أطلقت الشرطة المصرية المدججة بالأسلحة وابلا من طلقات الرصاص والغازات المسيلة للدموع على الطلاب على مدار ست ساعات فى المواجهة الغاضبة الأخيرة ضد الحكام المدعومين بالعسكر. ولكن يبدو أن قوات الشرطة هى التى منيت بالهزيمة مع حلول الظلام وتفرق الطلاب فى الأسبوع الماضى، ومن المؤكد أن نهاية الاحتجاج تمثل مجرد وقفة قبل أن تبدأ مظاهرة أخرى. وقد وصف أحد الضباط، من بين ضابطين من ضباط الشرطة واللذين كانا يقفان وهما متشحان بالزى الأسود الخاص بقوات مكافحة الشغب؛ طلاب الجامعة ب«الفتوات». مقتل 150 ضابطا ومنذ أطاح العسكريون بالرئيس «محمد مرسى»منذ أكثر من خمسة أشهر، فقد استند قادة الانقلاب المؤقت على الشرطة بشدة،وأرسلوهم للقضاء على المعارضة وتحقيق الاستقرار، وهى الاستراتيجية التى ظهرت حتى الآن بلا جدوى على الإطلاق. وقد رفض المحتجون وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية أى نوع من الصمت أو التراجع، حتى عندما كانت السلطات تلجأ إلى القوة المفرطة. وقد أصبحت مصر، ومع وفاة أكثر من 150 ضابطا من ضباط الشرطة والذين قتلوا منذ منتصف شهر أغسطس الماضى فقط، مكانا أكثر خطورة بالنسبة إلى المسئولين. وقد أثرت هذه الهجمات-كما يقول ضباط الشرطة- على الروح المعنوية للشرطة، وأثارت تساؤلات تثير مشاعر القلق عن مقدرة الحكومة فى تأمين البلاد فى وجه الهجمات المتزايدة التى يشنها المتشددون بانتظام. وقد قال أحد كبار ضباط الشرطة ومن الذين يعملون فى الوجه القبلى فى هذه الأيام: «لقد كان أمرا دراميا أن نفقد أحد الضباط فى الماضى، ولكن هذا الأمر أصبح شيئا معتادا فى الوقت الحالى». وتقف قوات الشرطة -التى هى أصلا فقيرة فى تدريبها وتسليحها- عاجزة وحائرة بين الهجمات التى تشنها الجماعات الجهادية والمظاهرات التى لا تكاد تتوقف، وقد لقى ضابط حتفه وجرح عشرون آخرون عندما انفجرت قنبلة فى معسكر للشرطة بالإسماعيلية، وهى المدينة التى تقع على قناة السويس. وقد أصبحت مثل هذا النوعية من الهجمات أمرا شائعا. قانون المظاهرات.. غير قابل للتنفيذ كما تم سحب الكثير من الضباط من مهامهم اليومية المعتادة ليقوموا بمراقبة المظاهرات أو تأمين المبانى العامة المعرضة فجأة لأى أخطار، كما تم استدعاؤهم لضمان امتثال الجماهير لقانون جديد يحرم التجمعات غير المصرح بها،وهوالقانونالذى يقول عنه أحد كبار ضباط الشرطة أنه «غير قابل للتنفيذ». وقد عقد ضباط الشرطة وقفة احتجاجية نادرة فى هذا الشهر، والأولى من نوعها منذ الانقلاب العسكرى يطالبون فيها بزيادة أجورهم فى علامة من علامات الغضب المتزايد. وقد أدت الضغوط الجديدة إلى تسليط الأضواء الكاشفة على السمعة بالغة السوء للشرطة المصرية، والتى دائما ما كانت تطاردها اتهامات الفساد والتعذيب. وقد كانت الشكاوى المتزايدة ضد انتهاكات رجال البوليس هى التى ساعدت على تغذية مشاعر الثورة والغضب والانتفاضة التى اندلعت ضد الرئيس الأسبق حسنى مبارك. ولكن منذ ذلك الحين لم يبذل أى قائد مصرى جهدا ملموسا لإصلاح هذه المؤسسة إصلاحا جديا. وبعد أن أمسك العسكريون بزمام السلطة، أصبحت الشرطة المصرية تتباهى ببدء علاقة جديدة فى علاقاتها مع الجمهور، ولكن استمر التدهور، بل وتفاقم هذا التدهور إلى درجة أسوأ،ولكنالشرطةاكتسبتدعمالمصرييننتيجةالخوفمن سنوات عدم الاستقرار وانتشار الجريمة. العداء للتيار الإسلامى وقد كان هناك، على سبيل المثال، القليل من الضجيج خلال الحملة القاتلة التى شنتها الشرطة على مؤيدى الرئيس «مرسى»والتيار الإسلامى،والذين يصفهم المسئولون ب«أعداء الدولة». ولكن عندما اندلعت مظاهرات أخرى، بما فى ذلك التى قام بتنظيمها نشطاء لا ينتمون إلى التيار الإسلامى، كان المسئولون يقومون بتوجيه اتهامات بأنها من أعمال المتآمرين، ويتحدثون بثقة عن مقدرتهم فى احتواء هذه الاضطرابات. وكان الطلاب، وعلى الرغم من هذه الادعاءات، أكثر صلابة وصعوبة فى تشتيتهم، كما أن رد الفعل الذى اتسم بالقسوة من جانب قوات الشرطة تجاه مظاهراتهم جلبت المزيد من الانتقادات لرجال الشرطة. وازدادت الأعداد المشاركة فى الاحتجاجات، كما ازدادت شراستها بعد توجيه اتهامات للشرطة بقتل طالب جامعة القاهرة «محمد رضا» ببندقية خرطوش فى الشهر الماضى. وقد لجأ وزير الداخلية إلى التبرير واللجوء إلى موقف الدفاع عندما وُجهت إليه اتهامات بأن ضباط الشرطة فى جهازه يستخدمون القوة المفرطة. قمع الاحتجاجات وبينما يجاهد القادة المصريون من أجل قمع الاحتجاجات، تحدث اثنان من كبار القادة عن الأعداد المتزايدة للقتلى فى صفوف قوات الشرطة، وقالوإن أصدقاءهم وأقاربهم فى صفوف الشرطة قد قتلوا، كما تعرضت أقسام البوليس التى يعملون فيها للهجمات، وأبدوا تذمرهم من أن عامة الجماهير لا يبدو أنها تشعر بتضحياتهم، ولكنهم أيضا ألقوا باللائمة على الحكومة المدعومة من العسكريين فى الاعتماد المتزايد على الشرطة لحل موضوعات خاصة بالمواجهات السياسية لهم على وجه الخصوص. كما أن الكثير من عائلات الضباط كانت تمزقها المجادلات نفسها التى تقسم باقى فئات المجتمع، وأقارب وعائلات الضباط تمزقهم مشاعر القلق على سلامتهم، وذلك بعد شن مجموعة من الهجمات التى قامت بها الجماعات الجهادية التى لا تستهدف إلا أفراد الجيش والشرطة. ضباط شرطة يختبئون أعلى خزان للمياه وقد بدأت هذه الهجمات القاتلة بعد فترة قصيرة من قيام أجهزة الأمن بفض اعتصامين للتيارات الإسلامية بالقوة المفرطة فى أغسطس الماضى مما أدى إلى مقتل المئات منهم. وقال شهود عيان إنهم شاهدوا بعد ذلك بأسبوعين مسلحين يرتدون أقنعة للوجه ويطلقون نيران أسلحتهم على مركز صغير للشرطة على مشارف القاهرة مما أسفر عن مقتل ضابط، بالإضافة إلى عامل توصيل أثاث كان على مقربة من مكان الحادث. وقد ذكر أحد كبار الضباط المتمركزين فى جنوبى مصر، والذى طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مصرح له بالحديث لوسائل الإعلام -أن أشخاصا قد حاصروا مكان تمركزهم فى صباح اليوم الذى قامت فيها الشرطة بالهجوم لفض اعتصامات القاهرة، ولم ترسل وزارة الداخلية أى تحذير إليهم عن احتمال حدوث عمليات انتقامية محتملة. وأضاف قائلا إنه ومعه عشرون ضابطا من مرءوسيه أصابهم الارتباك، وناشد الوزارة أن تساعدهم، ولكن لم يستجب لندائه أحد. ونقل عن مسئول رد عليه بقوله ما معناه «الله معك». وقد اختبأ هو وزملاؤه على قمة خزان للمياه بعض الوقت، ثم اتخذ منزلا بالقرب من مكان تمركزهم كمأوى. ويقول إنه منذ ذلك الحين أرسل أفراد عائلته إلى مسقط رأسه حرصا على سلامتهم». وأضاف قائلا «إن عامة الناس يعتقدون أننا (آلات متحركة) ولكننا بشر ولنا عائلاتنا». ويشكو ضابط آخر وهو الرائد (ه.ع) بأن القوة كلها تلطخت سمعتها من جراء الرد على الاضطرابات، وضرب مثالا على ذلك بزميله الذى يعمل فى شرطة السياحة وحكى عنه فقال: «لقد قال التلاميذ لابنه فى المدرسةإن والدك قاتل، وهو يقتل الناس فى الشوارع، بينما من المحتمل أنه لم يرفع مسدسه على الإطلاق». وتشمل الواجبات المعتادة للرائد (ه.ع) تأمين نهر النيل، ولكن يطلب منه كثيرا فى هذه الأيام أن يقوم بمواجهة المتظاهرين،لدرجةأنهلايملكالوقتاللازملأداءالعملالأصلى الذى من المفروض أن يقوم به والذى له أهميته. ويجب على الحكومة أن تجد آلية مشروعة للتغيير بدلا من إجبار الناس على التظاهر الدائم فى الشوارع فى كل وقت يكون لديهم شكوى من أى نوع».