لا شك أن النتائج الحقيقية للإقبال على الإنتخابات – والتي رآها الجميع وعلمها المارشال بالتفصيل قبل غيره وأكثر من غيره وهو أدرى بها من غيره – مثلت صفعة لم ينتظرها ولن ينساها ما بقي له من حياته، ذلك أنه كان قد صدق أنه أصبح إله أو على أقل تقدير نصف إله، وأنه أصبح معبود المصريين ومعشوقهم، وأن الشعبية التي حازها لم يحزها مصري قط منذ جمال عبد الناصر (فأين نصر أكتوبر وأين شعبية السادات ؟!!، لكن النفاق لا حدود له، ولم تعد الناس تزن كلامها، كأنهم غير محاسبين عليه في الدنيا ولا الآخرة)، وكان المارشال يظن أنه (أنام) الشعب المصري في العسل بالسهوكة والكلام المعسول وغنوة قادمة من الخارج ممزوجة برقصة من رقاصي الداخل، فإذا به يكتشف أن الشعب يصوت ضده سلبيًا في أقوى تصويت سلبي شهدته مصر في تاريخها. ولا يسهل إيجاد تفسير واحد لهذا التصويت السلبي الذي كتب صفحة من صفحات الفخار لهذا الشعب الذي كلما ظن المتابعون أنه (إنضحك عليه وأكل البالوظة) إذا به متيقظ بأكثر مما يظن أكثر التفائلين، ورغم أن هذا هو التصويت السلبي الثاني بعد إستفتاء الدستور إلا أن وقعه هذا المرة أشد، لأن إنتخابات الرئاسة في العادة تحظى بشعبية وإقبال أكثر من إستفتاءات الدستور، وبالتالي فما كان يمكن تبريره أو تمريره في الأولى لم يكن ممكنًا هذه المرة مع كل هذا الحشد !!، ولهذا أسباب كثيرة، فملايين رفضته لمظالمه، وملايين أدركت الخديعة التي حدثت في 3 يوليو بعد أن أيدتها بادي الأمر، وملايين كانت تظن أنه (تحت القبة شيخ)، فلما سمعت حديث اللمبات الموفرة والألف سيارة خضار علمت ما تحت القبة !!. لقد وصلت الرسالة للمارشال الدموي بكل وضوح، وأعتقد أنها تعني له بشكل أو آخر أن بدايته تحمل معها أنفاس النهاية، وأن شهر العسل الذي ظن أن يغطيه لفترة إذا به يتركه في العراء منذ اللحظة الأولى، ولا يكفي لستره الأرقام التي أعلنت في النهاية، فما إنكشف قد إنكشف وإنتهى الأمر، ولم تعد معه تلك الأرقام المعلنة إلا نكتة أصبح يتلوها نكات، فمن نكات النتائج أن تجد الرجل يكذب نفسه !!، فيكتب الأستاذ عماد الدين حسين في الشروق يوم 2 يونيو أن أنه يميل لأن للقول بأن " تكتل رجال أعمال مبارك مصحوبا بارتباك واضح من حملة السيسى افتعل حكاية عدم الإقبال الجماهيرى على لجان التصويت فى نهاية اليوم الأول " !!!، ومصدر العجب أن جريدة الشروق نفسها التي رأس تحريرها هذا الكاتب كانت عناوينها صباح اليوم الثالث، أي بعد نهاية اليوم الثاني وليس الأول فقط (الصناديق تبحث عن ناخبين) !!، (العليا للإنتخابات تعالج ضعف التصويت بيوم إضافي) !!، هذه كانت عناوين جريدة الشروق يوم الأربعاء 28 مايو، فأنظر كيف يكذب عماد الدين حسين يوم 2 يونيو ما كتبه عماد الدين حسين بالبنط العريض في عناوينه الرئيسية يوم 28 مايو !. ستجد الكثيرين مروا على اللجان وهي خاوية وشاهدوا الإعلاميين وهو يلطمون الخدود ويشقون الجيوب ويدعون بالويل والثبور على الشعب المصري ويشتمونه ويخوفونه بالضياع والخراب إن لم ينزل، ثم هم الآن يتحدثون أن النتائج التي أخرجتها لجنة الإنتخابات (ثابتة ثبوتًا يقينيًا) !!، أي والله هكذا يقولون !!......فدعهم وما يفترون. لكنني هنا يطيب لي أن أوجه رسالتين إلى سيدي المارشال المصدوم المخذول، أقول له في الأولى، إذا كان هذا هو الخذلان وأنت في أوج جاهك وقوتك، فكيف سيكون الخذلان يوم تسجى في التراب وينصرف عنك كل منافق، أم كيف سيكون الخذلان وأنت تبعث بين يدي الله فيسائلك عما كسبت يداك وتنظر حولك فتجد آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى والأسرى وملايين المقهورين يختصمونك بين يدي ربك، إذا كان هذا هو الخذلان الآن والجند والوجهاء والحشد معك، فكيف وأنت وحدك والحشد ضدك والله أمامك والنار تلقائك، فهل إلى توبة لعل الله يتوب عليك وتكون كقاتل المائة !!. فإن لم تفعل – وما أحسبك تفعل – فرسالتي الثانية إليك على لسان شعب مصر الذي صفعك وتصدى لكل القهر الذي تسلطه عليه، كأني به في هذا الشموخ وأنت تخطو إليه في زهوتك وسلطانك وتظن أنه دان لك، كإني بهذا يحاكي المشهد الشهير في رائعة (عمر المختار) عندما سيق الأسد الشيخ للقائد الجنرال الدموي جراتسياني، وأراد جراتسياني أن يستعرض عظمته على الشيخ الأسير، فيقول له: دعني أتحدث أنا وأنت كقيصير عندما...فإذا بالأسد الأسير يقاطعه بقوة وإباء: يا جنرال....عمر المختار لن يهبك فتوحات قيصر !!. لقد أفهمك المنافقون أن الشعب يعبدك وأنه متيم في هواك وأنك عبد الناصر الثاني..إلى آخر تلك الترهات التي جاء الشعب في النهاية ليفندها جميعها ويقول لك: يا جنرال..إن الشعب المصري لن يهبك فتوحات قيصر، لقد عرفت الآن حجمك، وكل يوم سيمر عليك لن يزيدك إلا وهنًا على وهن، فالحمد لله أن وفق هذا الشعب لأن يقف في وجه الطاغية حتى وهو أسير كما وقف عمر المختار في وجه جراتسياني الجزار، ولولا ذلك لهان الدم المصري على كل طاغية إلى الأبد.