«الجيل» يشيد بتحركات جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة لتدعيم الإنتاج    «التموين»: وصول الطائرة الثانية من المساعدات إلى غزة    برقم سلبي|إيميليانو مارتينيز يدخل تاريخ الدوري الإنجليزي أمام ليفربول    مدرب توتنهام: جماهير الفريق لا ترغب في فوزنا على مانشستر سيتي    تطورات أحوال الطقس في مصر.. أجواء حارة على أغلب الأنحاء    أشرف زكي يكشف عن حقيقة تعرض عادل إمام لأزمة صحية: 'الزعيم زي الفل'    أحدهما محمد صلاح.. تطور عاجل في مفاوضات أندية السعودية مع ثنائي ليفربول    بعد موافقة الشيوخ.. ننشر أهداف قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي    دفاع ضحية عصام صاصا: سنطالب بالدية الشرعية لقبول الصلح    خلع البدلة الحمراء.. المؤبد لقاتل زوجته لتقديمها "قربانا للجن" في الفيوم    مواعيد قطارات عيد الأضحى الإضافية.. الرحلات تبدأ 10 يونيو    فرديناند يهاجم تين هاج بسبب كاسيميرو    أحمد موسى للمواطنين: نتزنق أحسن ولا البلد تخرب.. تخيلوا أسعار السلع بدون المشروعات!    برج الجوزاء.. تعثر من يوم 16 إلى 18 مايو وانفراجة في هذه الإيام    عاجل: اللقاء المرتقب.. موعد مناظرة عبد الله رشدي واسلام البحيري مع عمرو أديب على قناة MBC مصر    فطائر المقلاة الاقتصادية.. أصنعيها بمكونات سهلة وبسيطة بالمنزل    تعرف على شروط التقديم للوظائف في المدارس التكنولوجية    أطلق النار على جاره أمام منزله..والمحكمة تحيل أوراقه للمفتي (تفاصيل)    «التعليم» تلوح ب «كارت» العقوبات لردع المخالفين    40 صورة ترصد الحشد الكبير لمؤتمر اتحاد القبائل العربية    إيرادات الأحد.. "السرب" الأول و"فاصل من اللحظات اللذيذة" بالمركز الثالث    حجازي: فلسفة التعليم المجتمعي إحدى العوامل التي تعمل على سد منابع الأمية    ما الفرق بين الحج والعمرة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: لو بتسرح في الصلاة افعل هذا الأمر «فيديو»    بدء التشغيل التجريبي للتقاضى الإلكتروني بمحاكم مجلس الدولة .. قريبا    أفغانستان: استمرار البحث عن مفقودين في أعقاب الفيضانات المدمرة    وزيرة الهجرة تفتتح ندوة "اللغة العربية مصدر الإلهام" بقصر محمد علي    الصين تدعو إلى دعم حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    هل يدعو آل البيت لمن يزورهم؟.. الإفتاء تُجيب    رشا الجزار: "استخدمنا قوة مصر الناعمة لدعم أشقائنا الفلسطنيين"    مشاورات بين مصر والولايات المتحدة بشأن السودان    سينتقل إلى الدوري الأمريكي.. جيرو يعلن رحيله عن ميلان رسمياً    مياه الشرب بالجيزة تستطلع رأى المواطنين بمراكز خدمة العملاء    "نيويورك تايمز": حماس راقبت النشطاء المعارضين لها من خلال جهاز سري    كروس يتخذ قراره النهائي حول مصيره مع ريال مدريد    سيارات بايك الصينية تعود إلى مصر عبر بوابة وكيل جديد    المفتي للحجاج: ادعو لمصر وأولياء أمر البلاد ليعم الخير    برلماني: السياسات المالية والضريبية تُسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية    محافظ سوهاج ورئيس هيئة النيابة الإدارية يوقعان بروتوكول تعاون    رئيس جامعة قناة السويس يتفقد كلية طب الأسنان (صور)    قمة مرتقبة بين رئيس كوريا الجنوبية ورئيس وزراء كمبوديا لبحث التعاون المشترك    وزير الرى: احتياجات مصر المائية تبلغ 114 مليار متر مكعب سنويا    افتتاح أول فرع دائم لإصدارات الأزهر العلمية بمقر الجامع الأزهر    تنطلق السبت المقبل.. قصر ثقافة قنا يشهد 16 عرضا مسرحيا لمحافظات الصعيد    الرعاية الصحية: لدينا 13 ألف كادر تمريضي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    شقق المصريين بالخارج .. خطوات حجز الوحدات السكنية بجنة ومدينتي والأوراق المطلوبة وسعر المتر    "الليجا" تكشف عن موعد مواجهات الجولة الأخيرة    الرئيس السيسي: الدولار كان وما زال تحديا.. وتجاوز المشكلة عبر زيادة الإنتاج    تحرير 92 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز البلدية والأسواق    تطوير مطارات وموانئ.. مشروعات عملاقة بمحافظة البحر الأحمر لجذب السياحة والاستثمارات (صور)    شعبة الأدوية توجه نداء عاجلا لمجلس الوزراء: نقص غير مسبوق في الأدوية وزيادة المهربة    محافظ القليوبية يستقبل رئيس جامعة بنها (تفاصيل)    بينها 1000 لتر خل، إعدام 2.5 طن أغذية ومشروبات فاسدة بأسيوط    هيئة التنمية الصناعية تستعرض مع وفد البنك الدولى موقف تطور الأعمال بالمناطق الصناعية بقنا وسوهاج    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمشروع سد «جوليوس نيريري» الكهرومائية بتنزانيا    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية في ديرمواس ضمن «حياة كريمة»    مستشار خامنئي: طهران مستعدة لإجراء محادثات مع واشنطن    الأقصر تتسلم شارة وعلم عاصمة الثقافة الرياضية العربية للعام 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تعامل رسول الله مع أمريكا عصره ؟ (2)
نشر في الشعب يوم 05 - 04 - 2014


الرسول يرسل لهرقل وكسرى رسالة تقول : ( إسلم تسلم )
فى أول مواجهة مع الرومان كان المسلمون 3 آلاف ضد 200ألف ولم يستشهد منهم إلا 13
فى غزوة تبوك .. انسحب الرومان ورتب الرسول الأوضاع فى شمال الجزيرة العربية
السنن التى حكمت الصراعات الدولية فى عهد السيف والخيل هى نفسها فى عهد الصاروخ والدبابة
تحدثت فى المقال الأول ضمن هذه السلسلة عن إختلال موازين القوى المادية بصورة فادحة بين دولة الاسلام الأولى فى المدينة وبين دولة الرومان العظمى ، لتأكيد أن المواقف المبدئية والعقدية لا تتأثر بهذا الاختلال خاصة فيما يتعلق برسالة الاسلام والمسلمين ، فالمسلمون لديهم مشروعهم الحضارى المستند لدين الله ، وهذا يعطيهم قوة روحية ومدد لبناء قوة مادية مكافئة وموازنة ضد القوة العظمى المعادية لدين الله ، وأن المسلمين مطالبون بتحقيق هذا التوازن خلال جيل واحد حتى لايقعوا تحت هيمنة القوى المعادية للاسلام ، ويتمكنوا من إقامة الدين فى مجتمعاتهم .
والآن نواصل تتبع ( استراتيجية وتكتيك ) الرسول صلى الله عليه وسلم فى التعامل مع أمريكا عصره ( الامبراطورية الرومانية ) مع ملاحظة أنها كانت دولة حدودية أى على حدود الدولة الاسلامية مباشرة سواء فى عهد دولة المدينة أو بعد فتح مكة . وهذا وضع أخطر ، وإن كان الكيان الصهيونى يمكن اعتباره حدود أمريكية مع مصر ! ومع ملاحظة أن الامبراطورية الرومانية لم تكن مخترقة لدولة العرب ولم تكن تحكمهم ، كما تحكمنا أمريكا اليوم ، وبالتالى فالأمر أكثر إلحاحا أن نستأصل النفوذ الأمريكى من عمق السلطة المصرية .
نشر الدعوة
بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنشر الدعوة الاسلامية بإرسال مبعوثيه برسائل لكل القوى العظمى المحيطة به يدعوهم إلى الاسلام . وحدث هذا فى العام السابع للهجرة حيث لاتزال دولة المدينة فتية صغيرة بالأوزان المادية (التى ذكرناها فى الحلقة السابقة) أثناء غزوة الخندق التى وقعت فى العام الخامس للهجرة . وهذا – أى إرسال الرسائل لقادة الدول الكبرى - بمنطق الذين يهولون من مواجهة أمريكا الآن - يعتبر عملا مغامرا وخطيرا وقد يستفز هذا النمر القابع على الحدود ( الامبراطورية الرومانية ) بل ويلفت انتباهه لهذه القوة البازغة المجاورة له . وقد فعل ذلك أيضا مع الدولة العظمى الأخرى ( فارس ) وهى قريبة من جزيرة العرب . وأرسل رسالة إلى أمير البحرين ، وإلى المقوقس حاكم مصر ، وإلى النجاشى حاكم الحبشة . وفى رسالته لهرقل حاكم الروم قال له : ( أسلم تسلم ) (فإن لم تسلم فعليك إثم الآرسيين) – أى رعاياه . واستخدم نفس التعبير فى رسالته إلى كسرى ( أسلم تسلم وإن لم تسلم عليك إثم المجوس ). وقد استفز كسرى بالفعل ومزق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم . والملفت للانتباه أن رسول الله كان خطابه أكثر لينا مع النجاشى رغم أنه أقلهم قوة ، لسابقة وقوف حاكم الحبشة مع المسلمين فقال له : ( وإنى أدعوك وجنودك إلى الله تعالى ، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتى ) أى خلا الكتاب من الوعيد .
ونعود إلى الروم ، فقد عادت وتوترت العلاقات بين دولة المدينة والروم بسبب قيام حلفائهم العرب الغساسنة المسيحيين بمحاربة الاسلام بالعنف .
فقد استقبلوا كتب الرسول بصورة عدوانية وقاموا بقتل الحارث بن عمير الأزدي مبعوث رسول الله إلي حاكم بصري , كما قتل فروة بن عمر الجذامي عامل الروم في معان عندما أعلن إسلامه . ويعد ذلك العمل عملا عدائيا , وبمثابة إعلان للحرب . وكان هذا بالإضافة لتعديات أخرى على المسلمين فى المناطق الحدودية ومنع انتشار الاسلام ، كان هذا هو السبب المباشر لغزوة ( سرية ) مؤتة فى العام السابع للهجرة وكانت موازين القوى المادية مع الروم مختلة تماما لغير صالح المسلمين .ولكن كان لابد من الحفاظ على هيبة ومكانة الدولة الاسلامية وتأديب المعتدى ، وضرب فكرة التعدى على حق نشر الاسلام .
شارك الروم الغساسنة بطبيعة الحال فى الحرب وكانت القوى غير متكافئة من حيث العدد والعدة ، ولكن خالد بن الوليد تمكن فى النهاية من تحقيق نصر تكتيكي ، بأساليب قتالية مبتكرة بنقل القوات من جهة لأخرى بصورة سريعة ، ومن خلال التحصن فى مكان طبيعى ، وإيهام العدو بوصول تعزيزات جديدة ، فأوقع خسائر فادحة فى صفوف الجيش المعادى وانسحب بأقل الخسائر . والوقائع مذهلة فرغم مقتل 3 من القادة قبل خالد بن الوليد إلا أن المؤرخين ينقلون أن عدد شهداء المسلمين لم يتجاوز ثلاثة عشر مقابل أضعاف ذلك بكثير من الرومان ، رغم إختلال التوازن العددى بين 3 آلاف مسلم فى أرجح الروايات و مالايقل عن 100 ألف مقاتل فى جيش الغساسنة والرومان ( فى حين يرفع البعض العدد إلى 200 ألف ) أى بنسبة 3 : 100 . والخروج بحالة من التعادل فى هذا الموقف يعنى النصر ، خاصة وأن المعركة جرت على أرض الرومان وبعيدة عن خطوط إمداد المسلمين ، لذلك عندما حزن بعض المسلمين من عودة الجيش بدون نصر كاسح وقالوا ( فرار ) رد رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بل كرار إن شاء الله ). وبالفعل فهذه المواجهة رفعت من شأن وهيبة الدولة الاسلامية ، وكانت علامة فارقة على بداية تقويض دولة الرومان .
غزوة تبوك

وقد ذكر ابن سعد في الطبقات السبب الذي من أجله غزا صلى الله عليه وسلم تبوك وهو: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغه أن هرقل جمع الجموع من الروم ولخم وجذام وعاملة وغسان لمهاجمة المسلمين فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس وأعلمهم بالخروج إلى تبوك.
وكما ذكرنا فى الحلقة الأولى من هذه الدراسة أن تجهيز هذه الحملة اعتمد على التبرعات حتى سميت غزوة العسرة ، وهو مايؤكد فراغ الخزانة العامة من أى احتياطيات مالية تذكر ، رغم أن هذه الغزوة حدثت بعد فتح مكة ، وقد كان قوامها 30 ألف مقاتل ، بينهم 10 آلاف فارس .
وإذا كان مدلول الاستراتيجية يعني استخدام القوة , أو التهديد باستخدامها . فإن التهديد باستخدام القوة والقدرة علي فعل ذلك بدا جليا في غزوة تبوك في العام التاسع للهجرة .فحين علم الرسول صلي الله عليه وسلم بتهديدات الروم وحلفائهم وتجمع قواتهم في جنوب الشام كان لابد من التهديد باستخدام القوة . ففي رجب من هذه السنة أمر النبي صلي الله عليه وسلم بالتجهز لغزو الروم , وأعلم الناس مقصدهم لبعد الطريق , وقسوة العدو . وكان قبل ذلك إذا أراد غزوة وري بغيرها . ويتبين لنا مما ذكره أبوالفدا كيف كان يأمر للغزو والتجهيز للقتال , كما بين لهم مصاعب الطريق وقدرة العدو ليعدهم معنويا لملاقاة عدو لا يستهان به .
وخرج الرسول صلي الله عليه وسلم ومعه - كما ذكرنا - ثلاثون ألف مقاتل , وأما الخيل فكانت عشرة آلاف , ولقوا في الطريق من المصاعب الكثير حيث شدة العطش والحر . وبلغ الرسول صلي الله عليه وسلم تبوك , وأقام بها عشرين ليلة . وهنا التساؤل , ما الدافع لهذه الغزوة في وقت شديد الصعوبة علي المشاركين فيها ؟ ولماذا لم يتم قتال بين المسلمين والروم ؟ وما النتائج التي حققتها ؟ . لقد تنامي إلي علم الرسول الكريم ما كان يعد له الروم وحلفائهم , لذا تطلب الأمر مواجهة التهديد الذي يمثله ذلك التكتل ضد المسلمين دونما إبطاء أو توان , حتى يتبين للأعداء أن المسلمين قادرون علي الردع الحربي . ولقد انسحب الروم وأتباعهم , قبل أن تصل قوات المسلمين , فقد وصلتهم المعلومات عن ضخامة جيش المسلمين وارتفاع معنوياتهم , مما استلزم من جانبهم مزيد من الإعداد . وإذ لم يحدث الصدام إلا أن تلك الغزوة أثمرت . فقد حدث خلال إقامة الرسول صلي الله عليه وسلم بتبوك أن صالحه أهلها كما أقبلت إليه الوفود من آيلة وغيرها , وصالحوه علي دفع الجزية . ومن تبوك أوفد الرسول صلي الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلي دومة الجندل فأستولي عليها , وأسر حاكمها .
حققت غزوة تبوك عدة أهداف :
إسقاط هيبة الروم من نفوس العرب جميعًا -مسلمهم وكافرهم على السواء- لأن قوة الروم كانت في حس العرب لا تقاوم، ولا تغلب، ومن ثم فقد فزعوا من ذكر الروم وغزوهم، ولعل المصاعب التي لحقت بالمسلمين في غزوة (مؤتة) كانت مؤكدة على ما ترسخ في ذهن العربي في جاهليته من أن الروم قوة لا تقهر، فكان لا بد من هذا النفير العام لإزاحة هذه الهزيمة النفسية من نفوس العرب.
إظهار قوة الدولة الإسلامية كقوة وحيدة في المنطقة قادرة على تحدي القوى العظمى عالميا –حينذاك- ليس بدافع عصبي أو عرقي، أو تحقيق أطماع، وإنما بدافع تحريري؛ حيث تدعو الإنسانية إلى تحرير نفسها من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد. والهدف هو منع هذه القوة العظمى من الوقوف ضد انتشار الاسلام ، خاصة وهى قوة محتلة وليست من أساس سكان الشام . ولقد حققت هذه الغزوة الغرض المرجو منها بالرغم من عدم الاشتباك الحربي مع الروم الذين آثروا الفرار شمالا فحققوا انتصارا للمسلمين دون قتال، حيث أخلوا مواقعهم للدولة الإسلامية، وترتب على ذلك بسط السيادة على القبائل المسيحية العربية التي كانت تمت بصلة الولاء لدولة الروم مثل إمارة دومة الجندل، وإمارة إيلة (مدينة العقبة حاليا على خليج العقبة), وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم كتابا يحدد ما لهم وما عليهم. وأصبحت القبائل العربية الشامية الأخرى التي لم تخضع للسيطرة الإسلامية في تبوك تتعرض بشدة للتأثير الإسلامي، وبدأ الكثير من هذه القبائل يراجع موقفه ويقارن بين جدوى الاستمرار في الولاء للدولة البيزنطية أو تحويل هذا الولاء إلى الدولة الإسلامية الناشئة، ويعد ما حدث في تبوك نقطة البداية العملية للفتح الإسلامي لبلاد الشام.
توحيد الجزيرة العربية تحت حكم الرسول صلى الله عليه وسلم, حيث تأثر موقف القبائل العربية من الرسول صلى الله عليه وسلم والدعوة الإسلامية بمؤثرات متداخلة كفتح مكة، وخيبر, وغزوة تبوك، فبادر كل قوم بإسلامهم بعد أن امتد سلطان المسلمين إلى خطوط التماس مع الروم ثم مصالحة نجران في الأطراف الجنوبية ، سارعت القبائل العربية التى لم تحدد موقفها بعد إلى الدخول تحت سلطان الدولة العربية الاسلامية سواء باعتناق الاسلام أو بدفع الجزية بالنسبة للنصارى . ونظرا لكثرة وفود القبائل العربية التي قدمت إلى المدينة من أنحاء الجزيرة العربية بعد عودة
النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك لتعلن إسلامها هي ومن وراءها, فقد سمي العام التاسع للهجرة في المصادر الإسلامية بعام الوفود.
عصر الخيول وعصر الدبابات
ينعى علينا بعض الملحدين الذين لايؤمنون برسالة الاسلام أننا مانزال نعيش فى عصر السيف والرمح والخيل ، وهم يرون أن مايصلح فى هذه العهود السحيقة ، لايصلح الآن وهذا طبيعى أن يصدر منهم ، ولكن الأشد إيلاما أن بعض الاسلاميين يرددون هذا الكلام ، أو يتبعونه عمليا ، ولايرون إتباع نهج رسول الله فى تعامله مع القوى العظمى . وقد يتصور البعض أن القياس فعلا صعب فى النواحى الاستراتيجية والعسكرية . ولكن القوانين والسنن الالهية الأساسية ثابتة فى شتى العصور والمجالات ويمكن استقاؤها من القرآن والسنة . ويعمل بها المؤمن والكافر على السواء . بل ينتصر الكفار على المسلمين عندما يأخذون بهذه الأسباب ، ونظن نحن أن الايمان بالله يغنينا عن الأخذ بها . وهم لايقرأون القرآن الكريم ويتدبرونه بطبيعة الحال ، ولكنهم يكتشفون السنن الالهية بإعمال العقل والنظر فى الواقع المعاش وهو مايسمي القوانين الطبيعية والقوانين الاجتماعية والتى تدرس فى الجامعات تحت مسميات مختلفة . ولقد رأينا أن القتال فى تلك العصور لم يكن سهلا ، فالتمويل أهم عقبة ، والدول العظمى تتميز بالتمويل الأسهل والأكبر ، كما ان المسألة ليست مجرد جمع خيول ولكن فرسان مدربون ، والمقاتل يحتاج لتمويل وإعاشة وتدريب وتفرغ ، وكذلك فهناك صناعة معدنية للدروع للمقاتل والمركبة وللسهام والسيوف والرماح ، بل عرفت الجيوش سلاح الصواريخ والمدفعية ( المجانيق ) ، وقد لجأ إليها رسول الله فى غزوة الطائف . فلو كانت المسألة مسألة خيول ( وإن كانت بدورها تحتاج لتربية وتدريب ) وأمور سهلة فلماذا كانت جيوش الدول الكبرى مفزعة للدول الأصغر ، فمسألة توازن القوى مسألة قديمة ونسبية ، بل عرفنا فى التاريخ الصواريخ اليونانية ( النارية ) ، وكانت المركبة الحربية ذات العجلات نقلة مهمة فى العمل العسكرى فى بلاد الرافدين و مصر القديمة . وكل آلة أو أداة تتطلب حديدا أى استخراج وصهر وصب ومهارة فى ذلك .
وفى إطار مشروعنا الاسلامى نحن لدينا مكون استراتيجى أساسى ومرجح ، أننا أصحاب رسالة ، ودعاة عدالة لا استعمار ولا تسلط ، ورسالتنا تنتشر وتكسب البشر ، وهذه أهم قوة لايملكها الخصم . كما أننا نعمل فى سبيل الله فخشيتنا للموت أقل بكثير من الخصم ، واستعدادانا للتضحية أكبر ، واستعدادنا لتحمل المكاره أكبر . ولكن ليس معنى هذا أن نقاتل الاسرائيليين والأمريكيين بالحجارة ، لابد أن يكون لدينا نفس الأجيال من الأسلحة ، فالبارود بالبارود على الأقل ، والطيران بالصاروخ أو العملية الاستشهادية . ويمكن أن نكون أقل تسليحا من الناحية التكنولوجية فى إطار هذه المعادلة ، كما أننا نحارب على أرضنا ولا نسعى للغزو إلا ردا على الاعتداء. والقتال على الأرض التى نعرفها ونتحصن بها وبأهلنا فيها ، يعطينا ميزة إضافية على العدو المهاجم . وقد تحققت معادلة شبيهة بغزوة مؤتة فى عدوان 2008 - 2009
على غزة حيث اعتبر صمود المقاومة واستمرار قدرتها على ضرب الصواريخ على الكيان الصهيونى انتصارا وتكرر ذلك بصورة أشد فى موقعة 2012حيث ضربت تل أبيب بالصواريخ لأول مرة منذ عام 1991 حين استهدفتها الصواريخ العراقية . وحققت المقاومة اللبنانية معادلة ردع حقيقية مع الكيان الصهيونى بل وانتصرت عليه فى 2000 ثم فى 2006 . وحققت إيران ( بتطوير الصناعة الحربية ) معادلة ردع حقيقية مع القوات الأمريكية فى الخليج . بل وحققت كوريا الشمالية معادلة ردع حقيقية مع أمريكا . وانتصرت المقاومة العراقية على أكبر جيش فى العالم والتاريخ من حيث العدة والعتاد . وتنتصر الآن المقاومة الأفغانية على الجيش الأمريكى وقوات الناتو .
فهل مصر من دون هذه الأمم لا تستطيع أن تحقق معادلة توازن وردع مع العدو الصهيونى أو لردع الأمريكان عن مجرد التفكير فى الاعتداء العسكرى . نحن لدينا جيش له تقاليد وخبرات عريقة فى الحروب لايحتاج إلا تطهيره من قيادته الخائنة ، ولدينا رجال الصاعقة والمظلات الذين يمكن استخدامهم بدلا من ضرب بنات الأزهر وحماية شخص السيسى ، استخدامهم كنواة لكتائب شعبية قادرة على استنزاف العدو إذا تخيل أنه يمكن أن يعيد احتلال سيناء ، ويمكن أن نتتلمذ على يد كتائب القسام وسرايا الجهاد بدلا من اتهامها بالزور بتخريب مصر . وليس عيبا أن نتعلم من المجاهدين لأننا اعتزلنا الجهاد 40 سنة وهذا افقدنا الكثير من اللياقة والفكر فى هذا المجال . كما أن المقاومة أصبح لها خبرة فى التعامل مع الجيش الصهيونى وهذا ما نحتاجه لأن أسلوب الحرب النظامية مع جيش أكثر تطورا من الناحية التكنولوجية ليس هو الخيار الاستارتيجى السليم .
أقول كل ذلك ليس استعجالا لحرب لانسعى إليها ، ولكن ردعا لعدو ظن – محقا مع الأسف – أننا عدنا نهاب منها !
لا تفكروا إذن فى تنمية وإصلاح للبلاد تحت مظلة الامبراطورية الرومانية المعاصرة ( أمريكا ) المتحالفة مع اليهود المغتصبين لأرض المسلمين ، بل لابد أن نقيم دولة مستقلة تبنى وتحمى ماتبنيه بالسلاح . ونفصل ذلك فى الحلقة القادمة إن شاء الله .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.