عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيديو.."قصة وفكرة" - قوة التسامح - "نيلسون مانديلا"
نشر في الشعب يوم 12 - 08 - 2014

قال الإمام أحمد بن حنبل لطبيبه أن في ظهره موضع يؤلمه أكثر من ألم السياط التي ضربوه فيها
فسأل الطبيب السجناء ذوي الخبرة، فأخبروه أن الضرب يسبب أحيانا قطعة لحم ميتة إذا لم يتم إخراجها قد تؤدي للموت.
فبينما الطبيب يستخرجها بدون تخدير كان الإمام وهو في شدة الألم يردد:
اللهم اغفر للمعتصم .. اللهم اغفر للمعتصم
وهو الخليفة الذي أمر بضربه.
فسألوه عن ذلك فقال:
هو ابن عم رسول الله فكرهت أن آتي يوم القيامة وبيني وبين أحد من قرابته خصومة، فهو مني في حل.
النفوس الكبيرة هي التي تعفو وتسامح وإلا فقد يجر الانتقام الامة كلها إلى الهاوية
ومن أعظم النماذج الحديثة في التسامح هو نيلسون مانديلا الذي ذاق الويلات من الحكام البيض
وهو شخصيتنا اليوم حلقة التسامح من .. قصة وفكرة
قصتنا اليوم تجمع بين الكفاح للحرية وعدم نسيان فضيلة التسامح لحظة النصر
وُلدَ نلسون مانديلا في 1918 في جنوب إفريقيا. وكان أبوه زعيمًا قبلياً. تدرب مانديلا على المحاماة، وفي عام 1944م انضم إلى المؤتمر الوطني الإفريقي، وهو منظمة مناهضة لسياسة التمييز العنصري (التفرقة العنصرية)، والتي جعلت قلة من البيض من الأصول الانجليزية يتحكمون بكل ظلم وعنصرية واستبداد بمصير الأغلبية الساحقة من السود وهم السكان الأصليين لجمهورية جنوب إفريقيا.
فالعنصريون البيض كانوا يعتبرون أنفسهم أهل البلاد، توارثوها عن أسلافهم جيلا بعد جيل، وكانوا صناع نهضتها العلمية وتطورها الصناعي الذي يضعها في مصاف الدول الأوروبية وأكثرها تقدما ورخاء، ولكنه رخاء وتطور تحتكره الأقلية البيضاء وتنتفع به، بينما الأغلبية السوداء من أهل البلاد ظلت تعاني العوز والمهانة وتتعذب بممارسات الاضطهاد العنصري.
في انتخابات جنوب أفريقيا لعام 1948، والتي يصوت فيها فقط البيض، هيمن على السلطة حزب Nasionale Herenigde الأفريكاني،. ذي النزعة العنصرية العلنية، قنن ووسع بتشريعات جديدة للفصل العنصري.
وزاد ذلك من تحرك الأفارقة للتخلص من العنصرية المقيتة للرجل الأبيض وزاد الحراك حتى كان عام 1950 حين برز مانديلا زعيمًا. وفي العام نفسه أصبح رئيسًا لجمعية شباب المؤتمر الإفريقي، والحركات الشبابية هي المطبخ الرئيسي للقيادات في التاريخ، ثم نائبًا لرئيس المؤتمر، وهو الحزب الرئيسي للأفارقة، وكان مانديلا أول مواطن أسود يفتتح مكتبًا قانونيًا في جنوب إفريقيا عام 1952م.
في عام 1952، بدأ حزب المؤتمر الوطني الأفريقي استعدادا للانضمام إلى حملة تحد لنظام الفصل واتخذ القرار بمقاومة لا عنفية تأثرا بحركة المهاتما غاندي، ما اعتبره البعض بأنه خيار أخلاقي، في حين اعتبره مانديلا واقعيا لعدم قدرتهم على المواجهة الصريحة مع الجيش الذي يقوده الرجل الأبيض.
وفي نفس العام، ألقى مانديلا خطابا أمام حشد من 10 ألاف شخص، شكل انطلاقة لحملة الاحتجاجات، فألقي عليه القبض واعتقل لفترة وجيزة حيث نما عدد المنتسبين لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي من 20،000 إلى 100،000، والأحزاب الفعالة هي التي تستطيع تنمية أعدادها بسرعة كبيرة وليس بانتقائية شديدة. وردت الحكومة على الاحتجاجات بالاعتقالات الجماعية وإصدار قانون السلامة العامة في 1953 للسماح بتطبيق الأحكام العرفية.
أدين مانديلا بتهمة الخيانة العظمى، من قبل نظام الأقلية البيضاء، وجرائم أخرى خطيرة عام 1956م، فقام بالاختباء ولجأ للعمل السري. وبعد أن قامت حكومة جنوب إفريقيا العنصرية بحظر نشاط المؤتمر الوطني الإفريقي عام 1960م، نجح مانديلا في تكوين تنظيم عسكري أطلق عليه (رمح الشعب) لمناهضة التمييز العنصري. وبدأ مانديلا بتجديد نضاله السري ضد حكومة الأقلية البيضاء، حتى قبض عليه سنة 1962م، وحكم عليه بالسجن المؤبد.
مكث مانديلا27 عاما في السجن( أكثر من عشرة آلاف يوم ) فدخل سجن بريتوريا وعمره 44 سنة وخرج وعمره 72 عاما!! وفي زنزانته بدأ في دراسة بالمراسلات للتحضير لليسانس الحقوق (بكالوريوس في القانون) من جامعة لندن.
وهكذا تكرس مانديلا كأيقونة للنضال والحرية حتى أن بعض البيض تأثرا به قدموا قصصا ملهمة للحرية منها القصة التي أوردها مانديلا نفسه وهي قصة المحامي الأبيض "برام منيشر" ، وهو ابن لرئيس وزارء مستعمرة نهر أورانج وكان والده رئيس قضاة ، كان يدافع عن مانديلا وأعضاء المؤتمر وكان يؤرقه أن الرجال الذين يدافع عنهم يذهبون إلى السجن، بينما يعيش هو حرًا طليقًا ! قرر المحامي الأبيض أن يلتحق بالعمل السري مع السود أنصار مانديلا ضد أعداء الإنسانية البيض "قومه" ، ونصحه مانديلا أثناء المحاكمة ألا يفعل ذلك ؛ لأنه يخدم المعركة أفضل في قاعة المحكمة، وحتى يرى العالم أفريكانيًا وابن رئيس قضاة ينافح عن المظلومين ، ولكن لشهامته لم يكن ليتحمل رؤية نفسه حرًا والأبرياء يعانون، فقد كان كالقائد الذي يقاتل جنبًا إلى جنب مع جنوده، لم يرد أن يطلب من الآخرين أن يقدموا تضحية يتورع هو عنها ، والتحق بالعمل السري ضد البيض (قومه) ، فُقبض عليه ثم أفرج عنه بكفالة، وقبض عليه مرة أخرى وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، ولما أصابه السرطان في السجن شنت الصحافة حملة للإفراج عنه ومات بعد خروجه واستمرت الحكومة البيضاء في مطاردته ، حتى بعد وفاته وصادرت رماد جثته بعد حرقها !
نقل مانديلا من سجن بريتوريا إلى سجن في جزيرة روبن آيلاند، حيث بقى هناك لمدة 18 سنة. (1962-1982) معزولا في زنزانة رطبة بمقاس 8 أقدام في 7 أقدام، بها حصيرة من القش للنوم عليها ولم يسلم من المضايقات الجسدية واللفظية من العديد من حراس السجن البيض، وكان يقضي يومه في كسر الصخور في المحاجر، ومنع في البداية من ارتداء النظارات، ما تسبب في أضرار دائمة في بصره ، ورغم ذلك كان يحضر لشهادة ليسانس الحقوق، ومنعت عنه الصحف، وكان حبس انفراديا في عدة مناسبات لحيازته قصاصات أخبار مهربة. ثم سمح له بزيارة واحدة ورسالة واحدة كل ستة أشهر، في ظل رقابة صارمة على كل بريده.
استثمر مانديلا فترة السجن وأنشأ "جامعة جزيرة روبن"، و حاضر السجناء كل حسب خبرته وتخصصه، ودرس هو خلال تلك الفترة الإسلام. و اللغة الأفريكانية.
زارته والدته في السجن عام 1968، قبل وفاتها بفترة وجيزة، وابنه البكر ثيمبي الذي توفي في حادث سيارة في العام التالي. ومنع مانديلا من حضور جنازتهما كما لم تكن زوجته قادرة على زيارته لتكرار سجنها بسبب نشاطها السياسي، في حين زارته بناته للمرة الأولى في ديسمبر 1975، خرجت زوجته من السجن في عام 1977 ولكنها خضعت لإقامة جبرية ،فلم تستطع زيارته.
بداية من سنة 1967، بدأت تتحسن ظروف السجن، ، وبحلول عام 1975، اصبح مانديلا ضمن الفئة (A) من السجناء، فسمح له بعدد أكبر من الزيارات والرسائل. وتراسل مع نشطاء مناهضين للفصل العنصري و بدأ كتابة سيرته الذاتية، والتي كانت تهرب إلى لندن، من دون نشرها، واكتشفت سلطات السجن عدة صفحات، فأوقفت الامتيازات الدراسية لمانديلا لمدة أربع سنوات.
في أبريل 1982، تم نقل مانديلا إلى سجن بولسمور (Pollsmoor) في كيب تاون مع كبار قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وكان الهدف من عزلهم هو القضاء على تأثيرهم في النشطاء الأصغر سنا.
في تلك الفترة قرر رئيس جنوب أفريقيا الأسبق بوتا (P.W. Botha). السماح للمواطنين الملونين والهنود بانتخاب برلماناتهم التي سيكون لها السيطرة على التعليم والصحة والإسكان الخاص بهم، ولكن الأفارقة السود استبعدوا من هذا النظام، فرأى فيه مانديلا وكذا جبهة UDF على أنه محاولة لتقسيم الحركة المناهضة للفصل العنصري على أسس عرقية.
تصاعدت أعمال العنف في أنحاء البلاد، وازدادت المخاوف من حرب أهلية. وتحت ضغط من اللوبي الدولي، توقفت البنوك عن الاستثمار في جنوب أفريقيا، مما أدى إلى ركود اقتصادي. فطالب العديد من البنوك وتاتشر من بوتا باطلاق سراح مانديلا فعرض على مانديلا في فبراير 1985 الإفراج من السجن بشرط «التخلي عن العنف كسلاح سياسي دون قيد». لكنه رفض لعرض، وأصدر بيانا يقول فيه "فقط الأحرار يمكنهم التفاوض"
عادت الحركة المناهضة للفصل العنصري عام 1985 للمقاومة والكفاح المسلح، فشن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي 231 هجمة في عام 1986 و 235 هجمة في عام 1987. استعمل النظام العنصري الجيش والفرق شبه العسكرية لمحاربة المقاومة، ومولت الحكومة سرا حركة الزولو انكاثا القومية لمهاجمة أعضاء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، لتزيد وتيرة العنف بين الأفارقة أنفسهم.
وبالموازاة مع فترة السجن، انتشرت حملة دولية عملت على الضغط من أجل إطلاق سراحه و وضعت عدة جماعات من السود إطلاق سراح مانديلا شرطًا لأي مفاوضات جادة تتعلق بمستقبل البلاد. وفي عام 1985م وافقت الحكومة على إطلاق سراحه شريطة أن يلتزم بنبذ العنف كوسيلة سياسية، لكنه رفض ذلك إلا بشرط إلغاء النظام العنصري.
كيف خرج مانديلا من السجن وماذا قعل بعد ذلك
لم يفتّ السجن في همته على الرغم من قسوته, وربما ساعده على ذلك كثرة العدد المعتقل وعالمية الدفاع ووضوح القضية . يقول لهم مرة: "إذا خرجت من السجن في نفس الظروف التي اعتُقلت فيها فإنني سأقوم بنفس الممارسات التي سُجنت من أجلها"
في 11 يونيو عام 1988م تجمع آلاف المواطنين في ومبلي بلندن احتفالا بعيد ميلاد مانديلا السبعين، وقُدم خلال الاحتفال عرض يوضح للعالم مساوئ التمييز العنصري.
وفي عام 1989م التقى السجين مانديلا بصورة غير رسمية بالسيد بوتا رئيس وزراء جنوب إفريقيا، ثم بالرئيس الذي تلاه دي كليرك، اللذين أبديا استعدادا للتنازل للأفارقة.
أُطلق سراح نيلسون مانديلا في 11 فبراير عام 1990م وانتخب في الشهر التالي نائبًا لرئيس المؤتمر الوطني الإفريقي، واعترفت الحكومة بحزب المؤتمر رسميًا. وفي أوائل عام 1990م قاد مانديلا مجموعة من المفاوضين في محادثات رسمية مع دي كليرك ومسؤولين آخرين في الحكومة. وقد هدفت المفاوضات إلى وضع دستور خاص بجنوب إفريقيا يمنح السود الذين يمثلون أغلبية السكان حق المواطنة والانتخاب.
في أغسطس عام 1990م، أصدر مانديلا أمرًا بإيقاف الكفاح المسلح ضد الحكومة الذي ظل مستمرًا منذ عام 1960م. وانتخب مانديلا رئيسًا للمؤتمر الوطني الإفريقي عام 1991م.
أكبر تحدٍّ واجه مانديلا عقب خروجه من السجن وتوليه السلطة «هو أن قطاعًا واسعًا من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق»، لكنه حال دون ذلك، وكان هذا هو الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إلى الحرب الأهلية فقد طلب من شعبه أن ينسى الماضي بكل آلامه وأحزانه وذكرياته الأليمة، وأن يُمارس ضبط النفس ويسمو فوق جراحه وأوجاعه.
فقيمة مانديلا التي تجعله متفردا بين المناضلين ليس مدة سجنه الطويلة، ولا طبيعة النضال ضد حكم الأقلية البيضاء وما اقترفته من جرائم ضد بني قومه. قيمته أنه دخل على حالة كانت عصية على الحل، بل حالة شبه مغلقة وبشكل مأساوي على أصحابها، فما كان موجودا في جنوب أفريقيا ليس وجودا استعماريا، كما هو حال دول أفريقية أخرى، رحل عنها الاستعمار تحت ضربات المناضلين من أهلها، بل حالة خاصة جدا.
وهنا تأتي ميزة مانديلا عندما جاء بأطروحته ذات الأبعاد الإنسانية التصالحية؛ أطروحة التسامح التي اقترنت بمقولة شهيرة له تقول: «نحن نغفر ولكننا لا ننسى»، واستطاع عبر المفاوضات التي أجريت معه في سجنه أن يصل إلى صيغة مع السلطة الحاكمة وأن ينزع بفضل توجهاته الإنسانية وروح التسامح والغفران التي تميز بها خطابه وطرحه السياسي روح الغل والحقد المتبادل بيني عنصري الأمة، وأن يصل بشعبه إلى بر الأمان ويقوده إلى أرض الحرية والعدالة والرخاء والأمان والتعايش السلمي بين الماضي والحاضر، وبين البيض والسود. وأنشأ جهازا قضائيا وسياسيا لإقامة المصالحة وكانت عملا ناجحا، أسهم في ذوبان الأحقاد وبناء الثقة، ووضع البلاد على طريق التعايش بين كل الأجناس.
وفي العاشر من مايو عام 1994م أجريت أول انتخابات حرة يشترك فيها البيض والسود فاز فيها مانديلا ليصبح أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا بصورة رسمية، وانتهت ثلاثة قرون أو أكثر من التمييز العنصري في تلك البلاد.
ركزت حكومة نيلسون مانديلا على تحقيق المصالحة الوطنية من خلال :
1.تفكيك إرث نظام الفصل العنصري
2. التصدي للعنصرية المؤسساتية
3.محاربة الفقر وعدم المساواة
4.تعزيز المصالحة العرقية سياسيا.
ومن أجل تحقيق المصالحة الوطنية أسس دستورا جديدا ولجنة للحقيقة والمصالحة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي.
ترأس مانديلا الانتقال من حكم الأقلية بنظام الفصل العنصري إلى الديمقراطية متعددة الثقافات، ورأى أن تحقيق المصالحة الوطنية المهمة الأساسية في فترة رئاسته. وبعد أن شاهد كيف تضررت الاقتصادات الأفريقية في مرحلة ما بعد الاستعمارية برحيل النخب البيضاء، عمل مانديلا على طمأنة السكان البيض في جنوب أفريقيا .
التقى مانديلا بشخصيات بارزة في نظام الفصل العنصري مؤكدا صفحه ، واعلن ان "الشعب الشجاع لا يخشى المسامحة، من أجل السلام".خففت جهود مانديلا في المصالحة من مخاوف البيض، ووجهت أيضا الانتقادات للسود المتشددين.
أشرف مانديلا على تشكيل «لجنة الحقيقة والمصالحة» و أشاد مانديلا بعمل اللجنة، مشيرا إلى أنها "ساعدتنا في الابتعاد عن الماضي والتركيز على الحاضر والمستقبل".
وفي عام 1997م، أفسح مانديلا المجال لنائبه ثابو مبيكي لتولي رئاسة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ومن ثم تولى مبيكي رئاسة البلاد عام 1999م.
تلقى مانديلا أكثر من 250 جائزة، منها جائزة نوبل للسلام 1993 و ميدالية الرئاسة الأمريكية للحرية ووسام لينين من النظام السوفييتي. وتمتع ماندبلا بالاحترام العميق في العالم عامة وفي جنوب أفريقيا خاصة، حيث غالبا ما يوصف بأنه "أبو الأمة".
توفي نيلسون مانديلا في 5 ديسمبر 2013 محاطًا بعائلته في منزله وحظي بجنازة رسمية حضرها 90 ممثلا رسميا لعدة دول .
لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ... هو شعار الصالحين
لمّا اشتدّ بلاء قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاة ناصره أبي طالب، ذهب إلى الطائف ليدعوهم إلى الله فأخرجوه من بلادهم، وأغرّوا به سفهاءهم، فأخذوا يضربونه بالحجارة حتّى اختضبت نعلاه بالدماء، فعمد إلى الظلّ وانصرف عنه السفهاء، فأخذ صلى الله عليه وسلم يناجي ربّه فإذا بجبريل عليه السلام ينادي ويقول إن الله قد سمع قول قومك لك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلّم علي، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين (وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوبًا وشمالاً)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً.
وعندما أتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث، فقال لرجاء بن حيوة: «ماذا ترى؟». قال:«إنّ اللّه- تعالى- قد أعطاك ما تحبّ من الظّفر فأعط اللّه ما يحبّ من العفو، فعفا عنهم»).
من يحتسب الأذى الذي يصيبه في سبيل الله ، يمتلك القدرة النفسية على التسامح ، وهذه قضية لا يستطيعها إلا كبار النفوس.
وكم رأينا من عمليات انتقام رهيبة ذهبت ضحيتها شعوب وأمم ، فالخيل الصليبيين التي سبحت في دماء المسلمين في القدس الشريف قابلها المجاهد صلاح الدين بنفس كبيرة متسامحة مستذكرا موقف نبيه عندما قال لأعدائه حين قدر عليهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء!!
«إن الضحية لا تنسى الظلم الذي وقع عليها.. لكنها يمكن أن تغفر وتسامح». – نيلسون مانديلا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.