أعلن المؤتمر العربي الفلسطيني الأول المنعقد بمدينةالقدس في 28/5/1964 عن عدة قرارات كان أهمها : قيام منظمة التحرير الفلسطينيةكقيادة معبئة لقوى الشعب العربي الفلسطيني لخوض معركة التحرير، ودرعاً لحقوق شعبفلسطين وأمانيه، وطريقاً للنصر، وهذا المؤتمر و قراراته كان استجابة لنداء الرئيسالراحل جمال عبد الناصر في مؤتمر القمة العربي الأول الذي انعقد في القاهرة بتاريخ13/01/1964بإنشاء كيان فلسطيني يعبر عن إرادة شعب فلسطين، وكان هذا النداء بمثابةخطوة لمواجهة عزم الكيان الصهيوني تحويل نهر الأردن. ربما كان من المهمً ً إنشاء المنظمة ككيان يمثل الشعب الفلسطيني، لكن هذه الأهمية أثبتت الأيام أنها أصبحت كارثة على الشعب و القضية الفلسطينية، ليس بسبب المنظمة كمنظمة، ولكن لأن الذين أنشئوها أرادوا لها أن تكون طوع إرادتهم و رؤيتهم، وأرادوا قطع الطريق على من يفكر بإنشاء أي كيان فلسطيني قد يتمرد على الواقع الموجود و يتمرد على النظام المهيمن في العالم آنذاك، حيث المطمع الروسي لم يختلف عن الغربي بشيء و خصوصاً أن تقسيمة المنطقة ضمن اتفاقية سايس-بيكو كانت بمشاورة و موافقة روسيا القيصرية الذي ورثها الإتحاد السوفيتي السابق. إن حال المنظمة في تشكيلها يكاد يكون عبارة عن استنساخ لتجربة إنشاء الجامعة العربية التي جاءت كفكرة بريطانية دعا لها أنتونى إيدن وزير خارجية بريطانيا فى التاسع و العشرين من شهر مايو لعام 1941 حينما ألقى خطابا ذكر فيه "أن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، و أضاف: أن حكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأيّ خطة تلقى موافقة عامة". وفي 24 فبراير 1943 صرح إيدن في مجلس العموم البريطاني بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين "العطف" إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية. لقد جاءت فكرة الجامعة العربية- التي تم إنشاءها في 22 مارس عام 1945- بديلا عن الحلم الذي كان يراود الكثير من المسلمين بإنشاء الجامعة الإسلامية، كحامية و موحدة للدول الإسلامية بعد شعور العديد من الإصلاحيين المسلمين بالخطر الذي كان يهدد الخلافة العثمانية و التجرذم المخطط له غربياً للمنطقة الإسلامية. لقد كان حلم إنشاء منظمة - أو كيان اسمه الجامعة العربية- كان حلماً يراود العديد منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي و كان من أشد المتحمسين لفكرتها جمال الدين الأفغاني. مما سبق يتضح أن إنشاء منظمة التحرير و سياساتها لا يمكن لها الخروج عن طوع النظام العربي الرسمي، ولعل من المفارقات العجيبة في ذلك أن أول جزء من فلسطين تم احتلاله من قبل اليهود كان بعد إنشاء الجامعة العربية بثلاث سنوات، و الجزء المتبقي تم احتلاله بعد إنشاء المنظمة بثلاث سنوات كذلك! إن إصلاح المنظمة لا يمكن أن يكون ممكناً إلا إذا تم إصلاح النظام العربي الرسمي و الجامعة العربية، لأنها لا تستطيع الخروج عن طوع النظام العربي، و النظام العربي لا يمكن له الخروج عن طوع النظام الغربي الذي أنشأه و حماه. هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى نرى أن إصلاح المنظمة يستلزم استخدام أسلوب الإختيار الحر لممثلي الشعب الفلسطيني و الذي بعيش معظمه في الشتات، فهل تقبل أنظمة لا تؤمن بهذا الأسلوب و لا ترضاه لمواطنيها خوفاً على مصالحها، أن ترضاه للفلسطينيين وهم عبارة عن أقليات تعيش تحت سيطرتها؟ ثم من ناحية أخرى، ماذا –وهذا هو المتأكد منه- لو اختار الشعب الفلسطيني ممثلين هم في الأصل متمردون في أفكارهم و ثقافتهم على الواقع العربي الموجود! فهل يسمح النظام العربي بوجود كيان متمرد في نظره على الطاعة الغربية؟ ألم يضحي النظام العربي الرسمي بالعراق و أرضها و شعبها لتمرد نظامه في آخر عهده عن ما هم مسموح له من مساحة ليتحرك بها؟ ألم يشعر النظام الليبي بأنه بدأ يسبح في المنطقة الممنوعة فاعتذر و استسلم و أعطى سكوك الطاعة و الولاء من جديد للنظام العربي الرسمي و الدولي الغربي من خلفه، وقدم لهم القرابين! ثم أليس ما يحدث في لبنان هو يأتي في نفس السياق؟ وما حدث في فلسطين كذلك يأتي في نفس السياق تماماً، وهو ما فطن له العديد من قادة فتح أنفسهم و صرحوا به كهاني الحسن و غيره لكنهم أدركوا أن الخروج عن الطاعة و عن ما هو مسموح به فيه مخاطر جمة، فسكتوا ليبقى لهم مكاناً على الأرض. وفي هذا السياق يتم فهم تخلي جميع العرب و قادة المنظمة و فتح نفسها عن ياسر عرفات في حصاره حتى مات و تم دفنه ولم يبق للمنظمة و فتح إلا استغلال اسمه للتأطير و الإستقطاب فقط! إضافة على ما سبق، فهل وجود ممثلين جدد للمنظمة يحملون أفكار و مبادئ و ثوابت حركات فلسطينية كحركة حماس و الجهاد، سيسمح للمنظمة أن تبقى إطارا له شرعية دولية؟ بالتأكيد لا، فإن كان للمنظمة اليوم شأن عضو مراقب في الأممالمتحدة، فلا يمكن للغرب أن يبقي على هذه الصفة في حالة تغيير من يقود منظمة التحرير. مما سبق يتضح لنا أن الحديث عن إمكانية تغيير و إصلاح منظمة التحرير مرفوض و غير مسموح به عربياً و إقليميا و دولياً إلا إذا جاء الإصلاح و التغيير بنسخة مشابهة لما عليه القيادة الحالية، وهذا ما يدركه محمود عباس و تدركه حركة فتح نفسها، ويعلم كل هؤلاء أن إمكانية تغيير و إصلاح منظمة التحرير شبه مستحيل و غير مسموح به شأنه شأن الأنظمة العربية في إمكانية تغييرها و إصلاحها. ولذلك لا يخدم الأنظمة العربية أي انشقاق في حركة فتح، ليس لأنهم حريصون على الوحدة الفلسطينية، بل لأن حركة فتح هي الضامن الوحيد للأنظمة العربية بالمحافظة على أن تبقى المنظمة ضمن بيت الطاعة العربي، وهذا يتضح جلياً من دعم الجامعة العربية و أنظمتها بلا استثناء لحركة فتح و وقوفها معها ضد حركة حماس في أحداث غزة العام الماضي و عدم قبولها التعامل مع حماس حتى بعد أخذها الثقة من الشعب الفلسطيني، بل شاركت بعض الأنظمة كمصر و الأردن في دعم حركة فتح ماليا و عسكريا و تدريبا بأمر أمريكي في صراعها ضد حماس. وما حصار غزة الذي هو حصارٌ عربيٌ قبل أن يكون حصاراً إسرائيلياً إلا بهدف إجبار قوى المقاومة و على رأسها حماس بالدخول طواعية في فلك النظام العربي الرسمي و من ثم في فلك النظام العالمي الغربي والتخلي عن برنامجها السياسي القائم على الممانعة. لقد حول النظام العربي الرسمي المنظمة وعمودها حركة فتح من منظمة وحركة للتحرر إلى كيان يساعد و يجسد الوجود الصهيوني اليهودي على أرض فلسطين، و يعترف له بشرعية وجوده بل و يحارب ويقتل من يعارض ذلك بالنيابة عن المحتل الغاصب. إن الحديث عن إصلاح المنظمة و الدخول فيها لتغييرها و تصويب مسارها، والبحث عن شرعية دولية من خلالها لهو ضرب من العبث و الخيال و على قادة الحركات المقاومة و المخلصة الكف عن المطالبة به، لأنه كمن ينحت بالماء أو الهواء. فيكفي الحركات المقاومة أن تستمد شرعيتها من دماء قادتها و أبنائها، ومن ثم من ثقة شعبها بها، لتفرض نفسها بالقوة على الجميع متكلة بذلك على الله و مستندة على تمسكها بالحقوق و الثوابت، وهذا هو الطريق الصحيح، و ما عداه مضيعة للجهود بل هو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا. أرى جازما أنه من العبث الحديث و المطالبة بتغيير و إصلاح المنظمة من قبل حركة حماس و الجهاد و غيرهما من الحركات المقاومة، لأنه أمر لا تملكه حركة فتح و لا المنظمة و لا حتى النظام العربي الرسمي نفسه. كما أني أشعر بتوجس في داخلي من السماح لمحمود عباس كرئيس للمنظمة بالتفاوض باسم الفلسطينيين و قبول قوى المقاومة بذلك، حتى وإن كان هذا القبول مشروطاً بعرض نتائج ذلك على الشعب الفلسطيني ليبدي رأيه، فإمكانية أن يتم السماح للشعب الفلسطيني ليبدي رأيه ليست إلا مستحيلاً آخر ينبع و ينبت من استحالة إصلاح منظمة التحرير نفسها.