رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية: نقوم باختبار البرامج الدراسية التي يحتاجها سوق العمل    أطفال مستشفى المقاطعة المركزى يستغيثون برئيس الوزراء باستثناء المستشفى من انقطاع الكهرباء    الحماية القانونية والجنائية للأشخاص "ذوي الهمم"    مصطفى بكري: اتحاد القبائل العربية منذ نشأته يتعرض لحملة من الأكاذيب    "تعليم الوادي الجديد" ضمن قائمة الجمهورية بمبادرة "مدارس بلا تدخين"    فيديو.. وزير الزراعة: أسعار الدواجن والبيض معقولة    وصل ل50 جنيهًا.. نقيب الفلاحين يكشف أسباب ارتفاع أسعار التفاح البلدي    برلمانية الشعب الجمهوري : عدم الثقة بين الممول ومصلحة الضرائب سبب المنازعات القانونية    عاجل - الأمين العام للأمم المتحدة: أكرر ندائي بوقف فوري لإطلاق النار في غزة والإفراج عن الأسرى    أكثر من 35 ألفا.. الأمم المتحدة توضح أن عدد القتلى في غزة لم يتغير    الجيش الإسرائيلي: إصابة 11 جنديا و3 موظفين بقطاع غزة و4 جنود آخرين في الشمال    فلسطين.. شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي لشقة سكنية في مخيم النصيرات    نتنياهو: ما يقرب من نصف القتلى في حرب غزة هم مقاتلي حماس    مسؤول أمريكي: لا نعتقد أن النصر الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه محتمل أو ممكن    بالفيديو.. هدف غريب لأستون فيلا أمام ليفربول    برشلونة يهزم سوسيداد ويُعزز موقعه في وصافة الدوري الإسباني    "حمدي فتحي شارك".. الوكرة يودع الكأس أمام السد    "ريمونتادا في 5 دقائق قاتلة".. أستون فيلا يفرض التعادل على ليفربول بالدوري الإنجليزي    موعد مباريات اليوم الثلاثاء 14 مايو 2024| إنفوجراف    فيورنتينا يعاقب مونزا بالدوري الإيطالي    في انتظار العيد: توقعات وآمال لموعد عيد الأضحى المبارك في عام 2024    "دمك سايح وبتقاومي".. كيف أفشلت "فتاة التجمع" محاولات سائق أوبر في الصحراء؟    ارتفاع درجات الحرارة.. الأرصاد تحذر من طقس الثلاثاء    عاجل - شبورة وأتربة.. حالة طقس اليوم الثلاثاء 14 مايو    فرنسا: الادعاء يطالب بتوقيع عقوبات بالسجن في حادث سكة حديد مميت عام 2015    حريق في جراج بمحرم بك في الإسكندرية.. والحماية المدنية تخمده    تأجيل محاكمة 15 متهمًا بتكوين تشكيل عصابي للاتجار في المواد المخدرة بأسيوط ل 7 يوليو    لطفي لبيب يتحدث عن موقف أحمد عز معه في مسرحية "علاء الدين"    القضية الفلسطينية.. حضور لافت وثقته السينما العربية    فريدة سيف النصر تنفي عدم التزامها.. وتؤكد تواجدها لآخر يوم تصوير بمسلسل العتاولة    «أخي جاوز الظالمون المدى».. غنوا من أجل فلسطين وساندوا القضية    منال سلامة في "الجيم" ونجلاء بدر ب"الجونة".. لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| حمو بيكا يهاجم الصحفيين وأسباب فشل الصلح بين شيرين و"روتانا"    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك يوماً يتجلى فيه لطفك ويتسع فيه رزقك وتمتد فيه عافيتك    ما مواقيت الحج الزمانية؟.. تعرف عليها من البحوث الإسلامية    "إحنا بنخسر".. شعبة الأدوية تكشف أسباب نقص الإنتاج    دبلوماسي سابق: إسرائيل وضعت بايدن في مأزق.. وترامب انتهازي بلا مبادئ    خريطة تلاوات القرآن المجود اليوم الثلاثاء بإذاعة القرآن الكريم    طارق الشناوي يرد على بلاغ أشرف زكي: 3 بطولات لروجينا كثير.. ومش موجودة في الشارع    إبراهيم عيسى: الدولة بأكملها تتفق على حياة سعيدة للمواطن    إصابة شخصين في حادث تصادم بالمنيا    عاجل: مناظرة نارية مرتقبة بين عبدالله رشدي وإسلام البحيري.. موعدها على قناة MBC مصر (فيديو)    مستشار وزير الزراعة: إضافة 2 مليون فدان في 10 سنوات إعجاز على مستوى الدول    «غرفة الدواء»: أزمة النواقص ستنتهي خلال أسبوعين.. والمصانع تعمل بكامل طاقتها    احذروا ملح الطعام..فيه سم قاتل    يويفا يعلن طاقم تحكيم نهائي دورى أبطال أوروبا بين دورتموند وريال مدريد سنة 2024    مدرب توتنهام: جماهير الفريق لا ترغب في فوزنا على مانشستر سيتي    فطائر المقلاة الاقتصادية.. أصنعيها بمكونات سهلة وبسيطة بالمنزل    بدء التشغيل التجريبي للتقاضى الإلكتروني بمحاكم مجلس الدولة .. قريبا    40 صورة ترصد الحشد الكبير لمؤتمر اتحاد القبائل العربية    حجازي: فلسفة التعليم المجتمعي إحدى العوامل التي تعمل على سد منابع الأمية    هل يدعو آل البيت لمن يزورهم؟.. الإفتاء تُجيب    مياه الشرب بالجيزة تستطلع رأى المواطنين بمراكز خدمة العملاء    سيارات بايك الصينية تعود إلى مصر عبر بوابة وكيل جديد    المفتي للحجاج: ادعو لمصر وأولياء أمر البلاد ليعم الخير    وزيرة التضامن تشارك في أعمال المنتدى الدولي لريادة الأعمال ومبادرة العيش باستقلالية بالبحرين    الرعاية الصحية: لدينا 13 ألف كادر تمريضي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    هيئة التنمية الصناعية تستعرض مع وفد البنك الدولى موقف تطور الأعمال بالمناطق الصناعية بقنا وسوهاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمام الفذ والبحث الهدية(2/2)
نشر في المصريون يوم 20 - 01 - 2011

عرضنا في المقال السابق رؤية الإمام الفذ لأزمتين كبيرتين وكيف عرض القرآن الكريم حلولا لهما من خلال تقديم حادث الهجرة كمنهج واستراتيجية لإدارة الأزمات وكان قد بقي أزمتان كبيرتان هما :
• أزمة الاستضعاف والتخلي عن أداء الدور في المجتمع الإسلامي الجديد .
• والأزمة الرابعة كانت أزمة التردد والقلق عند التحدي الكبير عندما أعلن الرسول في غير مواربة وعلى غير العادة أنه متوجه إلى قتال الدولة العظمى في ذلك الوقت دولة الرومان في تبوك، فكيف عالجهما القرآن الكريم من خلال الحديث عن الهجرة ، وكيف عرضهما شيخنا الإمام الشيخ محمد الغزالى رحمة الله عليه ؟
• الأزمة الثالثة:
أزمة الاستضعاف والتخلي عن أداء الدور في المجتمع الإسلامي الجديد.
يقول الشيخ الإمام :
"الهجرة من مكة إلى المدينة كانت انطلاقا بدعوة محبوسة مضطهدة إلى مكان جديد أو وطن جديد تستقر فيه وتحاول الانطلاق منه، ولذلك كان فرضا على كل مسلم أن يترك مكة إن كان يعيش في مكة، وأن يترك جنوب الجزيرة إن كان يعيش في جنوب الجزيرة، وأن يترك شمالها إن كان يعيش في الشمال، وأن يلتحق بالإسلام الذي أسس مجتمعا جديدا له في المدينة كي يدعم هذا المجتمع الجديد ويعلي فيه راية التوحيد، ويرد عنه عدوان الشرك ويجعل قوى المؤمنين في هذا الوطن تتماسك وتتلاقى ، ومن هنا فإن البقاء في ظل المظالم اعتبر جريمة دينية ، واعتبر القرآن الذين يؤثرون الضعف في أرضهم حطب جهنم واستثنى القرآن أصحاب الأعذار الحقيقية الذين لا يستطيعون الضرب في الأرض ولا التنقل من مكان إلى مكان، فقد عذر هؤلاء ، لكن صيغة العفو عنهم جاءت مقلقة ، ومع أن الرجاء في الله محقق الوقوع إلا أن القرآن قد اختار صيغة بتعبير دقيق " عسى الله أن يعفو عنهم" والتعبير بعسي جاء قاطعا لدابر اختلاق الأعذار لأن صاحب العذر الحقيقي لا يدرى إن كان سيغفر له أم لا ، وجاءت الآية على هذا النسق حتى لا يختلق أحد عذرا فتأمل كيف عالج القرآن تلك الأزمة وقدمت فيها الهجرة ليست كحادث انتقال من مكان إلى مكان آخر وانتهي الأمر ، وإنما قدمها كاستراتيجية لإدراة أزمة الاستضعاف الحقيقي والاستضعاف المدعى بشكل عام .قال الله تعالى فيهم : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا} {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً . فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} ( 98 99) سورة النساء
• الأزمة الرابعة
غزوة تبوك وأزمة التردد والقلق عند التحدي الكبير.
فرز الشرائح المختلفة وتصنيفها
وسبب هذه الغزوة أنه قد بلغ المسلمين من الأنباط (الفلاحين) الذين كانوا يتنقلون بين الشام والمدينة للتجارة أن الروم قد جمعت جموعا وأجلبت إلى جانبها لخم وجذام وغيرهم من نصارى العرب الذين كانوا تحت إمرة الرومان ووصلت طلائعهم إلى أرض البلقاء فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الخروج وكان ذلك في شهر رجب سنة تسع من الهجرة وكان الفصل صيفا وقد بلغ الحر أقصاه والناس في عسرة من العيش وكانت ثمار المدينة في الوقت نفسه قد أينعت وطابت.
• فمن أجل ذلك أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجهة التى سيتجهون إليها وذلك على خلاف عادته في الغزوات الأخرى فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا وليأخذوا استعدادهم ،
• وكانت الرحلة في هذه الغزوة ثقيلة على النفس فيها أقسى مظاهر الابتلاء والامتحان
• وفي السنة التاسعة من الهجرة أعلن النبي يصلى الله عليه وسلم النفير العام لملاقاة الروم ، والروم أو الرومان كما يذكر اسمهم في التاريخ، كانوا يومئذ الدولة العظمى في العالم.
• كانوا أشبه بأمريكا اليوم، كانت دولة مرهوبة الجانب عظيمة السلطان باطشة بالشمال الأفريقي كله وبأسيا الصغرى كلها ، وكانت قد خرجت من حرب حققت فيه نصرا تجرجر أذياله فخرا على دولة الفرس ، أي أن الأمجاد كلها قد تلاقت لتكلل هامات الرومان.
• ،دولة هي الأعظم ومنتصرة وتبسط نفوذها وسيطرتها على أغلب بقاع الأرض ،وفي هذه اللحظات قيل للمسلمين تحركوا إلى دولة الروم لتقاتلوها.
• وقع الرعب في قلوب الناس، وقع التخاذل والقلق ، وقال المنافقون : انتهى محمد وانتهى دينه، سيشتبك مع الدولة الأولى في العالم، وسيتلاشى تماما ، وأخذ نفاق المنافقين يعلن عن نفسه هنا وهناك فيقولون مثبطين "لا تنفروا في الحر " ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتني.
• وعسكر عبد الله بن سلول مع فئات من أصحابه وحلفائه في ضاحية بالمدينة فلما سار النبي صلى الله عليه وسلم تخلف بكل من معه، ونزل القرآن الكريم يعطى توصيفا عاما للأزمة ويصف المخلفين بما قالوا دون أن يذكر الأسماء، قال تعالى:" {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ } (49) سورة التوبة
{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}
(81 82) سورة التوبة.وكانت تلك طائفة.
• هنالك طائفة أخرى أحست بالخوف والفزع وركنت إلى متاع الحياة وتباطأت في تلبية النداء، فالجو حار وثمار المدينة قد أينعت ودان قطافها ، ثم إن العدو في هذه المرة ليس قرش وليس أحد القبائل التى اعتاد المسلمون قتالها، إنهم الروم وما أدراك ما الروم ، القوة الأعظم في ذلك الوقت ، وهكذا تردد صدى الخوف والرعب في نفوس بعض المسلمين فنزل القرآن ليحسم الأمر ويعالج الأزمة ببيان عاقبة التخاذل وأثر ذلك في ضياع الأرض والعرض وانتهاك الحرمات فقال تعالى :" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ،إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (38 39) سورة التوبة
• ثم يستدعي حادث الهجرة بعد تسع سنوات من وقوعه ويذكرهم بالنبي البطل الفرد الذي تكالبت عليه مكة وهي يومئذ أم القرى وعاصمة الجزيرة العربية .
• إن الرجل الوحيد الذي خرج معه صاحبه يؤنسه ويخدمه ، هذا الرجل ماذا حدث له، خذله الناس وطلبوا قتله وجندوا لذلك كل شباب مكة فماذا حدث له؟ {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40) سورة التوبة
• ثم كان هناك بجانب تلك النفر الذين ترددوا وارتابت قلوبهم كان هناك الإيمان الصادق الذي أخذ يعلن عن نفسه أيضا في صدور أصحابه فقد أقبل المؤمنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل صوب، وكان قد حض على الإنفاق وتقديم ما يتوفر لديهم من الدواب للركوب فجاء الكثيرون منهم بكل ما أمكنهم من المال والعدة،
• وجاء عثمان بثلاثمائة بعير بكل ما تحمله من زاد وعتاد وبألف دينار نثرها بين يدي النبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يضرعثمان ما فعل بعدها"
• روى الترمذي عن زيد ابن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطاب يقول : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك عندي مالا ، فقلت اليوم أسبق أبا بكر ، إن سبقته يوما قال: فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده . فقال يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ فقال أبقيت لهم الله ورسوله ، قلت : لا أسبقه إلى شئ أبدا " 1
• وأقبل رجال من المسلمين أطلق عليهم(البكاؤون) يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم دواب يركبونها ليجاهدوا معه ، فقال لهم النبي " لا أجد ما أحملكم عليه" فخرجوا وعيونهم تفيض من الدمع حزنا لأنهم لا يجدون ما يقدمونه في تلك الغزوة ، وتخلف عن النبي نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب ، مهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية وأبو خيثمة .
• غير أن الأخير لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك بعدما عاد إلى داره وكان له زوجتان فلما عاد وجد كلتاهما قد فرشت له خيمتها وأعدت أطيب الطعام والماء البارد فلما وقف على الخيمتين ونظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال : رسول الله في الشمس والريح والحر وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام طيب وامرأة حسناء في ماله مقيم ؟ ما هذا والله بالعدل ووالله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله،
• وارتحل أبو خيثمة حتى أدرك رسول الله في تبوك ، كان الجو غائما ومغبرا والرؤية تكاد تكون منعدمة ، وأحس المسلمون بركب قادم ولما دنى من المسلمين ، قالوا هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة ، فقالوا يارسول الله هو والله أبو خيثمة فلما أناخ أقبل إلى رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام أولى لك يا أبا خيثمة ؟ .. ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فدعا له بخير.
• ومما حدث في هذه الغزوة أن الرجلين والثلاثة كانوا يتعاقبون على بعير واحد وأصابهم جوع شديد بعدما نفد الزاد ، ثم أصابهم عطش أشد حتى فكر بعض المسلمين في نحر إبلهم ليشربوا ماءها واستأذنوا الرسول في ذلك فأذن لهم، غير أن عمر قال يا رسول الله إنهم إن فعلوا قل الظهر ، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع لهم بالبركة لعل الله أن يجعل فيه ذلك ، فأمرهم النبي أن يأتي كل واحد منهم بما عنده فكان الرجل يأتي بحبة من ذرة والآخر بتمرة والآخر بكسرة من خبز فجمعها النبي ودعا عليها بالبركة ثم قال لهم خذوا في أوعيتكم، قال فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في المعسكر وعاء إلا ملئوه وأكلوا حتى شبعوا وفضلت منه فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ،لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فتحجب عنه الحنة"2
• ولما انتهوا إلى تبوك لم يجدوا هناك كيدا ولا قتالا فقد اختفى وتفرق ألئك الذين كانوا قد تجمعوا لقتال المسلمين ثم أتاه يوحنه حاكم أيلة فصالح رسول الله على الجزية وكذلك بقية القبائل جرباء وأذرح ونصر الله نبيه وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا.
• وهكذا انتصر النبي صلى الله عليه وسلم وما استطاع الناس أن يصنعوا شيئا أو أن ينالوا منه شيئا بل لقد تحول على امتداد الزمان والمكان إلى حضارة عمرت المشارق والمغارب بمنطق العقل وأدب النفس وسناء الخلق ، وأقام مجتمعا لا تعرف الدنيا نظيرا له تراحما وتناصرا وإخاء وعدلا ولا عجب في ذلك فإن الأنصار الذين التفوا حوله كان الوحي المشع من السماء يضيئ لهم الطريق ويوضح لهم الغاية فصنع منه الإيمان الذي يزن الجبال ولا يطيش والإيمان بمن ؟ بالله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الأولى والآخرة وهو الحكيم الخبير.
• تلك كانت رؤية الإمام الفذ الشيخ محمد الغزالى لحادث الهجرة، قدمتها هدية لقرائنا في جريدة "المصريون" تقديرا وامتنانا :
• تقديرا لوعيهم بمكانة الشيخ الإمام ودوره ورسالته الدعوية وجهوده وجهاده في خدمة الإسلام وقضاياه، وذلك ما أظهروه من خلال تعليقاتهم السابقة.
• وامتنانا لهم واعترافا بفضلهم في تصحيح بعض الصورالذهنية الخاطئة لقلة من الناس حول عظماء أمتنا .
• وما أحوجنا في تلك الظروف الحرجة من حياة أمتنا أن نعرف الفضل لذويه ، وأن نهجر الأفكار الكارثية التى ما برحت تحاول تحطيم كل بناء جاد، وتحاول أيضا أن تنال من كل عظيم، حتى ولو كان قد غادر حياتنا وذهب إلى هناك بين يدي الله حيث لا ظلم هناك.
• هجرة الأفكار الكارثية تحتاج لمزيد من العرض والشرح والبيان حتى لا يظل البعض أسيرا لرؤية وفكرة ضيقة، ففضاء العلم واسع وفسيح ، ووحدة الحقيقة لا تمنع من تعدد وجهة النظر إليها. وقد واجه كل الأئمة الأعلام من قبل صدودا واتهامات، وكان هناك من طعن في إمامتهم بل وطعن في دينهم واستعدى السلطة والسلطان عليهم، وبعضهم سجن وعذب وكان منهم الإمام ابن تيمية .
• خبيث هو ولئيم ذلك المخطط الذي يريدنا أن نعيش بلا رأس ولا رمز ولا مرجعية، بلا رأس تفكر ، ولا رمز نلتقى عنده ، ولا مرجعية تحوِّل اختلافنا إلى ثراء وإضافة وتعددية، ومن ثم تعصمنا من الزلل وتستبقى مع الاختلاف في وجهات النظر أخلاقنا عند حدود الأدب فلا نتعدى على الحرمات ولا نتجاوز.
• رحم الله أئمتنا وعلماءنا ، وغفر الله لنا ولإخواننا من الأحياء ومن سبقونا بالإيمان، وندعوه سبحانه ألا يجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا .
رئيس المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية
رئيس إذاعة القرآن الكريم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.