في ضوء طبيعة المفاهيم المتصارعة لدى كل من العرب والإسرائيليين عن استراتيجيات كل من الطرفين في أفريقيا عموماً والدول المطلة على البحر الأحمر خصوصاً , وفي سياق سعيهما إلى تحقيق استراتيجياتهما المتصارعة فإن إسرائيل بدأت استراتيجيتها الأفريقية في العام 1948 عندما قامت, سعياً منها للوصول الى البحر الأحمر, بخرق الهدنة الثالثة مع العرب وشنت عمليات حربية ضد القوات المصرية في النقب و سيناء. وفي العام 1949 انتهكت القوات الإسرائيلية الهدنة التي فرضها مجلس الأمن الدولي واحتلت مدينة أم الرشراش العربية وأسست لنفسها وجوداً في خليج العقبة- وأطلقت على أم الرشراش اسم ميناء ايلات في 1952 وفي ضوء مصالحها الستراتيجية قامت إسرائيل بعدواني 1956 و1967 فاحتلت سيناء أولاً وشرم الشيخ المطل على مضائق تيران ثانياً. وما لبث احتلال إسرائيل عام 1967 لسيناء ومضائق تيران أن عمل وبالتدريج على تحويل الاهتمام الستراتيجي للعرب والإسرائيليين إلى منطقة باب المندب التي تشكل أهمية حيوية لوصول إسرائيل من ميناء ايلات وخليج العقبة إلى جنوب شرق آسيا وأفريقيا. وخلال الفترة 1970-1971 بدأت قضية البحر الأحمر تحوز أسبقية أولى في اجتماعات الدول العربية وجاء ذلك أولاً وأساساً من قبل جمهوريتي اليمن في حينه بسبب قلقهما من النشاطات الإسرائيلية. وفي الفترة نفسها أعربت سوريا وليبيا والسودان عن قلقها في هذا الشأن. وتم إعداد تقارير استخباراتية بناء على طلب الجامعة العربية أكدت سعي إسرائيل لتكون قوة متمركزة على شواطئ البحر الأحمر. وفي العام 1973 هاجمت الجيوش المصرية والسورية إسرائيل وأغلقت مصر بالتنسيق مع اليمنين الشمالي والجنوبي مضيق باب المندب, إلا أن هذا الحصار ما لبث أن ألغي بعد أن تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار. الجدير بالذكر أن مصالح إسرائيل في البحر الأحمر تقوم على أساس عوامل استراتيجية وعسكرية واقتصادية. وفي سبيل تدعيم هذه المصالح والعوامل ادعى الصهاينة وجود وشائج تاريخية ودينية تربطهم بالبحر الأحمر. وقد دلل بن غوريون على أهمية هذا البحر لإسرائيل عندما وصف ميناء ايلات بأنه “ موت وحياة “ إسرائيل. و تحدث الجنرال موشيه دايان عن الأهمية الستراتيجية لايلات بوصفها بوابة إسرائيل إلى كل من آسيا و أفريقيا, وأشار إلى أن الإسرائيليين يتطلعون نحو الجنوب. ومنذ العام 1967 كان البحر الأحمر قد ازداد أهمية بالنسبة للمصالح الإسرائيلية التجارية والاستراتيجية, وأضحت إسرائيل معتمدة على تجارتها مع أفريقيا وآسيا واستراليا. وحتى العام 1979 كانت إسرائيل تشتري معظم نفطها من إيران وتشحنه إلى ايلات عن طريق البحر الأحمر. وفي أعقاب إغراق مصر المدمرة الإسرائيلية “ايلات “ عام 1967, باشرت إسرائيل بوضع ستراتيجية بحرية جديدة اعتمدت على زيادة عدد زوارقها البحرية وإمدادها بصواريخ غابريال والاعتماد على الصناعة الإسرائيلية لإنتاج المعدات البحرية المطلوبة والحصول على غواصات من بريطانيا وتطوير قوة أفراد الضفادع البشرية وتزويد قواتها البحرية بمختلف أنواع الطائرات الخاصة للاستطلاع والتغطية الجوية او مهاجمة الأهداف أو إنقاذ القوات البحرية خلال الهجوم عليها. لقد كانت سياسة إسرائيل في القرن الأفريقي خاصة والقارة الأفريقية عامة, ولا تزال تعتبر امتداداً لسياستها الرامية الى مواجهة الأهداف الستراتيجية العربية والى إنشاء عمق ستراتيجي خاص بها في المنطقة. وبسبب الترابط العضوي ما بين هذا العمق وأمن إسرائيل وقدرتها على التوسع, فإن إسرائيل باشرت جهوداً مكثفة منذ العام 1957 لتعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية ولا سيما أثيوبيا التي تملك منفذاً على البحر الأحمر (ارتيريا). وفيما تتمثل مصالح “إسرائيل الكبرى “في القرن الأفريقي بتأمين وصولها إلى آسيا وأفريقيا عن طريق البحر الأحمر, فقد ساندت أثيوبيا للسيطرة على اريتريا منذ العام 1952 عندما أعلن موشيه دايان أن أمن أثيوبيا وسلامتها يشكلان ضمانة لإسرائيل ومن أجل الحصول على مزايا اقتصادية وسياسية وعسكرية صعدت الصراعات في منطقة البحر الأحمر لإعاقة تعريبها. وفي سبيل إنشاء علاقات مع الدول الأفريقية وكسر طوق عزلتها الإقليمية, عرضت إسرائيل تقديم مساعدات فنية في مجالات الزراعة والتنمية الاقتصادية لتنزانيا وأثيوبيا, كما واستغلت افتقار الدول الأفريقية للخبرة السياسية وحاجتها الماسة الى مساعدات جذابة وغير مشروطة في مجالات المال والاقتصاد. طوال سنوات ما سمي الرابطة الإسرائيلية الأثيوبية في السبعينات, لعب الإسرائيليون على وترين حساسين لتعزيز علاقاتهما الستراتيجية مع أثيوبيا : الوتر الأول هو الوتر التاريخي من خلال الزعم بأن العلاقات الإسرائيلية الأثيوبية ترجع عشرات القرون إلى عصر ملكة سبأ التي جاءت إلى النبي سليمان في القدس. وبعد زواجهما ولدت له مينيلك الذي هو أحد أجداد الإمبراطور هيلاسيلاسي. والوتر الثاني الديني حيث ركز الإسرائيليون في علاقاتهم الوطيدة مع أثيوبيا على أنها جزيرة مسيحية وسط بحر إسلامي تعارضه إسرائيل وأن كلا البلدين مهدد بالقدر نفسه من المسلمين. وفي السياق ذاته لعبت إسرائيل دوراً بارزاً في النشاطات الانفصالية في جنوب السودان وساعدت الانفصاليين الجنوبيين منذ الستينات . لقد عانت الستراتيجية العربية في مواجهة الأطماع والتحركات الإسرائيلية في أفريقيا العديد من المشاكل والنواقص من أبرزها انعدام وجود سياسة عربية فاعلة بسبب الخلافات العربية -العربية. وجاءت زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس عام 1977 وما أعقبها من توقيع معاهدة السلام المنفرد عام 1979 لتضيف عاملاً جديداً في منتهى الخطورة زاد في تفاقم التشتت العربي. وعلى الرغم من أن السادات اعتبر المعاهدة خطوة واحدة في اتجاه تسوية سلمية شاملة “فإن الزعماء الإسرائيليين وصفوها بأنها ترخيص بارتكاب أي نوع من التصرفات التي تراها إسرائيل ضرورية في مواجهة عرب المشرق. وقد قال دايان أنه بعد خروج مصر من الصراع لم تعد إسرائيل تخشى عرب المشرق. والواقع أن الصراعات العربية التي نشأت أساساً عن تبني النظم العربية لعقائد اقتصادية وسياسية واجتماعية مختلفة, جعلت من الصعب عموماً اتباع سياسات من شأنها خدمة المصالح القومية العربية عامةمصلحةالأمنالقوميالعربي خاصة على ضوء ما تنادي به الصهيونية التوسعية من مقولات ومزاعم تاريخية ودينية تحت شعار إقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل, وقد شملت أطماعها سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وأجزاء من مصر والعراق والعربية السعودية . باختصار يمكن القول أن الأطماع الصهيونية في القارة الأفريقية تعود الى تاريخ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا عام 1897, حيث تداول القادة الصهاينة فكرة إنشاء كيانهم في أوغندا التي عرضها عليهم وزير المستعمرات البريطانية تشمبرلين. إلا أن الأغلبية الصهيونية ركزت على فلسطين ومما قاله هرتسل في هذا المجال: “ أجل إن قاعدتنا يجب أن تكون في فلسطين أو بالقرب منها. وبعد ذلك سيكون بإمكاننا أن نقيم جاليات في أوغندا وذلك لأن جماهيرنا مستعدة للهجرة. ولكن يتوجب علينا أن نبني على أسس قومية, وقد كان الجانب السياسي هو الذي شدنا إلى مشروع العريش “( ). وكان بن غوريون يردد القول:” إن الطريق الى السلام في المنطقة سوف يتم عن طريق غير مباشر بتقوية علاقاتنا مع شعوب أفريقيا وآسيا “. على ضوء ما تقدم يمكننا تلخيص الأهداف الإسرائيلية في القارة الأفريقية على الوجه التالي : أ-الأهداف السياسية : وتشمل سعي إسرائيل للخروج من عزلتها والحصول على المزيد من الشرعية الدولية وإفشال الجهود العربية التي تسعى لاحكام الحصار حول الكيان الصهيوني. كما وتشمل هذه الأهداف إقامة علاقات ديبلوماسية مع اكبر عدد ممكن من الدول الأفريقية كمدخل للقيام بنشاطات أخرى اقتصادية وأمنية, وكوسيلة لنفي الصورة العنصرية للكيان من خلال القيام بنشاطات إعلامية وثقافية وتقديم مساعدات متنوعة ؛ هذا بالإضافة للسعي إلى كسب دعم السود في أميركا للمواقف والمطالب الإسرائيلية على الساحة الأميركية. ب- الأهداف الاقتصادية : وتشمل مجموعة القضايا المتعلقة بفتح الأسواق الأفريقية أمام المنتجات الإسرائيلية والاستثمارات اليهودية من ناحية والحصول على المواد الأولية وعناصر الطاقة من تلك القارة من ناحية أخرى وبالتالي تحقيق ربط اقتصاديات بعض الدول الأفريقية برباط من التبعية للاقتصاد الصهيوني. وفي هذا المجال يمكن ملاحظة الأهداف الصهيونية التالية : 1. زيادة الصادرات الإسرائيلية إلى الخارج وبالتالي زيادة الدخل من العملات الصعبة وتقليل حجم العجز في الميزان التجاري . 2. فتح الأسواق الأفريقية أمام التكنولوجيا الإسرائيلية وخصوصاً منتجات صناعات الأسلحة الإسرائيلية, مما يتيح توفير إمكانيات أفضل لاستمرار تلك الصناعات وتطويرها وخفض كلفة إنتاجها, مع تزايد النفوذ الصهيوني المنوط بالاتجار بها . 3. الحصول على ما تحتاجه الصناعة الإسرائيلية من المواد الخام من أفريقيا ولا سيما المعادن النفيسة والمعادن الستراتيجية مثل اليورانيوم وخامات الذهب والنحاس بالإضافة إلى النفط والماس ... 4. استغلال الفرص الاستثمارية ولا سيما في مجال التعدين والصناعة . 5. كشف مدى العجز العربي عن تقديم المعونات الفنية وإمداد القارة الأفريقية باحتياجاتها من البضائع المصنعة الاستهلاكية وسواها( ) ج -الأهداف الأمنية : وتشمل مجموعة الأهداف المتعلقة بمجال الاستخبارات وصناعة الأسلحة والدفاع عن المصالح والمواقع الغربية خاصة الأميركية وبالتالي ضرب المصالح العربية وإضعاف نفوذ العرب في تلك القارة. ومن أهداف إسرائيل الأمنية ما يلي : 1. إيجاد قنوات التعاون وتبادل المعلومات بين الموساد وأجهزة الاستخبارات الأفريقية واقامة مراكز اتصال وجمع المعلومات تخص الموساد في ما يتعلق بنشاطات قوى التحرير الأفريقية والعربية. 2. القيام بالأعمال القذرة لصالح أميركا و تقديم الدعم العسكري لعملائها من منظمات وأنظمة حكم دكتاتورية يصعب على الحكومة الأميركية مساعدتها بصورة مباشرة ومكشوفة . 3. المساهمة في زيادة وتيرة عدم الاستقرار السياسي وتشجيع الحركات الانفصالية وضرب التوجهات الوحدوية لمنظمة الوحدة الأفريقية . 4. المساهمة في الجهود الرامية لابقاء القارة الأفريقية ضمن مناطق النفوذ الأميركية وتأمين خضوع مواردها وثرواتها للرأسمالية العالمية . 5. نسف أسس ومقومات التضامن العربي الأفريقي وبالتالي حرمان العرب منأفريقيا كعمق ستراتيجي واقتصادي وأمني لصالحهم.