الجيوشي: الحكم بعودة التعليم المفتوح بشهادته الأكاديمية خاص بالجامعات الحكومية فقط    تعرف على الإجراءات القانونية للإعلان عن نتيجة المرحلة الثانية من انتخابات النواب    مرصد الأزهر يدق ناقوس الخطر: ظواهر سلبية تهدد البيئة التعليمية وتسيء لدور المعلم    البابا تواضروس يُهنئ الأقباط ببدء صوم الميلاد    سعر الجنيه الذهب اليوم في مصر اليوم الخميس    محافظ الجيزة يعتمد تعديل المخطط التفصيلى لمنطقة السوق بمركز ومدينة العياط    اللواء أكرم جلال ينعى الراحل أحمد القصاص محافظ الإسماعيلية الأسبق    وزير الخارجية يلتقى مع مفوضة الاتحاد الاوروبى لإدارة الأزمات    ارتفاع حصيلة الفيضانات وانزلاقات التربة في إندونيسيا إلى 19 قتيلا    سلطات هونج كونج: ارتفاع عدد قتلى حريق اندلع بمجمع سكني إلى 55    "إسرائيل ليست على طريق السلام مع سوريا".. كاتس يشير إلى خطة جاهزة في اجتماع سري    موعد مران الزمالك في جنوب أفريقيا استعدادا لمواجهة كايزر تشيفز    كيفو: خسارة إنتر أمام أتلتيكو مدريد مؤلمة.. ولم نستغل الهجمات المرتدة    حقيقة فسخ بيراميدز تعاقده مع رمضان صبحي بسبب المنشطات    تأجيل محاكمة 124 متهما في "الهيكل الإداري للإخوان"    السيطرة على حريق فى منزل ببندر ساقلته سوهاج دون خسائر بشرية    بعد رحيلها المفاجئ.. 5 معلومات عن الإعلامية هبة الزياد    المركز القومي للمسرح يعلن آخر موعد للتقديم لمسابقة سيد درويش الموسيقية    المفوضة الأوروبية: ما يحدث في السودان كارثة إنسانية    «صحف يونانية»: اكتشاف أكبر مدينة عنكبوتية عملاقة على الحدود مع ألبانيا    تعاون بين جامعة الجلالة والهيئة العامة للرعاية الصحية في مجال التدريب الطبي    هيئة الرعاية الصحية تعلن الفائزين بجوائز التميز لعام 2025    ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.3% بالربع الأول من عام 2025 /2026    مواجهة شرسة بين بتروجت ودجلة في كأس مصر الليلة    هاري كين: هذه أول خسارة لنا في الموسم فلا داعي للخوف.. ومتأكد من مواجهة أرسنال مجددا    رأس المال البشرى.. مشروع مصر الأهم    وزير البترول يشهد توقيع خطاب نوايا مع جامعة مردوخ الأسترالية    انطلاق أول رحلة رسولية خارجية للبابا ليو الرابع عشر نحو تركيا ولبنان    «علاقة عاطفية» السر وراء سرقة خزينة داخل منزل بالوراق    إصابة 9 أشخاص فى حادث انقلاب ميكروباص بطريق أبوسمبل    انطلاق امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    طقس الخميس.. انخفاض فى درجات الحرارة وشبورة كثيفة صباحا    وزارة الداخلية تقرر إبعاد 3 أجانب خارج مصر    الأحزاب ترصد مؤشرات الحصر العددى: تقدم لافت للمستقلين ومرشحو المعارضة ينافسون بقوة فى عدة دوائر    المعارضة تقترب من حسم المقعد.. وجولة إعادة بين مرشّح حزبى ومستقل    وزير الري يستعرض المسودة الأولية للنظام الأساسي واللائحة الداخلية لروابط مستخدمي المياه    مصر للطيران تنفي وقف صفقة ضم طائرات جديدة لأسطول الشركة.. وضم 34 طائرة جديدة بدءًا من 2026    أسعار الخضروات اليوم الخميس 27 نوفمبر في سوق العبور للجملة    وزير الانتاج الحربي يتابع سير العمل بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية    عمر خيرت يوجه رسالة للجمهور بعد تعافيه من أزمته الصحية.. تعرف عليها    اليوم.. المؤتمر الصحفي لمباراة الأهلي والجيش الملكي المغربي    ضبط المتهم بالتعدى على فتاة من ذوى الهمم بطوخ وحبسه 4 أيام    مصرع 11 عاملًا وإصابة آخرين بعد اصطدام قطار بمجموعة من عمال السكك الحديدية بالصين    جنة آثار التاريخ وكنوز النيل: معالم سياحية تأسر القلب في قلب الصعيد    ترامب: الولايات المتحدة لن تستسلم في مواجهة الإرهاب    عصام عطية يكتب: «دولة التلاوة».. صوت الخشوع    فانس يوضح الاستنتاجات الأمريكية من العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    زكريا أبوحرام يكتب: أسئلة مشروعة    علامات تؤكد أن طفلك يشبع من الرضاعة الطبيعية    أستاذة آثار يونانية: الأبواب والنوافذ في مقابر الإسكندرية جسر بين الأحياء والأجداد    ضعف المناعة: أسبابه وتأثيراته وكيفية التعامل معه بطرق فعّالة    المناعة لدى الأطفال وسبل تقويتها في ظل انتشار فيروسات تنفسية جديدة    موعد أذان وصلاة الفجر اليوم الخميس 27نوفمبر2025.. ودعاء يستحب ترديده بعد ختم الصلاه.    كرة يد - "أتفهم حزن اللاعبات ونحتاج دعمكم".. رسالة مروة عيد قبل كأس العالم للسيدات    خالد الجندي: ثلاثة أرباع من في القبور بسبب الحسد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيديو.."قصة وفكرة" - قوة التسامح - "نيلسون مانديلا"
نشر في الشعب يوم 12 - 08 - 2014

قال الإمام أحمد بن حنبل لطبيبه أن في ظهره موضع يؤلمه أكثر من ألم السياط التي ضربوه فيها
فسأل الطبيب السجناء ذوي الخبرة، فأخبروه أن الضرب يسبب أحيانا قطعة لحم ميتة إذا لم يتم إخراجها قد تؤدي للموت.
فبينما الطبيب يستخرجها بدون تخدير كان الإمام وهو في شدة الألم يردد:
اللهم اغفر للمعتصم .. اللهم اغفر للمعتصم
وهو الخليفة الذي أمر بضربه.
فسألوه عن ذلك فقال:
هو ابن عم رسول الله فكرهت أن آتي يوم القيامة وبيني وبين أحد من قرابته خصومة، فهو مني في حل.
النفوس الكبيرة هي التي تعفو وتسامح وإلا فقد يجر الانتقام الامة كلها إلى الهاوية
ومن أعظم النماذج الحديثة في التسامح هو نيلسون مانديلا الذي ذاق الويلات من الحكام البيض
وهو شخصيتنا اليوم حلقة التسامح من .. قصة وفكرة
قصتنا اليوم تجمع بين الكفاح للحرية وعدم نسيان فضيلة التسامح لحظة النصر
وُلدَ نلسون مانديلا في 1918 في جنوب إفريقيا. وكان أبوه زعيمًا قبلياً. تدرب مانديلا على المحاماة، وفي عام 1944م انضم إلى المؤتمر الوطني الإفريقي، وهو منظمة مناهضة لسياسة التمييز العنصري (التفرقة العنصرية)، والتي جعلت قلة من البيض من الأصول الانجليزية يتحكمون بكل ظلم وعنصرية واستبداد بمصير الأغلبية الساحقة من السود وهم السكان الأصليين لجمهورية جنوب إفريقيا.
فالعنصريون البيض كانوا يعتبرون أنفسهم أهل البلاد، توارثوها عن أسلافهم جيلا بعد جيل، وكانوا صناع نهضتها العلمية وتطورها الصناعي الذي يضعها في مصاف الدول الأوروبية وأكثرها تقدما ورخاء، ولكنه رخاء وتطور تحتكره الأقلية البيضاء وتنتفع به، بينما الأغلبية السوداء من أهل البلاد ظلت تعاني العوز والمهانة وتتعذب بممارسات الاضطهاد العنصري.
في انتخابات جنوب أفريقيا لعام 1948، والتي يصوت فيها فقط البيض، هيمن على السلطة حزب Nasionale Herenigde الأفريكاني،. ذي النزعة العنصرية العلنية، قنن ووسع بتشريعات جديدة للفصل العنصري.
وزاد ذلك من تحرك الأفارقة للتخلص من العنصرية المقيتة للرجل الأبيض وزاد الحراك حتى كان عام 1950 حين برز مانديلا زعيمًا. وفي العام نفسه أصبح رئيسًا لجمعية شباب المؤتمر الإفريقي، والحركات الشبابية هي المطبخ الرئيسي للقيادات في التاريخ، ثم نائبًا لرئيس المؤتمر، وهو الحزب الرئيسي للأفارقة، وكان مانديلا أول مواطن أسود يفتتح مكتبًا قانونيًا في جنوب إفريقيا عام 1952م.
في عام 1952، بدأ حزب المؤتمر الوطني الأفريقي استعدادا للانضمام إلى حملة تحد لنظام الفصل واتخذ القرار بمقاومة لا عنفية تأثرا بحركة المهاتما غاندي، ما اعتبره البعض بأنه خيار أخلاقي، في حين اعتبره مانديلا واقعيا لعدم قدرتهم على المواجهة الصريحة مع الجيش الذي يقوده الرجل الأبيض.
وفي نفس العام، ألقى مانديلا خطابا أمام حشد من 10 ألاف شخص، شكل انطلاقة لحملة الاحتجاجات، فألقي عليه القبض واعتقل لفترة وجيزة حيث نما عدد المنتسبين لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي من 20،000 إلى 100،000، والأحزاب الفعالة هي التي تستطيع تنمية أعدادها بسرعة كبيرة وليس بانتقائية شديدة. وردت الحكومة على الاحتجاجات بالاعتقالات الجماعية وإصدار قانون السلامة العامة في 1953 للسماح بتطبيق الأحكام العرفية.
أدين مانديلا بتهمة الخيانة العظمى، من قبل نظام الأقلية البيضاء، وجرائم أخرى خطيرة عام 1956م، فقام بالاختباء ولجأ للعمل السري. وبعد أن قامت حكومة جنوب إفريقيا العنصرية بحظر نشاط المؤتمر الوطني الإفريقي عام 1960م، نجح مانديلا في تكوين تنظيم عسكري أطلق عليه (رمح الشعب) لمناهضة التمييز العنصري. وبدأ مانديلا بتجديد نضاله السري ضد حكومة الأقلية البيضاء، حتى قبض عليه سنة 1962م، وحكم عليه بالسجن المؤبد.
مكث مانديلا27 عاما في السجن( أكثر من عشرة آلاف يوم ) فدخل سجن بريتوريا وعمره 44 سنة وخرج وعمره 72 عاما!! وفي زنزانته بدأ في دراسة بالمراسلات للتحضير لليسانس الحقوق (بكالوريوس في القانون) من جامعة لندن.
وهكذا تكرس مانديلا كأيقونة للنضال والحرية حتى أن بعض البيض تأثرا به قدموا قصصا ملهمة للحرية منها القصة التي أوردها مانديلا نفسه وهي قصة المحامي الأبيض "برام منيشر" ، وهو ابن لرئيس وزارء مستعمرة نهر أورانج وكان والده رئيس قضاة ، كان يدافع عن مانديلا وأعضاء المؤتمر وكان يؤرقه أن الرجال الذين يدافع عنهم يذهبون إلى السجن، بينما يعيش هو حرًا طليقًا ! قرر المحامي الأبيض أن يلتحق بالعمل السري مع السود أنصار مانديلا ضد أعداء الإنسانية البيض "قومه" ، ونصحه مانديلا أثناء المحاكمة ألا يفعل ذلك ؛ لأنه يخدم المعركة أفضل في قاعة المحكمة، وحتى يرى العالم أفريكانيًا وابن رئيس قضاة ينافح عن المظلومين ، ولكن لشهامته لم يكن ليتحمل رؤية نفسه حرًا والأبرياء يعانون، فقد كان كالقائد الذي يقاتل جنبًا إلى جنب مع جنوده، لم يرد أن يطلب من الآخرين أن يقدموا تضحية يتورع هو عنها ، والتحق بالعمل السري ضد البيض (قومه) ، فُقبض عليه ثم أفرج عنه بكفالة، وقبض عليه مرة أخرى وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، ولما أصابه السرطان في السجن شنت الصحافة حملة للإفراج عنه ومات بعد خروجه واستمرت الحكومة البيضاء في مطاردته ، حتى بعد وفاته وصادرت رماد جثته بعد حرقها !
نقل مانديلا من سجن بريتوريا إلى سجن في جزيرة روبن آيلاند، حيث بقى هناك لمدة 18 سنة. (1962-1982) معزولا في زنزانة رطبة بمقاس 8 أقدام في 7 أقدام، بها حصيرة من القش للنوم عليها ولم يسلم من المضايقات الجسدية واللفظية من العديد من حراس السجن البيض، وكان يقضي يومه في كسر الصخور في المحاجر، ومنع في البداية من ارتداء النظارات، ما تسبب في أضرار دائمة في بصره ، ورغم ذلك كان يحضر لشهادة ليسانس الحقوق، ومنعت عنه الصحف، وكان حبس انفراديا في عدة مناسبات لحيازته قصاصات أخبار مهربة. ثم سمح له بزيارة واحدة ورسالة واحدة كل ستة أشهر، في ظل رقابة صارمة على كل بريده.
استثمر مانديلا فترة السجن وأنشأ "جامعة جزيرة روبن"، و حاضر السجناء كل حسب خبرته وتخصصه، ودرس هو خلال تلك الفترة الإسلام. و اللغة الأفريكانية.
زارته والدته في السجن عام 1968، قبل وفاتها بفترة وجيزة، وابنه البكر ثيمبي الذي توفي في حادث سيارة في العام التالي. ومنع مانديلا من حضور جنازتهما كما لم تكن زوجته قادرة على زيارته لتكرار سجنها بسبب نشاطها السياسي، في حين زارته بناته للمرة الأولى في ديسمبر 1975، خرجت زوجته من السجن في عام 1977 ولكنها خضعت لإقامة جبرية ،فلم تستطع زيارته.
بداية من سنة 1967، بدأت تتحسن ظروف السجن، ، وبحلول عام 1975، اصبح مانديلا ضمن الفئة (A) من السجناء، فسمح له بعدد أكبر من الزيارات والرسائل. وتراسل مع نشطاء مناهضين للفصل العنصري و بدأ كتابة سيرته الذاتية، والتي كانت تهرب إلى لندن، من دون نشرها، واكتشفت سلطات السجن عدة صفحات، فأوقفت الامتيازات الدراسية لمانديلا لمدة أربع سنوات.
في أبريل 1982، تم نقل مانديلا إلى سجن بولسمور (Pollsmoor) في كيب تاون مع كبار قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وكان الهدف من عزلهم هو القضاء على تأثيرهم في النشطاء الأصغر سنا.
في تلك الفترة قرر رئيس جنوب أفريقيا الأسبق بوتا (P.W. Botha). السماح للمواطنين الملونين والهنود بانتخاب برلماناتهم التي سيكون لها السيطرة على التعليم والصحة والإسكان الخاص بهم، ولكن الأفارقة السود استبعدوا من هذا النظام، فرأى فيه مانديلا وكذا جبهة UDF على أنه محاولة لتقسيم الحركة المناهضة للفصل العنصري على أسس عرقية.
تصاعدت أعمال العنف في أنحاء البلاد، وازدادت المخاوف من حرب أهلية. وتحت ضغط من اللوبي الدولي، توقفت البنوك عن الاستثمار في جنوب أفريقيا، مما أدى إلى ركود اقتصادي. فطالب العديد من البنوك وتاتشر من بوتا باطلاق سراح مانديلا فعرض على مانديلا في فبراير 1985 الإفراج من السجن بشرط «التخلي عن العنف كسلاح سياسي دون قيد». لكنه رفض لعرض، وأصدر بيانا يقول فيه "فقط الأحرار يمكنهم التفاوض"
عادت الحركة المناهضة للفصل العنصري عام 1985 للمقاومة والكفاح المسلح، فشن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي 231 هجمة في عام 1986 و 235 هجمة في عام 1987. استعمل النظام العنصري الجيش والفرق شبه العسكرية لمحاربة المقاومة، ومولت الحكومة سرا حركة الزولو انكاثا القومية لمهاجمة أعضاء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، لتزيد وتيرة العنف بين الأفارقة أنفسهم.
وبالموازاة مع فترة السجن، انتشرت حملة دولية عملت على الضغط من أجل إطلاق سراحه و وضعت عدة جماعات من السود إطلاق سراح مانديلا شرطًا لأي مفاوضات جادة تتعلق بمستقبل البلاد. وفي عام 1985م وافقت الحكومة على إطلاق سراحه شريطة أن يلتزم بنبذ العنف كوسيلة سياسية، لكنه رفض ذلك إلا بشرط إلغاء النظام العنصري.
كيف خرج مانديلا من السجن وماذا قعل بعد ذلك
لم يفتّ السجن في همته على الرغم من قسوته, وربما ساعده على ذلك كثرة العدد المعتقل وعالمية الدفاع ووضوح القضية . يقول لهم مرة: "إذا خرجت من السجن في نفس الظروف التي اعتُقلت فيها فإنني سأقوم بنفس الممارسات التي سُجنت من أجلها"
في 11 يونيو عام 1988م تجمع آلاف المواطنين في ومبلي بلندن احتفالا بعيد ميلاد مانديلا السبعين، وقُدم خلال الاحتفال عرض يوضح للعالم مساوئ التمييز العنصري.
وفي عام 1989م التقى السجين مانديلا بصورة غير رسمية بالسيد بوتا رئيس وزراء جنوب إفريقيا، ثم بالرئيس الذي تلاه دي كليرك، اللذين أبديا استعدادا للتنازل للأفارقة.
أُطلق سراح نيلسون مانديلا في 11 فبراير عام 1990م وانتخب في الشهر التالي نائبًا لرئيس المؤتمر الوطني الإفريقي، واعترفت الحكومة بحزب المؤتمر رسميًا. وفي أوائل عام 1990م قاد مانديلا مجموعة من المفاوضين في محادثات رسمية مع دي كليرك ومسؤولين آخرين في الحكومة. وقد هدفت المفاوضات إلى وضع دستور خاص بجنوب إفريقيا يمنح السود الذين يمثلون أغلبية السكان حق المواطنة والانتخاب.
في أغسطس عام 1990م، أصدر مانديلا أمرًا بإيقاف الكفاح المسلح ضد الحكومة الذي ظل مستمرًا منذ عام 1960م. وانتخب مانديلا رئيسًا للمؤتمر الوطني الإفريقي عام 1991م.
أكبر تحدٍّ واجه مانديلا عقب خروجه من السجن وتوليه السلطة «هو أن قطاعًا واسعًا من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق»، لكنه حال دون ذلك، وكان هذا هو الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إلى الحرب الأهلية فقد طلب من شعبه أن ينسى الماضي بكل آلامه وأحزانه وذكرياته الأليمة، وأن يُمارس ضبط النفس ويسمو فوق جراحه وأوجاعه.
فقيمة مانديلا التي تجعله متفردا بين المناضلين ليس مدة سجنه الطويلة، ولا طبيعة النضال ضد حكم الأقلية البيضاء وما اقترفته من جرائم ضد بني قومه. قيمته أنه دخل على حالة كانت عصية على الحل، بل حالة شبه مغلقة وبشكل مأساوي على أصحابها، فما كان موجودا في جنوب أفريقيا ليس وجودا استعماريا، كما هو حال دول أفريقية أخرى، رحل عنها الاستعمار تحت ضربات المناضلين من أهلها، بل حالة خاصة جدا.
وهنا تأتي ميزة مانديلا عندما جاء بأطروحته ذات الأبعاد الإنسانية التصالحية؛ أطروحة التسامح التي اقترنت بمقولة شهيرة له تقول: «نحن نغفر ولكننا لا ننسى»، واستطاع عبر المفاوضات التي أجريت معه في سجنه أن يصل إلى صيغة مع السلطة الحاكمة وأن ينزع بفضل توجهاته الإنسانية وروح التسامح والغفران التي تميز بها خطابه وطرحه السياسي روح الغل والحقد المتبادل بيني عنصري الأمة، وأن يصل بشعبه إلى بر الأمان ويقوده إلى أرض الحرية والعدالة والرخاء والأمان والتعايش السلمي بين الماضي والحاضر، وبين البيض والسود. وأنشأ جهازا قضائيا وسياسيا لإقامة المصالحة وكانت عملا ناجحا، أسهم في ذوبان الأحقاد وبناء الثقة، ووضع البلاد على طريق التعايش بين كل الأجناس.
وفي العاشر من مايو عام 1994م أجريت أول انتخابات حرة يشترك فيها البيض والسود فاز فيها مانديلا ليصبح أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا بصورة رسمية، وانتهت ثلاثة قرون أو أكثر من التمييز العنصري في تلك البلاد.
ركزت حكومة نيلسون مانديلا على تحقيق المصالحة الوطنية من خلال :
1.تفكيك إرث نظام الفصل العنصري
2. التصدي للعنصرية المؤسساتية
3.محاربة الفقر وعدم المساواة
4.تعزيز المصالحة العرقية سياسيا.
ومن أجل تحقيق المصالحة الوطنية أسس دستورا جديدا ولجنة للحقيقة والمصالحة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي.
ترأس مانديلا الانتقال من حكم الأقلية بنظام الفصل العنصري إلى الديمقراطية متعددة الثقافات، ورأى أن تحقيق المصالحة الوطنية المهمة الأساسية في فترة رئاسته. وبعد أن شاهد كيف تضررت الاقتصادات الأفريقية في مرحلة ما بعد الاستعمارية برحيل النخب البيضاء، عمل مانديلا على طمأنة السكان البيض في جنوب أفريقيا .
التقى مانديلا بشخصيات بارزة في نظام الفصل العنصري مؤكدا صفحه ، واعلن ان "الشعب الشجاع لا يخشى المسامحة، من أجل السلام".خففت جهود مانديلا في المصالحة من مخاوف البيض، ووجهت أيضا الانتقادات للسود المتشددين.
أشرف مانديلا على تشكيل «لجنة الحقيقة والمصالحة» و أشاد مانديلا بعمل اللجنة، مشيرا إلى أنها "ساعدتنا في الابتعاد عن الماضي والتركيز على الحاضر والمستقبل".
وفي عام 1997م، أفسح مانديلا المجال لنائبه ثابو مبيكي لتولي رئاسة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ومن ثم تولى مبيكي رئاسة البلاد عام 1999م.
تلقى مانديلا أكثر من 250 جائزة، منها جائزة نوبل للسلام 1993 و ميدالية الرئاسة الأمريكية للحرية ووسام لينين من النظام السوفييتي. وتمتع ماندبلا بالاحترام العميق في العالم عامة وفي جنوب أفريقيا خاصة، حيث غالبا ما يوصف بأنه "أبو الأمة".
توفي نيلسون مانديلا في 5 ديسمبر 2013 محاطًا بعائلته في منزله وحظي بجنازة رسمية حضرها 90 ممثلا رسميا لعدة دول .
لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ... هو شعار الصالحين
لمّا اشتدّ بلاء قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاة ناصره أبي طالب، ذهب إلى الطائف ليدعوهم إلى الله فأخرجوه من بلادهم، وأغرّوا به سفهاءهم، فأخذوا يضربونه بالحجارة حتّى اختضبت نعلاه بالدماء، فعمد إلى الظلّ وانصرف عنه السفهاء، فأخذ صلى الله عليه وسلم يناجي ربّه فإذا بجبريل عليه السلام ينادي ويقول إن الله قد سمع قول قومك لك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلّم علي، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين (وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوبًا وشمالاً)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً.
وعندما أتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث، فقال لرجاء بن حيوة: «ماذا ترى؟». قال:«إنّ اللّه- تعالى- قد أعطاك ما تحبّ من الظّفر فأعط اللّه ما يحبّ من العفو، فعفا عنهم»).
من يحتسب الأذى الذي يصيبه في سبيل الله ، يمتلك القدرة النفسية على التسامح ، وهذه قضية لا يستطيعها إلا كبار النفوس.
وكم رأينا من عمليات انتقام رهيبة ذهبت ضحيتها شعوب وأمم ، فالخيل الصليبيين التي سبحت في دماء المسلمين في القدس الشريف قابلها المجاهد صلاح الدين بنفس كبيرة متسامحة مستذكرا موقف نبيه عندما قال لأعدائه حين قدر عليهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء!!
«إن الضحية لا تنسى الظلم الذي وقع عليها.. لكنها يمكن أن تغفر وتسامح». – نيلسون مانديلا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.