تتويج الإمبراطور .. تحت هذا العنوان نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية مقالا للكاتب روبرت فيسك تعليقا على الانتخابات الرئاسية التي تجرى في مصر، مشبها المرشح عبد الفتاح السيسي بالإمبراطور الفرنسي الراحل نابليون بونابارت. واستهل الكاتب البريطاني الشهير مقاله بالقول "إن نابليون سيتوج، لكن من سيحسد الإمبراطور على تتويجه الذي يأتي بعد ثورة و"إرهاب" وقتل وعدم استقرار وتوجيه إسلامي؟"
وأبدى فيسك دهشته من التصرفات التي صاحبت الحملة الدعائية للسيسي، حيث تم تصوير المشير المتقاعد في الكثير من الملصقات الدعائية على أنه رئيس مصر القادم، بينما لا يرى من ينظر إلى صورته إلا وجها ممتلئا متفائلا، وربما مملا.
وتابع قائلا "والآن، هنا تأتي صدمة لي .. لو كنت مصريا لصوت للسيسي أمس، ليس لأنه ملهما، فأي شخص يقول لشعبه إن الديمقراطية قد تأتي بعد عشرة أو عشرين عاما، لن تذكره كتب التاريخ وتصفه بأنه المحرر العظيم كما كان الحال مع شخص مثل دانيل أوكونيل."
لكنه أوضح أن السيسي لديه ثلاثة أشياء يمكن احتسابها في صالحه، وهي: - أنه يعرض على المصريين تحريرهم من ميراث ثلاث سنوات من الديمقراطية "الزائفة"
- أنه يحظى بدعم دول الخليج الغنية (باستثناء قطر بالطبع) لإنقاذ مصر من الإفلاس
- أن الولاياتالمتحدة ستظل مغلقة الفم عن حقوق الإنسان في مصر وفاتحة خزينتها للجيش المصري، وستمد السيسي بضمانات لحفظ أمان إسرائيل
وأوضح أنه بالإضافة إلى ذلك، عرض السيسي بالضبط شيئا يحب الغربيون والإسرائيليون سماعه وهم يقومون بمواجهته، ألا وهو مكافحة الإرهاب تماما كما فعل مبارك من قبله، في ظل الحديث عن الاستقرار.
وشدد فيسك على أنه من السهل على صحفي أجنبي في القاهرة هذه الأيام أن يتحدث للمصريين بطريقة فوقية عن طفولتهم السياسية، فالشعب الذي قاتل مبارك وضحى وواجه بطلجيته؛ انتكس لطفولة ثانية وأخذ يطالب بعودة ديكتاتور جديد مثل ناصر والسادات ومبارك.
وقال فيسك "هنا من يهتم ب 1500 مدني من الإخوان المسلمين الذين ماتوا برصاص بنادق القوات الأمنية في أغسطس الماضي، ولم يظهروا في أي حملة من الحملات الانتخابية لكنهم مصريون، مواطنون في بلادهم مثل السيد السيسي."
وأتابع القول "الحقيقة، هي أن السيسي هو الرجل الذي يريده بلا شك المصريون، ومن نحن حتى نحرمهم انتخابه، إن جاءت النتائج بالرجل الذي انتخبوه؟ وكما قال لي أحد الأصدقاء المصريين يوم الثلاثاء هذه ديمقراطية، أليست كذلك؟!"
ويجيب فيسك على التساؤل ب"نعم ولكن"، ويعود للإشارة إلى غياب الإخوان المسلمين (الجماعة المحظورة)، بالتأكيد هناك الملايين تركوا بدون شخص يريدون التصويت له، فماذا تعني هذه الانتخابات إذا؟ وبالتأكيد فحمدين صباحي الشخص الممل والمنافس الوحيد للسيسي "لم يؤمن يوما أنه يمثل المصريين."
وبحسب فيسك، فإن مشكلة السيسي، وأمامه مشاكل كثيرة ليس أقلها الاقتصاد الذي يقف على حافة الانهيار، هي طبيعة التفويض الذي يبحث عنه.
وهنا يشير الكاتب إلى أن جولة في مراكز الاقتراع في وسط القاهرة قال عنها "لا تعكس إقبالا واسعا بالأعداد التي يريدها السيسي، ووجدت مركز اقتراع في شارع 26 يوليو بدون أي شخص باستثناء رجال الشرطة والجنود."
وضرب مثلا بأحد أصدقائه الذي ذهب لمدرسة في منطقة الجيزة مساء الإثنين الماضي وكان المقترع الوحيد، هبة شرف، مسؤولة فرع لمكتبة في القاهرة قضت دقيقة واحدة في مركز الاقتراع في هيلوبوليس لأنه لم يكن هناك سوى ناخبين اثنين في المركز، مضيفا "قال لي أحد الذين صوتوا لصباحي إنه وجد 300 في مركز الاقتراع."
وتساءل الكاتب عن معنى نتائج الانتخابات التي قد يزعم فيها السيسي أنه سيفوز بنسبة 82%، أي أعلى من النسبة التي حصل عليها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي صوت على كرسي متحرك، إذا كانت نسبة المشاركة لا تتعدى 20، مما يعني أنها ستكون أقل بكثير من نسبة المشاركة في انتخابات عام 2012. ويضيف الكاتب تساؤلات أخرى عن معنى كل هذا، قائلا "هل هو تعبير عن الحلم المصري الذي ولد في أحضان الثورة، حيث فشل المصريون بإنتاج قائدهم فانتهوا لانتخاب قائد وعدهم بأن لا مكان للإخوان المسلمين في مصر، وأنه الرجل الذي سيحدد لهم القيم والمبادئ."
والمشكلة كما يقول فيسك أن السيسي وصباحي كلاهما لم يقدم للمصريين تفاصيل عن برامجهم السياسية، وكلاهما وعد بخطط تتعلق بمستقبل الاقتصاد، مع أن المتحدث باسم السيسي قال إن الأخير سيضيع وقتا طويلا في تفصيل خطته للناخب المصري. واختتم مقاله بالقول إن "ما يجري من صناعة التاريخ في مصر التي يبلغ تعداد سكانها 94 مليون نسمة، تأثيره قليل على العالم العربي والغربي، حيث يتم دفع النظام بالمال السعودي والمنح الأمريكية، وإذا كان المصريون قد تحرروا من الخوف في عام 2011 ومرة أخرى في عام 2012، وإذا اعتبرنا الإطاحة بمرسي ثورة مضادة وليس انقلابا عسكريا، فإنهم سيعودون للشوارع إذا تعرضوا للإهانة مرة أخرى .. في واحد من الملصقات الدعائية للسيسي احتفل برئاسته على أنها الطريق لاستعادة الدولة المصرية، وهذه نغمة تشبه نغمة نابليون بعد عام 1789 والمرحلة الدموية اللاحقة، ولكن نابليون كما نعرف واجه واترلو" .. وذلك في إشارة إلى هزيمة نابليون في معركة "واترلو" الشهيرة.