في بيان مشترك، مؤتمر حل الدولتين يدعو الدول للإسراع بتنفيذ إعلان نيويورك عبر خطوات عملية    حجز "مستريح السيارات" بحدائق القبة بعد استيلائه على 50 مليون جنيه من المواطنين    منهم روجينا وصابرين والعوضي، القائمة الكاملة لتكريمات مهرجان الفضائيات العربية (صور)    أبرزهم فرنسا.. نجاح تاريخي جديد للدبلوماسية المصرية في دفع الاعتراف بدولة فلسطين    رئيس برشلونة يكشف لحظات التوتر قبل إعلان جائزة أفضل لاعب    كارني: لا أوهام حول تأثير الاعتراف بدولة فلسطين    سيف زاهر: أزمة بالملف الطبى فى الأهلى.. ولاعب جاله شد عمل أشعة طلع عنده تجمع دموى    وزير الخارجية: لقاء مرتقب غدًا مع الرئيس الأمريكي وعدد من القادة العرب والدول الإسلامية    مصرع 3 أشخاص وإصابة آخر إثر إصطدام ثلاثة سيارات بالطريق الزراعي بالبحيرة    المفوضية الأوروبية تصرفات إسرائيل تضعف فرص تحقيق حل الدولتين    سميح ساويرس يروي تجربته في تعلم الموسيقى: بحثت عن حاجة مجنونة وأنا في عمر ال59.. وثلاثة أشياء ندمت عليها    بيراميدز ضد الأهلي السعودي.. كيف تشاهد البث المباشر للمباراة؟    «الله يكون في عونه.. الفلوس الكتير هتقطم وسطه».. تعليق ساخر من مجدي عبدالغني بشأن طلب زيزو    اتفاقية مع موانئ دبى ومنصات تمويلية جديدة لدعم التجارة في إفريقيا    داخل منزله.. أول صور ل علاء عبد الفتاح بعد العفو الرئاسي    الداخلية تكشف ملابسات صورة جرافيتي على مبنى محافظة الدقهلية    «خريفي بامتياز».. تعرف على حالة الطقس في مطروح اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025    كيلو الماكريل ب 110 جنيهات.. أسعار السمك في مطروح اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025    أسعار الفراخ البيضاء والبيض في مطروح اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025    وزير الزراعة: وضعنا خريطة سمادية جديدة لترشيد الاستهلاك.. و95% من المزارعين تسلموا حصصهم    وزير الزراعة: إحنا مسرفين في استهلاكنا.. لما بنسافر برا بنشتري برتقالة أو 2 مش 3 كيلو    رئيس شعبة الذهب: الأسعار قد تتجاوز 3800 دولار للأوقية بنهاية العام    قصة إجبار طلاب إحدى مدارس الجيزة على توقيع إقرار بسداد المصروفات الدراسية    اتحاد الكرة لصلاح: ستظل فخرنا    رابط التقديم على أراضي الإسكان الأكثر تميزا (مسكن)    حلم ليس بعيد المنال، 10 عادات غذائية تساعدك على إنقاص الوزن بدون حرمان    المستعمل والجديد.. معركة تكسير عظام في السوق| من يكسب الرهان؟    وزير الخارجية: نطالب بمزيد من الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية    لاعب غزل المحلة يغادر المستشفى بعد الاطمئنان على حالته الصحية    الزمالك يسعى للاستمرار في المنافسة على حساب «الجونة»    بدء الدراسة في مراكز «الأسرة والطفولة» بقرى «حياة كريمة» ب9 محافظات    ختام مبهر للدورة الأولى من مهرجان بورسعيد السينمائي (قائمة الأعمال الفائزة)    فرصة لتحقيق دخل إضافي.. حظ برج الدلو اليوم 23 سبتمبر    عليك مكافأة نفسك.. حظ برج الجدي اليوم 23 سبتمبر    خرّجت مشاهير.. 16 معلومة عن المدرسة السعيدية بعد فيديوهات الشرطة المدرسية    آمنة على أطفالك.. استشاري تغذية يوصي باستخدام «لانش بوكس» من هذا النوع    بعد وصول سعر الكيلو ل25 جنيهًا.. 6 بدائل رخصية ل الطماطم موجودة في كل مطبخ    أكبر مشكلة تؤثر على تركيز الأطفال.. خبيرة تكشف تأثير ال «ريلز» على المخ    بالصور.. ختام أولمبياد الشركات ببورسعيد بمشاركة 23 ألف رياضي    نابولي يعزز صدارته للدوري الإيطالي بفوز صعب على بيسا    منتخب الشباب يفوز على نيو كاليدونيا بثلاثية استعدادا للمونديال    الداخلية توضح حقيقة صورة جرافيتي متداولة في الدقهلية عبر مواقع التواصل    الداخلية تضبط شبكة تمارس أعمالًا منافية للآداب عبر تطبيق هاتفي في الإسكندرية    الاعتداء على باسم عودة وتدوير "أبو الفتوح" ونائبه بالتزامن مع قرار العفو عن "عبدالفتاح"    من أبرز وجوه ثورة يناير ..العفو عن علاء عبد الفتاح.. انفراجة سياسية أم استثناء مفروض بضغوط غربية؟    مستشفى مبرة المعادي ينجح في علاج ثقب بالقلب باستخدام تقنية التدخل المحدود    مصرع 3 عناصر إجرامية في مداهمة أمنية بالبحيرة    مدبولي: لن يتحقق الأمن لإسرائيل عبر القوة العسكرية ومحاولة فرض الأمر الواقع    نسرين عكاشة: والدى لم يكن ضد السادات لكن كان هناك اختلافات في بعض الأفكار    طارق فهمي: مصر تركز على حل الدولتين والعودة إلى المرجعيات الدولية    د.حماد عبدالله يكتب: العلاقات المصرية الأفريقية قديمًا !! { 3 }    ما هي صلاة الغفلة وكيفية أدائها؟.. أمينة الفتوى تجيب (قيديو)    البحوث الإسلامية: الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى تجديد الصلة بالنبي    من هم ال70 ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؟.. الشيخ رمضان عبد المعز يوضح    مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 22 سبتمبر في بني سويف    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 22سبتمبر 2025    "طلاب من أجل مصر" ترحب بدفعة طب الجديدة بجامعة بورسعيد الأهلية (صور)    5 خطوات لتسجيل طلاب الثانوية الأزهرية بتنسيق التعليم العالي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفي حكامنا تكمن مصائبنا ؟
نشر في الشعب يوم 02 - 12 - 2013

في اعتقادي أنه ما من أمة رُزئت بحكامها كما أمة العرب؛ حتى أنني أرى أن جُلّ مصائبنا عبر التاريخ إنما تنبع من رداءة حكامنا، مع استثناءات محدودة بالقطع سوف نتناولها لاحقا. فمن الواضح أن شعوبنا العربية، بل والإسلامية ليست عصيّة، في معظمها، على حكامها؛ فهي تنتمي إلى ذاك الصِّنف من الشعوب التي تُصبغ على حكامها هالة من المهابة والخشية تتجاوز غالبا حدود الاحترام الواجب والطاعة الواعية المفروضة؛ فالحاكم لدينا حتى الساعة هو المحور الذي تدور حوله عجلة الحاضر، وتنبثق من حكمته رؤى المستقبل. وعليه فمقاليد الأمور جميعها بيديه، وحاضر الأمة ومقدراتها وقابل أيامها رهن إشارة من سبّابته الميمونة.
والكارثة الكبرى في هذا السياق هي أن شعوبنا العربية لم تُتح لها فرصة اختيار حكامها فهم يعتلون صهوة جواد السلطة إما بالتوريث، أو بالتعيين، أو بالقوة والغلبة. وسوف أُفسح المجال فيما يلي لوقائع تاريخ أمتنا قديمه وحديثه لتؤكد أو تنفي هذا الاعتقاد؛ على أنني سوف أسوق هذه الوقائع في صورة مقارنات ثنائية، أي اختيار عدد من زعماء أمتنا عبر تاريخها، ستة زعماء غلى وجه التحديد، ثم وضع كل اثنين منهما ممن تجمعهما ظروف وملابسات متشابهة في لوحتين متقابلتين؛ حتى نرى كيف كان سلوكهما في السلطة، وكيف كانت اختياراتهما ومآلاتها فتضح الصورة جلية أمامنا.
أولا: المستعصم وسيف الدين قطز:
1- البداية هنا مع نهاية الخلافة العباسية في بغداد على يد المغول. انظر إلى آخر خلفاء بني العباس هناك، "المستعصم بالله (1213 - 656 ه /1258)" وما هو بمستعصم أبدا، تأمل شخصيته الواهنة وإقباله على الدنيا وملذاتها وولعه بجمع المال؛ سوف تكفيك نظرة واحدة على أحوال الرجل الذي آلت إليه مقاليد أكبر إمبراطورية في عصره بما فيه ذلك مصائر الملايين من أبناء أمته لتعرف كيف سحق التتار هامات أجدادنا فأبادوا مئات الآلاف منهم وانتهكوا أعراضهم وورثوا أرضهم وديارهم وأذاقوهم مرارة الذل والهوان. بل لقد أشار عليه نفرٌ من أهل الرأي ممن كانوا يحيطون به ساعتها بعد أن تأكد لهم أن جيوش التتار تكاد تقرع أبواب حاضرتهم بغداد بعد أن عبثت بأطراف دولتهم؛ أشاروا عليه بأن يدعو الناس إلى الجهاد ويمدهم بالسلاح والعتاد؛ وهو ما حدث بالفعل وتوافدت مئات الآلاف من شباب الأمة تلبية لداعي الجهاد ولكن سرعان ما عدل القائد الهمام عن الأمر نظرا لتكلفته المادية المرتفعة وهو الذي كان يكنز تلالا من الذهب والمال إلا أنه ضنّ به على شعبه ونفسه حتى داستهما جحافل التتار بكل سهولة ويُسر بعد أن سلّم لهم بنفسه جميع ما يملك.
2- على الجانب الآخر، وعلى جزء مختلف من جسد الأمة الإسلامية ثمة زعيم آخر سار في اتجاه معاكس هو القائد المظفر "سيف الدين قطز" (توفي 24 أكتوبر 1260م واسمه الحقيقي هو محمود بن ممدود بن خوارزم شاه ولقب بسيف الدين)؛ والذي تولى حكم مصر سنة 657 ه. ويعتبر أبرز ملوك المماليك على الرغم أن فترة حكمة لم تدم سوى عاما واحدا؛ لأنه نجح في إعادة تعبئة وتجميع الجيش الإسلامي الذي استطاع أن يوقف زحف المغول وأن يوقع بهم هزيمة منكرة في معركة عين جالوت على أرض مصر المباركة، ولاحق فلولهم حتى حرر الشام. إنها ذات الأمة وذات الإمكانات، نفس الجند ونفس العدو؛ بل ونفس الفترة الزمنية إذ لا يفصل بين هزيمة أو سحق المعتصم وانتصار قطز سوى عامين فقط؛ إلا انه ثمة فارقا واحدا ولكنه ليس باليسير إنه القائد.
ثانيا: بين محمد علي وجمال عبد الناصر
1- محمد علي باشا: عندما تولى محمد علي حكم مصر سنة 1805 كانت مصر مجرد ولاية عثمانية، رقم كميّ في جسد هذه الإمبراطورية مترامية الأطراف؛ بيد أنه استطاع في غضون عقدين من الزمان وبالاعتماد على الإنسان المصري صاحب الأرض أن يحوّل مصر التي كان البؤس والتخلف يعم أرجاءها قبيل توليه مقاليد السلطة فيها إلى قوة مهيبة مرهوبة الجانب؛ حيث أسس جيشا مصريا بلغ قوامه في أربعينيات القرن التاسع عشر ما يقرب من 270 ألف جندي وضابط. أما في مجال الصناعات العسكرية فقد رأى محمد علي أنه لكي يضمن الاستقلالية، وحتى لا يصبح تحت رحمة الدول الأجنبية، عليه إنشاء مصانع للأسلحة في مصر. وقد كان حيث أسس مصنعا للأسلحة والمدافع عام 1827، وفي عام 1831، أسس محمد علي مصنع آخر للبنادق في الحوض المرصود ثم أتبعه بمصنع ثالث في ضواحي القاهرة. وكذلك التعليم والاقتصاد والصحة وغيرها فإنجازاته لا تخفى على أحد. وعلى الرغم من مآخذنا على محمد علي ووجهته السياسية إلا أنه كان رجلا فذا يمتلك الإرادة والوعي ولم يخذله الشعب المصري فكان الشعب على ذات الدرجة من الإرادة والطموح إلى التقدم والعزة فاكتملت السيمفونية وأضحت مصر في عهده واحدة من القوى الكبرى في العالم والتي يُحسب لها ألف حساب؛ وحينما قررت القوى الامبريالية الدولية، التي خشيت على نفوذها واستقرارها وأمن شعوبها من الطموح الجامح لهذا الزعيم العبقري، أقول أنه حينما أرادت هذه القوى تقليم أظفاره وتهذيب مخالبه فلم تفعل هذا إلا مجتمعة. حيث تكالبت ستة أساطيل هي أقوى الأساطيل البحرية في العالم آنذاك وفي الطليعة منها الأسطولين الإنجليزي والروسي حتى تمكنوا من إلحاق هزيمة قاسية بالأسطول المصري أمام سواحل اليونان في مطلع العقد الخامس من القرن التاسع عشر. وعلى الرغم من هذا فلم يتمكنوا من القضاء على القوة المصرية الفتية؛ غاية ما أمكنهم فعله هو تحجيم الدولة المصرية والحيلولة دون اتساع رقعتها لتتحول إلى إمبراطورية جبارة ترهبهم وتقُضّ مضاجعهم لقرون طويلة.
2- وفي المقابل مما فعله محمد علي لنتأمل سويا في عجالة أيضا ما فعله جمال عبد الناصر ورفاقه في المحروسة بعد أن دانت لهم من أقصاها إلى أقصاها ولم يكن لهم فيها منازع فماذا كانت إنجازاتهم؟ لقد احتلوا قصور الأمراء والباشاوات واستولوا على ممتلكاتهم، وطاردوا أميراتهم بُغية ضمهم إلى هذه الممتلكات، وعبثوا بالوطن بكل ما فيه؛ عبثوا بكرامة المواطن ومستقبله ووعيه بل إن جميلات السينما لم يفلتوا من هذا العبث الصبياني؛ ثم دخلوا فيما بينهم في صراع طاحن على ملكية الوطن. ومن المدهش أن يحدث هذا كله وسط هتافات وسائل الإعلام لإنجازات الزعيم ورفاقه وحديثها الدائم عن مهابة هذا الزعيم ومكانته بين زعماء العالم فهو القائد الملهم والرمز الشامخ ... . إلى أن أفاقت مصر وقد أسلَمَها "خالد الذكر" إلى براثن هزيمة نكراء قلما تعرف الجيوش لها مثيلا. ولا يفوتنا أن ننوه بالإنجاز الوحيد لهم ألا وهو التأسيس لمجمع صناعي كبير غير أنهم لم يمضوا فيه بنجاح يتناسب مع بدايته فلم يحسنوا إدارتهن كما لم يواصلوا تطوره كما كان ينبغي. وربما كان من المناسب هنا الإشارة إلى عدة أمور هي من أهم خصائص حكم الزعيم "خال الذكر":
أ‌- جثم عبد الناصر على أنفاس المصريين ستة عشر عاما لم تُجر فيها انتخابات رئاسية واحدة.
ب‌- من أهم سمات حكم الزعيم الدولة البوليسية التي جعلت الابن يتجسس على والده والأب على ابنه.
ت‌- القمع الوحشي وإهدار كرامة الإنسان المصري وزرع الخوف والانهزامية في أعماقه.
ث‌- ثمة صراع رهيب على الحكم وصولجان السلطة دار بين عبد الناصر ورفيقه عبد الحكيم عامر - الذي خلع عليه الزعيم لقب مارشال وهو لا يزال في مرحلة المراهقة ودون أن يخوض معركة عسكرية واحدة - كادت الدولة أن تضيع في مهب الريح نتيجة هذا الصراع؛ بل إن هذا الصراع كان عاملا رئيسا في نكسة 67.
ج‌- ركّز عبد الناصر جهوده كاملة في إزاحة رفاقه العسكر من الساحة حتى ينفرد بحكم مصر وحده؛ بعد أن تخلص من خصومه طبعا؛ وقد نجح في هذا إلى حد بعيد وفقا لما ذكره عبد اللطيف البغدادي وغيره من كبار قادة ما أسموها بالثورة في مذكراتهم الشخصية.
ح‌- وكنتيجة حتمية لهذا كله كانت نكسة 67 التي لا نزال نكابد آثارها حتى يومنا هذا.
وفي النهاية يحق لنا أن نتساءل: أليس هذا هو عين الشعب ونفس الإنسان وذات الجندي الذين عيّر بهم محمد علي وجه المحروسة ؟ بلى؛ ولكن ثمة فارقا واحدا إنه القائد.
ثالثا: مبارك ومهاتير محمد:
1- ابتُليت مصر بمبارك لثلاثة عقود عجاف؛ لن أُسهب في الحديث عما فعله مبارك بحاضر البلاد ومستقبلها وهو ما لم يحلم به ألد أعدائها فجميعنا شهود على مصائبه وجرائمه؛ إلا أنني سوف أسلط الضوء فقط على بعض ملامح حكمه وأهم نتائجه:
أ‌- تولى مبارك حكم مصر وخزانتها مدينة بما لم يتجاوز بضعة مليارات من الدولارات؛ في حين أنه ترك مصر غارقة في بحر لُجيّ من الديون التي بلغت تريليون وأربعمائة مليار جنيه خارجيا وداخليا. مع الأخذ في الاعتبار أن مصر لم تخُض أية حروب أو نزاعات إبّان عهده السعيد، كما أن أسياده الأمريكان كانوا قد أزاحوا عن كاهله 18 مليار دولار نظير مساهمته المباركة في تدمير العراق في آواخر القرن المنصرم؛ فأين، وكيف، ولماذا ؟؟؟؟!!!!!! ويتعلل أتباع مبارك وذيوله كثيرا بكثافة العنصر السكاني وإني لسائلهم في هذا: ماذا عن الصين والهند اللتين كانت مصر تتفوق عليهما من مختلف الأوجه قبل 50 عاما؟ ماذا عن اليابان التي تمتلك ربع أرضنا وليس لها خمس مواردنا الطبيعية ويفوقنا شعبها تعدادا ؟ ماذا عن إندونيسيا وتركيا وإيران ...الخ؟ ثم أن مبارك قد ولِي أمر مصر ولم يكن شعبها يتخطى الخمسين مليونا فماذا فعلتم بهم أنتم وزعيم عصابتكم؟
ب‌- قام مبارك بتحويل مصر إلى سجن كبير لأصحاب الرأي والفكر من مخالفيه سواء أكانوا علماء أم ساسة أم قادة عسكريين ...الخ وسقى الشعب المصري شتّى ألوان التعذيب والقمع والسحل والإذلال وامتهان الكرامة؛ حتى هجرها النابغون من أبنائها وأضحى الخروج منها أملا يراود السواد العظم من شبابها يُلقون بأنفسهم في عرض البحر سعيا للنجاة من الجحيم الذي أعده لهم مبارك فتحولت مصر على يديه إلى مقبرة للإنسانية ولما لا وقد افترش أبناؤها القبور أحياءً وأكل بعضهم من مخلفات علية القوم؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
ت‌- أثمرت جهود القائد المحنك مبارك وأركان حكمه يتقدمهم يوسف والي عن ما يقرب من 9 ملايين مصري مصابون بفيروسات فتاكة تلتهم أكبادهم نتيجة لاستخدام مبيدات بل وأغذية مُسرطَنة والتلوث الصحي الذي عمّ أرجاء البلاد من المأكل إلى المشرب إلى الملبس مرورا حتى بالهواء الذي نستنشقه. بالإضافة إلى ملايين المصابين بأمراض السكري والضغط والقلب والسرطانات؛ بل تعاظمت في عهده نسبة من يعانون من الأمراض النفسية والعقلية كنتيجة مباشرة لضغوط الحياة المادية والمعنوية الهائلة؛ ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ث‌- تقزّمت مصر في عهد مبارك حتى طمع فيها من ليس أهلا للطمع ونال منها الكبير والصغير ولم لا وقد أضحى زعيم مصر الكنانة ووليّ أمرها كنزا استراتيجيا للكيان الصهيوني الشيطاني؛ بل إن مصر قد تحولت في عهده إلى خنجر مسموم في ظهر أشقائنا الفلسطينيين المجاهدين الذين لا يزالون يذوقون الأمرّين على أيدي حلفائه الصهاينة
ج‌- تقلّصت موارد مصر وتضاءل إنتاجها في مختلف المجالات زراعيا، وصناعيا، وتجاريا إلى حد لم تبلغه قبل أن تُبتلى بمبارك فأصبحت مصر تستورد، بل تتسول غذاءها وملبسها من أعدائها ومن بين هذه السلع والمنتجات أشياءً كانت مصر في طليعة مصدّريها إلى شعوب العالم مثل القطن والقمح والفول ...الخ؛ فلم تعرف مصر معنى الاكتفاء الذاتي في أي منتج على مدى الحقبة المباركية لا أعادها الله.
هذا غيض من فيض سوف أكتفي به في هذا السياق؛ لأن جرائم وخيانات مبارك يصعُب حصرها تماما كما يصعب تصورها.
2- مهاتير محمد أو محاضر محمد:
تولّى مهاتير محمد الحكم في ماليزيا سنة 1981 أي بالتزامن مع مبارك تقريبا ثم اعتزل العمل السياسي في 2003 أي أن مدة بقائه على سدة الحكم أقل من مبارك بعقد كامل فما الذي فعله الرجل ببلاده؟ فيما يلي إشارات موجزة عن جهوده وإنجازاته:
أ‌- كان لمهاتير محمد دور رئيس في هذا التطور المذهل الذي شهدته ماليزيا، إذ تحولت في عهده من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعي الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من إجمالي الصادرات، وتنتج 80% من السيارات التي تسير في الشوارع الماليزية.
ب‌- كانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور أن انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52% من إجمالي السكان في عام 1970، أي أكثر من نصفهم، إلى 5% فقط في عام 2002، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا في عام 1970 إلى 8862 دولارا في عام 2002، أي أن دخل المواطن زاد لأكثر من سبعة أمثال ما كان عليه منذ ثلاثين عاما، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3%
ت‌- تمكن مهاتير محمد من إدخال تعديلات دستورية ساهمت بدرجة كبيرة في تخفيف حدة القبضة الملكية التي كانت ضروراتها تشد البلاد إلى الخلف. فبين عامي 1983 و 1991، استطاع أن يمرر بعض التغييرات الدستورية الرئيسة التي تنزع حق الفيتو الملكي والحصانة السيادية ضد المقاضاة للأسرة المالكة. قبل هذا التعديل، كانت الموافقة الملكية على القوانين مطلوبة من أجل تمرير أي من مشروعات القوانين؛ إلا أنه بعد هذا التعديل، أصبحت موافقة البرلمان تعادل الموافقة الملكية بعد فترة 30 يوم، دون انتظار رأي الملك.
ث‌- وفيما يتعلق باهتمامه بقضايا أمته الإسلامية فلم يتوان الرجل عن تقديم كل دعم ممكن حتى وإن كلّفه ذلك كثير من العناء. وعلى سبيل المثال فقد أثارت تصريحاته ضد اليهود وتحديدا إسرائيل في 2004 جدلا واسعا؛ حينما أعلن، من بين ما أعلن، أمام عدد من قادة دول أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي - منظمة التعاون الإسلامي الآن - بأن اليهود هم أساس المشكلة وسببها الوحيد فنحن المسلمون متسامحون إلى أقصى حد. وبعد هذه الجلسة وصف الرجل بالبطل صاحب الشخصية القوية.
ج‌- حاول مهاتير محمد ترك منصبه قبل أن يغادره فعلا بعدة سنوات؛ إلا انه كان يرضخ في النهاية إلى نداءات شعبه باستكمال المسيرة من اجل بناء ماليزيا القوية المتقدمة؛ وحينما أيقن الرجل أنه قد أدى رسالته ووضع بلاده بين الدول المتقدمة أصر على الاستقالة واعتزال العمل السياسي. ومما يُذكر أنه كان خلال فترة حكمه من أكثر القادة تأثيراً في آسيا، كما يعتبر من أكثر المعارضين للعولمة.
لن أُطيل أكثر من هذا فهذه ليست بالمعلومات الجديدة أو الخفية على أحد؛ إنما أردت فقط استحضار بعض الملامح الرئيسة للفترة التي حكم فيها الرجل بلاده؛ كما أنني سوف أترك للقارئ الكريم المقارنة بينه وبين جنرال مصر الذي جعل بلاده في ذيل الأمم. فقط أُضيف أن ماليزيا كانت قبل مهاتير محمد تتخلف عن مصر أميالا وأميال !!!!!!!!!!!!
ألم أقل لكم أننا أمة طيِّعة في أيدي حكامها ؟. لقد كانت أمتنا دوما تمتلك فرص التقدم فلم نعاني قبل اليوم من نزاعات أو حروب طائفية طاحنة، لم تكن شعوبنا يوما تميل إلى العنف بطبعها، لم تعاني أمتنا قبل عصرنا هذا من التفكك الأسري والمجتمعي.
ألم أقل لكم أن مصائبنا في حكامنا؟ لم تفصل بين هزيمة المستعصم النكراء وبين ملحمة سيف الدين قطز في عين جالوت أكثر من عامين كما أنهم هم العرب الذين انتصروا هنا وهُزموا هناك. وقد وَلِي محمد علي حكم مصر حينما لم تكن مصر شيئا يُذكر فحولها إلى ما رأينا وما زلنا نقرأ عنه على صفحات التاريخ كما لو كان حلما مر بنا ليلا دون أن يسكن أرضنا؛ بينما اغتصب عبد الناصر السلطة في وقت كان لمصر فيه اقتصادها، يكفي أن نعلم أن عبد الناصر ورث الجنيه المصري الذي كان يعادل أربعة دولارات أمريكية وكانت بورصة القطن المصرية لها شأنها عالميا. لا ندعي بأن الأحوال في مصر إبان العهد الملكي كانت في أوج قمتها، غاية الأمر أنها كانت أفضل من تلك التي صادفت أو صدمت محمد علي في مستهل حكمه؛ فتأمل ما صارت إليه بلادنا مع كل من الرجلين. أما عن المقارنة بين ما فعله مبارك في مصر على مدى 30 عاما، وما أنجزه مهاتير محمد لبلاده في 20 عاما فلا داعي لها من الأساس.
* كلية اللغات والترجمة - جامعة الأزهر
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.