول مصادر فى قطاع غزة ل "القدس دوت كوم": "إن عملية التهريب أو الهجرة غير الشرعية بدأت قبيل الحرب، وازدادت مع الأيام الأخيرة من الحرب وما بعدها، مبينةً أن تكلفة الرحلة تصل ل4 آلاف دولار، تبدأ من الوسيط وصاحب النفق الذى يكون فى الغالب هو نفسه، ومن ثم نقل المهاجر إلى مصر؛ ليستلمه شخص ما هناك من العين الأخرى للنفق ويتم نقلهم لسيناء ومنها إلى الإسكندرية؛ حيث يتم تجميعهم فى بركس قرب ميناء الإسكندرية يضم العشرات من المهاجرين من مختلف الجنسيات فى انتظار الرحلة عبر قارب سيء المواصفات ولا يتسع سوى ل 50 راكبا؛ حيث يتم الدفع بأكثر من 150 شخصًا فيه، وينطلقون من هناك إلى البحر فى طريقهم إلى سواحل إيطاليا، ومن هناك يتم إلقاؤهم فى عرض البحر ولدى كل واحد "عجل البحر"؛ لكى يتسنى له السباحة حتى الوصول للقوات الإيطالية؛ حيث يتم إغاثتهم ونقلهم إلى إيطاليا، ومنها يخيرون بالعودة إلى بلادهم أو الذهاب لدولة أخرى.