تواجه الأمة الإسلامية الآن أزمات طاحنة، ومشكلات خانقة من كل جانب، ولاسيما على المستوي السياسي، واستمرار الهدم الاستعماري الصهيو- صليبي في كيان الأمة! ومحاولاتهم المستمرة لخنق الربيع العربي، وخنق أي نهضة؛ فمنذ أن نجحوا في إسقاط الخلافة وتمزيق كيانها.. وهم يقفون بالمرصاد لكل محاولة لإعادة الوحدة بين المسلمين؛ أو لعودة الإسلام إلى الساحة.. ، والشيء المحزن حقاً أننا أصبحنا نرى التخلف بكل أبعاده يخيم على العالم الإسلامي رغم القشرة الخارجية الحضارية، وهذا التخلف الواضح بالطبع منفصل مائة وثمانين درجة عن النموذج الإسلامي الحضاري الذي قاد العالم قرن من الزمان... وعلينا أن ندرك جيداً أن هذا التخلف والتراجع الحضاري للأمة الإسلامية بدأ في الظهور في أعقاب الانهيار العسكري، وزوال الوجود الإسلامي في الأندلس أوائل القرن ال 15؛ * ولم تتعاف الأمة من هذا التراجع الحضاري حتى الآن.. وأصبح يتجلى هذا التخلف الحضاري في العديد من المظاهر على جميع المستويات السياسية، والدينية والأخلاقية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وهنا نستطيع أن نُمسك ببداية خيط التخلف!! وبداية نقض غزل الحضارة الإسلامية، إنه التخلف السياسي والتراجع العسكري، وتعطيل فريضة الجهاد، وفساد أنظمة الحكم، وانشغال الجيوش الإسلامية بأعمال التجارة والزراعة والصناعة والإعلام!!، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ( لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة) [حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد]، ومعناه واضح وهو: أن الإسلام كلما اشتدت غربته كثر المخالفون والناقضون لعراه، والمُعطلون لفرائضه وأوامره، وأول فريضة عُطلت هي فريضة الجهاد العادل في سبيل الله؛ التي فرضت للمحافظة على كيان الأمة، والدفاع عن النفس، وتبليغ الدعوة وإزالة العقبات، وردع المعتدين الطغاة وكسر شوكتهم الاستعمارية والاستعبادية، * والإسلام كما هو معروف( كامل متكامل) لا يتجزأ، قال تعالى: "أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض"؟! ولا شك إذا تعطلت فرائض الله ساد الفساد، وإذا تعطل الجهاد العادل لدى الأمة حكمت الأمة على نفسها بالاستعباد لغير الله.. والأمة العربية الإسلامية الآن محكومة بالاستعباد للأنظمة السياسية الحاكمة، وهي بدورها مستعبدة للصهيونية العالمية ولممثلتها إسرائيل، ومستعبدة للولايات المتحدةالأمريكية وللغرب كله، وهذا الاستعباد هو استعباد سياسي واقتصادي واجتماعي وعقيدي بدرجات متفاوتة، ومع هذا الاستعباد وهذه التبعية لم يعد التقدم الحضاري والعلمي يمثل أولوية في قاموس الأمة الإسلامية... * وفي العصر الحاضر أصبحت التحديات التي تواجه الأمة كثيرة ومتنوعة وغير مسبوقة، خاصة مع( قوة تحديات تيار العولمة المعاصرة)؛ التي لا مفر أمامنا من مواجهتها... فنجد العولمة السياسية: تتحدي أمتنا بما تحمله من فرض الهيمنة والاستعمار بالإنابة، وبما تحمله من التعددية السياسية، والشعارات الزائفة للديمقراطية وحقوق الإنسان؛ التي يكيلون بها بمكيالين!! فالديمقراطية وحقوق الإنسان حلال لهم ومُحرمة علينا نحن دول العالم الثالث؟!، * أما العولمة الاقتصادية: تتحدى أمتنا بما تحمله من إزالة الحواجز أمام تدفقات التجارة والسلع والخدمات والمال والبرامج، وبما تحمله أيضا من تكتلات اقتصادية كبرى وشركات عملاقة متعددة الجنسيات ومؤسسات مالية ودولية، وهذا كله جعل البعض في الشرق وفي الغرب يصف هذه العولمة الاقتصادية الرأسمالية بأنها عولمة متوحشة تجعل الغني يزداد غني والفقير يزداد فقرا، * أما العولمة الثقافية: فإنها تتحدى أمتنا بفرض ثقافتها وقيمها وعاداتها الاجتماعية، بل وتفرض انحلالها القيمي والأخلاقي علينا بشتى الوسائل التكنولوجية والإتصالاتية والإعلامية.. الأمر الذي يهدد ثقافتنا وقيمنا بالذوبان في ثقافة الأقوى، ويطمس هويتنا الإسلامية وشخصيتنا الحضارية، * وهذا كله يعني أن أمتنا الإسلامية قد أصبحت محاصرة من كل جانب، وقد تداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلي قصعتها - كما ورد في الحديث الشريف، وهذا التكالب على أمتنا لا بسبب قلة أعداد المسلمين، بل بسبب كثرتنا العددية الضعيفة وكثرة الخونة والعملاء والمنافقون بيننا؛ فأصبحنا كغثاء السيل، وأصبحنا كالدمى الماريونت !! تحركنا أصابع أعدائنا. * والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.. فلا مخرج ولا سبيل لإنقاذ الأمة إلا إذا أدركنا أولاً أسباب التخلف، وأسباب سقوط حضارتنا العظيمة، وإدراك كم التحديات المعاصرة، وآليات الحرب الصهيو- صليبية الحديثة ضدنا؛ وإدراك ما نملكه نحن من عناصر القوة !؛ لتوجيهها التوجيه الحكيم والسليم.. ولازال الخير في أمة محمد لن ينفذ، و لدينا الكثير من عناصر القوة تحتاج للتفعيل!! أولها: إعادة قوة النظام السياسي الإسلامي المستقل( رغم أنوف أعداء الأمة)، وتطهير البلاد من العملاء ودولة الفساد العميقة، وتحرير أمننا، وجيوشنا الإسلامية من هيمنتهم، وأيضاً لدينا قوة البترول، وقوة الاستغناء والمقاطعة الاقتصادية، وقوة تحقيق اقتصاد إسلامي متميز، وإعادة قوة الوحدة العربية والإسلامية، وإعادة قوة البحث العلمي والتعليم الإسلامي الذي هُمش للغاية!، و ضرورة إضافة المواد الدينية لكليات الشرطة، والحربية، والقانون، والإعلام، وإعادة قوة العقيدة الصحيحة وروح الجهاد في سبيل الله في شتى المجالات، وإعادة قوة تماسك المجتمع الإسلامي التي كانت تُرهب الأعداء، ولدينا قوة بشرية هائلة... وما علينا إلا التشبث بسفينة النجاة، في عالم أصبح يموج بعلامات الساعة، وتفشي الجاهلية والفساد والفجور والظلم والإلحاد والدمار.