بعد أن أصبح حزب الله البتاني لاعبًا أساسيًا وقويًا في المعادلة السياسية اللبنانية، وبعد أن فرض الحزب نفسه بانتصاراته وشعبيته الجارفة هناك، وبناء على تلك المعطيات الجديدة التي لا يمكن إغفالها، قامت الحكومة المصرية بتغيير سياستها نحو الحزب بعد أن كانت في حالة عداء دائم معه. التغيير جاء في زيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إلى لبنان مؤخرًا، وقيامه بتوجيه الدعوة "رسميًا" لقيادات حزب الله بزيارة القاهرة والالتقاء بكبار المسئولين المصريين هناك، حسبما ذكرت جريدة "الأخبار" المصرية المقربة من الحكومة. ويعد هذا التطور في العلاقة بين القاهرة وحزب الله لافتًا، خاصة بعد الجمود الذي شاب تلك العلاقات التي بلغت أوج توترها إبان حرب لبنان الثانية في صيف 2006، التي اتخذت القاهرة موقفا معارضا لها، واعتبرتها والرياض مغامرة غير محسوبة العواقب. وقالت الجريدة إن الدعوة التي تعتبر الأولى من نوعها منذ نشأة "حزب الله" قبل حوالي ربع قرن تضمنت التأكيد على ضرورة أن يكون الوفد على مستوى قيادي عال من المسئولين بالحزب، خاصة وأن القاهرة تتفهم الظروف الأمنية التي تمنع ترأس حسن نصر الله الأمين العام للحزب من زيارة مصر. ولا ترتبط مصر بأي اتصالات علنية مع "حزب الله"، المقرب من سوريا وإيران، وفي حال تأكد صحة توجيه أبو الغيط دعوة لمسئولين من الحزب بزيارة القاهرة لإجراء مباحثات مع المسئولين المصريين فسيشكل ذلك تطورا مهما في العلاقات بين الجانبين، ويؤذن لمرحلة جديدة بينهما. وعلى ما يبدو، فقد جاءت الاتصالات بين مصر و"حزب الله" بعد انتهاء حالة الاحتقان على الساحة السياسية اللبنانية، إثر انتهاء الأزمة بين الموالاة والمعارضة بتشكيل حكومة وحدة وطنية أبعدت عن لبنان شبح الحرب الأهلية. وكانت مصر قد اتهمت حزب الله بالتسبب في الأزمة عقب الاعتصام الذي نفذه أنصار "حزب الله" بالساحة الرئيسية المواجهة لمقر الحكومة اللبنانية، وتنظيم اعتصام استمر حوالي عام ونصف، إلى أن تمكن اللبنانيون من توقيع اتفاق الدوحة وإفساح المجال لانتخاب رئيس جديد للبنان، والذي كان السبب في إعلان الرئيس مبارك قرار مقاطعة القمة العربية في دمشق احتجاجا على تعطيل انتخاب رئيس جديد خلفا للرئيس إميل لحود. بموازاة ذلك، عمدت السلطات المصرية خلال الأيام الماضية إلى "تبريد" وتهدئة حربها الكلامية ضد إيران بعد تفجر أزمة فيلم "اغتيال فرعون" الذي يتحدث عن واقعة اغتيال الرئيس أنور السادات. وقررت القاهرة انتهاج سياسية "الباب الموارب" مع طهران في خطوة فسرتها الأوساط السياسية المصرية على أنها تأتي في إطار سياسة الرد على أسلوب الإدارة الأمريكية في التعاطي مع مصر. وقد بدأ الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب حملة علاقات عامة لتلطيف الأجواء مع إيران. يشار إلى أن العلاقات بين مصر والمسلمين الشيعة قد شهدت توترًا كبيرًا عقب الاحتلال الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسين، حيث شن الرئيس مبارك هجوما على الشيعة العرب واتهمهم بالولاء لإيران زعيمة المذهب الشيعي على حساب أوطانهم العربية التي يعيشون فيها، وهو ما أدى إلى ردود فعل عنيفة من جميع فصائل الشيعة في الدول العربية ضد الرئيس المصري الذي هاجموه بعنف ونددوا بسياساته.