استراحة في طريق الذكريات عزيزي القارئ. قبل الدخول في الموضوع أستأذنك شاكرا وممتنا في ثلاث نقاط أود الإشارة إليها. • النقطة الأولى: عندما شرعت في كتابة موضوع الهجرة كنت أرى أنه يمكن إجماله في حلقات أربعة نقدمها للقارئ الكريم في ذكرى الهجرة، لنستدعى منها ما يمكن أن نضيئ به حياتنا وهو كثير في سنته وسيرته صلى الله عليه وسلم. • النقطة الثانية : عندما استغرقت في مادة الهجرة دراسة وتحليلا وجدت أن القارئ الكريم يستحق منا أن نوفيه حقه المعرفي في جزء هام من سيرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ،غير أنى بعدما استحضرت الأحداث والنصوص وجدت أننا نجور على حقائق الموضوع إذا ضغطناه في أربعة أجزاء، ولذلك أستأذن القارئ الكريم في إضافة جزئين جديدين أقدمهما هدية منى شخصيا ومن جريدة "المصريون" لقرائها الكرام تحية لهم وعرفانا بقدرهم ومحبتهم لنبيهم وولائهم له. • النقطة الثالثة : أن الجزأين المضافين إلى الموضوع وسنقدمهما في نهاية هذه السلسة (الجزء الخامس والسادس) هما من رؤية وفكر شيخنا الحبيب العلامة الشيخ محمد الغزالى لموضوع الهجرة ، وكان قد طرحه فى مسجد عمرو بن العاص خلال فترة وسط السبعينات من القرن الماضى ، فأردت أن يشاركنى القراء متعة القراءة والتأمل فيما طرحه شيخنا، وأن يعرفوا عبر هذه الاستراحة لماذا اخترت هذين الجزئين، وما هي الظروف والملابسات لهذا الاختيار، وهذا ما يجعلنى أتحدث عن بعض الجوانب والمواقف التى صاحبت فترة زمنية ثرية من كفاحنا العلمى، ومواقف بعض العلماء الكبار وبعض الرجال في تلك الفترة، وكيف كانوا يتصرفون. شكرا لك عزيزى القارئ على صبرك علينا ولنبدأ في الموضوع . • النص الذي تناول الهجرة مباشرة وكان تعقيبا على الحادثة، نزل في سورة التوبة بعد تسع سنوات من الهجرة، ويقول فيه ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {إلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }﴿التوبة: 40﴾ • النصوص كانت تتنزل في العادة تعقيبا على الأحداث مباشرة ، لكن حادث الهجرة تناوله القرآن الكريم بعد تسع سنوات من الهجرة ، وذلك شئ يسترعى الانتباه ويحمل الكثير من الدلالات ، وفي تصورى أن هذه الدلالات يمكن رصدها وليس حصرها فيما يأتى: • أولا : أن القرآن الكريم عندما قدم حادثة الهجرة النبوية لم يقدمها كحدث انتقل خلاله الرسول صلى الله عليه وسلم من مكان إلى مكان، وإنما قدمها كخطة وبرنامج عمل من خلاله نتعلم كيف ندير الأزمة حين تفرض علينا. • ثانيا : أن القرآن الكريم بالطريقة التى تحدث بها عن الهجرة يلفت أنظارنا إلى كيفية توظيف التاريخ، وكيفية استثمار الأحداث حتى ولو كانت مؤلمة، وهذا علم جديد(علم توظيف التاريخ) برع البعض في توظيفه واستغلوا بعض الأحداث المؤلمة في حياتهم وأقاموا لها معارض لكسب التعاطف وحشد مواقف التأييد على انهم ضحايا ،وظلوا يبتزون بها دولا ومجتمعات عالمية حتى اكتسبوا تعاطف أغلب دول العالم معهم، وسنوا في أغلب دول العالم قوانين تجرم خضوع الأحداث المؤلمة للتمحيص أوالبحث في سندها التاريخي أو اخضاعها لمجرد المناقشة وإبداء الرأي ومن ثم فقد فرضوا رؤيتهم وحدهم، وأقاموا لأنفسهم دولة على حساب شعب آخر مشرد وطريد . • ثالثا : التاريخ بمكوناته ومقوماته عبارة عن وحدات زمنية تقدر بالسنين ، وأحداث تقع في مكان معين وفي زمان معين ، ورجال لهم من هذه الأحداث مواقف ولهم فيها مواقع ، ولذلك فكل عناصر التاريخ بما فيها الزمان والمكان والأحداث والرجال يمكن أن تكون إحداثيات بلغة الرياضة، أو إرهاصات من الماضى تشير إلى المستقبل بلغة التاريخ، تستوعب السنن والقوانين التى تحكم حركة الناس والمجتمعات، وترصد عمليات المد والجزر في التقدم والتخلف وفي الإقلاع الحضاري أو في السقوط. • رابعا : التاريخ هو ذاكرة الأمم، ومحتوى لعقلها وفكرها وثقافتها وقيمها وهويتها، وما لم يكن حاضرا في وجدان الأمة ووعيها، فإن الأمة تكون على أبواب كارثة تشبه فقدان الذاكرة ، ينقطع فيها الحاضر عن جذوره الممتدة إلى الماضى ، كما ينفصل المستقبل القادم من رحم الغيب عن بعديه الزمنيين، الماضى والحاضر وهما بعدان يؤثران في تكوينه ورسم ملامحه وتحديد قسماته العامة، وغياب هذين البعدين يجعله كجنين مشوه، يحمل خصائص العاهات الخِلْقِية والعاهات النفسية الوراثية التى غالبا ما تصيب المرأة الحامل فتتسبب في إسقاط الجنين بقرار طبي، إما لخطورته على حياة الأم، وإما لعدم اكتمال خلقته جسديا ، فإذا جاء إلى الوجود كان غير قادر على القيام بنفسه، وإنما يحتاج غيره ليعوله ويرعاه. • من هنا تكمن الخطورة في تنحية التاريخ وعدم الاستفادة من عبره ودروسه، ولهذا كثرت نصوص القرآن الكريم التى تحيل إلى التاريخ كرصيد ملزم في رؤية الأمم الأخرى، وتقويم حركتها ونشاطها وأسباب انتصاراتها وانكساراتها وصعودها وهبوطها. • لكل هذه الاعتبارات رأيت أن نتناول الهجرة من منظور توظيف الحدث في خدمة تغيير الواقع واستشراف المستقبل والقدرة على إدارة الأزمات . • وإدارة الأزمات: تعنى العمل على تجنب تحول النزاع إلى صراع شامل بتكلفة مقبولة لا تتضمن التضحية بمصلحة أو قيمة جوهرية كما عرفناها من قبل. • وتكمن براعة القيادة في تحويل الأزمة وما تحمله من مخاطر إلي فرصة لإطلاق القدرات الإبداعية، واستفزاز الإرادة لمواجهة التحدى الجديد، ومن ثم تستثمر الأزمة كفرصة لإعادة صياغة الظروف وإيجاد الحلول السديدة "ولا شك أن التوجه الإيجابي يهيئ لإدارة الأزمة التفاعل الحي والمبدع مع التحدى الكبير الذي تواجهه بالقدر الذي يمكنها من تحويل الخطر إلي فرصة يمكن استثمارها وتحويل إحباطات المحنة إلى مناخ يحفز فعاليات الجهود الإبداعية " • فكيف وظف القرآن حادثة الهجرة توظيفا تاريخا يخدم الحاضر والمستقبل ؟ وكيف قدمها وعرضها كاستراتيجية لإدارة الأزمات ؟ ذلك هو ما جعلنى أختار الجزئين المضافين لهذه الدراسة. • وعندما عزمت على عملية تطبيق النصوص على مجالها في حقل الهجرة كبرنامج واستراتيجية لإداة الأزمات، كنت في سفرة لحضورمؤتمرفي مصر، ومررت في زيارة خاطفة لأول مسجد بنى في قاهرة المعز، وتذكرت وعيونى تترقرق بالدموع تلك الأيام الخوالى التى شهدت شبابنا ونحن طلاب في جامعة الأزهر الشريف. • كان الدكتور عبد الحليم محمود وزيرا للأوقاف، قبل أن يتولى مشيخة الأزهر الشريف ، بينما كان الشيخ الغزالى مديرا عاما للدعوة في وزارة الأوقاف وكلاهما كان يدرس لنا في الجامعة. • محاضرة الوزيرالدكتور عبد الحليم محمود في مادة التصوف كانت في السابعة صباحا قبل أن يذهب إلى مكتبه في الوزارة ، وبعد المحاضرة كنا نجلس مجموعة من الطلاب بشقاوة وشغب الشباب أو بحماسه وسذاجتة نقيم المحاضر والمحاضرة ، وكنا نري في الدكتور عبد الحليم رجلا ألقت الأقدار إليه بوزارة الأوقاف لسبب يختلف كل منا في تفسيره، غير أنه في نظرنا جميعا درويش استغرقت الأوراد حياته فلم يعد يدرى من أمر دنيا الناس شيئا ، وكم كنا مخطئين في تقديرينا ونظرتنا للرجل، فلقد كان عظيما بحق يعرف أقدار الرجال ويضعهم حيث يجب أن يكونوا. • كان الجميع يلتف حول شيخنا الحبيب العلامة الشيخ محمد الغزالى، وبتوجيه من الوزير الدرويش أسندت خطبة الجمعة في مسجد عمرو بن العاص لشيخنا الحبيب الشيخ الغزالى. • المسجد وقتها كان خرابة مهملة تمتلئ بالتراب والمخلفات وأكوام السبخ ، فطلب منا شيخنا أن نهيئ مكانا لصلاة الجمعة، فبدأنا تنظيف المكان وحمل التراب وكان رحمة الله عليه يشاركنا العمل. • في الأيام الأولى كان عدد المصلين قلة قليلة جدا ، وما إن عرف الناس أن الشيخ الغزالى يخطب في مسجد عمرو بن العاص حتى كثرت أعداد الناس، وتوافد الشباب أمما من كل أنحاء القاهرة. • علمنا فيما بعد أن جهات أمنية معينة بدأت تشعر بالقلق من هذا التجمع الضخم، ورفعت تقاريرها إلى جهات عليا، حولتها بدورها للدكتورعبد الحليم محمود باعتباره الوزير المختص. • الدكتور عبد الحليم محمود رحمة الله عليه أودع هذه التقارير درج مكتبه الخاص وأغلق عليها ، ولم يخبر الشيخ الغزالى بشئ من ذلك ، وبذكاء شديد بدأ الوزيرالدرويش يدعو للصلاة معه في مسجد عمرو بن العاص كلا من السيد حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية، والسيد حمدى عاشور محافظ القاهرة في ذلك الوقت، ليلفت نظره لاحتياجات المسجد وضرورة نظافته والاهتمام به وتوسعته من ناحية. • ومن ناحية أخرى أراد رحمة الله عليه أن يكون وجود الرجلين في كل جمعة تقريبا رسالة تزيل قلق الجهات المعنية وتطمئنهم أن كبار رجال الدولة يحضرون هاهنا ليصلوا الجمعة خلف الشيخ الإمام محمد الغزالى، وفعلا بدأت محافظة القاهرة تولى اهتماما غير عادي بنظافة المكان ،وبقرار من المحافظ إضيفت إلى المسجد قطعة أرض كبيرة مملوكة للمحافظة، واستمرت التوسعة حتى وصلت إلى حالته التى هي عليه الآن .وبدأت بركة إخلاص الرجلين الدرويش والإمام تحل على المكان، لدرجة أن تعليمات صدرت لهيئة النقل العام بإضافة خطوط جديدة في كل يوم الجمعة فقط لنقل المصلين من كل الأماكن في القاهرة إلى مسجد عمرو بن العاص. • المسجد الذي كان خرابة مهملة تحول إلى منارة علم وعبادة ،تعلمنا فيها وتعلمنا منها على يدي شيخنا الحبيب الإمام الشيخ الغزالى كيف تخاطب العقل والقلب معا، كيف تدخل إلى العقل من كل مدخل، وتحيط به من كل جانب فتقنعه وتجعله ينحاز إلى الحق ويدافع عنه، وكيف تدخل إلى الوجدان فترطبه من جفاف الحياة وثقل المادة وضعط الظروف .وتعلمنا أيضا كيف يتصرف الرجال الكبار بعزة أمام المواقف الحرجة دون أن ترتعد فرائصهم، أو ترتعش لهم يد. • المسجد شهد أيام التألق بخطيبه وشبابه وأعداد ونوعية المصلين فيه،والشيخ الغزالى ذكرنا في تلك الأيام وهو يخطب وكلماته تهز القاهرة كلها ويتردد صداها في كل أنحاء مصر بقول الشاعر أحمد شوقى وهو يمدح سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم فيقول: وإذا خطبت فللمنابر هزة ....تعرو الندي وللقلوب بكاء • ذات يوم كنت أرافق الشيخ الغزالى رحمة الله عليه في طريق العودة من مكتبه إلي بيته في شارع قمبيز بحي الدقى، وكان يعود في أغلب الأوقات إلى بيته ماشيا على قدميه، قال لى بالحرف الواحد عن الدكتورعبد الحليم محمود: "هذا الرجل جعلنى أومن بالبركة، فبرغم ما يقوله البعض عنه من ضعف في إدارته، إلا أن الله قد ساق للإسلام على يديه خيرا كثيرا لم يحدث في قرن كامل ، فسألته: وهل ضعفه إداريا حقيقة ..؟ فأجابنى قائلا: إسمع يا بنى : الشيخ يتعامل مع الناس بأرقى أساليب الإدارة ،ولكنهم لا يفهمون. منطق الإحسان يسيطر على حياة الرجل وسلوكه ، ولكن تذكر يا ويلدى أننا في مصر، وأن من تحسن إليهم يعتبرون ذلك حقا مكتسبا، وإذا قصرت ولو لمرة واحدة يوجهون لك العتاب واللوم وربما الإساءة ، فهمت ساعتها من كلام الشيخ الغزالى أن الدكتور عبد الحليم ليس درويشا كما كنا نظن ، وإنما هو رجل ربانى من طراز فريد، يتمتع بأعلى درجات الوعي والإدراك لدوره ورسالته ومسؤوليته ،ويعرف كيف يتصرف بذكاء وعزة في المواقف الحرجة ، وعرفت ساعتها أيضا ، أن الشيخ الغزالى يكن له احتراما شديدا رغم اختلاف المشارب ويعتبره من العلماء الربانيين ذوى الوزن الثقيل. • كان الشيخ الغزالى يتفق مع غيره من العلماء على أهمية الأحداث في تاريخنا الإسلامي، ولكنه كان يختلف عنهم في طريقة التناول وكيفية المعالجة، تستمع إليه بكل حواسك فيثير ملكاتك كلها، وتتمنى ألا يسكت. • ونحن طلاب كنا نحفظ النصوص التى يستدل بها شيخنا العلامة ، ولكننا حين نستمع إليه وهو يوظفها كأننا لم نقرأها من قبل، وكأننا نسمعها للمرة الأولى، ويقول كل منا في نفسه من أين جاء الرجل بكل هذه المعانى؟ وكيف لم يلتفت أحد غيره لهذه الروائع والكنوز المكنونة في النص الكريم ؟ • في ساحات العلماء والسياحات العلمية قد تجد فقيها حافظا ينقل إليك الروايات والآراء ويقدم اليك النصوص التى تحمل الدليل لكل رأي. • وقد تجد المفكر المبدع صاحب الباع الطويل في عالم الثقافة والفكر الحر والذي يؤصل لأطروحته فيوسع المداخل ويوقظ المدارك ويعمق الجذور، وقد يكون عميق الفكر قليل الفقه يحمل صفة المفكر وخصائصه، ولكنه يفتقد روح الفقيه الحافظ ، أما أن يجتمع الأمران في شخص واحد فتلك ندرة نادرة في عالم الدعوة وبخاصة في عصرنا هذا. • لكن شيخنا الغزالى كان استثناء ملحوظا، كان قامة وقيمة تجمع بين بصر الفقيه الحاد وبين عمق ورؤية وبصيرة المفكر، لغته أخاذة ووفيرة ومتدفقة وغلابة، وفكره يحمل اهتمامات وهموم أمة بأفراحها وأتراحها، بآلامها وجراحها وأمالها ، رؤيته تمتزج فيها حرارة العاطفة بنضوج العقل وروعة العرض، والقدرة الفائقة على التاثير واختراق الحواجز النفسية. • علمت منذ سنتين أن غلاما من الغلمان مغرورا بسمته وهيئته وجه سؤالا للداعية الموفق فضيلة الشيخ محمد حسان حفظه الله قائلا: هل يجوز الترحم على المدعو محمد الغزالي.. ؟ ...هكذا • الشيخ محمد حسان قام بما يجب من تأنيب وتأديب الغلام المتطاول ، لكن صيغة السؤال وخلوه من رائحة الأدب والخلق، تعكس حالة الغيبوبة والبؤس الفكري والفقر المعرفي الذي وصل إليه بعض شبابنا . • الأجيال الحالية ربما لا تقدر الرجل حق قدره، ونتيجة لحالة الغيبوبة الحضارية فأغلب الظن أيضا أنها لا تستطيع أن تستوعب قيمة حجمه الحقيقي كمفكر وفقيه وداعية إلا بعد قرون ، وستدرك أجيال قادمة أن الرجل كان إماما وفقيها ومفكرا وقيمة علمية مثل الإمام مالك وأبى حنيفة وابن تيمية. • كلنا نحب الغزالى لكننا لم ندرك قيمته وحجمه ، واحد فقط شعر به وأدرك قيمته هو الوزير الدرويش، ولذلك اختاره لمسجد عمرو بن العاص ليسد به الفجوة بين قصور الدعوة في الواقع، وطموحات المنى الذي يتطلع إليه كل مخلص لدينه حريص على نفع أمته. • مررت بالمسجد وتذكرت كل تلك المعانى، وعدت إلى بيتى في حي مصر الجديدة بقاهرة المعز، وطيف الذكريات يحلق في عقلى ووجدانى. • وعندما هممت بكتابة هذا الجزء الثالث من هذا المقال ( الهجرة وإدارة الأزمات)، فتشت في ذاكرتى وأوراقي لكي أختار النصوص المناسبة لأكتب عنها، وعدت بذاكرتى إلى أيام الزمن الجميل ونحن طلاب، وتذكرت أن العلامة الإمام الشيخ محمد الغزالى رحمة الله عليه كان قد ألقى خطبة جمعة في مسجد عمرو بن العاص عن الهجرة النبوية خلال فترة السبعينات من القرن الماضى ونحن طلاب، فحفظناها عن ظهر قلب. • بعض المخلصين من تلاميذ الشيخ شكرالله جهودهم قد جمعوها ضمن ما جمعوه من تراث الشيخ العلمي والدعوي، تذكرت ذلك الزمن ورجعت إلى ما كتبته نقلا عن شيخنا الإمام العظيم فوجدته قد وفى وزاد ولا مزيد عليه. • وعندما أعدت قراءتها وتأملتها رأيتها منهجا علميا رصينا واستراتيجية عظيمة لإدارة الأزمات فأردت أن يكون ما كتبه شيخنا العلامة الغزالى هو مجال حقل الدراسة. • والحقيقة التى لابد من ذكرها أن تناول الرجل العظيم لموضوع الهجرة كان بالنسبة لى هو أنسب ما كتب في هذا الحقل ، ثم إنه يحتوى ويتضمن كل ما تحتاجه تلك الدراسة وفق مفاهيم إدارة الأزمات، كما إنه يشكل من ناحية أخرى متعة ثقافية للقراء عالية القدر والقيمة من حيث موضوعها وطريقة تناولها وعرضها، ومن ثم فقد اخترت هذين الجزئين عن الهجرة من تراث شيخنا الرائع ليكونا موضوع الدراسة . • دورى في هذين الجزئين ينحصر في ثلاثة أشياء : • الأول: هو شرف النقل لهذا الكلام الشريف على لسان شيخنا العظيم الإمام الشيخ محمد الغزالى • الثانى : هو مجرد ترتيب المقال وإدخال بعض العبارات لربط عناصره بالمقدمة السابقة عن الأزمة وإدارتها ، لا ليكون مقالا وإنما ليكون استراتيجية لإدارة الأزمات. • الثالث : هو مشاركة القارئ الكريم متعة القراءة والتأمل في هذا البحث القيم والنادر، وسيكتشف القارئ مدى عمق شيخنا وقدرته على صياغة النص وتوظيفه واستنباط القواعد العامة في التعامل مع الأحداث المشابهة. • وفي الإسبوع القادم عزيزى القارئ سيكون لقاؤنا بمشيئة الله تعالى مع هذا البحث الهدية. • رئيس المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية • رئيس إذاعة القرآن الكريم